د. سعد الشثري
صفة الصلاة (2)
وقد يمرُّ علينا شيءٌ من الخلافات الفقهيَّة بين السَّادة الفقهاء، ولكن ليس معنى هذا أنَّ الغالب في المسائل هو الخلاف.
فمثلًا في الصلاة: أساس الصلاة وأركانها محل اتِّفاقٍ بين الفقهاء، فلا تجد فقيهًا يقول: لا تُكبِّر تكبيرةَ الإحرام، ولا تجد فقيهًا يقول: لا تقرأ سورة الفاتحة، ولا تجد فقيهًا يقول: لا تركع، أو لا تسجد، أو لا تجلس للتَّشهد؛ فكلُّ هذه مسائل محل اتِّفاقٍ.
فجوهر الصلاة وعظمها وأركانها محلُّ اتِّفاقٍ بين الفقهاء، ولكن المسائل الخلافية مسائل يسيرة بالنسبة لأصول مسائل الصَّلاة، والمسائل الخلافية لها أسباب، ولها ثمرات ونتائج.
فأمَّا الأسباب: فقد لا تصل بعضُ الأحاديث لبعض الفقهاء، فتخفى عليه السُّنة ولا يعرفها.
وقد يكون ذلك الفقيه ظنَّ أنَّ تلك السُّنة لم تثبت، أو أنَّه يُقابلها ما هو أقوى منها من الأدلة، ولا يكون الأمرُ كذلك.
وقد يكون الاختلافُ بسبب إساءة الأتباع لفهم كلام الإمام، إلى غير ذلك من الأسباب.
وهذا الخلافُ له ثمرات عظيمةٌ وكثيرةٌ، فمن تلك الثَّمرات:
- نماء البحث العلمي: فيتباحث الناسُ في مسائل الصلاة، ويتعرَّفون على أحكامها؛ لأنَّهم متى اختلفوا تباحثوا وتناقشوا، وردَّ بعضُهم على بعضٍ، فكان ذلك من أسباب ازدهار العلم ونمائه.
نأتي إلى موضوعنا وهو صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد ذكرنا شيئًا من المُقدِّمات والشُّروط في مجلسنا الماضي، وفي هذا المجلس -بإذن الله عز وجل- ندخل في صفة الصلاة.
أول ذلك: إذا استقبل الإنسانُ القبلةَ يجب عليه أن يُصلي قائمًا، فإنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يُصلِّ شيئًا من الفرائض إلا وهو قائمٌ، وقد قال -صلى الله عليه وسلم: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ»، كما في الصَّحيح من حديث عمران -رضي الله عنه.
ولما جاء الرجلُ الذي أساء في صلاته قال له النبيُّ -صلى الله عليه وسلم: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ»، معناه أنَّ القيام ركنٌ من أركان الصَّلوات.
ثم يستقبل الإنسانُ القبلةَ، وينوي الدُّخولَ في الصلاة، والنية محلها القلب كما هو مفهوم النية في لغة العرب.
وقد قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»، فإذا قصد الإنسانُ الصلاةَ يكون قد نوى، وإذا علم أنَّه بعد قليلٍ سيُصلي يكون بذلك قد نوى الدُّخولَ في الصلاة.
أمَّا التَّلفُّظ بالنية فلم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه تلفَّظ بالنية، ولذلك فهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- هو عدم التَّلفُّظ بالنية.
بعد ذلك يُشرع للإنسان أن يُكبِّر، وبه يدخل في الصلاة، والتَّكبير يكون بقول: الله أكبـر.
وعند أحمد ومالك لا يُجزِئ إلا هذه اللَّفظة، فلو قال: الله الأكبر؛ لم يُجزئه، خلافًا للشافعي. ولو قال: الله أعظم، لم يُجزئه، خلافًا للإمام أبي حنيفة.
وكلامنا في نقل صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يُؤثر عنه -صلى الله عليه وسلم- إلا لفظ التَّكبير في دخوله للصلاة، وفي انتقاله بين أركان الصَّلاة.
وقد جاء في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- "كان يُكبِّر في كلِّ خفضٍ ورفعٍ"، فهذا يشمل ما لو سجد سجود التِّلاوة في أثناء الصلاة، فإنَّ هذا يُقال له: خفضٌ ورفعٌ.
ومن ثَمَّ يُشرع له أن يُكبِّر عند ذهابه لسجود التِّلاوة، وعند رفعه منه.
