هل المؤرخين ملائكة لا يخطئون في كتابة التاريخ ؟
وهل كتبهم مقدسة لا ينالها السهو والغفلة والخطأ ؟
وهل ينجح المؤرخ دائما في تحييد مذهبه الفكري حتى يقدم لنا تاريخا محايدا يمكن الوثوق به؟
ولماذا صلاح الدين كان هدفا لتشويه السيرة والهجوم عليه ؟
وما هو مصير كل من حاول التحقق من حقيقة الهولوكوست ؟
ولماذا يقدم بعض المؤرخين التاريخ على انه صراع بين اليمين واليسار الإسلامي؟
المقدمة
وقع بعض المؤرخين بأخطاء منهجية في كتابة التاريخ، و سنحاول في هذه الحلقة أن نسلط الضوء على أنواع من هذه الأخطاء.
يقول ابن خلدون: " و كثيراً ما وقع للمؤرخين و المفسرين و أئمة النقل من المغالط في الحكايات و الوقائع لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غثاً أو سميناً و لم يعرضوها على أصولها و لا قاسوها بأشباهها و لا سبروها بمعيار الحكمة و الوقوف على طبائع الكائنات و تحكيم النظر و البصيرة في الأخبار فضلوا عن الحق و تاهوا في بيداء الوهم و الغلط"
1. المبالغة:
من ذلك المبالغة في الأرقام والحصر والعد "فلان كان يحضر مجلسه 100 ألف، وصلى عليه كذا وكذا من الناس، واجتمع من الجند ألف ألف .. وغيرها من المبالغات السمجة..
قال ابن خلدون حين تعرض لأخطاء المؤرخين: " و لا سيما في إحصاء الأعداد من الأموال و العساكر إذا عرضت في الحكايات إذ هي مظنة الكذب و مطية الهذر و لا بد من ردها إلى الأصول و عرضها على القواعد".
2. الشخصانية
في كتاب عنوانه: صلاح الدين الأيوبي بين العباسيين والفاطميين والصليبيين، استنتج الكاتب ما خلاصته :
ـ جميع من ترجم لصلاح الدين وأشاد بأعماله وأخلاقه إنما خدرتهم انتصاراته.
ـ صلاح الدين الأيوبي طالب للسلطة والملك، وقد حازهما بكل خسة ونذالة، وطامح لمجد شخصي ناله بالغدر .
ـ صلاح الدين الأيوبي خائن ومستسلم.
ـ صلاح الدين الأيوبي متعطش للدماء ونهاب الأموال.
ـ صلاح الدين الأيوبي رجل سكير ومدمن للخمر.
ـ والأخطر أن صلاح الدين الأيوبي كان ميالاً للنصرانية واليهودية.
•وقد رد المرحوم المؤرخ الكبير الدكتور شاكر مصطفى مزاعم المؤلف، وفند مقولاته، ومما قاله : التاريخ لا تكتبه الأحقاد، البطل العظيم صلاح الدين نسر كبير، لا يضيره أن تنسل بعض الريشات من جناحيه ، فسيرة صلاح الدين لا يكتبها حاقد عليه ؛ لأنه أنهى الدولة العبيدية الفاطمية سنة 567هـ/1171م !!
3. التقديس
وهنا التقديس من جهتين:
أولاً: التقديس الخاص:
من جهة تقديس أشخاص بعينهم بحيث يدفع بكثير من المؤرخين بالنظر إلى جوانب من الشخص المقدس وترك الجوانب الأخرى التي أخطأ بها هذا المقدس.
ثانيًا:ً التقديس العام:
تقديس تاريخنا الإسلامي بشكل العام فينظر للتاريخ الإسلامي بأنه تاريخ عظيم بكل جوانبه وحقبه وكأن تاريخنا ليس فيه غيوم سوداء ومساوئ.
أو تقديس عام لحقبة زمنية معينة كتقديس كثير من المتأخرين لحقبة القرون الثلاثة الأولى وكأن كل ما وقع في هذه القرون أو حتى القرن الأول هو صواب ويجب اتباعه وهذا خطأ كبير.
