السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
بسم الله الرحمن الرحيم..
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم وبارك على عبده المصطفى، وآله وأصحابه وسلم تسليمًا مزيدًا إلى يوم الدين.
طبتم وطاب ممشاكم وتبوَّأتم من الجنة منزلًا.
أيها الإخوة.. لا زلنا نتحدث معكم حول حديث جبريل -عليه السلام-، وأركان الإيمان والإسلام التي سأل عنها نبينا -صلى الله عليه وسلم.
تحدثنا بالأمس عن أركان الإيمان، وهي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشره.
بعد ذلك قال جبريل -عليه السلام- لنبينا -صلى الله عليه وسلم: «فأخبرني عن الساعة؟
قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل».
الساعة من أمور الغيب التي لا يعلمها إلى الله -سبحانه وتعالى-، قال الله -جل وعلا: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [الأنعام: 59].
وفي القرآن: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا﴾ [النازعات 42، 43].
الساعة لها علامات، وقد جمع العلماء هذه العلامات في أربعة أنواع:
- النوع الأول: العلامات الصغرى التي وقعت وانقضت، -ركِّز معي- الآن سأجمع لك جميع الأحاديث التي وردت عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- سواءً في أشراط الساعة الصغرى التي هي تمهيد لقيام الساعة، أو الكبرى التي تؤذن بقربها وانتهاء هذه الحياة.
- أول هذه الأقسام: أشراط الساعة التي مضت وانقضت.
- الثاني: علامات صغرى وقعت ولا تزال مستمرة.
- الثالث: علامات صغرى لم تقع بعد.
- والرابع: علامات الساعة الكبرى.
نُمثل بأمثلة لكل قسمٍ من هذه الأقسام الأربعة.
أولًا: علامات صغرى وقعت وانقضت.
مثل ماذا؟
مثل بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم: فبعثته -عليه الصلاة والسلام- من علامات الساعة الصغرى، قال سيدي -صلى الله عليه وسلم: «بعثتُ أنا والساعة كهاتين».
أيضًا من علاماتها: موت النبي -صلى الله عليه وسلم: قال -عليه الصلاة والسلام: «أعدد ستًّا بين يدي الساعة»، وذكر منها موته -عليه الصلاة والسلام.
من الآيات أيضًا التي هي من العلامات الصغرى التي مضت وانقضت: انفلاق القمر وانشقاقه، حينما أتى المشركون إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فكانوا كل مرة يطلبون من النبي آية، فتارة يقولون: إن كنت صادقًا كما تقول فإنك تعلم أن أهل مكة من أكثر الناس ضيقًا في بلادهم، فسل ربك أن يزيح عنا هذه الجبال، وسل ربك أن يجري لنا الأنهار كأنهار الشام والعراق، ثم بعد ذلك يقولون: لن نؤمن لك حتى تنزل علينا كتاباً نقرأه ولو جئت به لَمَا آمنَّا بك.
فقال الله -عز وجل: ﴿سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا﴾ [الإسراء: 93].
فكان من هذه الأمور أنهم قالوا: يا محمد، إن كنت صادقًا كما تقول فاجعل القمر ينفلق إلى قسمين.
قال لهم: «أوتؤمنون بالله؟».
قالوا: نعم.
فسأل ربه -جل وعلا- فانفلق القمر، فكان قسم على جبل وقسم على جبل آخر، فلما رأوا هذه الآية قالوا: هذا سحر.
قال الله -عز وجل: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ﴾ [القمر 1، 2].
في بعض الروايات أنهم قالوا: لن نؤمن حتى يأتي مَن كانوا بعيدين، فهم لم يُسحروا، فأتت قافلة قالوا: نعم رأينا انفلاق القمر.
وُجد في بعض تراجم ملوك الهند أنه وُلد في يوم انشقاق القمر، وهذا مما يؤكد.