تكبيرة الإحرام يتذكَّر الإنسانُ بها أنَّ الله أكبر من كلِّ شيءٍ، ومن ثَمَّ يترك الهموم، ويترك الأفكارَ، ويُقبِل على صلاته؛ لأنَّه بذلك يُناجِي ربَّه كما ورد في الحديث الصَّحيح.
وإذا كبَّر الإنسانُ استحضر الخشوعَ، والخشوع معنى عظيم في الصَّلاة يُؤثِّر في قلب المُصلي، وخشوع الإنسان له أسبابٌ، من تلك الأسباب:
- أن يتفكَّر فيما سيقرؤه في أثناء صلواته، فعندما تتفكر في قراءتك تكون بذلك ممن خشع في أثناء الصلاة.
- هكذا عندما تحرص على تطبيق السُّنة في جميع أفعالك في الصَّلاة تكون بذلك ممن خشع في الصلاة.
وإذا استحضرت كيف تضع يديك، وكيف تضع قدميك، وكيف تضع ركبتيك، ونحو ذلك؛ حينئذٍ تكون قد تقرَّبت لله -عز وجل- بهذه الأفعال، وفي نفس الوقت يكون ذلك من أسباب خشوعك في الصلاة.
قال الله -جل وعلا: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: 1، 2].
ويُستحَبُّ للإنسان عند تكبيرة الإحرام أن يرفع يديه حذو منكبيه.
ما المَنْكِب؟
المَفْصِل الذي يكون بين الكتف والعَضُد، فهذا هو المنكب.
ويُستحب له -على الصَّحيح- أن تكون أطرافُ أصابعه عند فروع أُذنيه.
جاء في حديث ابن عمر وأبي حميدٍ وغيرهما أنَّهم قالوا أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- "كان يرفع يديه حَذْو مَنْكِبَيه".
وفي حديث أبي هريرة أنَّه "كان يرفع يديه إلى فروع أُذُنيه".
فنجمع بينهما بأن يكون أسفلُ الكَفِّ حذو المَنْكِبين، وأن تكون الأصابعُ عند فروع الأُذنين، وبذلك نجمع بين الأحاديث الواردة في هذا الباب.
ورفع اليدين في هذا الموطن محلُّ إجماعٍ بين العلماء، وقد ورد رفعُ اليدين عند تكبيرة الإحرام، وعند تكبيرة الركوع، وعند الرفع من الركوع، وعند الرفع من التَّشهد الأول إلى الركعة الثالثة.
فهذه المواطن الأربعة يُستَحَبُّ للإنسان أن يرفع يديه إلى منكبيه فيها، وتكون أصابعه مضمومةً ممدودةً بعضها إلى جنب بعضٍ، لا فراغات بينها، ممدودة غير مقبوضةٍ.
قال أبو حُمَيْدٍ السَّاعدي: "كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إذا كبَّر رفع يديه حَذْو منكبيه، وإذا ركع، وإذا رفع".
وجاء في حديث ابن عمر إثبات الموطن الرابع: عند القيام من التَّشهد الأول.
بعد ذلك أين يضع يديه؟
قال جمهورُ أهل العلم بأنَّه يضع اليد اليمنى على اليد اليسرى؛ لِمَا ورد من حديث جماعةٍ في صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه كان يضع يده اليمنى على يده اليُسرى، وقد أخبر بعضُ الصَّحابة أنَّ هذا الفعل من السُّنة.
وبهذا قال جمهورُ أهل العلم.
وقال بعضُ المالكيَّة أنَّه يُستَحَبُّ أن يَسْدِلَ يديه، وألا يضع اليد اليمنى على اليد اليسرى، وأخذوا ذلك من فعل الإمام مالك، فإنَّ الإمام مالك لما أفتى بأنَّ أيمان المُكْرَه غير لازمةٍ ضربه بعضُ الولاة؛ لأنَّهم خشوا أن يأخذ بعضُ الناس بهذه الفتوى، فلا يلتزموا بطاعة الولاة؛ فضربوه حتى انخلعت كتفه -رحمه الله- فكان لا يستطيع أن يرفع يديه وأن يقبضهما، فظنَّ أصحابُه وتلاميذه أنَّه يقول أنَّ السُّنة في هذا الباب كذلك، وإلا فالإمام مالك قد نصَّ في كتاب "الموطأ" على استحباب وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى.
