تشرح الحلقة التاسعة والعشرين وقبل الأخيرة من برنامج قصة الأندلس الفكرة المركزية التي تقوم عليها الحضارات المختلفة، وسنتعرف خلال هذه الحلقة على الفارق بين الفكرة المركزية للحضارة الغربية، وبين الفكرة المركزية لحضارة الإسلام التي قامت في الأندلس..
-------------------------
الفكرة المركزية للحضارة
تبدأ أي حضارة بفكرة مركزية، ومن هذه الفكرة نبنى الحضارة، وهذا ينطبق على الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية حيث تعتمد كل العلوم والاكتشافات على تلك الفكرة. فالفكرة المركزية في الحضارة الغربية هى كلمة واحدة: المادية، أى كل ما هو مادى ملموس، ومن هنا بنيت الحضارة الغربية فكرتها على المادية في كافة المجالات الاقتصاد والطب السياسة، فمثلًا فيالاقتصاد تظهر نظرية كنز أى كل من لديه المال يسيطر، وفي السياسة تعتمد على البقاء للأقوى، وفي التحليل النفسي؛ يقول فرويد أن الإنسان مادة ولا ينظر للجانب الروحى، والنظرية الاجتماعية تقول أنك في جسدك، فلا يوجد حرام أو حلال. وهنا نجد كل هذه الأفكار في المجالات المختلفة مرتبطة بالمادية وهى تعنى أنك أنت السيد القاهر ملك الكون وهم منسجمين مع تلك الفكرة.
ما هى الفكرة المركزية بالنسبة للمسلمين؟
قد خلقنا الله من مادة وروح نعمر الأرض كي ندخل الجنة، و الآن في عامنا هذا 2013 لا توجد علوم متفقة مع الفكرة المركزية لدينا، فنضطر لأن نمد خطوط تواصل مع الفكرة الغربية حتى أصبحنا نعيش في ظلها ولهذا عندما نريد أن نقيم نهضة فلابد أن تتفق علومنا مع فكرتنا المركزية ولهذا سنجد أنفسنا مقلدين للغرب، فلا يمكن بل مستحيل أن نبني نهضة وهى غير متسقة مع فكرتنا المركزية وإلا سنجد أنفسنا مقلدين للغرب وعلومنا ستظهر غير متفقة مع نفسيتنا وطريقة تفكيرنا ونظل تابعين لحضارة أخرى وينتج عنها تخبط.
قدمت الأندلس حلًا لتلك المشكلة، فنحن كمسلمين فكرتنا المركزية هى مادة وروح؛ نعمر الأرض فندخل الجنة، وهذا نطبقه على الأندلس كالآتى: عندما مات منصور بن أبي عامر وجاء ابنه عبد الملك بن منصور بن أبي عامر وكان والده مات فجأة وبسرعة ذهب للخليفة وأخذ منه مرسوم بأنه سيخلف والده ويكون الحاجب وسمى نفسه المظفر وعاش سبع سنين فقط فقد حكم بعد موت أبيه 392 هجريًا وتوفى عبد الملك عام 399 هجريًا.
نهضة العلوم
وقد كان هذا الرجل سببًا في النهضة فقد قام بجمع العلماء في الأندلس وقال لهم سأنفق عليكم وأخصص لكم أماكن للبحث العلمي في المساجد حيث كانت المساجد جامعات ومدارس ومعاهد للعلم وذلك لتأتوا بكل القواعد العلمية من الإسلام وتبنوا عليها علوم بحيث تكون مرتبطة باحتياجتنا كمسلمين وإليكم الأمثلة:
1. كان يعيش في عصره عالم رياضيات اسمه المجريطي - نسبة إلى مجريط وهي مدريد الآن – قال أن الفكرة المركزية في الإسلام هي حقوق الغلابة وإعمار الأرض وهي مرتبطة بحسابات الزكاة، فأرسله المظفر إلى بعثة لدراسة الرياضيات إلي بغداد، فتعلم الرياضيات واللغة اللاتينية لمتابعة أحدث ما وصل إليه علم الرياضيات وعاد باختراع جديد ألا وهو الأرقام العربية والصفر، هذا اختراع لم يكن موجودًا وكان الرومان يكتبون الأرقام كالآتى: فمثلًا 988 كان كل 10 يرمز لها ب X إذن نكتب X عشر مرات ورمز8 يرمر له d v ولهذا كان الرقم كبير. ولكن باختراع الصفر تغيرت الأمور وفي العصر الحديث الكمبيوتر يعتمد على رقم 1 وصفر فبدون الصفر كان لا يمكن اختراع الكمبيوتر وأيضًا علوم الطائرات والسيارات. كان كل هذا بفضل فكرة مركزية وهي حسابات الزكاة مما أدى لتطوير علم الرياضيات مما أدى لنقلة كبيرة في أوروبا بسبب الأرقام العربية والتي كان اصلها من الهند.
