مقدمة
عندما نذكر كلمة تاريخ تقفز إلى الذهن أفكار محددة سواء سلبية أو إيجابية .
وعندما يكون اسم البرنامج تاريخنا فواضح اننا نقصد التاريخ الإسلامي الخاص بالأمة التي اختارها الله لحمل الرسالة الخاتمة.
والعجيب أن الصورة الذهنية للتاريخ لدينا تفتقد في أغلب الأحيان للنظرة الوسطية في التاريخ
فتاريخنا ينقسم بين فريقين :
الفريق الأول يرى تاريخنا قرآننا يمشي على الأرض ولا يتجاوز:
ـ الخلافة الراشدة والفتوحات العظيمة ومعركة القادسية واليرموك.
ـ الخلفاء العظام عمر بن عبد العزيز و محمد الفاتح وعبد الرحمن الداخل وصلاح الدين وقطز.
ـ ومعارك خالدة كحطين و عين جالوت وملاذ كرد .
ـ وحضارة غير مسبوقة بابن تيمية والزهراوي وابن رشد والغزالي.
ويختصر التاريخ بين صرختين تعبران عن العزة والفخر : وامعتصماه و واإسلاماه !!
الفريق الثاني يرى تاريخنا يفيض بالدماء والسيوف والاستبداد والظلم ولا يتجاوز :
ـ فتن وحروب داخلية و حكومات مستبدة وملوك طوائف وولاة وخونة .
ـ وقصور ومؤامرات و دسائس وعلماء سلاطين وتنافس على الدنيا.
ـ وطوائف متصارعة سنة وشيعة وخوارج ومعتزلة وباطنية وزنادقة وحشاشين ومنافقين وحركات هدامة.
ـ ومجالس أنس وشراب ولهو وجواري ورقص وخمر ومجون وفواحش وسقوط.
ويختصر هذا الفريق التاريخ بين مدينتين بغداد التي احرقها المغول والقدس التي احتلها الصليبيون!!
واعتبرنا إعادة الرؤية الوسطية للتاريخ سببا هاما من أسباب هذا البرنامج لكنه ليس السبب الوحيد
الحقيقة أن الاهتمام بتقييم مناهج النظر بالتاريخ ليس جديدا ، وهناك مطالبات عديدة بإعادة كتابة التاريخ .
والقرآن الكريم يحثنا على هذه المهمة قال تعالى : {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ } آل عمران:137 .
الجديد في هذا البرنامج يمكن أن ندركه من الاسم وهو تاريخنا في الميزان ، و بهذا الميزان يمكن أن تحقق خماسية الموازين التالية:
أولا: الموازنة بين الواقع والخرافة
أو بين الصحيح من أحداث التاريخ والموضوع أو المفترى الذي لا أصل له.
وهذا يستدعي أن نخصص بعض حلقات البرنامج للحديث عن بعض الأخطاء التي وقع بها المؤرخون وكذلك أخطاء في كتابة التاريخ وتحليله.
خاصة وأن تاريخنا العظيم شهد حركة توثيق هامة وعلوم مرتبطة به مثل حركة جمع الحديث النبوي الشريف و علم الجرح والتعديل وتدقيق السند والمتن.
كما شهد للأسف حجم تزوير كبير ووضع لكثير من الحوادث المختلقة التي لا أصل لها بسبب محاولة كل طائفة وفريق توفير براهين وأدلة تسند مذهبهم الديني ومنهجهم الفكري في مواجهة التيار الكبير والأساسي في الأمة وهو اهل السنة الجماعة .
وسنخصص أيضا بعض حلقات البرنامج لإبراز الأهداف التي تكمن خلف تشويه التاريخ والوسائل التي تم بها هذا التشويه.
ولكن هذا لا يعني أن التاريخ لم يمر به أحداث حقيقية لكنها تكاد لمثاليتها المفرطة قد لا تصدق وكأنها ضرب من الخيال .
من ذلك أن ابنةً لعمر بن عبد العزيز بعثت إليه بلؤلؤةٍ وقالت له: إن رأيت أن تبعث لي بأختٍ لها، حتى أجعلها في أذني فلم يردَّ عليها بالإجابةِ ولا بالرفض، وإنما الأمر مرتبطٌ بصبرها على الجمر؛ إذ أرسل لها بجمرتين، وقال لها: إن استطعتِ أن تجعلي هاتين الجمرتين في إذنيكِ بعثت إليك بأختٍ لها، فكان جوابًا مقنعًا لها.
أو عندما شهد الفضل بن الربيع وزير الخليفة هارون الرشيد في عز الأمة وسيادتها عند عند أبي يوسف القاضي، فرد شهادته فعاتبه الخليفة هارون الرشيد، قال له:يا أبا يوسف لمَ رددت شهادة الوزير؟قال يا أمير المؤمنين سمعته يقول لك : أنا عبدك فإن كان صادقاً في هذا الكلام فلا شهادة للعبد، وإن كان كاذباً فلا شهادة لكاذب!!
ثانيا: الموازنة بين الماضي والمستقبل
هناك من يعيش على أحلام وأمجاد الماضي وكلما ذكرت انجازات الدول المتقدمة وابتكاراتها المادية هرولنا لكتب التاريخ لنستحضر ما قدم علماؤنا في الحضارة من ابتكارات واختراعات كانت هي الأساس لكثير من المكتشفات الحديثة.
هذا الأسر النفسي والفكري للماضي يحجب عنا المستقبل وسبل تلمس الطريق لإنقاذ أمتنا من واقعها المتخلف.
فالأصل أن نوازن بين تاريخنا العظيم وحاضرنا ومستقبلنا من خلال معرفة واستخلاص دروس وعبر الماضي من اجل تراكم معرفي من التجارب ينير الطريق للنهضة القادمة.
