مُستمرين في رحلتنا لزيارة "أهل الجنَّة" حتى توقفنا عند باب الراضي المُستسلم لقضاء الله، فهو خرج من اختياره إلى اختيار من يخلق ما يشاء ويختار لأن غايته في الحياة هي رضا المولى عز وجل، واستطاع أن يُفسد خطة الشيطان لصناعة الإنسان الساخط المُعترض دائمًا على الأقدار لرؤيته أنه يستحق معاملة أكرم من رب العالمين، وليُفسد دعائم الحب والتوحيد بين العبد وربه، فاستحق أن يكون في أعلى مكانة بجوار امام الراضين صلى الله عليه وسلم، وتعرَّفنا على علامات الساخط والحصاد الذي يُجنيه في الدنيا والآخرة، وخطوات التعافي والوقاية من السخط .. ارضَ بما قسمه الله لك تكُن من أهل الرضا، فالراضون هم #أهل_الجنة ..
-------------------------
بسم الله والحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله ، نُكمل رحلتنا التي نتجول فيها بأجسادنا بين إبداع صُنع الله الخالق في كونهِ، لنتخيل أننا في الجنة الحقيقية ولكن ليس هناك مُقارنة بينهما، فكما قال ابن عباس" ما في الدنيا من الآخرة إلا الأسماء "، وأمنيتنا هي يا رب كما متعتنا بمُلكك العظيم في الدنيا متعنا بصُحبتك وصُحبة النبي عليه الصلاةُ والسلام في الآخرة.
أخلاق أهل الجنة:
الراضي هو المُستسلم لقضاء الله في السراء والضراء ومُراده أنه يعيش في معية الله، وهو أيضاً الشخصُ الذي خرج من اختياره إلى اختيار ما يشاء الله ويختاره له، ولسان حاله يقول يا ربي افعل بي ما تشاء ولكن كُن بجانبي، فاستحق هذا الشخص أن يكون جار النبي صلى الله عليه وسلم، وجار سيدنا أيوب الذي ضرب أروع الأمثلة في الصبر في الضراء، قال تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ} ]الأنبياء: 84 - 83[.
خطة الشيطان:
وإذا ذهبنا لمنطقة الصراع الشيطاني وكيف يُصارع الشيطان الراضي - لأن الشيطان أصله ساخط - سنجد أن الساخط هو المُعترض على الأقدار لرؤيتهِ استحقاق مُعاملة أكرم من رب العالمين، فالسخط هو أحد أسباب طرد إبليس من رحمة الله، وخطة إبليس هي صناعة الإنسان الساخط ، فهدفه ضرب وإفساد دعائم الحُب والتوحيد بين العبد والرب، ورغبته هي التنفيس عن الألم وتبريره الخبيث حتى لا تلوم نفسك أنك تستحق أكثر من هذا، فهذا هو إبليس الساخط فاحذره وكُن أنت الواعي، فالله هو الكريم كامل الصفات.
علامات الساخط:
ساخط النِعَم : وهو شخص أعطاه الله من النِعَم ولكنه يرى أنه يستحق أكثر، فعاتب ربه وسخط بنِعَم الله ، وهو شخص دائم المُقارنة لمن هو أعلى منه، قال النبي " انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ؛ فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ " رواه مسلم.
ساخط البلاء : هو من يمر بمحنة أو بلاء فهذه المحن والأزمات قدرُ الله لك، فالله امتحنك ليظهر فيك صفات طيبة ويُعلْمك قدراتك الموجودة بداخلك، قال تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ} ]هود 9[.
حصاد الساخط:
الشقاء بالنِعَم : فالساخط بنِعَم الكريم لا يشعر بها وكما قيل " ليست الدُنيا ما تملك، إنما الدنيا كيف ترى ما تملك "، فالشقي بنِعَم المولى لا يُدرك قيمة كلمة الحمدُ لله على كل النِعَم كبيرها وصغيرها.
ثِقل البلاء وفُقدان معية اللطيف الرحمن : فما يُخفف عنك بلاء الله هو شُعورك بمعية الله لك، فالشخص المكسور يُخفف عنه بلاءه لُطف الله عليه، ولذا قال تعالى: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} ]الحج 15[.
في الآخرة : ندم وحسرة بانكسار أمام الله وحياء مِنهُ على أنه سخط على نِعَم الله ولم يرضى بقضاء الله وقدره.
نقدر نتغير:
المبدأ: خُذ بالأسباب، واسأل الله العافية، ولن يمنع حذر من قدر.
صيدلية الذكر: " اللهم متعني بما أعطيت، و راضني بما قضيت ".
الخطوة العملية: إذا كُنت من أهل النَعِم فاكتب خمس نِعَم لم تُفكر فيها من قبل، وإذا كنت في بلاء ومحنة فاكتب خمس فوائد للبلاء لتعلم أن الله لم يبتليك ليُشقيك.
جنة الراضي:
الإنسان الراضي الذي قضى حياته في الدنيا يكتفي بمعاملة الله له في المنع والعطاء ويحمده لعلمه أن الله خلقه ليُمتعه، فأدرك أن أقل نعمة هي كبيرة لأنها من الله المُنعم، هذا الإنسان:
إذا لم يفهم عقله حكمة البلاء استسلم قلبه لمُراد الله الملك.
اجتهد في الدنيا لتحصيل الأرزاق وتحسين الأحوال، ثم رضي بقضاء الله وقدره وقارن نفسه بمن هو أقل منه.
راضي بنعم الله لأنه عِلمَ أنها من الله الملك .