هل صحيح أن أعمار الدول أشبه بأعمار الانسان ؟
وما هي مراحل الدولة قياما وسقوطا ؟
وما هي صفات الجيل التي تكون على يديه نهاية الدولة وسقوطها ؟
وكيف كان سيناريو النهاية لدولة الخلافة الأموية ؟
ومتى لا يعود الإصلاح نافعا في انقاذ الدولة من السقوط؟
المقدمة
للدول في التاريخ آجال وأعمار، وأطوار الدول أشبه بأطوار الإنسان.. تبدأ بالطفولة، ثم الشباب والنضج، ثم الكهولة.
ودائماً نشأة الدول سواء ولدت من غلبة واستيلاء أو ثورة تكون في ارتباك واضطراب قد يصل إلى درجة غير محتملة من الشعب، حتى يظهر للناس أن ما كانوا فيه خير لهم مما هم فيه من حال، كما حصل في بدايات العهد العباسي حين ثار العباسيون على مروان بن محمد (الملقب بالحمار) آخر خلفاء بني أمية حيث ازداد اضطراب الدولة وكثر سفك الدماء.
مراحل أطوار الدول عند ابن خلدون
1.النشوء: وهو طور تأسيس الدولة سواء بالظفر والغلبة أو بالتأسيس على أنقاض دولة أخرى: وهي مرحلة عدم الاستقرار والاضطرابات وتفلت الأمن وكثرة الجريمة ، وقد تطول او تقصر حسب مهارة المؤسس والمعطيات العامة .
2. التفرد : محاولة تمكين الحكم ببعض من التفرد والاستبداد المباشر وغير المباشر ، والوطأة القوية والتخلص من الخصوم أو إضعافهم حتى يستقيم عود الدولة ويصلب قوامها.
3. الازدهار: أو التنمية حيث الطمأنينة والراحة والدعة والتمتع بالملك ، والانشغال بالصنائع والتنمية وكسب الأموال، ورفاهية الشعب وكثرة الأموال وازدهار العلوم والتعليم والهيبة والقوة..)
4. القناعة : حيث المسالمة والسكون والتقليد ( مع انتشار الملاهي واللعب وظهور الفجور والانحرافات الأخلاقية)، وهنا تبدأ بداية الهرم والتهالك حيث يكون التكرار والإعادة واستجرار القديم والوقوف عليه وعدم التجديد.
5. التحلل : حيث ينشأ جيل تربى على المجون والترف والإسراف ولم يعرف الجد والكفاح ولم تمر عليه فترات صعبة فيميل إلى اللين و الميوعة وعدم الإنتاجية بل الاعتماد على أعطيات الدولة فتتجه الدولة نحو الانهيار والزوال.
نظرية الأجيال
1. جيل البداوة: حيث تقوم الدولة على عصبية معينة، وتكون فيها الوشائج العرقية والأعراف الاجتماعية حاكمة وسائدة، يتصف جيل البداوة بالبساطة في كل شيء في العيش في العلاقات الاجتماعية في التحاكم.
2. جيل الحضارة أو المدنية: حيث التفنن في العمران وإحكام الصناعة والتمدد العمراني وازدهار التجارة والصناعة، وتحكم العلاقات والتصرفات بالقوانين لا بالأعراف.
3. جيل الترف: حيث تظهر ظاهرة الإسراف وتبديد الثروات والطاقات، ويميل الناس للدعة والراحة، وتضييع الحقوق.
جيل الترف
وهذا ما حصل في الجيل الأموي الذي كان على يديه انتهاء خلافة بني أمية حيث أنه في خلافة الوليد بن يزيد بعد أن انفجرت المشاكل في كل مكان وحدثت الانقسامات بين أبناء البيت الاموي وأصبح بأسهم بينهم شديد.