2. الوقت مهم جدًا في ديننا وقد أقسم الله تعالى في القرآن بالمواقيت والأوقات في مواضع كثيرة، فنحن لنا مواقيت للصلاة والحج ورؤية الهلال المرتبطة برمضان، بل وأقسم الله بحركة القمر والنجوم في القرآن، كل هذا في فكرتنا المركزية أننا منسجمين مع الكون فظهر علم الفلك، وظهر عالم اسمه طليطلى وقد اخترع الاسترلاب وهو كمبيوتر القرون الوسطى، وكان يستخدم في حساب بٌعد النجوم والكواكب وكان يستخدم مثل الكمبيوتر فكان يحسب الُبعد والمسافات.
3. يوجد أيضًا في القرآن فكرة تعمير الأرض والتي يجب معرفتها كى نحقق فكرة إعمارها. وهنا نحتاج علم الجغرافيا الذي تطور على يد الإدريسى واسمه الشريف الإدريسى لأنه من سلالة على بن أبي طالب وبيت النبوة، وقام برسم أول خريطة متكاملة للكرة الأرضية، ولهذا دعاه ملك صقلية روجر الثانى وأعطاه فضة كي يقوم بعمل الكرة الأرضية وهذا يثبت أن المسلمين أول من أثبت أن الأرض كروية وليس جاليليو والصورة لهذه الكرة موجودة ومرسوم عليها التضاريس وهى تشبه الكرة الأرضية التي نراها في المدارس.
4. ابن جلجل قرأ حديث النبي صلي الله عليه وسلم: "ما جعل الله داء إلا جعل له دواء" ولكن هناك أمراض ليس لها دواء، فذهب إلي المظفر وطلب منه 10 بالمئة من ميزانية الدولة للبحث العلمي وهذا في حد ذاته اختراع فلم يكن في تاريخ الدول فكرة جزء من الميزانية للبحث العلمي، وهنا نتسائل ما هي ميزانية البحث العلمي في بلادنا العربية كمصر والمغرب؟
5. يحكي لنا ثلث القرآن عن صعود وهبوط الأمم، وهنا يظهر ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع ويكتب مقدمة ابن خلدون ويذهب للأندلس ومصر. وهذا يدلل علي أن الإسلام شجع العلم وهذا متفق مع فكرتنا المركزية كما نرى في الأمثلة السابقة وهذه رسالة للشباب كي يحبوا العلم فيكون كالماء والهواء.
6. من أجل إعمار الأرض لابد من الحفاظ على الجسد وصحته وهنا نتحدث عن من وهب عمره للطب وهو الزهراوى الأندلسى وأصبح أستاذ الجراحة في القرون الوسطى اسمه أبو القاسم الزهراوى وفيما يلي نسرد إنجازاته:
· أول من ألف كتاب في علم الجراحة (كتاب القانون) وهو موجود بنفس الاسم في انجلترا.
· أول من كتب في علم التشريح.
· أول من قام بعملية تفتيت الحصوة في المثانة.
· أول من قام بعملية شق القصبة الهوائية.
· أول من ألف كتاب في التهاب المفاصل.
· أول من اخترع أدوات الجراحة الحديثة (كالمشرط والمقص الجراحى وصفها ورسمها فى كتابه).
· أول من قام بربط الأوعية الدموية بعد الجراحة.
· أول من اخترع الحقنة الشرجية.
· أول من استخدم أمعاء القطط في خياطة الجراحة، والتي تستخدم حتى الآن.
· أول من بعملية الولادة القيصرية.
· اخترع آلة لسحب الجنين من بطن الأم في الولادة، وقد استخدموها في أوروبا ولم ينجحوا فى استخدامها فماتت الأجنة.
· أول من وضع الدواء في قالب (كبسولة).
· أول من تحدث وشخص مرض السرطان.
هذه رسالة للشباب كي يبنوا النهضة التي تقوم على جيل يتعلم. فهي لن تقوم بالأوهام أو الدعاء والتدين فقط، يجب أن نهتم بالعلم والعمل لكى نصل لأفكار متفقة مع إيمانا وفهما لإسلامنا.
قام بتحريرها: قافلة تفريغ الصوتيات – دار الترجمة
Amrkhaled.net© جميع حقوق النشر محفوظة
يمكن نشر ونسخ هذه المقالة بلا أي قيود إذا كانت للاستخدام الشخصي وطالما تم ذكر المصدر الأصلي لها أما في حالة أي أغراض أخري فيجب أن يتم الحصول على موافقة كتابية مسبقة من إدارة الموقع
management@daraltarjama.com