الحقوق محفوظة لأصحابها

وليد فتيحي
بسم الله الرحمن الرحيم



فلنجعل الإنسان قضيتنا ،، كن صاحب رسالة .. كن صاحب قضية ..

قتل الإبداع

سطرت صفحات التاريخ سيرة رجال أفذاذ ، أبى التاريخ إلا أن يخلد إبداعاتهم بخطوط عريضة ، دخلوا الدنيا بـ بدايات متواضعة ، وما خرجوا منها إلا بعدما حفروا على صخور الأرض وصفحات التاريخ كلمات ومواقف بقيت مئات السنين بعدما ذهبوا ،،

الناظر المتأمل في تاريخ هؤلاء المبدعين يرى أنه على إختلاف صورهم وأشكالهم وألسنتهم و لغاتهم و وسائلهم وغايتهم إلا أن هناك عامل واحد يشتركون جميعهم فيه ألا وهو الإيمان بالقضية التى يعملون من أجلها وذلك بالإنصات والإصغاء لما تمليه عليه أفئدتهم وقلوبهم هم لا يبالون إن كذبهم الناس أو سخروا منهم أو خطّئوهم فهم يشّقون طرق وعرة ويتحملون مشقات عظيمة بينما ينعم كل من حولهم بملذات الدنيا ونعيمها ، هم مبدعون ، مكتشفون مخترعون ومجددون لأنهم ما تعودوا أن يكونوا تابعين أو مقلدين كل ما يسطر عنهم يسطر خالصاً من أعماق قلوبهم ..

فى كتاب العادة الثامنة يشرح " ستيفن كوفى " أن هناك خياريين لكل إنسان لا ثالث لهما

إما طريق إطلاق القدرات الكامنة لتحقيق العظمة ،،

وإما طريق تقييد القدرات الكامنة والإنتهاء بحياة عادية ،،

الطريق الأول هو طريق العظمة وذلك بإكتشاف القوة الكامنة المبدعة داخل الإنسان وإنصاته لصوته الداخلي فهي عملية تبدأ من الداخل وتعمل على تغيير الخارج .

والطريق الثانى هو طريق الحياة العادية بإهدارالقوة المبدعة وإخراس و قتل الصوت الداخلى والرضوخ للبرمجة الإجتماعية والقولبة الثقافية للمجتمع الذى يعيش فيه الإنسان .

إن إنسان عصرنا تتم قولبته فى مجتمعه بوسائل شتى تجعله غير قادر على إدارك أنه أصبح مبرمجا دون أى يدري كما تجعله يفقد قدرته على التمييز بينما يفعل إن كان إيماناً وقناعةً بما يعتقده أو برمجة وقولبةً لا حيلة له معها ،

وقد يكون أفضل مثالين لتقريب معنى البرمجة الإجتماعية لإذهاننا ،

هى تدريب الدب وتطويع الفيل ،

نبدأ بالطريقة التى يستخدمها المدبرون في السيرك كي يعلموا الدب رقصته حيث يضعه المدرب على أرض حديدية ويسمعه الموسيقى المطلوب الرقص عليها فى الإستعراض ويقوم المدرب فى الوقت نفسه بتسخين الأرض الحديدية وعندها يرفع الدب قدمه اليمنى بفعل حرارة الأرض ويبقى واقفاً على رجله اليسرى إلى أن تتعب من تحمل الحرارة فيبدلها باليمنى وكل ذلك بالتمازن مع إسماعه لحن الإستعراض ، يكرر المدرب هذا التمرين مرات عديدة ، وحين يبدأ العرض تعزف المعزوفة المطلوبة فيظن الدب أن الأرض ساخنة فيقوم تلقائياً بالرقص ،،

وكذلك الحال تماماً في الإنسان حيث يعلم الرقص على إيقاعات مجتمعه ..

وأما الفيل فيعتاد فيل السيرك منذ صغره على ربطه بشجرة كبيرة بواسطة حبل غليظ ومتين لكي لا يتحرك من مكانه فيحاول ويحاول مرات عديدة التخلص من قيده ولكن دون جدوى ، وعندما يكبر هذا الفيل ويصبح بطبيعته قادراً على إقتلاع الشجرة أو قطع الحبل بسهولة لا يستطيع ، لا يستطيع التحرر من قيده حتى ولو رُبط بحبل رقيق وعامود هش !

كيف حدث ذلك ؟ لقد زرعت مراراً فى لاوعيه فكرة عجزه عن الإفلات والتحرر من قيده فصارت جزءاً من نظام معتقداته التى لا تقبل الشك والمدبرون مطمئنون أنه عاجزٌ عن التمرد ،،

وبمثل هذة الطريقة تتم برمجتنا من أجل تأطيرنا [ وضع في إطار أو ثني ] إجتماعياً ، ومن أجل إفهامنا بإننا لسنا أكبر من النماذج الإجتماعية ، و أن أقصي إبداعتنا لا تتعدى حدود التقليد ، لا أن نكون نحن كما نحن !

إن البرمجة والقولبة الإجتماعية لهي أخطر أسر لإرادة الإنسان ، الإنسان الذى كرمه " الله " ونفخ فيه من روحه سبحانه و أودعه ملكات لا يعلمها إلا هو ، ومن فضل " الله " على الإنسانية أن زرع الشجاعة في قلوب العظماء فأنصتوا لنداء المَلكة التى أودعها " الله" إياهم ورفضوا أن يتقولبوا ، وأن يقتلوا صوتهم الداخلى !

لا تقتلوا الإبداع فى إبنائكم ، ظناً منكم أنكم أعلمُ بمقدراتهم وملكاتهم ، ونداء قلوبهم وأفئدتهم ،

ولا تجعلوا أبنائكم وسيلة لتحقيق أحلامكم التى حالت الظروف بينكم وبين تحقيقها ، فلكل ملكاته ولكل رسالته ، فإن فعلتم فقد يكون الثمن غالياً وباهظاً يدفعه أبنائكم ، وتدفعه مجتمعاتكم كل يوم وأنتم لا تشعرون ،،

فكل ميسرٌ لما خُلق له ،،