فرغم أن الوليد استهل عهده بزيادة رواتب الجند و اشتهر بصفات حسنة وميله الي فعل الخير كما أورد ابن كثير إلا أن الوليد لقي مصرعه علي اثر ثورة ضده بتدبير ابن عمه يزيد بن عبد الملك وبعض أبناء عمومته الاخرين، هشام وسليمان
،. وقد نجح هؤلاء في تلطيخ سمعة الوليد واتهموه بالفسق والفجور واللواط والعكوف علي شرب الخمر والغناء،
حتي اتهموه انه هم بأن يشرب الخمر فوق الكعبة عندما امره عمه هشام علي الحج سنة 119هـ كما اتهم بانه اهان المصحف الشريف إلي غير ذلك من التهم الشنيعة التي ألصقوها به،
والحقيقة ان هذه التهم مبالغ فيها، و تكاد تكون مختلقة بدافع الحقد والخصومة،
فبعض المصادر التاريخية تروي ما يدل علي ان الوليد لم يكن علي هذه الصورة الماجنة الفاجرة، فابن الاثير يروي ان الوليد كان عفا ذا مروءة وكان ينهى الناس عن الغناء لانه يزيد في الشهوة ويهدم المروءة،
ثم يقول وروى الطبري وتابعه ابن الاثير وابن كثير انه لما احاط اتباع يزيد ابن الوليد بالوليد بن يزيد في قصره وحصروه قبل أن يقتلوه، قالوا : (فدنا الوليد من الباب فقال اما فيكم رجل شريف له حسب وحياء اكلمه،
فقال له يزيد بن عنبسة السكسكي، كلمني قال له : من انت ؟ قال : انا يزيد بن عنبسة،
قال : يااخي السكاسك، الم ازد في اعطياتكم ؟ الم ارفع المؤن عنكم ؟ الم اعط فقرائكم ؟ الم اخدم زمانكم ؟
فقال :إنا ما ننقم عليك في أنفسنا، ولكن ننقم عليك في انتهاك ما حرم الله وشرب الخمر ونكاح أمهات أولاد ابيك واستخفافك بأمر الله، قال : حسبك يا أخا السكاسك فلعمري لقد اكثرت واغرقت وان فيما احل لي لسعة عما ذكرت
ورجع الي الوراء وأخذ مصحفا وقال يوم كيوم عثمان، ونشر المصحف يقرأ، ثم قتلوه، وكان آخر كلامه قبل أن يقتل، أما والله لئن قتلت لا يرتق فتقكم ولا يلم شعثكم ولا تجتمع كلمتكم) فهذا يدل علي ان التهم التي الصقت بالوليد كانت باطلة أشاعها حوله اعداؤه من أبناء اعمامه
والنتيجة أن الله أذن لدولة بني امية ان تزول وحق عليهم قول الله: (يخربون بيوتهم بأيديهم) ولم نبعد عن الصواب حين قلنا أن مقتل الوليد علي أيدي أبناء عمومته كان بداية النهاية لدولتهم ولم تجتمع لهم كلمة بعده كما حذرهم الوليد نفسه
وهذه الحوادث تتكرر عندما يبلغ الفساد قمته وهذا ما حدث في دول الربيع العربي.
مع ملاحظة أن هناك فرقا بين التنعم والترف :
- التنعم: حالة من الحياة الرغدة مع العدل والمساواة وعدم الإسراف.
- أما الترف: فهو حالة من حياة البذخ المصاحبة للطغيان والجشع والإسراف.
خصال جيل الترف المفسدة للدول والعالم:
1. بطر الحق ورفضه:
فالمترفون هم الأقرب في تكوينهم وتربيتهم لرفض الحق وإلى هذا أشار الله تعالى: { {وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم بها كافرون}.
2. الجشع والإسراف:
يتصف المترفون بالجشع والطمع والإسراف والتبذير، فيستهلكون من ثروات الدول والعالم ما لا يحتاجون إليه ويفيض عن ما فوق حوائجهم.
أسباب سقوط الحضارة:
1. الأخلاق : وهي قاعدة قرآنية قال تعالى : {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا}.
2. تراجع العدل وتضييع الحقوق:
وهو مصداق القاعدة النبوية في الحديث الشريف «إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد» [رواه البخاري].