حتى الآن كما يقولون في بحوثهم العلمية أثبتوا أن هناك خطًّا مستقيمًا يتَّصل في وسط القمر.
فهذا من علامات الساعة التي أخبر بها النبي -صلى الله عليه وسلم.
أيضًا من العلامات التي مضت وانقضت: النار التي تخرج بأرض الحجاز وتنير لها أعناق الإبل في بُصرى من أرض الشام.
قال -صلى الله عليه وسلم- واسمع الحديث، قال -عليه الصلاة والسلام: «لا تقوم الساعة حتى تخرج نارٌ من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى»، وهذا الأمر حدث في القرن السابع، ويروي هذا الأمر الإمام النووي -رحمه الله تعالى- في سنة ستمائة وأربعة وخمسين خرجت نار عظيمة، كانت النار تُرى من مكة، وتُرى من أرض بُصرى في الشام.
يقول القرطبي: "فرأى الأعراب الإبل وقد أضاءت أعناقها من ضوء هذه النار"، صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
إذن هذا النوع الأول من علامات الساعة، وهي العلامات التي انقضت ومضت.
النوع الآخر من العلامات: علامات صغرى وقعت ولا تزال مستمرة.
مثل الفتوحات التي حدثت في الأرض، فتح فارس، وفتح الروم، وأيضًا زوال ملك كسرى، وزوال ملك قيصر، وكذلك منها فتح المسلمين للهند، وغزو المسلمين للترك، وغيرها من الأمور التي أخبر بها النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهي تمهيد لأمر أخبرنا به نبينا -صلى الله عليه وسلم- حينما قال: «ليُتمنَّ اللهُ هذا الأمرَ حتى لا يبقى بيت وبر ولا مذر إلا أدخله الله الإسلام بعز عزيز أو بذل ذليل، عز يعز الله به الإسلام وأهله، وذلًّا يذل الله به الكفر وأهله».
وقد يكون -لا نجزم- من هذه القنوات التي تحمل مشاعل الخير والهدى، فوالله في أدغال أفريقيا في بيوت من القش توجد فيها قنوات القرآن الكريم يتعلم الناس الخير وتلاوة كلام الله -سبحانه وتعالى.
أيضًا من الأشراط التي ظهرت: قول النبي -صلى الله عليه وسلم: «إذا وُسِّد الأمرُ إلى غير أهله فانتظر الساعة»، حينما دخل الرجل قال: يا محمد متى السَّاعة؟
قال: «إذا وُسِّد الأمرُ إلى غير أهله فانتظر الساعة».
من العلامات أيضًا: تداعي الأمم على أمتنا.
قال -صلى الله عليه وسلم: «تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها».
قالوا: يا رسول الله، أو من قلَّة نحن يومئذ؟ نحن قليل أعدادنا؟
قال: «أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل، ولينزعنَّ الله المهابة من صدور أعدائكم فيقذفها في قلوبكم».
ثم قال -صلى الله عليه وسلم: «ويصيبكم الوهن».
قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟
قال: «حب الدنيا وكراهية الموت».
أيضًا من علامات الساعة: اختلال المقاييس.
كيف؟
اسمع إلى الحديث، أشراط الساعة هي من أمور الغيب المستقبل، أو من أمور الغيب الماضي، ولا يستطيع أن يقول هذا الأمر إلا من حديث النبي -صلى الله عليه وسلم.
قال -عليه الصلاة والسلام: «سيأتي على الناس سنوات خدَّاعات، يُصدَّق فيها الكاذب، ويُكذَّب فيها الصَّادق، ويؤتَمن فيها الخائن، ويُخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة».
قالوا: مَن الرويبضة؟
قال: «الرجل التَّافه الحقير يتكلم بأمور المسلمين العامة».
فهذه أيضًا من أشراط الساعة.
القسم الثالث ما هو؟
علامات صغرى لم تقع بعد.
