يحكي الدكتور عمرو خالد في الحلقة الرابعة والعشرين عن قصة التعايش في حضارة الأندلس بداية من عبد العزيز ابن القائد موسى بن نصير الذي وضع أسس التعايش منذ أول يوم في الأندلس، وعندما اختفى التعايش، سقطت الأندلس.
--------------------------
24
مراجعة الأحداث بدءً من موسى بن نصير
دعونا نستعرض تاريخ الأندلس منذ البداية، من الفتح، من موسى بن نصير الذي أخذ السفينة متجهاً إلى الأندلس إذ يرى في منامه رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلًا: "أوصيك يا موسى" قال: "لبيك يا رسول الله" قال: "أوصيك يا موسى" قال: "لبيك يا رسول الله" قال: "أوصيك يا موسى" قال: "لبيك يا رسول الله" قال: "أوصيك بالرفق بغير المسلمين في الأرض التي ستدخلوها". فما كان من موسى بن نصير إلا أن نشر تلك الرؤيا على متسع بين أفراد الجيش لقوة إحساسه بها، وأخبر بها طارق بن زياد حتى توارثتها الأجيال لتصل إلينا لنعلم أن وصية رسول الله في فتح الأندلس كانت (التعايش).
ولكن ما معنى التعايش؟ التعايش في معناه البسيط هو أن نعيش سويًا. والتعايش هو ثلاثة نقاط: · أن نحترم الآخر · وأن نسمع للآخر · وأن نتعاون مع الآخر
تاريخ الأندلس يعلمنا تاريخ التعايش لنبدأ بابن موسى بن نصير وهو عبد العزيز بن موسى بن نصير والذي قام بعمل وثيقة تصالح عليها أهل تضمر وكل أهل قرطبة، وسافر بها من بلد إلى بلد ينشرها بين الناس. جاء في هذه الوثيقة: لكم ذمة الله ورسوله، ولكم عهد الله ورسوله، ولكم ميثاق الله ورسوله، لا تحرق كنائسهم، ويؤمنون على أولادهم ونسائهم، ويؤمنون على أراضيهم ومزارعهم، ولهم منّا الأمان بعهد وذمة الله ورسوله.
ليس هذا فقط، بل كان هو أول من تزوج بغير مسلمة وقد فعل ذلك عن عمد إذ تزوج بأرملة لوزريك قائد القوت الذي حارب المسلمين، وكانت نيته في ذلك أن يرسل رسالة لجميع المسلمين بالأندلس بأنه إذا ما أردنا الاستقرار فعلينا أن نتعايش وقد أحل لنا ذلك الإسلام. وقد دعم ذلك الفكر المشايخ والعلماء بفتاواهم للمحافظة على فكرة التعايش. فظهر جيل أسموه جيل المولّدين؛ وهم الجيل الناتج عن تزاوج العرب والبربر من الإسبانيات، وحتى اليوم نجد مسحة الشكل العربي ظاهرة بين الإسبان بسبب مرحلة التزاوج الواسعة تلك التى أنتجت من إسبانيات غير مسلمات جيلًا مسلماً.
عبد الرحمن الداخل
ذلك الرجل لاحظ أن الناس جميعًا متصارعون مع بعضهم البعض، فكان أول من يعرض فكرة المصالحة الوطنية، وكان ذلك قبل نلسون مانديلا وكل الإصلاحيين الجدد. كان الرجل يمتلك من الشجاعة والقوة والإرادة السياسية ما حمله على أن يبدأ بنفسه فذهب لمن عادوه بنفسه بادءًا بالصلح وتحالف معهم فنتج عن ذلك انسجام مجتمعي.
لم يكتفي بذلك، بل اتجه إلى الجيش المكون من مائة ألف فارس، لم يجعلهم جميعاً من العرب، بل ضم إليهم المولّدين (أو الجيل الثاني من تزاوج العرب والبربر من الإسبان) كما ضم البربر والمسيحيين إليهم.
وحين هم ذلك الرجل ببناء مسجد قرطبة العظيم، وكان جزء من ذلك المسجد في أصله كنيسة، أصر على شراء تلك الكنيسة بدلًا من أخذها بغير وجه حق لامتلاكه السلطان والقوة، فذهب إلى القساوسة وعرض عليهم مبلغًا في مقابل أن يأخذ الكنيسة فرفضوا، فأخذ يرفع السعر وهم على الرفض حتى رفعه عشرة أضعاف فقبلوا، وبنوا بالمال كنيسة أكبر، وضم بذلك أرض الكنيسة إلى المسجد الذي هدف به أن يتوسط البلد لتيسير الصلاة على المسلمين.
