جروح وآثار العنف اللفظي لا ترى لكنها أشد وأخطر بكثر من آلام عنفٍ جسدي قد تختفي آثاره بعد أيام أو شهور ..
العنف اللفظي هو الألفاظ المسيئة التي تحمل عبارات السخرية والشتم والإزدراء والتخويف والتهديد من قبل الوالدين أو أي فرد تجاه الطفل وكذلك استعمال اللغة السوقية والانتقاد المستمر للطفل ومقارنته بأطفال آخرين أضف إلى ذلك التعبيرات التي تحمل رسائل ساخرة أو جارحة وفيها احتقار واستخفاف
هناك الكثير من الدرسات التي تؤكد مدى التأثير السلبي المدمر للعنف اللفظي على الأطفال
منها دراسة أكدت أن الأشخاص الذين تعرضوا لأي نوع من السباب في طفولتهم يصابون بالاكتئاب بحوالي ضعفي أولئك الّذين لم يتعرضوا للسباب أبداً
غير أن الأبحاث الحديثة ذهبت إلى أبعد من ذلك فبفضل تطور الأجهزة الحديثة للتصوير الدماغي تبين لما تكون البيئة عدوانية ويكون الطفل فيها معرضاً للعنف اللفظي والنفسي فإن هذا يؤدي إلى أضرار دائمة تبقى مدى الحياة كجروح وندوب في الدماغ وهذا ما أكده مارتن تاتشر وزملاؤه في كلية الطب في جامعة هارفرد ..
وفي دراسة مقارن نشرتها المجلة الأمريكية للطب النفسي تبين أن دماغ أولئك الأفراد الذين عانوا من العنف اللفظي يحتوي على نسبة أقل من المادة الرمادية التي لها علاقة وطيدة بمستوى الذكاء والقدرة على التحليل والتفكير المعقد
وفي دراسة على أفراد تراوحت أعمارهم بين 18 و 25 سنة تعرضوا للعنف اللفظي وجد لديهم تخلف في تطور الإتصال بين الفصين الأيمن والأيسر من الدماغ وهذا أثر على مستوى الذّكاء والقدرة على التحليل والتفكير وأصبحوا يعانون من الاكتئاب والغضب والعداء بل والإدمان ..
يختلف العقل البشري عن باقي المخلوقات في أنّه يتكون وينمو ويتطور باستمرار بعد ولادته ويتأثر بما حوله ولكي ينمو هذا العقل بطريقة سليمة وصحيحة فإنه يحتاج إلى الرعاية والقبول والتحفيز والتشجيع والحب غير المشروط الّذي هو أساس العلاقة بين الطفل وأبويه والّذي هو أسمى درجات الحب
ولابدّ للآباء عند تقويمهم لسلوك أبنائهم أن ينتقدوا العمل السيء ولاينتقدوا الطفل
ننتقد السلوك الخاطئ بعيداً عن الإهانة والتجريح لشخصهم
وعلى الآباء واجب الإعتذار إذا صدر منهم مالا يليق من قول حتى نعلم أبنائنا ثقافة الإعتذار ولكي نمحو ماقد تتركه أخطاؤنا من آثار ..
إن خطورة العنف اللفظي على الطفل تتمثل في أن الطفل يرى نفسه من خلال نظرة والديه إليه فهو يرى نفسه جميلاً أو قبيحاً
ذكياً أو غبياً
صالحاً أو طالحاً
من خلال هذه النظرة والعنف اللفطي يؤيدي إلى انعدام الثقة بالنفس وتعطيل الطاقات الإبداعية بل وتؤثر سلباً على نمو الطفل جسدياً وعقلياً وروحياً ونفسياً وعاطفياً واجتماعياً وأكاديمياً وتزداد نسبة هذ التأثير على المدى البعيد حتى عندما يتلقى الطفل الضحية صورة من صور الحب من شخصٍ معتدي كالإبتسامة وإن كانت صادقة فإنه يعيش في تأهب لأنه يعلم أنها حالة حبًّ مؤقت وسرعان ما ستنقلب إلى حالة اعتداءٍ جديدة فتنعدم ثقته في هذه الإبتسامة بل وفي الحب وهذه مأساة في حدِّ ذاتها ..
نجد أن ديننا الإسلامي الحنيف الّذي يوافق الفطرة يرفض العنف بكل أشكاله ويدعو إلى الرفق يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم
(( يا عائشةُ ! إنَّ اللهَ رفيقٌ يحبُّ الرِّفقَ . ويُعطي على الرِّفقِ ما لا يُعطي على العنفِ . وما لا يُعطِي على ما سواه ))
الراوي: عائشة أم المؤمنين المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2593
خلاصة حكم المحدث: صحيح
وعن منع العنف ضد الأطفال يقول :
(( ليس مِنَّا مَنْ لَمْ يَرحمُ صَغيرَنا ولَمْ يَعرِفْ شَرَفَ كبيرِنا ))
الراوي: جد عمرو بن شعيب المحدث: الترمذي - المصدر: سنن الترمذي - الصفحة أو الرقم: 1920
خلاصة حكم المحدث: حسن صحيح
إن أطفالنا أمانة في أعناقنا فالتربية ليست طعاماً وشراباً ولباساً وأموراً مادية فحسب وإنما هي رعايةٌ وعنايةٌ جسدية وعقلية وروحية .
يقول معلم الإنسانية سيد الخلق صلى الله عليه وسلم
(( ما من عبدٍ يسترعيهِ اللَّهُ رعيَّةً يموتُ يومَ يموتُ وَهوَ غاشٌّ لرعيَّتِهِ إلَّا حرَّمَ اللَّهُ عليهِ الجنَّةَ ))
الراوي: معقل بن يسار المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 142
خلاصة حكم المحدث: صحيح