ما هي قواعد التي تعيننا على فهم التاريخ الإسلامي ؟
وهل للعقيدة دور أو أثر في صناعة الأحداث وتوجيهها ؟
وما هو الميزان المناسب لقياس عظمة الدول؟
وهل روايات المؤرخين مقدسة ؟
وكيف كان العطاء الحضاري في أوج الصراع الاموي العباسي؟
وكيف نجحت محاولات تنحية الشريعة ؟
ولماذا قال المعتمد بن عباد : رعي الجمال خير من رعي الخنازير؟!
المصادر للتاريخ:
1.القرآن والسنة
هما المصدر الصحيح والمرجع الموثق في التاريخ وأي تعارض مع مصدر آخر لا يعتد به.
القرآن ليس كتاب تاريخ ولكنه يورد الوقائع التاريخية لأهداف أخلاقية وعقائدية( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ..}
القرآن يتعامل مع التاريخ بمستويات مختلفة فهناك القصص التاريخي وهو يهم المؤرخين ، وهناك السنن التاريخية وهي تهم المفكرين ، وهناك الجانب الحضاري وهو يهم علماء الاجتماع.
2.التاريخ ليس السياسة فقط:
بل هو أدب وشعر وثقافة وفكر وإبداع وابتكار فالتاريخ ليس كتابا لتدوين أخبار الساسة والحروب والمؤامرات بل شاهد صادق على حركة الشعوب كما هو راصد أمين لحركة الأنظمة والحكام.
ولم تكن الاضطرابات السياسية تحول دون تطور الحركة العلمية وإسهامات الفكر الإسلامي ومثال ذلك الفترة التي شهدت أوج الصراع الأموي العباسي حيث لو رصدنا شخصيات الحضارة الإسلامية من غير السياسيين والعلماء والقادة لوجدنا أسماء هامة ففي سنة سقوط الخلافة الأموية في عام 132 هـ كانت أعمار العلماء كالتالي
ـ أبو حنيفة النعمان صاحب المدرسة الفقهية العظيمة 53 سنة.
ـ والإمام جعفر الصادق العابد الفقيه 52 سنة.
ـ والإمام مالك بن أنس فقيه المدينة المنورة وصاحب الموطأ 39 سنة.
ـ والفقيه العالم الليث بن سعد 38 سنة.
ـ واللغوي المبدع الخليل بن أحمد الفراهيدي 34 سنة .
ـ واللغوي ابن المقفع 27 سنة .
فكانت هذه الأسماء وغيرها خير دليل على وجود حركة علمية لا تتأثر بالصراع السياسي .
3.روايات المؤرخين غير مقدسة
فكثير من الروايات جائت منكرة وضعيفة ولا يأخذ بها
4.المنهج العلمي في التوثيق:
فمن المهم وصف وتوثيق الأحداث بعيدا عن أي مؤثرات اخرى كما حصل مع ابن الأثير الذي منعه حزن على مصير بغداد على يد التتار من الامتناع عن توثيق الحدث كمؤرخ موضوعي فقال ابن الأثير رحمه الله في كتابه الكامل في التاريخ تحت عنوان : ذكر خروج التتر إلى بلاد الإسلام : لقد بقيت عدة سنين معرضاً عن ذكر هذه الحادثة استعظاماً لها كارهاً لذكرها فأنا أقدم إليه رجلاً و أؤخر أخرى ، فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام و المسلمين ، ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك ، فياليت أمي لم تلدني ، و يا ليتني مت قبل هذا و كنت نسياً.
أثر الإسلام
1.العقيدة المحرك الأساسي للأحداث
على عكس بقية الأمم تاريخ الإسلام كان ترجمة لحركة القيام بتبليغ الأمانة ونشر الدعوة الإسلامية ولم تكن لدوافع مادية
وهناك سنة قرآنية وهو ربط النصر بالعقيدة القوية قال تعالى :( إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ). [محمد: 7].
2.الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع
فكانت الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع في المجتمع الإسلامي وحتى سقوط الدولة العثمانية.