ثالثا : الموازنة بين الأصول والفروع
فعندما نريد ان نتعرف على تاريخنا نلجأ إلى كتب الفروع من التاريخ ونهمل كتب الأصول وذلك لأسباب كثيرة منها:
ـ استرسال كتب الأصول في الروايات الطويلة.
ـ لغة كتب الأصول التي تحتاج لتركيز وفك لبعض معاني كلماتها.
ـ تأثير طول السند على ملل وانصراف القارئ .
ـ ضعف أدوات تحقيق الروايات والترجيح بينها.
ـ بينما كتب الفروع تمتاز بسلاسة التصنيف التقسيم وبلغة معاصرة سهلة وفهارس تفصيلية وحسن عرض .
لكن هذا لا يعني إهمال كتب الأصول ففيها مزايا كثيرة منها:
ـ أنها الأقرب زمنيا وربما مكانيا للحدث التاريخي.
ـ حفظ سلسلة الرواة مما يمكن في المستقبل من نقدها وتقييمها.
ـ عدم تلون تلك الكتب بالمنهاج المادية المعاصرة ومحاولة إسقاط تلك التوجهات على تحليل التاريخ.
ـ موسوعية المؤلفين وقوة الذاكرة ودقة النقل.
ـ ومن المهم كذلك الحديث في هذا البرنامج عن جناية الأدب على التاريخ خاصة مع اعتماد الكثير من المؤلفين المعاصرين على كتب الأدب بدلا من كتب التاريخ في مصادر معلوماتهم مما أوجد نتائج مجافية للحقيقة بناء على روايات كتب الأدب التي تطفح بالقصص الموضوعة التي لا أصل لها وتناقض كتب التاريخ.
رابعا : الموازنة بين العاطفة والعقل
فهناك خلط شديد بين حبنا لأمتنا وتاريخها وبين إعمال العقل في النصوص التاريخية ونقدها وفق المنهج العلمي السليم.
فالعاطفة تسوقنا لنسجل كل الفضائل مع ما فيها من مبالغات لشخصيات ورموز نحبها ونخفي كل عيوب تلك الشخصيات والتي ممكن أن تكون عيوب عادية ومقبولة مثل وجود حدة أو غضب أو ضعف البيان والكلام مثلا.
والعكس صحيح حيث العاطفة تجعلنا نلصق كل منقصة وعيب بالشخصيات التي نكرهها فنبالغ في صورتها السيئة ونلصق بها نقائص تحولها إلى شخصية شيطانية خالصة.
وهذا الأمر ينطبق على العصر الجاهلي الذي لم يقدم بتوازن على حقيقته ولم تبرز صفات ومهارات العرب التي جعلت الله يختارهم للقيام برسالة الإسلام الخاتمة للبشرية ولذلك سنخصص حلقات لهذا الموضوع الهام.
خامسا : الموازنة بين المثالية والواقعية
فهناك من لا يفرق بين القيم الإسلامية والنصوص الشرعية التي جاءت في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة وبين تطبيقات هذه القيم وفهم المسلمين للنصوص وإنزالها على أرض الواقع.
ويعتبر أي طعن في التاريخ الإسلامي إنما هو طعن في الإسلام نفسه وهذا فهم خطير ومغلوط .
ولذلك تعرضنا في الكثير من حلقات البرنامج لبعض القضايا التي تناثرت بين كتب التاريخ مثل المال العام وبطانة السوء ودور العلماء العاملين وقضية العدالة في تقييم الناس.
أهدافنا الأساسية من هذه الموازنات هي:
ـ إزالة غبار الأوهام عن صفحات العز والمجد.
ـ كشف الخلل المنهجي في تناول التاريخ وكتابته والوعي بالذات الحضارية.
ـ تبشير الشباب والطليعة المبادرة بقدرة هذه الأمة على الانبعاث من جديد من خلال شواهد التاريخ .
ـ تقديم الوسطية المنهجية في تناول التاريخ بعيدا عن ثنائية المقدس و المدنس.
ـ تقديم ثروة من القدوات والشخصيات الإسلامية التي تشع من ثنايا التاريخ وأحداثه الفاصلة.
ـ مقاومة كل تشويه لتاريخ الأمة يريد النيل من همم السواعد الناهضة نحو القمة.
وهنا يجب التأكيد أن آثار التاريخ على واقعنا كبيرة وخطيرة فجزء من اختلاف الأمة اليوم إنما مرجعه للروايات التاريخية في اختلاف السابقين وتحليلنا لتلك الاختلافات ورؤيتنا لها.
وسنشهد في الحلقات القادمة من البرنامج الكثير من هذه الأهداف والتوجهات للبرنامج الذي حرصنا على أن يكون الشكل الفني له لا يقل جودة عن المحتوى الموضوعي الذي اخترنا مواضيعها من بين عشرات المواضيع ومئات الوقائع التاريخية.
وقد قسمنا حلقات البرنامج في خماسيات موضوعية سوف تشمل :
ـ خماسية القواعد التأسيسية
ـ خماسية تقويم التاريخ
ـ خماسية من الجاهلية إلى الإسلام
ـ خماسية قضايا التاريخ
ـ خماسية النخبة من الأمراء والعلماء
ـ خماسية التاريخ والأدب
وحتى نحافظ على مفهوم الموازين الذي ذكرنها في بداية الحلقات سنختم كل حلقة بإذن الله بميزان مختار يعبر عن هدف الحلقة وموضوعها.
ميزان الحلقة
لا يمكن فهم الحاضر وتوقع المستقبل دون معرفة التاريخ فهو فلسفة تشرحها أحداثه وسننه
http://www.suwaidan.com/node/6591