أيهم اخطر أنواع القيادات السيئة ؟..
هل هي القيادة السيئة في أهدافها أم في قيمها أم في ضعف كفاءتها ؟
وكم دفعت امتنا من ثمن التفكك والتراجع والسقوط بسبب فقدان القوي الأمين وقراراته الراشدة؟
وما هو مقياس عمر في اختيار ولاته ؟
وماذا فعل شنجول في الأندلس بعد المنصور بن أبي عامر؟
المقدمة
ما نود الحديث عنه اليوم هو حجم التأثير السلبي لاختيار الحاكم السيئ لإدارة شئون الرعية، وعندما نتحدث عن الحاكم السيئ فليس مرجع ذلك لسوء طويته أو خبث نفسه بل قد يكون على صلاح في نفسه ورغبة صادقة في خدمة الناس لكنه لا يملك مؤهلات ومهارات الحكم الرشيد .
فالقادة السيئين أنواع :
قيادة أهدافها سيئة
قيادة قيمها سيئة .
كفاءة ضعيفة.
وكانت قاعدة (القوي الأمين) هي التي يستند لها رسول الله صلى الله عليه وسلم في اختيار عماله وولاته كما في مقولة ابنة الشيخ الكبير صاحب مَدْيّن لِمُوسَى عليه السَّلام: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}[القصص26].
فكان يستعمل خالد بن الوليد على الحرب، منذ أسلم، وقال: "إنَّ خالدًا سيفٌ سلَّهُ الله على المشركين"
وكان أبو ذر رضي الله عنه، أصلح منه في الأمانة والصدق، فقد قال صلى الله عليه وسلم : «مَا أَظَلَّتْ الْخَضْرَاءُ وَلا أَقَلَّتْ الْغَبْرَاءُ أَصْدَقَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ» لكنَّ أبا ذر لم يستكمل شرطي الولاية فمعه شرطٌ واحدٌ وهو الأمانة، ومع خالد شرْطَانِ: الأمانة والكفاءة في الحرب؛
وإن كانت أمانة خالد أقل من أمانة أبي ذر، إلا إنه أكفأ منه ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : «يَا أَبَا ذَرٍّ إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي لا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ وَلا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ».
البداية:
أخطر انقلاب حصل في الحكم واختيار الحاكم في الدولة الإسلامية، ففي أواخر العقد الخامس، قام معاوية بن أبي سفيان بتمهيد الأمر لابنه يزيد ليكون هو الخليفة من بعده، وتم له ذلك إلا أن كبار الصحابة ممن رأوا في هذا انقلاب على حق الأمة في اختيار الحاكم الأصلح والأفضل لم يرتضوا هذا من معاوية فاعترضوا عليه وقاموا على حكم ابنه، كسيدنا الحسين وابن وغيرهم.
وقد كان مبدأ اختيار الأمة للحاكم بإعمال مبدأ الشورى مبدأ أصيلا في الأمة، لذالك جاء عندما قرر معاوية بن أبي سفيان أخذ البيعة لابنه يزيد بحد السيف، كتب إلى مروان عامله على المدينة كتاب البيعة وأمره أن يقرأه على المسلمين في المسجد، وفعل مروان ولم يكد يفرغ من القراءة حتى نهض عبد الرحمن بم أبي بكر محتجًّا قائلاً: "والله ما الخيار أردتم لأمة محمد، ولكنكم تريدون أن تجعلوها هرقِليّة، كلما مات هِرقْل قام هِرَقْل".
ومما يؤكد ذلك أيضاً خروج الحسين رضي الله عنه فقد كان عالماً بأن حركته لم تعد معه وصارت سيوفها مع بني أمية، إلا أنه أراد إثبات مبدأ حق الأمة في اختيار الحاكم وترسيخه ولو بدمه ودم أهله.
وسنتناول في هذه الحلقة ثلاث أمثلة لسوء الاختيار الأول من الشرق والثاني من الغرب والثالث من العصر الحديث
من الشرق : أبناء صلاح الدين الأيوبي وأهله:
من الأخطاء التي وقع بها صلاح الدين الأيوبي رغم فضله وجهاده أنه قسم الحكم من بعده على أبنائه وأهله وجعل كلاً على قطر من أقطار المسلمين مما دفع بهم إلى التنازع على الملك والحكم.
فجعل إمارة دمشق لابنه الأفضل نور الدين علي، وهو أكبر أولاده، وأوصى له بالسلطنة، وجعل الديار المصرية لولده العزيز عثمان، وإمارة حلب لولده الظاهر غازي غياث الدين، وترك الكرك والشوبك وبلاد جعبر لأخيه العادل، وحماة لابن أخيه محمد بن تقي الدين عمر، وحمص والرحبة وغيرها لحفيد عمه شيركوه، أسد الدين شيركوه بن ناصر، واليمن بمعاقله ومخاليفه في قبضة السلطان ظهير الدين سيف الإسلام طغتكين بن أيوب أخي صلاح الدين.
وبدأ النزاع بين الأبناء "الظاهر والعزيز والأفضل" واستمر في أبنائهم من بعدهم، إلى أن سقطت القدس بيد الفرنجة بعد أربعين سنة من استعادتها من قبل صلاح الدين.