ولذلك تكلَّم بعضُ فقهاء المالكية على غيره من الفقهاء بالتَّشنيع عليهم في هذا الباب، فمثلًا لو شاهدت كلامَ الإمام ابن عبد البر في هذا الباب وفي شرحه في "التَّمهيد" لوجدته ينصُّ صراحةً على أنَّ مذهب الإمام مالك -رحمه الله- هو قبض اليد اليسرى باليد اليمنى.
أين تُوضَع؟
ليس في ذلك أحاديث ثابتةٌ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وورد في حديث أنَّه على الصَّدر، لكن فيه راوٍ مُتكلَّمٌ فيه عند ابن حبَّان، وورد أنَّه يضعه فوق السُّرَّة، وأنَّه تحت السُّرَّة، وكلها أحاديث لم تثبت عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم.
وبكلِّ محلٍّ من هذه المحالِّ أخذ بعضُ الفقهاء، لكن بما أنَّ الباب لم يثبت فيه شيءٌ فنقول: الأمر في هذا واسعٌ، فلا فرقَ بين موطنٍ وموطنٍ آخر.
كيف يقبض يده اليسرى بيده اليمنى؟
ورد أنَّه يقبض اليد باليد، وورد أنَّه يقبض السَّاعدَ ويقبض المَفْصِل.
ولذلك نقول: المُستَحَبُّ في هذا الباب أن يضع الإنسانُ يدَه اليمنى بحيث تكون على جزءٍ من كفِّه، وعلى المَفْصِل، وعلى جزءٍ من السَّاعد، وبذلك يكون قد امتثل الأحاديث الواردة في هذا الباب.
ماذا يقرأ بعد هذا؟
قال جمهورُ أهل العلم: يُستَحَبُّ له أن يدعو بدعاء الاستفتاح، وقد وردت في ذلك ألفاظٌ متعددةٌ، منها ما ورد في حديث أبي هريرة أنَّه سأل النبيَّ -صلى الله عليه وسلم: رأيت إسكاتتك بين التَّكبير والقراءة ما تقول فيها؟
فقال: «أَقُولُ: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ».
والإمام الشَّافعي اختار ما ورد في حديث عليٍّ أنَّه يقول في دعاء الاستفتاح: «وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ...»، إلى آخر ما ورد في الآية.
والإمام أحمد كان يختار أن يقول: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، تَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ»، كما ورد ذلك مرفوعًا للنبي -صلى الله عليه وسلم- وموقوفًا على عمر -رضي الله عنه.
وكلُّ هذه واردة.
والإمام مالك كان يقول بعدم مشروعية دعاء الاستفتاح؛ لأنَّه قد ورد في حديث أنس أنَّه قال: "كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر يفتتحون الصلاة بـ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ﴾ [الفاتحة: 2] ".
ولذلك قال بعدم مشروعية دعاء الاستفتاح.
وقال الجمهورُ بأنَّ حديث أنس يُراد به ما يتعلَّق بالقراءة والجهر بها، بخلاف ما يُسِرُّ به.
وبعد دعاء الاستفتاح يستعيذ من الشَّيطان، ويُبَسْمِل، فإن كان في الصلاة السِّريَّة فلا إشكالَ أنَّه يُبَسْمِل سرًّا، وأمَّا بالنسبة للصلاة الجهريَّة فعند الإمام الشَّافعي أنَّه يُستَحَبُّ له أن يجهر بالبسملة، واستدلَّ على ذلك بأن قال: "هي آيةٌ من سورة الفاتحة"؛ ولذلك يرى كثيرٌ من الشَّافعية بطلان صلاة مَن لم يقرأ بالبسملة.
والصَّواب: أنَّ البسملة ليست آيةً من سورة الفاتحة، وإنما هي آيةٌ للفصل بين السور، وفي مُقدِّمة السور؛ وذلك لما ورد في الصَّحيح من حديث أبي هريرة أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «قَالَ اللهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ﴾.
قَالَ اللهُ: حَمِدَنِي عَبْدِي.
وَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾.
قَالَ اللهُ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي.
وَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾.
قَالَ اللهُ: مَجَّدَنِي عَبْدِي.
وَإِذَا قَالَ: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾.
قَالَ اللهُ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ.
وَإِذَا قَرَأَ بَقِيَّةَ السُّورَةِ قَالَ اللهُ: هَذَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ».
فلم يذكر البسملة؛ مما يدلُّ على أنَّ البسملة ليست آيةً من سورة الفاتحة، ومن ثَمَّ يُقال بعدم استحباب الجهر بها في الصَّلوات الجهرية.
