أيهما أقوى الفكر أم السيف ؟
وما ميزة كل منهما ؟
وهل السيف في خدمة الفكر ام الفكر في خدمة السيف ؟
وهل تنجح الفتوحات التي تعتمد على السف وحده أم الفكر وحده ؟
ما قوة تأثير منطق ابن عباس في الخوارج ؟
وهل صحيح أن الفتح الإسلامي اضطهد الأقباط ؟
وما هي قصة الداعية عبد الرشيد إبراهيم في اليابان ؟
وهل حاول المسلمون فتح فيينا ؟
المقدمة
أثبت التاريخ أن أي محاولة لصد الفكر بالسيف تزيد من انتشاره ، فكم من أفكار أريد قتلها في مهدها في السيف فانتشرت كانتشار النار في الهشيم.
1.الحركة البلشفية في روسيا في أول أمرها قوتلت وحوربت من قبل القيصرية الروسية ثم حكمت البلاد بعد ذلك.
2. الحروب ضد البروتستانتين في القرن السابع عشر زاد من انتشارهم وقوتهم.
3. و الحرب على الإسلام في أمريكا زاد من تعرف الناس على الإسلام والاقتناع به
4.وأخيرا الحراك الشبابي الذي حصل بالربيع العربي..
لقد حرص الاستشراق دوما على إدعاء أن الفتوحات الإسلامية كانت توسعا عدوانيا ، والتاريخ ينفي هذه التهمة تماما وكانت رسالة الإسلام تفتح القلوب بالدعوة والسلم ، ولا يدخل المسلمون أي حرب إلا دفاعا عن دينهم بعد ظهور نوايا العدوان أو التخطيط والتآمر على دولة الإسلام أو نتيجة استعانة الشعوب المظلومة بالعدل الإسلامي كما حدث في فتح الأندلس حيث استدعى الكونت يوليان حاكم سبتة موسى بن نصير بفتح الاندلس بعد بغي وطغيان الملك الغوطي لذريق.
التأثير بين الفكر والسيف
1. السرعة
أثر السيف أسرع من أثر الفكر كنتيجة فاصلة وحاسمة وسريعة ، فكفى ببارقة السيف فتنة ،اما الفكر فيحتاج إلى معالجة ومراجعة فكرية وروحية ثم يحصل بعد ذلك القبول أو الرد.
جمع هائل من السياسيين ملوكاً وحكاماً وأمراء يرون بأن الصلاح لا سبيل له إلا بشيء من القوة والسيف، وأخذ الناس بشيء من الظلم الذي يسمونه الحزم لكي يستقيموا.
2. الديمومة
لكن السيف لا يضمن ديمومة الأثر بسبب أن السيف يفرض الواقع حسب موازين القوى لا حسب القناعات التي يبنيها الفكر ولذلك الفكر أعمق أثرا على المدى البعيد، ففتوح السيف مآلها إلى دمار وخراب ثم اندثار واندحار، لأن طبيعة الآراء أنها لا تدخل إلى القلوب والعقول إلا بمفتاح الرضا.
لا يمكن مواجهة الفكر بالقوة بل بالفكر المضاد.
وفي حوار ابن عباس مع الخوارج دليل على قوة تأثير الفكر على قوة السيف فعندما حاورهم ابن عباس رضي الله عنه وفند شبههم تجاه أمير المؤمنين بالدليل والحكمة وقوة الحجة عاد منهم ألفان.
السيف وسيلة تغيير تكتيكية والفكر وسيلة تغيير استراتيجية.
ولا نجد خير مثال للفتح بالفكر من عصر الصحابة الكرام.
الفكر في فتوح الصحابة
الأرجح أن فتح مصر كان أغلبه صلحاً إلا بعض المدن التي كانت فيها حاميات رومانية وليست مصرية قاتلت المسلمين، وهذا يفسر كيف استطاع عدد قليل من المسلمين مع عمرو بن العاص فتح هذه البلد الشاسعة التي كان تعداد سكانها في ذاك الوقت يقدر بعدد كبير جدا أوصله بعض المؤرخين إلى 2.500.000 نسمة.