مثل ماذا؟
مثل: قول النبي -صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب -أو جزيرة العرب- مروجًا وأنهارًا».
أيضًا من علامتها: قول النبي -صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ويفيض، حتى يخرج الرجل بزكاته فلا يجد أحدًا يقبلها منه، وحتى تعود أرض العرب مروجًا وأنهارًا».
أيضًا من العلامات: قول النبي -صلى الله عليه وسلم: «من اقتراب الساعة انتفاخ الأهلَّة»، القمر يكون حجمه على غير الحجم المعتاد.
من العلامات التي حدثت وستحدث -تجمع بين القسم الأول والثاني- حديث عجيب عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي يرويه الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري، أنصت إلى هذا الحديث العجيب، سبحان الله!، يقول: «بينما رجل يرعى غنمه إذ عدا الذئب على أحدها، فلحق به الراعي، فانتزع الشاة منه -ممن؟ من الذئب- فأقعى الذئب على ذنبه، ثم نطق -يتحدث مع الرجل الراعي- قال: ألا تتقي الله في رزقٍ ساقه الله لي؟
فقال: عجبي! ذئب يُقعي على ذنبه ويتكلم بما يتكلم به الإنس والجن؟!
ثم أخذ شياهه وانصرف حتى دخل المدينة، فزواها إلى زاوية، ثم دخل فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بما رأى، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: نادوا الصلاة جامعة».
اجتمع الصحابة، وكان النبي إذا أراد أن يجمعهم في غير وقت الصلاة نادى الصلاة جامعة، فاجتمع الصحابة -رضوان الله عليهم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- للراعي: «أخبرهم».
فأخبرهم الراعي.
فقال -عليه الصلاة والسلام: «صدق، والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السِّباع الإنس، ويكلم الرجل عذبة سوطه، ويكلم الرجل شراك نعله حتى ينطق فخذه بما أحدث أهله من بعده».
وإذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- قولًا فلا بد أن يتحقق.
أيضًا من العلامات: انحسار جبل الفرات في العراق عن كنز عظيم.
قال -عليه الصلاة والسلام: «لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن ذهب، فيقتتل عليه الناس، فيُقتل من كل مئة تسعة وتسعين» ثم يقول النبي -صلى الله عليه وسلم: «ويقول كل رجل منهم لعلي أن أكون أنا الذي أنجو».
ثم أمرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- لو حضرنا هذه الحادثة، ماذا نفعل؟
قال -صلى الله عليه وسلم: «فلا تأخذوا منه شيئًا».
إذن هذا من أشراط الساعة التي أخبر عنها نبينا -صلى الله عليه وسلم.
بل إن النبي -عليه الصلاة والسلام- أخبرنا عن وفرة المال وكثرته في آخر الزمان فقال: «تقذف الأرض فلذات كبدها -هذه تقال في الإبل واستعملت هنا- أمثال الأسطوانة من الذهب والفضة، فيجئ القاتل فيقول: في هذا قتلت، ويجيء قاطع الرحم فيقول: في هذا قطعت رحمي، ويجيء السارق فيقول: في هذا قُطعت يدي، ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئًا».
أيضًا من علامات الساعة التي أخبر عنها النبي -صلى الله عليه وسلم- ستكون، لم تأتِ بعد، وهي من الأشراط الصغرى: قال -عليه الصلاة والسلام: «يوشك المسلمون أن يُحاصروا إلى المدينة حتى يكون أبعدُ مسالحهم سلاح» يعني حتى يكون أبعد ثغر يأمنون به سلاح، وهي أرض قريبة من خيبر في مدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
أيضًا من أشراط الساعة: خروج رجل يُقال له الجهجاه، يقول -عليه الصلاة والسلام: «لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه»، وفي رواية «لا تذهب الليالي ولا الأيام حتى يخرج رجل يُقال له الجهجاه -الجهجاه يعني كثير الصياح- يسوق الناس بعصاه»، كناية عن الغلظة والقوة، إلى ماذا يسوق الناس؟ إلى الخير أم يسوقهم إلى الشر؟
يقول الإمام ابن حجر -رحمه الله- في فتح الباري: "لا نعلم، لم يحدد لنا النبي -صلى الله عليه وسلم- هل يقودنا هذا الرجل إلى الخير أم يقودنا إلى الشر؟".