فنجد نبرة عالية في زجر من يتكلم عن أخطاء بعض رجالات القرون الأولى.
حادثة الهولوكوست
ـ وحتى الغربيين وقعوا في هذا الخطأ حيث لا نجد رواية مقدسة في العصر الحديث ممنوع كليا أن تمس وأ وتناقش أو مجرد التلميح بأنها خرافة مثل رواية الهولوكست التي ليس من أهداف الحلقة إثبات او نفي الواقعة ولكن هدفنا هنا التركيز على تقديس الحادثة بشكل يثير الاستغراب ولنقدم بعض مظاهر التقديس لهذه الحادثة:
ـ هنري روك، فرنسي، قدم أطروحته لنيل الدكتوراه عام 1981م، أشرف عليها البروفيسور جاك روجو، أستاذ الآداب في جامعة السوربون، بعد أن اطلع بإذن رسمي من وزير الدفاع على المحفوظات والوثائق اللازمة المحفوظة في إدارة القضاء العسكري بباريس، وأنجز هنري روك أطروحته في نيسان (أبريل) 1984م، ووجد البروفيسور جاك روجو صعوبة كبيرة في تشكيل هيئة تحكيم، واضطر لنقل ملف الأطروحة، وفق أكثر الشروط نظامية إلى جامعة نانت، وحل البروفيسور جان كلود ريفيير محل جاك روجو، وجرى الدفاع عن الأطروحة وفق القوانين المتبعة، وكانت ردة الفعل الوحيدة على الأطروحة لروبير بوليه في مقال نشره في صحيفة (لوفيغارو) في 28 تشرين الأول (أكتوبر) 1985م بعنوان : خطوة أخرى نحو الحقيقة، وفي 30 نيسان (أبريل) 1986م، نشرت الصحيفة ويشت فرانس مقالاً فيه : لم يثبت وجود غرف نازية للإعدام بالغاز، والشاهد في الموضوع أن الصحافة اليهودية تحركت تحركاً كبيراً لتقول : إن أطروحة هنري روك باطلة، وشككوا في قانونيتها، إلا أنهم ولعجزهم عن دحضها تمسكوا بالعيوب الشكلية من نقل مناقشتها من جامعة إلى أخرى، وتغير المشرف، فتم إلغاء الأطروحة، ووجد هنري روك نفسه محروماً من الدكتوراه، لقد سحبت منه الدكتوراه وعلى الرغم من احتجاجات قانونية صحيحة قدمها هنري روك، فشلت جهوده قبالة الجهود الصهيونية المركزة، فالتاريخ الذي روجه هؤلاء الصهاينة، بكل ما فيه من أساطير، هو التاريخ المناسب لابتزاز العالم الغربي.
ـ وهناك تقرير فني عن غرف الغاز، قدمه المهندس الأمريكي فْرِدْ لوشتر، الخبير والمستشار في مجال صنع منشآت الإعدام في السجون الأمريكية، ذكر فيه: درجت وسائل الإعلام اليهودية على الترويج لما تسميه الهولوكوست، أي عملية الإبادة الجماعية التي تعرض لها اليهود في فترة الحرب العالمية الثانية على يد النازيين، وخاصة عن طريق المحارق في بولونية، وتلك عملية ابتزاز رخيص، الهولوكوست (المحرقة) ليست مستندة إلى أي نص تاريخي ثابت، وفي ألمانيا في 28 تشرين الأول (أكتوبر) عام 1993م، استضاف التلفزيون الألماني المهندس الأمريكي فرد لوشتر، لحوار معه بصفته خبيراً ومستشاراً في مجال صنع منشآت الإعدام لدى إدارة السجون الأمريكية، ولكن جرى إيقاف السيد لوشتر في استديوهات التلفاز، قبل بدء تسجيل البرنامج بنصف ساعة، وتم نقله بعد ذلك فوراً إلى سجن مدينة مانهايم، وأطلق سراحه في 2 كانون الأول (ديسمبر) 1993م، بعد أن قضى مدة تزيد عن شهر رهن الاعتقال، مع أن جنسية لوشتر أمريكية، ولم يتدخل السفير الأمريكي في ألمانية.