يقول الأسقف يوحنا النقيوسي ـ الأسقف الأرثوذكسي.. شاهد العيان على الفتح الإسلامي التي تقول:"لقد نهب الرومان الأشرار كنائسنا وأديرتنا بقسوة بالغة، واتهمونا دون شفقة، ولهذا جاء إلينا من الجنوب أبناء إسماعيل لينقذونا من أيدي الرومان، وتركنا العرب نمارس عقائدنا بحرية.. ولم يأخذوا شيئًا من مال الكنائس، وحافظوا عليها طوال الأيام، وعشنا في سلام". [تاريخ مصر ليوحنا النقيوسي]
واستمر عدد النصارى في مصر كبيرا جداً نسبة إلى عدد السكان ففي حكم معاوية بعد نصف قرن من الفتح كان لا يزال نصف المصريين على نصرانيتهم، وبعد قرنين ونصف من الفتح الإسلامي ما زالت نسبة النصارى 20%، وبدأ يتناقص شيئاً فشيئاً، وما أدخلهم في الإسلام إلا قوة الفكر والعدل..
نماذج للفتح بالفكر والسيف
1. اندونيسيا وشرق آسيا
تعجب حين تزور هذه االبلدان الكبيرة ذات الكثافة السكانية (أندونيسيا وحدها فيها أكثر من 250 مليون نسمة) الهائلة وتتساءل كيف دخلها الإسلام، فيجاب لك أن تجار المسلمين أنشئوا لأنفسهم مراكز تِجاريَّة على سواحل سومطرة وشبه جزيرة الملايو من وقت مبكِّر، ربما من أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث الهجريَّين، الثامن والتاسع الميلاديَّين، وقد أتى أوائل التجار من جزيرة العرب من: عُمَان، وحضرموت، والساحل الجنوبي لليمن، واتخذوا مراكزهم الأُولَى على الشاطئ الغربي لسومطرة، وكانوا يسمونها سمدرة. وبدأ نور الدين يتم من سومطرة وجاوة إلى جميع الجزر المسكونة.
2. الإسلام في أفريقيا
كان جل قبائل صحراء أفريقيا "قبائل صنهاجه مثلا" إما أنها لم تدخل في الإسلام أو ليس لها من الإسلام إلا اسمه فقط، فعزم الشيخ عبد الله بن ياسين وقد ولد في المغرب على الهجرة لدعوتهم، فاتجه نحوهم فزجروه وطردوه في أول الأمر، فعقد له رباطاً خيمة على نهر السينغال شمالا فحصل له في أول الأمر أن لجأ إليه سبعة فقط من قبيلة جدالة، ثم بدأ ازدياد الخيام والربط، فما مضت أربع سنوات حتى صار عدد من معه ألف نسمة، وبهؤلاء تأسست دولة المرابطين التي كان لها صولات وجولات في حكم المغرب والأندلس.
3. الإسلام في الغرب
دخول الإسلام أفواجا من قبل الغرب في حال السلم الذي لم نستطع أن نصل اليه في الزمن القديم حال الحرب، وهو أكبر دليل على قوة الفكر وتفوقها على السيف.
ولنأخذ الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال فلم يكن في بدايات القرن السالف إلا أعدادا محصورة من وقليلة جدا من المسلمين المهاجرين من البوسنة وبعض البلدان الروسية.
وما انقضى القرن إلا وتعداد المسلمين فيها يتجاوز 7 إلى 8 مليون نسمة لا يقل عدد الداخلين في الإسلام منهم عن الربع أي ما يقارب 2 مليون.
قوة المقاومة
الأمة الإسلامية واجهت نوعان من الغزو : الغزو العسكري ( الخشن) والغزو الفكري( الناعم).
في بحث الأمة عن مخرج للنهضة تسربت لها أفكار خارج النسيج الفكري و العقائدي لمكوناتها المرجعية، وقد كانت الأمة دائما مستنفرة امام الغزو العسكري لأنه واضح أمام الجميع بعكس الغزو الفكري الذي لا تنتبه له إلا النخبة .