أيضًا من علامات الساعة الصغرى التي لم تحدث بعد: خروج المهدي.
والمهدي هناك خلاف كبير بني العلماء:
- من العلماء من أهل السنة مَن لم يُصحح أحاديثه جميعًا، فيقول: لا يوجد شيء اسمه المهدي.
- ومن العلماء من أثبتها، واستدلوا على ذلك بقول النبي -صلى الله عليه وسلم: «لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم لطوَّل الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجل من أهل بيتي اسمه على اسمي، واسم أبيه على اسم أبي، يملأ الأرض عدلًا كما مُلئت جورًا وظلمًا».
ورد في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- واحسبوا معي هذه العلامات الست، وننظر هل أتت ونطبق عليها الأقسام الثلاثة:
قال -عليه الصلاة والسلام: «أُعدد ستًّا بين يدي الساعة».
ما هي هذه الست؟
«موتي» وقعت، «ثم فتح بيت المقدس» في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، «ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم» -الطاعون الذي وقع في عمواس- «ثم استفاضة المال حتى يُعطى الرجل مئة دينا فيظل ساخطًا، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته»، ويقال إنه الفتنة التي حدثت بين الصحابة، -بين علي -رضي الله عنه- وبين معاوية -رضي الله عنه- والواجب علينا في مثل هذه ألا نخوض ونقول: هذه فتنة نجَّا الله منها سيوفنا فينجي الله منها ألسنتنا، وكلهم مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو عنهم راضٍ.
قال: «ثم هدنة -هذه العلامة السادسة- تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيغدرون، فيأتونكم ثم ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفًا»، والله أعلم هل وقعت أم ستقع، العلم في هذا عند الله -سبحانه وتعالى.
هذه التي تسمى أشراط الساعة الصغرى.
إذن القسم الأول: أشراط ساعة مضت، وقعت وانقضت.
والثانية: وقعت ولا تزال.
والثالثة: أشراط صغرى لم تزل لم تقع.
الرابع: أشراط الساعة الكبرى.
وهذه الأشراط ما يروي الصحابي الجليل حذيفة الغفاري، يقول: "طلع علينا النبي -صلى الله عليه وسلم- ونحن نتذاكر، قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «بماذا تتذاكرون؟»".
هذا يؤخذ منه مذاكرة العلم، دائمًا إذا جلستم في مجلس أشغلوا هذا المجلس بما فيه الخير لكم وللحاضرين كما كان يفعل صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم.
فقال: «بماذا تتذاكرون؟».
قالوا: نتذاكر الساعة.
قال -صلى الله عليه وسلم: «إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات». هذه تسمى علامات الساعة الكبرى. ما هي هذه العلامات؟
قال: «أولًا: الدخان.
ثانيًا: الدجال.
ثالثًا: الدابة.
رابعًا: طلوع الشمس من مغربها.
خامسًا: نزول عيسى بن مريم -عليه الصلاة والسلام.
سادسًا: خروج يأجوج ومأجوج».
ثم قال: «تحدث ثلاث خسوف:خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب».
ثم قال -صلى الله عليه وسلم: «وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم».
العلامات الكبرى كل علامة تحتاج لبسط، لكن سأتحدث عن الدجال لأنه من أخطرها، ولأنه ما من نبي إلا وأنذر قومه الدجال كما أخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- يخرج الدجال في آخر الزمان.