3. القوة : والقوة هنا ليست محصورة بقوة الدولة العسكرية فقط بل قوة الدولة الاقتصادية والتنموية وموقعها في تقارير التنافسية وقوة الانجاز والأداء وقوة التعليم والصحة وغيرها بحيث يدب الوهن في مفاصل الدولة وتراجع في كل المجالات
4. انهيار الطبقة الوسطى
ـ فهناك طبقة النخبة القائدة والوجهة والتي تستأثر بالسلطة و الثروة
ـ وهناك الطبقة الفقيرة المهمشة الكادحة
ـ وهناك الطبقة الوسطى التي تعبر عن حيوية المجتمع وحراكه
وكلما ارتفعت الطبقة الوسطى واقتربت اوضاعها الاقتصادية من طبقة النخبة كلما زاد تحقيق العدالة الاجتماعية
وكلما اقتربت الطبقة الوسطى في أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية من الطبقة الفقيرة كلما زاد الظلم الطبقي واقتربت الدولة من الانهيار
ولعل هذا يفسر سر ثورات الربيع العربي والتي انقسمت مجتمعاتها بحدة بين طبقة قليل تملك السلطة والثروة وطبقة كبيرة من المعدمين مما فرغ الدولة من أسباب بقائها وتمسك الطبقة الوسطى باستمرارها.
الأسباب الداخلية أهم :
فالبعض يعتقد أن الغزو الخارجي هو السبب في سقوط الدول.
والحقيقة أن الغزو أو الاستعمار هي الأداة التي كشفت انهيار وهشاشة الدولة التي كانت مهيأة للسقوط والانهيار
وهذا هو سر انتصار الفتوحات الإسلامية على دولتي الفرس والروم رغم الجيوش الجرارة التي كانت تملكها لكنها وعلى المستوى الداخلي كانت ضعيفة وتشهد صراعات شديدة
أنواع السقوط:
1. السقوط بالاختفاء:
مثل سقوط الأندلس واختفائها من الخريطة كلية بعد أن كانت ملء السمع والبصر حيث بدأت
2.السقوط بالذوبان:
مثل ذوبان الحضارة الهندية في أمريكا الشمالية في الحضارة الغربية التي تعاملت بوحشية ظاهرة مع الهنود الحمر
3. السقوط بالتراجع :
مثل الخلافة العثمانية التي فتحت نصف أوربا وبلغت اوج عظمتها في عصر السلطان سليمان القانوني ثم تراجعت وتخلت عن الخلافة و تحولت إلى دولة مدنية واكتفت بهذا الدور
إعادة الإحياء
هذا الإحياء/الإصلاح يأخذ ثلاثة أشكال
1. الترف لم يبلغ مستوى مدمرا وبالتالي قد ينجح الإصلاح في تجديد أجل الدولة مثلما حدث في الخلافة العباسية من خلال تجديد عمر الدولة :
ـ إعادة الخليفة القادر ومن بعده ابنه الخليفة القائم لهيبة الخلافة بعد فترة ضعف وتحكم البويهيين في الخلافة قرابة القرن من الزمان
ـ ظهور السلاجقة كقوة دافعت عن كيان الدولة وقادت المعارك والتي كان من أشهرها ملاذكرد لألب أرسلان
ـ حركة الجهاد التي قادها آل زنكي عماد الدين وولده نور الدين وبعدهم صلاح الدين في صد المد الصليبي
2. أن الترف وصل مستوى لا عودة منه وبالتالي يفشل الإصلاح في تجديد الدولة فتنهار :مثلما حدث مع ملوك الطوائف الذين كانوا يحاربون بعضهم وربما استعانوا بالممالك الصليبية في شمال الأندلس ضد بعضهم البعض.
3. أن الترف والفساد يصارع الإصلاح فتتكون حالة من الجمود حتى يفقد الإصلاح آلياته ويصبح جزء من منظومة الفساد فتسقط الدولة
ميزان الحلقة: من يعتبر دعاوي الإصلاح الصادقة فتنة فإنما يعجل بنهاية الدولة والتاريخ لا يكذب ولا يجامل
http://www.suwaidan.com/node/6594