كما أن الغزو العسكري يتم بقوات أجنبية دخيلة ومن يساعدهم من اهل البلد يعتبر خائنا وفي الغالي يعمل في الخفاء بينما الغزو الفكري قد يتم على أيدي بعض أبناء الوطن بسبب ذوبانهم في هوية الآخر ، وربما يعتبرون رموز فكرية حداثية ويتلقون مساندة وتلميع ودعم المؤسسات الدولية والعالمية.
القوة أم الحق
نمو ثقافة الاختلاف في المجتمع تمنع الانحدار السريع إلى استخدام القوة عند الاختلاف الفكري
ما زالت تسيطر على بعضنا فكرة "المستبد العادل" الذي لا ينصلح الشرق إلا به، ، فنحن الشرقيين لا يصلب عودنا ولا تستقيم شوكتنا بالحاكم العادل ولا بالديمقراطية السليمة إنما يصلحنا "مستبد فيه عدالة" أي لابد لنا من شيء من قسوة.
كتب والي عمر بن عبد العزيز على خراسان واسمه الجراح بن عبد الله يقول : إن أهل خراسان قوم ساءت رعيتهم وإنه لا يصلحهم إلا السيف فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في ذلك، فكتب إليه عمر : أما بعد فقد بلغني كتابك تذكر أن أهل خراسان قد ساءت رعيتهم وإنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط فقد كذبت بل يصلحهم العدل والحق فابسط ذلك فيهم والسلام.
أدوات السيف والفكر
أدوات القوة والسيف هي الجيوش والقيادات والكليات العسكرية والحرس الجمهوري والملكي والأجهزة الأمنية والشرطة السرية والسجون والمخابرات والجاسوسية والاعتقالات والعنف والحروب الجندية.
بينما أدوات الفكر المفكرين والثقافة والحوار والمنتديات والمؤلفات والكتب ومؤسسات الدراسات ومؤسسات الفكر والأبحاث والشعر والأدب والفنون والفلسفة والتاريخ
نماذج للفتح بالسيف
محاولة فتح فيينا
كانت فيينا هي عاصمة الإمبراطورية الرومانية المقدسة، ولقد حاول العثمانيون فتح فيينا مرتين من قبل في عهد السلطان سليمان القانوني، مرة سنة 932هـ، وكاد يفتحها لولا نفاد الذخيرة والمؤن، والثانية سنة 939هـ ، والثالثة في هذه المعركة الحاسمة، توفي أحمد كوبريلي الصدر الأعظم للدولة العثمانية سنة 1087هـ خلفه في منصب الصدارة العظمى صهره «قره مصطفى» ولم يكن صاحب إمكانات، إنما أراد أن يشتهر ويعلو ذكره كسلفه، وكان مشهورًا بالتهور والعصبية والسرعة في اتخاذ القرارات، وفي سنة 1092هـ خرج «قره مصطفى» على رأس جيش كبير لمحاربة النمسا، وذلك بعد أن استنجد به أهل المجر الخاضعين لإمبراطورية النمسا، بعد أن اضطهدهم النمساويون بسبب الخلاف المذهبي، فالنمساويون كاثوليك، والمجريون أرثوذكس، وبالفعل حقق «قره مصطفى» عدة انتصارات كبيرة على النمساويين، وتراجعت الجيوش النمساوية أمام الزحف العثماني، وهذا التراجع جعل قره مصطفى يفكر في فتح «فيينا» نفسها، وبالتالي يكون قد حقق لنفسه مجدًا عجز السلطان سليمان القانوني نفسه عن تحقيقه مرتين متتاليتين، انقسمت الآراء داخل الدولة العثمانية إزاء فكرة فتح فيينا، فالسلطان «محمد الرابع» وكثير من مستشاريه يرون خطورة هذه الخطوة التي ستؤدي لتوحيد الجبهة الأوروبية كلها ضد العثمانيين، وأنها ستشعل الحماسة الدينية في نفوس الأوروبيين وتحيي مسألة الحروب الصليبية والتي خفتت حدتها قليلاً في السنوات السابقة، حيث