فقد استطاع الإمبراطور الروماني وملك صقلية (فردريك الثاني) من انتزاع بيت المقدس من الأيوبيين في صلح يافا عام 626هـ (1229م) مع الملك الكامل.
حيث خشي السلطان الكامل على ملكه في مصر من الصليبيين، فاتصل بالصليبيين ليفاوضهم و عرض عليهم أن يتنازل عن بيت المقدس مقابل أن يخرجوا من دمياط التي كان الصليبيون قد سيطروا عليها في حملتهم الصليبية الأخيرة.
ظل السلطان الكامل على خوفه من الصليبيين، و ظل يلوح لهم برغبته في الصلح و السلام و ظل يلح عليهم أن يأخذوا القدس مقابل أن يتركوه آمناً مطمئناً، و في النهاية قبل فريدريك الثاني قائد الحملة الصليبية السادسة علي مصر عرض السلطان الكامل و تسلم منه القدس مقابل عدم شن هجمات صليبية جديدة علي مصر.
ثم قيض الله لهذا الأمر نجم الدين أيوب، ففي عام 640هـ (1243م) استعاد الملك الصالح نجم الدين أيوب بيت المقدس، وأعاده إلى حوزة المسلمين.
من الغرب : شنجول
ظلَّ الحاجب المنصور بن أبي عامر في ظل الخلافة الأموية يحكم الأندلس ابتداءً من سنة 366هـ وحتى وفاته –رحمه الله- سنة 392هـ وقد استخلف على الحجابة من بعده ابنه عبد الملك بن المنصور، فتولَّى الحجابة وحتى وفاته سنة 399هـ بعد سبع سنوات متصلة، سار فيها على نهج أبيه في تولِّي حُكم البلاد، فكان يُجاهد في بلاد النصارى كل عام مرَّة أو مرَّتين، كل هذا وهو -أيضًا- تحت غطاء الخلافة الأموية.
وعند بداية ولاية عبد الملك بن المنصور كان الخليفة هشام بن الحكم (هشام المؤيد) قد بلغ من العمر ثمانية وثلاثين عامًا، ومع ذلك فلم يطلب الحُكم، ولم يحاول قط أن يُعمل نفوذه وسلطانه في بلاد الأندلس، فكان قد تعوَّد على حياة الدعة واستماع الأوامر من الحاجب المنصور ومن تلاه من أولاده.
وبعد وفاة الحاجب المظفر، فتولَّى أمر الحجابة من بعده أخوه عبد الرحمن بن المنصور المشهور بعبد الرحمن شنجول حيث كان أولاد بني عامر يتملَّكُون زمام الأمور في البلاد، وأخذ -أيضًا- يُدير الأمور من وراء الستار، لكنه كان مختلفًا عن أبيه وأخيه، ، فقد كان عبد الرحمن بن المنصور شابًّا ماجنًا فاسقًا، شَرَّابًا للخمر، فعَّالاً للزنا، كثير المنكرات، فكرهه الناس في الأندلس.
وعندما تولى الحكم كان فتى في الخامسة والعشرين من عمره، وكان شاباً مغروراً مستهتراً سيىء السلوك ينفق المال في غير موضعه الصحيح ويقضي معظم وقته في الشراب واللهو والمجون في صحبة الغواني وأســافل الصّحاب يخرج مجاهراً بالفسق والمجون.
وفوق ذلك فقد قام عبد الرحمن بن المنصور بعمل لم يُعهد من قَبْلُ عند العامريين، وهو أنه أجبر الخليفة هشام المؤيد في أن يجعله وليًّا للعهد من بعده، وبذلك لن يُصبح الأمر من خَلْفِ ستار الخلافة الأموية كما كان العهد حال تولِّي والده محمد بن أبي عامر، أو أخيه عبد الملك بن المنصور، فكان أن ضجَّ بنو أمية لهذا الأمر، وغضبوا وغضب الناس أجمعون، لكن لم تكن لهم قدرة على القيام بأي ردِّ فعل؛ خاصة وأن عبد الرحمن بن المنصور قد جعل جميع الولايات في أيدي العامريين وفي يد القادمين من المغرب، الذين هم أتباع العامريين منذ أيام الحاجب المنصور.