ثم بعد ذلك يقرأ سورةَ الفاتحة، وسورة الفاتحة ركنٌ في الصلاة، هذا بالنسبة للإمام والمُنفرد، فإنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قد قال: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ»، وأخبر أنَّ الصلاة التي لا يُقرَأ فيها بفاتحة الكتاب خِدَاجٌ، يعني ناقصة.
أمَّا بالنسبة للمأموم:
فقد اختلف الفقهاءُ في حكم قراءة الفاتحة بالنسبة للمأموم على ثلاثة أقوالٍ مشهورة:
القول الأول: أنَّ قراءة الفاتحة للمأموم مُستحبَّة في الصَّلوات الجهرية، والصَّلوات السِّرية، وليست بواجبةٍ.
والقول الثاني: أنَّها واجبةٌ في السِّرية دون الجهرية.
والقول الثالث: أنَّ قراءة الفاتحة واجبةٌ في الصَّلوات الجهرية، والصَّلوات السرية.
ومعنى كونها واجبة: أنَّها تسقط حال العُذْر كما لو لم يُدرك الإنسانُ إلا الركوعَ، فإنَّه يُدرِك بذلك الركعةَ كما في حديث أبي بكرةَ لما أقرَّه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- على احتساب الركعة بإدراكه للرُّكوع؛ فدلَّ هذا على أنَّ قراءة الفاتحة ليست بركنٍ.
وأمَّا كونها واجبةً فهذا هو الراجح من أقوال أهل العلم، وهو مذهب الإمام الشَّافعي -رحمه الله- خلافًا لجمهور الفقهاء.
ودليل ذلك: ما ورد في سُنن أبي داود أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بأصحابه، فلمَّا فرغ من الصَّلاة قال: «مَنْ ذَا الَّذِي يُنَازِعُنِي بِالْقِرَاءَةِ؟». ثم قال -صلى الله عليه وسلم: «لَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ؛ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ»، وهذا الخطاب مُوجَّهٌ للمأموم، وليس مُوجَّهًا للإمام ولا للمُنفرد.
وهذا الحديث من رواية ابن إسحاق صاحب السِّيرة، وهو صدوقٌ لكنَّه يُدَلِّس، فلا يُقبَل ما لم يُصرِّح فيه بالتَّحديث، وقد صرَّح بالتَّحديث كما ورد في بعض أسانيد -أو طرق- هذا الحديث.
ولذلك قلنا أنَّ قراءة الفاتحة من الواجبات.
وعلى الإنسان أن يتعلم قراءةَ الفاتحة، وأن يضبطها، وأن ينطقها على وَفْق لغة العرب بمخارج الحروف المُعتادة عند العرب، وأن يتعلم ذلك.
وإذا عجز الإنسانُ عن حفظها أمكنه أن يكتبها، وأن يستمع إليها، وأن يقرأها في أثناء صلاته.
ثم بعد ذلك يُستَحَبُّ له أن يقرأ سورةً بعد سورة الفاتحة، وذلك في الرَّكعتين الأُوليين من الصَّلوات، وكان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الصَّلوات الجهريَّة ويجهر بالقراءة، وقد قال -صلى الله عليه وسلم: «وَإِذَا قَرَأَ -يعني الإمام- فَأَنْصِتُوا»، أي استمعوا لقراءته.
وقد قال الله -عز وجل: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأعراف: 204].
وقد حُكِيَ اتِّفاق الصَّحابة على أنَّ هذه الآية يدخل في مدلولها قراءة الإمام في الصَّلوات.
ثم بعد ذلك يُستَحَبُّ للإنسان أن يسكت قليلًا في أثناء القراءة، وقد ورد في بعض الأحاديث أنَّه "كان يسكت بعد القراءة".
فاختلف الفقهاءُ في هذه اللَّفظة: هل المراد بها أنَّه يسكت بعد قراءة الفاتحة أو أنَّه يسكت بعد تمام القراءة وقبل الرُّكوع؟
وللعلماء في ذلك قولان مشهوران، ويظهر لي أنَّ المراد بالحديث السكوت بعد قراءة الفاتحة، وقبل قراءة السُّورة الأخرى.
وكان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُنَوِّع بين القراءة، فيقرأ مرةً بقصار السور، ومرةً بطوالها، وكان الغالبُ في صلاة الفجر أن يُطَوِّل في القراءة؛ وذلك لقوله تعالى: ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ [الإسراء: 78].