كما بدأ فكرة المشروع المشترك، وذلك أنه لو اجتمع اثنان من تيارات مختلفة كعربي وبربري أو عربي ومسيحي أو مسيحي وبربري، متحدان لعمل مشروع تجاري أو معمل أو مصنع أو خلافه، كانت الأرض التي يعملون عليها منحة مجانية لهم.
عبد الرحمن الناصر
كان من أشجع من فكر في أفكار للتعايش هو عبد الرحمن الناصر، فقد لاحظ أن كل من له منصب في الدولة هو عربي، أي من وجهة نظر الدولة هو ثقة، فأخذ يستوثق من أن كل منهم هو الأكفأ في مجاله، فإن علم بمن هو أكفأ وأكثر خبرة ولو من البربر أو المسيحيين عزل العربي وعين الأكفأ وبذلك ظل حكمة خمسون عاماً وهو الأطول في تاريخ الأندلس، وكان السبب المباشر في ذلك هو تعليته لأهل الخبرة فوق أهل الثقة فأحبه الجميع وبذلك حفظ بلده وملكه.
موسى بن ميمون
من أشهر الأطباء اليهود من أهل الأندلس، وهو رجل تعامل معه الخلفاء والحكام كفيلسوف وطبيب وهو موسى بن ميمون. فهو رجل يهودي وبرغم من ذلك لم يحرم حقاً له، وانتشرت كتبه واستعان به صلاح الدين كطبيب خاص له أثناء حروبه ضد الصليبين المسيحين، فترك الأندلس والتحق به. هكذا كان التعايش عند المسلمين.
طليطلة
تلك المدينة العظيمة، مدينة التعايش والتي تعرف بالإسبانية باسم توليدو. لو تساءل أحدنا عن مدينة يطلق عليها اسم مدينة التعايش وبحث هل في سويسرا أم أمريكا أم الصين أم بلاد العرب لما وجد شيئاً بهذا الاسم، ولكن ما يمكننا أن نقطع به أن طليطلة – المدينة التي شيدها المسلمون – كانت مدينة التعايش، فقد صممت للتعايش فنرى البيوت في تلك الحارات هي نفس تلك البيوت التي كان يسكنها المسلمون قديما ومازالت كما هي يسكنها الإسبان حاليا.
والتعايش ليس كلاماً بل مشروعات، فمثلاً بدأوا في طليطلة حركة الترجمة من العربية إلى اللاتينية وإلى كل اللغات الأخرى، وكانت الترجمات تتم في مكان خاص عرف بدار الترجمة اشتغل به كل من المسيحيين والمسلميين واليهود على السواء، فتُرجمت كتب من العربية للاتينية ومن اللاتينية إلى العربية ومن الإغريقية إلى العربية ومنها إلى اللاتينية وهكذا بسبب تلك الحركة القوية من الترجمات أضاءت أوروبا بالعلوم. عملوا أصحاب الديانات الثلاثة جنباً إلى جنب لاتقانهم للغات مختلفة وقدموا ما يعرف الآن في العالم بفكرة الـ(Team work) أو العمل الجماعي.
كما شهدت هذه المدينة ساحات لمباريات الشطرنج والتي تنافس فيها المسلمين والمسيحيين سويًا. فإنه لمن العجب أن نجد تلك الأفكار القديمة من القرن الثالث أو الرابع هي التي تعلمنا عن التعايش بينما نحن اليوم نعجز عن التفكير في أمور تجمعنا بل أن أقصى ما نقدمه حين ظهور أي فتنة طائفية أن نصيح بأننا متحابيين ليس بيننا مشكلات. علينا أن نتعلم من القدماء أن نعمل على الوقاية قبل العلاج.
اشتهرت طليطلة بصناعة السيوف ولم تقتصر تلك الصناعة على المسلمين بل اشترك في ورش التصنيع كل من البربر والمسيحين وخاصة أهل الشام لاشتهارهم بالسيوف. كانوا يصنعون مقابض السيوف من قرون الجاموس الذي يُربّى في مزارع أصحابها مسلمين ومسيحين على السواء، حمل ذلك الناس على الحفاظ على العلاقات سليمة ودرء أي فتن تنشب حفاظاً على أقواتهم.