واختلاف درجات المحافظة والالتزام بالدين لا يعني أن الشريعة لم تكن سائدة في بعض فترات الضعف والاضطراب
فمن محاولات تنحية الشريعه
• حدث مرة واحدة أن حاول أعداء الإسلام أن يغيروا قانون المسلمين في ديار الإسلام، ذلكم عندما اجتاحت جحافل التتار ديار المسلمين، وقضت على مركز الخلافة في بغداد سنة 656هـ، وكان التتار يتحاكمون إلى قانون سموه بـ(الياسق)، كما يذكر ذلك المقريزي و ابن كثير ، وهو قانون كانوا يتحاكمون إليه، وقد نقل ابن كثير في كتابه البداية والنهاية جملة من أحكام ذلك القانون، وهو قانون ظالم أخذه هولاكو من اليهودية والنصرانية والإسلام وما تبدى له من آراء. وحاول أن يفرض ذلك القانون على الأمة الإسلامية فما وجد عندها قبولاً، ولم يمض فترة طويلة من الزمان حتى داس التتار قانونهم بأرجلهم، وأخذوا شريعة الإسلام، وتغيرت وثنيتهم ليصبحوا جنداً من جند الإسلام، فالذين جاءوا ليحكموا بالياسق رفضوه، وإذا بدين المغلوبين يغلبهم ويأسرهم، وإذا بهم يتحولون إلى جيوش جرارة تقاتل لحساب الإسلام.
• وفي العصر الحديث، بدأت محاولات تنحية الشريعة في سنة 1798 - 1799م، عندما اجتاحت جيوش نابليون بونابرت مصر، وأراد أن يمكن للفرنسيين في دار الإسلام. لكن الصراع مع البريطانييين لم يسمح بإكمال المخطط..
• وفي سنة 1867م كانت هناك مفاوضات تجري بين مصر، وبين الدول الكبرى حول مشاكل القضاء في مصر بسبب تدخل قناصل الدول الكبرى فيما يجري من أحكام تخص رعاياهم، ثم كانت النتيجة: أن اتفقت تلك الدول مع مصر على إنشاء المحاكم المختلطة، وكلف نوبار باشا وزير خارجية مصر وكان نصرانيا كلف محامياً فرنسياً بأن يضع له قانوناً للمحاكم المختلطة، فنقل القانون الفرنسي الذي وضع في سنة 1804م من قبل نابليون ليحكم به فرنسا، وفي سنة 1883 نقل قانون المحاكم المختلطة إلى ما سمي بالمحاكم النظامية التي حكمت مصر من ذلك اليوم وإلى يومنا هذا، وقام ضدها علماء المسلمين، وصرخ معهم الناس، ولكن كانت بريطانيا قد دخلت بعد أن واجهها عرابي واحتلت مصر في (سنة 1882)، وأقرت تلك القوانين. وأخذت تنحصر وتضيق الأحكام الشرعية على الأحوال الشخصية الزواج، والطلاق، والميراث.
3. الإسلام وحد القوميات
في كتاب جورج سارتون(Introduction to the History of Science ) ذكر أنه منذ سنة 750 م إلى سنة 1100 م، وعلى مدار 350 سنة، كان معظم العلماء البارزين في العالم من العالم الإسلامي : جابر بن حيان، والخوارزمي، والرازي، والمسعودي، وأبو الوفاء، والبيروني، وعمر الخيام، كانوا مسلمين، عربًا وأتراكًا وأفغانًا وفرسًا، نبغوا في علوم الكيمياء والرياضة والطب والجغرافيا والطبيعة والفلك. وفي سنة 1100 م، ولمدة 250 سنة أخرى، ابتدأ اشتراك الأوروبيين مع علماء العالم الإسلامي، أمثال ابن رشد، والطوسي، وابن النفيس، وفي تلك الفترة قامت النهضة الأوروبية الحديثة التي بدأت بترجمة علوم العالم الإسلامي ودراستها والإضافة إليها، حتى يومنا هذا.
التفاعل الحضاري
1.التاريخ السياسي ليس هو الحضارة
فالتاريخ السياسي جزء صغير جدا من الحضارة
والحضارة لأمة في حقبة : هي منهجها الفكري المتشكل في إنتاجها المادي و المعنوي.
فالإنتاج المادي والمعنوي يتجاوز حروب الساسة وشكل السلطة وتاريخ رموزها
2.المسلمون منفتحون حضاريا
فمن خصائص الثقافة الإسلامية أنها ثقافة عالمية إنسانية تقوم على التسامح والتنوع والوسطية.