وأمَّا بالنسبة لصلاة المغرب: فكان يقرأ فيها بقصار السُّور، وربما قرأ فيها بالمتوسط منها، فقرأ مرةً بالمُرسلات، ومرةً بالطور، وربما قرأ بالطِّوال، فقد ورد عنه -صلى الله عليه وسلم- أنَّه "قرأ بسورة الأعراف في صلاة المغرب".
وأمَّا بالنسبة لصلاة العشاء: فقد أرشد النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- معاذَ بن جبلٍ إلى أن يقرأ في صلاة العشاء بـ: "سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى" والغاشية، وما تلاهما من السور.
وأمَّا بالنسبة لصلاة الفجر: فكان -كما تقدم- يُطيل القراءة، وربما قلَّل القراءة، وفقد ورد عنه -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قرأ في سورة الفجر بسورة "والتين"، ولكن أكثر أهل العلم يقولون أنَّه قرأها في السفر، ولم يقرأها في الحضر.
ثم بعد ذلك يُكبِّر، وهذه التَّكبيرة تكبيرة الرُّكوع، فيركع ويُكبِّر في أثناء الركوع.
ويُستَحَبُّ أن تكون التكبيرة في أثناء الانتقال، بحيث يبتدئ بها مع بدء الانتقال، وينتهي مع انتهاء الانتقال، واستقراره في الرُّكوع، فقد كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُكبِّر في الركوع في كلِّ خفضٍ ورفعٍ، وجعل هذا التَّكبير للانتقال، ولذلك قلنا يُستحب أن يكون التكبير في أثناء الانتقال.
وإذا كبَّر في أثناء انتقاله يُستَحبُّ له في هذه الحالة أن يرفع يديه -كما تقدم- وقد ورد ذلك في الأحاديث الصَّحيحة.
ورفع اليدين هو قول جماهير أهل العلم؛ خلافًا للإمام أبي حنيفة، وقد ورد في رفع اليدين في هذا الموطن عن قُرابة خمسة عشر صحابيًّا.
والإمام أبو حنيفة يستدلُّ بما ورد في السُّنن من حديث ابن مسعود: "كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام، ثم لا يعود".
ولكن هذا الحديث ضعيفُ الإسناد جدًّا، ولم يثبت عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- ومن ثَمَّ قيل باستحباب رفع اليدين في المواطن الثلاثة الأخرى.
وإذا كبَّر للركوع وركع فإنَّه حينئذٍ يُساوي ظهرَه، وقد ورد في حديثٍ لأبي حُمَيدٍ قال: "ثم هَصَرَ ظهرَه".
وقد ورد في بعض الألفاظ: "أنَّه يُساوي رأسه مع ظهره، وأنَّه لو صُبَّ الماءُ على ظهره لم يسقط منه شيءٌ"، كما ورد ذلك في الخبر.
وقد ورد في الحديث أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- "إذا ركع أمكن يديه من ركبتيه".
وكانوا في أول الإسلام يضعون اليدين بين الرُّكبتين، ثم بعد ذلك نُسِخ فجُعل وضع اليدين على الرُّكبتين.
ويُشرع أن يُفرِّق بين أصابعه، وقد ورد أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- "كان يُجافي بين يديه وعَضُدَيه"، فيجعل بينهما مجالًا، ولا يُلصِق اليد بالجنب.
ثم بعد ذلك يقول في أثناء الرُّكوع: "سبحان ربي العظيم"؛ وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «أَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ».
وورد في الحديث أنَّه لما نزل قوله تعالى: ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ﴾ [الواقعة: 74] قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم: «اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ».
ويُستَحَبُّ عند العلماء أن يقولها ثلاثًا، والواجب عند أحمد أن يقولها واحدةً، والجمهور يقولون أنَّها من المُسْتَحَبَّات.
ومذهب أحمد في القول بالوجوب أرجح؛ لأنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أمر بذلك فقال: «اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ»، وقال: «فَعَظِّمُوا»، والأصل في ألفاظ الأوامر أن تكون للوجوب، ولكنَّها ليست من الأركان، فمَن تركها نسيانًا لم تبطل صلاتُه بذلك، بخلاف مَن ترك الركوع.
ثم بعد ذلك يرفع من الركوع ويقول: "سمع الله لمَن حمده"، بمعنى: استجاب الله -جل وعلا- لمَن يحمده.