هناك أحد المساجد في إحدى الحارات، عليه كتابات تشرح كيف افتُتح. وقد كتب "عليه بسم الله الرحمن الرحيم {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} (النور:36)" بعد هذا المسجد بقليل، نجد كنيسة وبعدها معبد يهودي وقد اجتمعت دور العبادة الثلاث في نفس المكان، وقد عاش الناس كل في حيَه يعبد ربه بحسب تقاليده وعاداته سواء في العبادة أو المأكل والمشرب والجميع يحترم بعضه البعض وكل ذلك تحت مظلة الإسلام. ومن العجيب أن نلحظ أن الكنيسة قد بنيت على الطراز الإسلامي بنفس القوس والعروض التي اشتهر بها الطراز الإسلامي. فهناك المباني كلها كما تركها المسلمون والشوارع ما تزال ضيقة تجمع الناس وتقربهم.
ختام
ترى هل من الممكن أن نقيم في بلادنا مدينة تصبح مدينة التعايش؟ نحتاج إلى أن نتعلم التعايش حتى بين أبناء الدين الواحد، لعلنا يوما نستطيع أن نقلد نموذج طليطلة الرائع.
قام بتحريرها: قافلة تفريغ الصوتيات – دار الترجمة
Amrkhaled.net© جميع حقوق النشر محفوظة
يمكن نشر ونسخ هذه المقالة بلا أي قيود إذا كانت للاستخدام الشخصي وطالما تم ذكر المصدر الأصلي لها أما في حالة أي أغراض أخري فيجب أن يتم الحصول على موافقة كتابية مسبقة من إدارة الموقع
management@daraltarjama.com
-------------------
The Story of Andalusia
by Dr. Amr Khaled
Ep 24
As Musa Ibn-Annusair set off with his ship towards Andalusia, he saw Prophet Muhammad (SAWS1) in his dream. The Prophet told him to be merciful with non-Muslims in the land they will enter. Feeling the importance of his dream, Ibn-Annusair told the members of his army about it. So, it was carried through generations until it reached us for us to learn the importance of coexistence.
Coexistence, in simple terms, is to be able to live together. It is divided into three points:
1. To respect the other
2. To listen to the other.
3. To cooperate with each other.
Indeed, when Ibn-Annusair entered Andalusia, he was the reason for the spread of coexistence in Andalusia to this day. Among the things hemade was a reconciliation convention to secure peace for and prevent churches from being burnt down.
Rulers of Andalusia followed in his footsteps. These included Abdul-Rahman Al-Dakhel who was the first to introduce the idea of national reconciliation before Nelson Mandela and all the other new reformists. Among the things he did was starting a joint project –if two people from two different currents (e.g. an Arab and a Moorish; a Christian and a Moorish) joined hands to start a business, they would be given a land for nothing in return to use it for their project.
Later, Abdul-Rahman Al-Nasser similarly applied coexistence in Andalusia. Noticing that all government posts were occupied by Arabs for reasons that have to do with trust, he started to look for those who qualify, instead. When he would find someone who is more qualified (even a Moorish or a Christian), he would replace the Arab with him. As a result of giving the upper hand to experience over trust, Al-Nasser became loved by everyone and his rule lasted for fifty years which happens to be the longest reign in the history of Andalusia.
Coexistence spread even more with the Muslims’ foundation of the city which is now known as Toledo. Coexistence in Toledo was, and continues to be, materialized in the lifestyle of its people. On the one hand, one finds a mosque, a church and a synagogue in a single alley as people lived together, each worshipping God in their own way. Even some churches were designed in the Islamic way of architecture. On the other hand, Muslims, Christians and Jews all worked in translating texts from Arabic to Latin, from Latin to Arabic, from Greek to Arabic and from Arabic to Latin, thus presenting what is known, in modern terms, as ‘Team Work.’ On the level of
entertainment, the city witnessed chess tournaments in which Muslims and Christians competed alike.
The question that poses itself is –it possible to have a similar city of coexistence in our home? Or do we need to learn how to coexist even among those who embrace the same religion so that perhaps, one day, we would apply the wonderful example of Toledo?
Translated by: The English Convoy – Dar al-Tarjama
AmrKhaled.net © جميع حقوق النشر محفوظة
This Article may be published and duplicated freely for private purposes, as long as the original source is mentioned. For all other purposes you need to obtain the prior written approval of the website administration. For info: management@daraltarjama.com
__________________________________________________ ________________________
1Salla Allah alayhe Wa Salam [All Prayers and Blessings of Allah be upon him].