ومن بداية الدعوة كان الإسلام منفتحا على الثقافات الأخرى ومنها اقتراح الصحابة على النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ خاتما من فضة يختم به كتبه ورسائله كما تفعل الملوك حيث كانوا لا يقبلون كتابا بلا ختم.
ولا أدل على انفتاح المسلمين الحضارية من حركة الترجمة حيث بدأت في الخلافة العباسية أكبر حركة ترجمة في التاريخ الإنساني كله من شتي لغات أهل الأرض لأمهات الكتب العلمية والفلسفية المعاصرة .
3.عظمة الدول تقاس بالشرع.
فهناك خلط كبير بين العمران المادي وبين تحقيق التقدم الحضاري.
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك رسالة خاتمة وقيم عالمية تصلح للبشرية لم يترك مباني عالية أو قصور مبهرة.
وكان المسجد النبوي في غاية البساطة ، وكان فيه صفَّة يأوي إليها الفقراء والمساكين ممن لا دار لهم ولا مال ولا يجدون ما يعملون به فيكتسبون، وكان بناء المسجد يتكون من حيطان من اللبن والطين، ، وجعل سقفه من جريد النخل، وعمده من جذوعه، وفرشت أرضه من الرمال والحصباء، وجعلت له ثلاثة أبواب وحدث تغيير في عمارة المسجد حيث تم تحويل القبلة في العام الثاني من الهجرة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام.
وهذا لا بمنع من إقامة عمران حضاري فاخر ومتقدم لكن لا يكون على حساب الحاجات الأساسية للشعب وهي الحاجات المادية من مسكن وعمل وصحة وتعليم وبيئة نظيفة وآمنة والحاجات القيمية مثل حرية الفكر والتعبير واحترام ذاته وفكره.
4.تاريخ الأمة مترابط:
العصور التاريخية تعني تغيير النظام السياسي لا تغيير المجتمع والأمة.
عندما قوي أمر ألفونس السادس بالأندلس بعد استيلائه على طليطلة في سنة 478 بعد حصارٍ شديد،
لم يعد يقبل ضريبة المعتمد، وكانت ملوك الطّوائف يؤدون إليه ضريبة،
وأرسل إليه يتهدّده ويقول: تنزل عن الحصون التي بيدك،
فضرب المعتمد الرسول، وقتل من كان معه،
فبلغ ألفونس السادس الخبر وهو متوجّهٌ لحصار قرطبة،
فرجع إلى طليطلة لأخذ آلات الحصار،
فلما سمع مشايخ الإسلام ما حدث اجتمعوا واجتمع رأيهم عليه أن يكتبوا إلى يوسف بن تاشفين صاحب مراكش يستنجدونه،
فاخبر القاضي عبيد الله بن محمد بن أدهم المعتمد بما جرى، فوافقهم،
فلما رأت ملوك الطوائف ما عزم عليه المعتمد، خافوا سوء عاقبة ذلك،
وقالوا له: الملك عقيم، والسيفان لا يجتمعان في غمدٍ واحدٍ!
فأجابهم ابن عباد بكلمته السائرة مثلاً: رعي الجمال خير من رعي الخنازير!
أي أن كونه أسيرا لابن تاشفين يرعى جماله في الصحراء، خير من كونه أسيرا لابن فرناند، أسيراً يرعى خنازيره في قشتالة؛ وقال لمن لامه: يا قوم أنا من أمري على حالتين، حالة يقين وحالة شكٍ، ولا بد لي من إحداهما؛
أما حالة الشك فإني إن استندت إلى ابن تاشفين أو إلى ابن فرناند ففي الممكن أن يفيا لي ويبقيا علي، ويمكن ألا يفعلا؛ فهذه حالة الشك.
وأما حالة اليقين، فهي أني إن استندت إلى ابن تاشفين فأنا أرضي الله، وإن استندت إلى ابن فرذلند أسخطت الله، فإذا كانت حالة الشك فيها عارضة فلأي شيء أدع ما يرضى الله وآتي ما يسخطه!
ميزان الحلقة
كلما تعرفنا على تاريخنا أكثر كلما زاد اعتزازنا به وتمكنا من استلهامه في واقعنا المعاصر
http://www.suwaidan.com/node/6592