ومع كل هذا الفسق وهذا المجون الذي كان يعيشه عبد الرحمن بن المنصور إلاَّ أن الشعب كان قد تعوَّد حياة الجهاد، والخروج كل عام إلى بلاد النصارى، فلمَّا خرج شنجول على رأس جيش من الجيوش إلى الشمال، انتهز الناس الفرصة وأرادوا أن يُغَيِّرُوا من الأمر، فذهبوا إلى هشام المؤيد في قصره وخلعوه بالقوَّة، وعَيَّنُوا مكانه رجلاً من بني أمية اسمه محمد بن هشام بن عبد الجبار بن عبد الرحمن الناصر (من أحفاد عبد الرحمن الناصر)
وزادت كراهية الناس بعد اغتصاب عبد الرحمن شنجول ولاية العهد من بني أمية وأجج من مشاعر الكراهية لبني عامر واصبح الطريق ممهداً للثورة التي كان أهم مدبريها 'الذلفاء 'والدة عبد الملك بن المنصور وكانت واثقة من أن ابنها عبد الملك قتل بالسم على يد أخيه عبد الرحمن وكانت تنتهز كل فرصة للانتقام، وما أن طار الخبر إلى عبد الرحمن شنجول حتى بدأت الجموع التي معه تنفضُّ من حوله شيئًا فشيئًا، فلمَّا دخل إلى قُرْطُبَة كان الناس قد انفضوا عنه وانحازوا إلى محمد بن هشام الذي تلقَّب بـ«المهدي»، ثم ما لبث أن أرسل إليه المهدي جماعة قبضوا عليه وقتلوه وأرسلوا إليه برأسه.
وتقول بعض الروايات أنه التجأ إلى دَيْر فأعطاه أحد رهبانه طعامًا وشرابًا، ثم عثر عليه رجال بني أمية سكران، فأظهر الخوف والجزع، وادعى دخوله في طاعة المهدي، فلم يشفع له ذلك فقتلوه.
وبمقتله انهارت الدولة العامريّة ذلك الصرح الشامخ الذي شاده المنصور ابن أبي عامر وحقق به الأمن والرخاء والنظام للأندلس وسقطت دولة بني عامر في سرعة مدهشة على يد الحاكم المنحرف عبد الرحمن شنجول ابن المنصور واجترائه على اغتصاب ولاية العهد من بني أمية. ولكن شعب الأندلس لم يجن خيراً من سقوط هذه الدولة، إذ أن ثورة العامة والدهماء التي قادها المهدي محمد بن هشام أدت إلى انهيار دعائم النظام والأمن وتقوض الحكومة المركزية، واندلاع الفتن والفوضى الشاملة.
وكانت سببا في قيام دويلات وملوك الطوائف في الأندلس ، حيث فقد المسلمون قوة الوحدة وبدأ عدوهم الانفراد بهم والتحالف مع هؤلاء الملوك ضد إخوانهم من ملوك الطوائف الأخرى.
العصر الحديث :أبناء محمد علي باشا:
بعد النهضة التي أحدثها محمد علي باشا وكان لها أثر كبير على تقدم مصر، ورثه ابنه إبراهيم بضعة أشهر وكان نظام الحكم هو تولي الأرشد (الأكبر) فالأرشد من أبناء محمد علي باشا، ثم جاء من بعده حفيده عباس حلمي الأول، الذي كانت تعتبر فترة حكمه (خمس سنوات ونصف) فترة ضعيفة.
فلم يسر على سير جده في التجديد والنهضة بل نشر الجاسوسية لما كان يصيبه من تخوف وهواجس من الكيد به، وأغلق كثير من المصانع بحجة الاقتصاد.
وأغلق أكثر المدارس الابتدائية والثانوية والعليا، ونفى مجموعة ممن يعارضونه إلى السودان من بينهم مجموعة من كبار علماء النهضة كرفاعة طهطاوي وأغلق معهد الألسن والترجمة الذي أسسه رفاعة.
وكذا نفي محمد بيومى افندى كبير اساتذة الهندسة والرياضيات فى مدرسة المهندسخانة، بحجة انشاء مدرسة ابتدائيه بالخرطوم، والسبب الحقيقى هو ابعادهم ونفيهم عن مصر، وقد ساءت حالتهم بعد ذلك، ومات منهم هناك محمد بيومى.
استدعى معظم اعضاء البعثات الذين كانوا يتلقون العلم فى فرنسا منذ عهد محمد على.
وكذا ضعفت قوة الجيش والبحرية وتدهورت أوضاعها.
أما في عهد سعيد باشا بن محمد علي باشا استمر في خطى عباس حلمي في هد ما بناه محمد علي باشا، فاستمر في حركة إغلاق المدارس العليا (الكليات)، وإليه تنسب المقولة المشهورة –سواء صحت النسبة له أم لا فإنها كانت لسان حاله- "أمة جاهلة أسلس قيادة من أمة متعلمة".
وأعطى صديقه فردينان دي ليسبس حق امتياز حفر قناة السويس دون تروي ولا تفكير ولا دراسة بل كان هذا القرار في الطريق والرحلة إلى الاسكندرية، وهذا الحق كان له أثر في فتح باب التدخل الأجنبي في مصر.
ومن النقد الذي وجه له أنه أرسل مع الجيش الفرنسي حملة مساندة لحربه في المكسيك وقد تأخذك الدهشة في اشتراك مصر في حرب المكسيك بأمريكا إذ لا ناقة لنا فيها ولا جمل ولكن كذلك شاءت ميول سعيد نحو نابليون الثالث إمبراطور فرنسا في ذلك العهد وصداقته له أن يلبي دعوته حينما طلب إليه أن يمده بقوة حربية مصرية تعاون الجيش الفرنسي بها.
ميزان الحلقة
بالقوي غير الأمين وردنا المهالك و بالأمين غير القوي أضعنا المسالك
http://www.suwaidan.com/node/6612