وحينئذٍ نقول: يُستَحَبُّ لمَن يدعو الله أن يحمد الله -جل وعلا- في أثناء الدُّعاء، وأن يتقرَّب بذلك لله -جل وعلا- ليكون ذلك من أسباب استجابة الدُّعاء.
وقد ورد في الحديث أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- سمع رجلًا يدعو لم يحمد الله في دعائه ولم يُصَلِّ على نبيه، فقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ عَجِلَ هَذَا»، ثم أرشد أصحابَه إلى أن يحمدوا الله، وأن يُصلوا على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في دعائهم.
ثم بعد ذلك يقف ويعود إلى وقوفه السَّابق، والنبيُّ -صلى الله عليه وسلم- قد قال: «وَإِذَا قَالَ -يعني الإمام- سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ».
وقد وردت بألفاظٍ متعددةٍ:
- ورد بلفظ: «رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ».
- و «رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» بزيادة الواو.
- وورد بلفظ: «اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ» بزيادة "اللهم".
- وورد بلفظ: «اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» بزيادة "اللهم" والواو.
وكلها ثابتة في الصَّحيح.
وإذا قال الإنسانُ أيَّ هذه الألفاظ فإنَّه يُجزئ.
فإن سأل سائلٌ: أيُّها أفضل؟
قلنا: الأفضل فيها الأكثر في الألفاظ؛ لأنَّ كلَّ لفظٍ ينطقه الإنسانُ في صلاته يُؤجَر عليه.
ثم بعد ذلك يُشرَع للإنسان أن يذكر الله -جل وعلا- وقد ورد في ذلك أنَّ رجلًا قال: "اللَّهمَّ لك الحمد حمدًا طيبًا مُباركًا فيه كما يُحب ربُّنا ويرضى"، فابتدرته الملائكةُ ليُسجلوا لفظه.
أمَّا بالنسبة لوضع اليدين؛ فما المشروع في اليدين في هذه الحالة؟
اختلف العلماءُ في هذه المسألة على ثلاثة أقوالٍ مشهورةٍ:
- فعند الإمام مالك وأبي حنيفة: أنَّه لا يُشرَع وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى في هذا الموطن.
- وعند الإمام أحمد أنَّ وضع اليد اليمنى على اليسرى والسَّدْل سواء، فيرى أنَّ القبض والسَّدْلَ سواء بالنسبة لما بعد الرُّكوع.
- ويرى الإمام الشَّافعي استحباب القبض.
ولعلَّ مذهب الإمام الشَّافعي في هذه المسألة أرجح؛ لأمرين:
• الأمر الأول: ما ورد في الأحاديث: "كنا نُؤمَر بوضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة"، ولم يُفرِّق بين ما كان قبل الركوع، وما كان بعده.
• الدليل الثاني: ما ورد في حديث أبي حُمَيدٍ السَّاعدي أنَّه قال: "فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كلُّ عظمٍ -أو قال: كلُّ فَقَارٍ- إلى مكانه"، وكان مكان اليدين قبل الرُّكوع هو كونهما مقبوضتين.
ولهذا فإنَّ القول بالقبض أرجح القولين في هذه المسألة، والخلاف فيها من قديمٍ وليس خلافًا ناشئًا.
ثم بعد ذلك يُستَحَبُّ للإنسان أن يذكر الله -عز وجل- في هذا الموطن.
وأمَّا بالنسبة لدعاء القُنُوت:
- فإن كان في النَّوازل فإنَّه يُشرَع دعاء القنوت على الصَّحيح من أقوال أهل العلم؛ لما ورد في حديث أنسٍ: "أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قنت شهرًا يدعو على قبائل من العرب قتلوا القُرَّاء"، فدلَّ هذا على مشروعية قنوت النَّوازل.
وقد اختلف الفقهاءُ في قنوت النَّوازل هل يختص بالفجر أو يختصُّ بالصَّلوات الجهرية أو يكون عامًّا في جميع الصَّلوات؟
والأظهر أنَّه يُشرَع في جميع الصَّلوات، ولكنَّه ليس على سبيل الوجوب؛ وذلك لأنَّه قد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- القنوتُ في كلٍّ منها، فدلَّ ذلك على مشروعيته في الجميع.
- وأمَّا بالنسبة للقنوت في صلاة الفجر في غير النَّوازل: فقد اختارته طائفةٌ من أهل العلم، وهو مذهب الإمام الشَّافعي، وقولٌ لكثيرٍ من المالكيَّة، واستدلُّوا على ذلك بما ورد في حديث أنسٍ.