أخبرنا النبي -عليه الصلاة والسلام- عن بعض أوصافه فقال: «إنه أعور العين اليمنى، وإن ربكم ليس بأعور، كأن عينه عنبة طافئة».
وأيضًا من الصفات التي أخبرنا بها -صلى الله عليه وسلم: «أنه مكتوب بين عينيه: ك ف ر؛ يقرؤها كل مؤمن»، أمي أو غير ذلك، فهو يقرؤها، ييسر الله -عز وجل- له قراءتها.
يخرج فيفتن الناس، له جنة وله نار، فجنته نار، وناره جنة، يأتي إلى الناس فيقول: أنا ربكم، ويأتي برجل فيقسمه قسمين، ثم يعيده مرة أخرى، فيقول المؤمن: والله ما زدت لك إلا تصديقًا بقول النبي -صلى الله عليه وسلم.
الدجال يخرج من خراسان، ومَن أتباعه؟
اليهود، يتبعه من اليهود سبعون ألفًا من يهود أصبهان.
كذلك ما من بلدٍ إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة، ويكون هلاكه في بلاد الشام على يد عيسى بن مريم -عليه أفضل الصلاة وأتم السلام.
كذلك من العلامات: خروج يأجوج ومأجوج، وهم أمة من الناس من بني آدم على الصحيح من أقوال أهل العلم.
وغيرها من العلامات التي تقدم ذكرها.
هذه العلامات كل علامة تحتاج منَّا إلى محاضرة بدون مبالغة، كل علامة تحتاج إلى محاضرة لنبيِّن ما أخبرنا به النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها، ولكن لضيق الوقت ولأنه آخر درس نريد أن نختصر هذا الأمر.
قال في الحديث: «فأخبرني عن الساعة؟
قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل.
قال: فأخبرني عن أماراتها؟ -ما هي العلامات؟.
قال: أن تلد الأمة ربتها».
ما معنى ذلك؟ ما معنى أن تلد الأمة ربتها؟
لها كما قال العلماء معنيان:
الأول: أن المرأة تكون تحت ملك فيطؤها فينجب منها، فيكون ابنها سيدًا لها، إما لأنه سيكون الملك من بعد أبيه، وإما لأنه ابن لهذا الملك، فهذا المعنى هو الأقرب من المعاني في قوله -صلى الله عليه وسلم: «أن تلد الأمة ربتها»، وهذا المعنى قد وقع.
قال: «وأن ترى الحفاة العراة العالة»، من هم الحفاة؟
الذين لا يجدون الحذاء.
والعراة: الذين لا يجودن اللباس.
العالة: الفقراء.
أن ترى الذين كانوا حفاة عراة عالة رعاءً للشاء أصبحوا يتطاولون في البنيان، وهذا -والله أعلم- قد وقع، وإن كان بعض العلماء يرى عدم تحديدها، لأنه يقول: ما من زمن إلا ويُقال إن هذا المعنى قد وقع، وإن الحفاة العراة العالة رعاء الشاء أصبحوا يتطاولون في البنيان.
في هذا الحديث معنى تجاوزناه، وهو الركن الثالث من أركان هذا الدين وهو: الإحسان.
قال: «ما الإحسان؟
قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك».
مرتبة الإحسان من أعظم مراتب الدين، وابن القيم -رحمه الله- في كتابه مدارج السالكين جعلها في إحدى منازل إياك نعبد وإياك نستعين.
الإحسان درجة إذا وصلت إليها أحبك الله، ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: 195]، فالله -عز وجل- يحب الإحسان من العبد، وإذا أحسن أحبه الله -عز وجل، «إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحدَّ أحدكم شفرته، وليُرح ذبيحته».
قال: «الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه»، هذه المرحلة الأولى، أو المنزلة الأولى الكبرى، أن تكون في جميع أعمالك دائم المراقبة لله -عز وجل- فتعلم أن الله يراك، وأن الله يطلع عليك.