ـ وهذا يذكرنا بقانون فرنسي، صادر عن مجلس الشيوخ، الذي كان برئاسة يهودي، يمنع الشك في أفران الغاز، ويحظر مناقشة الموضوع على كل فرنسي، وإلا يتهم باللاسامية، ويسجن، لو كان الأمر صحيحاً، لِمَ لا نفكر فيه ونناقشه ؟! وهذا ما جرى مع روجيه غارودي، حينما قدم كتابه : الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية.
4. العصرية
وهي أن يحاكم المؤرخ المعاصر التاريخ بمنطق عصره ومعاييره.
فمثلا يأتي أحد المعاصرين فيحكم على صيغة أهل الحل والعقد التي ارتضاها الصحابة في تولية الخليفة على أنها صيغة ضعيفة ولا تحتوي على العدالة كصيغة الديمقراطية،
وهو هنا ينظر إلى مجتمع الصحابة في القرن السابع الميلادي على أنه مجتمع في القرن العشرين، ويحاول أن يطوي كل هذه القرون ليأتي بمقارنة غير سليمة لم يعتبر فيها لواقع الزمان والمكان، بينما لو كان منصفاً لنظر إلى عبقرية هذه الصيغة في ذلك الزمن القديم الذي قام في مجتمع قبلي صحراوي يعرف سلطة الشيخ فيتحول إلى مجتمع يتراضى على الحاكم بصيغة ارتضاها الشعب ليكون الحاكم وكيلاً عنهم.
5. المذهبية (التأثر بمذهب المؤرخ)
ومن ذلك مغالاة اليعقوبي في مناصرة آل البيت والتنكر لبقية الخلفاء ، فكان لا يعترف بخلافة أحد من الخلفاء سوى خلافة علي بن أبي طالب وابنه الحسن رضي الله عنهما ،فهو عندما يذكر بقية الخلفاء يبدأ خلافتهم بقوله : ( أيام ..) ثم يذكر اسم الخليفة بما فيهم الخلفاء الراشيدن الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم.
وغيرها من الحوادث الغريبة والمنكرة.
6. التخصصية
التاريخ يؤخذ في الأصل من كتب التاريخ لا من الكتب الأخرى ككتب الأدب والقصاصين والإخباريين.
7. المصداقية
فبعض من يريد أن يتصيد لتاريخ المسلين يتجنب الرجوع إلى كتب التاريخ ويلجأ إلى كتب الأدب ومنها روايات باطلة لا تثبت مثل الاستناد إلى كتاب الأغاني للأصفهاني ومنها هذه الرواية الباطلة
وكذلك خبر أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان أخت الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز، وزوجة الوليد بن عبد الملك مع وضاح اليمن: قال أبو الفرج ( الأصفهاني):واخبرني علي بن سليمان الأخفش في كتاب "المغتالين" قال حدثنا أبو سعيد السكري، قال حدثنا محمد بن حبيب عن أبي الكلبي قال عشقت أم البنين وضاحا، فكانت ترسل إليه فيدخل إليها ويقيم عندها، فإذا خافت وارته في صندوق عندها وأقفلت عليه ... وذكر أن خادمها دخل عليها في إحدى المرات، ووشى بها إلى الوليد فدخل عليها هذا الأخير دون أن يذكر لها شيئا، فأمر خدمه بحمل الصندوق، وحفروا له بئرا ثم قذفوا به في البئر، فقال الوليد : إنه بلغنا شيء إن كان حقا فقد كفناك ودفناك ودفنا ذكرك وقطعنا أثرك إلى آخر الدهر، وإن كان باطلا فإنا دفنا الخشب وما أهون ذلك ، ثم ما رئي لوضاح أثر بعد ذلك في الدنيا إلى اليوم.
والحق أن آثار الصنعة والوضع ظاهرة في هذه الرواية، لما عرف عن أم البنين من الشرف والعفة، ثم لمخالفة هذه الرواية لما ورد عن طريق الثقات.
ميزان الحلقة:
من أراد الحق فأخطأه ليس كمن أراد الباطل فأصابه
http://www.suwaidan.com/node/6597