والجمهور على أنَّ دعاء القُنوت في الفجر إنما يكون في النَّوازل خاصَّةً، ولا يكون لجميع الأيام، واستدلُّوا على ذلك بأنَّ أحاديث القنوت قيَّدته بشهرٍ، واستدلُّوا على ذلك بما ورد من حديث أبي برزة أنَّه قال عن القنوت في الفجر: "يا بُني، مُحْدَث"، يعني أنَّه أمرٌ جديدٌ لم يكن عليه أهل الزمان الأول.
ثم بعد ذلك يُشرَع للإنسان أن يسجد، والسُّجود من واجبات الصلاة، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا﴾ [الحج: 77]، فهو ركنٌ فيها، فمَن لم يسجد في صلاته بطلت صلاتُه، وليست صلاتُه بصحيحةٍ إلا أن يكون عاجزًا عن السُّجود.
وقد قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم: «وَأَمَّا السُّجُودُ فَأَكْثِرُوا فِيهِ مِنَ الدُّعَاءِ؛ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ».
ويُشرَع للإنسان عند السُّجود وعند الهُوي إلى الأرض أن يُكبِّر دون أن يرفع يديه؛ لما ورد في حديث ابن عمر أنَّه لما ذكر رفع اليدين حذو المَنْكِبين قال: "ولم يكن يفعل ذلك عند السُّجود".
فأي انتقالٍ يكون قبل السُّجود أو بعد السُّجود فإنَّه لا يُشرَع فيه رفع اليدين حذو المَنْكِبين.
وأمَّا الانتقال الذي ليس قبله سجودٌ وليس بعده سجودٌ فإنَّه يُشرَع فيه رفع اليدين؛ لما ورد من حديث ابن عمر في هذا الباب.
ثم يقول في أثناء سجوده: "الله أكبر"، فهذا ذكرٌ مشروعٌ عند كلِّ انتقالٍ.
ويقول في أثناء السُّجود: "سبحان ربي الأعلى".
قال أحمد بوجوب ذلك، خلافًا للجمهور.
واستدلَّ على ذلك بأنَّه لما نزل قوله تعالى: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ [الأعلى: 1] قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم: «اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ»، وهذا حديثٌ حسنُ الإسناد، والطَّلب فيه قد جاء بصيغة الأمر، والأصل في الأوامر أن تكون للوجوب.
والواجب أن يقولها الإنسانُ مرةً، وإذا قالها ثلاثًا فحينئذٍ وصل درجةَ الكمال، وإن زاد أو أكثر من الأدعية والأذكار في أثناء السُّجود فإنَّه يُرجَى له حينئذٍ أن يكون قد نال الأجرَ والثَّواب من ربِّ العزَّة والجلال.
وأمَّا بالنسبة لكيفية السُّجود: فإنَّه يسجد بجعل الأعضاء السَّبعة على الأرض، جاء في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أنَّه قال: «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ».
ما هذه الأعظم؟
أولًا: أصابع القدمين.
وثانيًا: الرُّكبتان.
هذه أربعة.
ثالثًا: اليدان.
هذه ستة.
رابعًا: الجبهة والأنف. هذا هو السَّابع.
فهذه سبعة أعضاء يجب على الإنسان أن يضع هذه الأعضاء على الأرض، وإذا لم يضعها على الأرض فإنَّ سجوده لا يكون تامًّا؛ بل يكون سجودًا باطلًا، ولا تصح صلاتُه حينئذٍ.
ولو قُدِّر أنَّه وضع هذه الأعضاء ولو للحظةٍ أجزأته.
ولا يجب أن تصل إلى الأرض، يعني لو سجد على شيءٍ غير مباشرٍ كما لو سجد على طرف ثوبه، أو سجد على كُوفيَّته، أو سجد على شيءٍ من ثيابه، أو كان عليه جوارب أو خِفَاف؛ فحينئذٍ يُقال له أنَّه قد سجد على الأعضاء السبعة.
ومَن عجز عن السُّجود على جبهته سقط عنه السُّجود كله، فمَن كان يُصلي على الكرسي لعجزٍ فإنَّه لا يضع شيئًا أمامه ليسجد عليه، وإنما يُومِئ بالسُّجود إيماءً، ولا يُشرَع له في هذه الحالة أن يضع سجادةً أو يضع طاولةً ليسجد عليها.