استطاعت الدبلوماسية العثمانية شق الصف الأوروبي وعزل الشرق عن الغرب، أما الفريق الثاني فيقوده «قره مصطفى» وبعض القادة العسكريين، ويرى استغلال الانتصارات العثمانية المتتالية والروح المعنوية العالية لدى الجند، في القضاء على مركز القوة الأوروبية، وحسم قره مصطفى رأيه وبدأ حصار فيينا في 18 رجب سنة 1094هـ، بدون إذن السلطان محمد الرابع وكان إجمال الجيوش العثمانية 162ألف جندي، قسمهم بحيث يكون 62 ألفًا في حصار أسوار المدينة، ومائة ألف منتشرين في المنطقة لمنع الإمدادات الأوروبية من الوصول، وكان هذا الأمر أول الوهن، لتشتت الجنود في أماكن كثيرة، ومع بداية الحصار فر إمبراطور النمسا «ليوبولد» من المدينة، ومع شدة الحصار أوشك العثمانيون على فتحها، عندها تداعت الدول الأوروبية بأقصى سرعة لنجدة «فيينا» من السقوط، وأعلن بابا روما الحرب الصليبية على العثمانيين، وأمر ملك بولندا «سوبيسكي» بنقض عهده مع العثمانيين وأمر أيضًا أمراء ساكسونيا وبافاريا الألمان، وهم أقرب أمراء أوروبا بالتوجه إلى فيينا بأقصى سرعة ممكنة، وكان «قره مصطفى» قد وضع قوة عثمانية كبيرة يقودها أمير القرم «مراد كراي» عند جسر «الدونه» وهو الطريق الوحيد المؤدي إلى فيينا من ناحية الغرب ليمنع تقدم الأوروبيين، وأمر «مراد كراي» بنسف الجسر إذا اقتضت الضرورة، وهنا حدث ما لم يكن في حسبان أحد، لا من العثمانيين ولا من الأوروبيين، إذ قام «مراد كراي» بخيانة عظمى للإسلام والمسلمين، وذلك بأنه سمح للأوربيين بالعبور من الجسر دون قتال، وذلك بسبب كراهيته وعداوته لقره مصطفى، ثم حدثت خيانة عظمى أخرى من جانب «أوغلو إبراهيم» قائد ميمنة الجيش العثماني، إذ انسحب من القتال الذي اندلع بمنتهى العنف في 20 رمضان سنة 1094هـ، وكان لهذا الانسحاب الأثر الأكبر في هزيمة العثمانيين، وقد استطاع قره مصطفى أن ينسحب بصورة منظمة من أرض المعركة، وفي طريق العودة قام قره مصطفى بإعدام كل من مراد كراي وأوغلو إبراهيم ولكن لم يشفع ذلك له عند السلطان محمد الرابع، الذي أمر بقتله، وكانت هذه الهزيمة عند أسوار فيينا نقطة تحول فاصلة في التاريخ العثماني والأوروبي واشتدت الحروب الصليبية على العثمانيين وفقدت الجيوش العثمانية هيبتها.
أوربا
التوسع العسكري الذي حصل في زمن الدولة العثمانية خصوصا في زمن السلطان سليم الأول "الغازي" حيث توسعت الدولة العثمانية في أوربا فضمت بلغاريا وصربيا وأجزاء من اليونان ومملكة النمسا. وكل هذه البلدان والأراضي ما لبثت أن زالت عن حكم الدولة. ومسجد بنيا باشي في صوفيا في قلب بلغاريا شاهد على تلك الحقبة.
والعكس صحيح حيث أن كل الحملات الصليبية التي قصدت الشرق بين القرنين الخامس والثامن الهجريين وأرسلت من أوروبا الغربية ثماني حملات رئيسية، وأسست ممالك صليبية على طول الساحل الشرقي للبحر المتوسط.في القدس وعكا والكرك وغيرها من المدن العربية قد فشلت في تغيير واقع الشرق بل عادت وهي متأثرة بما وصلت له الحضارة الإسلامية.
ميزان الحلقة
القوة قد تنجح في تغيير الجغرافيا لكنها نادرا ما تغير التاريخ
http://www.suwaidan.com/node/6608