وبالنسبة لأصابع القدمين: يُستَحَبُّ أن تكون أصابعُ القدمين مُوجَّهةً إلى جهة القبلة بأن يُميلها ويضغط عليها قليلًا؛ لتكون الأصابع مُتوجِّهةً إلى القبلة.
ويُلاحظ أنَّ بعض الناس عند السُّجود قد يرفع قدميه ولا يجعلهما على الأرض، فهذا خطأٌ ولا تتم الصلاةُ بذلك.
وهكذا أيضًا بالنسبة لليدين: يُستَحَبُّ أن تضم الأصابعَ وألا تُفرِّقها، وأن تكون الأصابع ممدودةً، وأن تكون حذو مَنْكِبيه على وَفْق رفعه لليدين في تكبيرة الإحرام. فهذا هو المشروع.
ويُستحب للرجل أن يُجافي بين عَضُديه، وألا يجعل يديه مُجاورتين لجنبيه إذا لم يُضايق مَن حوله.
وهكذا أيضًا يُستحب له أن يُطِيل في سُجوده، بمعنى أن يُباعد بين محلِّ سجوده وبين محلِّ رُكبتيه.
وهكذا أيضًا لابُد من وضع الكفَّين على الأرض، فلا يصح أن يضع كفَّيه على فخذيه، فإنَّه لا تصح الصلاةُ في هذه الحالة، ولا يصح له أن يضع يديه على رأسه فتبطل الصلاةُ حينئذٍ.
ويجب على الإنسان أن يرفع مِرْفَقَيه وساعديه عن الأرض؛ فإنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قد نهى عن انبساطٍ كانبساط الكلب.
وبعد ذلك يُشرَع له أن يجلس، وأن يُكبِّر عند الجلوس، ويُشرَع له في هذا الجلوس أن يكون مُفترشًا.
ما معنى كونه مُفترشًا؟
أن ينصب رِجْلَه اليمنى، وأن يجلس على رِجْلِه اليسرى التي يضعها مفروشةً على الأرض، هذا هو الصَّحيح من قول أهل العلم في كيفية الجلوس.
ويُشرَع له في اليدين أن يضع يديه مضمومةَ الأصابع على فَخِذَيه، فلا يجعلهما على رُكبتيه، وإنما يجعلهما على فَخِذيه، بحيث تكون أطرافُ الأصابع قبل الرُّكبتين بقليلٍ.
وأمَّا ما يفعله الناسُ من قبض الرُّكبتين باليدين فهذا ليس واردًا عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وخلاف ما ورد عنه -صلى الله عليه وسلم.
ماذا يقول في الجلسة بين السَّجدتين؟
يدعو الله -عز وجل- بما حضر عنده، وإن قال: «رَبِّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَعَافِنِي، وَاعْفُ عَنِّي، وَارْزُقْنِي»، فهذا أيضًا من الأذكار الواردة عن النبي -صلى الله عليه وسلم.
ثم بعد ذلك يُكبِّر للسُّجود دون رفع اليدين، وتكون تكبيرته مُوازيةً لانتقاله: أوله بأوله، وآخر التَّكبير بآخر الانتقال.
ويفعل في سجدته الثانية كما فعل في السَّجدة الأولى.
وبذلك نكون قد أتممنا الرَّكعة، ولعلنا نُواصل ما يتعلَّق بصفة الصَّلاة في يوم غدٍ -بإذن الله عز وجل.
أسأل الله -جل وعلا- أن يُسبغ عليكم نعمَه، وأن يُدِرَّ عليكم خيراتَه، وأن يرزقَكم العلمَ النافع، والعملَ الصَّالح، وأن يجعلكم من الهُداة المُهتدين.
اللَّهم أصلح قلوبَنا جميعًا، اللَّهمَّ يا حيُّ يا قيُّوم، املأها من التَّقوى والسُّرور والسَّكينة برحمتك يا أرحم الرَّاحمين.
اللَّهمَّ وفِّقنا لما تُحب وترضى، واجعل أعمالَنا على البر والتَّقوى برحمتك يا ذا الجلال والإكرام.
اللَّهمَّ اجعلنا من المُحافظين على صلواتنا، اللَّهمَّ اجعلنا ممن يُحافظ على الصَّلاة مع الجماعة، وممن يُؤدِّيها على أكمل وجوهها برحمتك يا أرحم الرَّاحمين.
﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الصافات: 180- 182].
http://islamacademy.net/media_as_home.php?parentid=92