يقول حبر الأم وبحرها وحِبرها وترجمان القرآن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: "سبحانه! يرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء".
يقول الإمام الشافعي -رحمه الله-، والإمام الشافعي كان شاعرًا فصيحًا حتى إنه كان يقول:
لَوْلا الشِّعرُ بِالعُلَمَاءِ يُزُرِي
لَكُنتُ اليَومَ أَشعَرَ مِن لَبِيدِ
يقول -رحمه الله:
يا من يرى مَدَّ البعوضِ جَنَاحَها
في ظُلمةِ الليلِ البهيمِ الأَلْيَلِ
ويَرى مناط عُرُقِهَا في نَحْرِهَا
والمُخَّ في تلكَ العظامِ النُّحَلِ
اُمْنُن عَلَيَّ بِتَوْبَةٍ تَمْحُو بِهَا
مَا كَانَ مِنِّي فِي الزَّمَانِ الأوَّلِ
قولوا آمين.
هذا هو حديث جبريل، وهذا هو حديثنا عن هذه العقيدة العظيمة التي شرفنا الله -سبحانه وتعالى- بها.
وفي ختام هذا اللقاء أقول أيها الأحبة: إن من أعظم نعم الله -جل وعلا- على عباده أن ييسر لهم حضور مثل هذه المجالس التي تحفها الملائكة وتغشاها الرحمة، ويذكرنا الله -عز وجل- فيمن عنده، لو لم يكن في جلوسنا هذه الأيام الخمسة إلا أن يذكرنا الله فيمن عنده لكفى.
وكما قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «هم القوم لا يشقى بهم جليسهم»، حينما قيل إن رجلًا قد أتى لا يريد العلم، قال: «هم القوم لا يشقى بهم جليسهم»، فاحرصوا على مثل هذه المجالس، احرصوا على مجالس الذكر والخير، تحلقوا حول علمائكم، في تونس من العلماء الربانيين الذين لديهم هذا المرجع العظيم والأصل وهو القرآن والسنة الكثير؛ تحلقوا حولهم، احرصوا على الحضور في مجالسهم ومذاكرتهم، فإن هذا مما يعينهم على أن يبلغوا العلم لكم، احرصوا على تعلم العلم، ليكن العلم هو أنيسكم وجليسكم، لا سمير كالعلم ولا أنيس كالعلم؛ بالعلم تحيا النفوس وتسعد الأرواح، بالعلم تعبد الله -عز وجل- على بصيرة، وبه يُنير الله -عز وجل- بصرك وبصيرتك، فاحرصوا على العلم، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهله.
ثم أقول: إن هذه العقيدة التي نتعلمها ونتلقاها هي من أعظم ما يجب علينا أن نبتدئ به، ومن أعظم ما يجب علينا أن نبلغه للناس، هذه العقيدة ليست عقيدة العالم فلان، أو الجماعة الفلانية؛ بل هي عقيدة محمد -صلى الله عليه وسلم.
نحن حينما نريد أن نعتقد فإنه يجب علينا أن نعود إلى القرآن والسنة، كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم.
أئمتنا الأربعة علمونا أن يكون المرجع الأصيل لنا هو القرآن وهو سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذه العقيدة لم يختلف فيها العلماء، لم تختلف عقيدة الإمام أبي حنيفة وعقيدة الإمام مالك والشافعي والإمام أحمد؛ كلها عقيدة واحدة، لأنها تأتي من كتاب الله ومن سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- فليس لنا في بلاد الحرمين عقيدة ولإخواننا في مصر عقيدة ولأهل تونس عقيدة؛ فعقيدتنا واحدة وهي شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، إن حققنا هذه العقيدة نلنا جميعًا الأجر من رب الأرض والسماء -سبحانه وتعالى.
قال -عليه الصلاة والسلام: «وسيكون سبعون ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب»، فنحقق هذا التوحيد لننال الأجر من الله -سبحانه وتعالى.
أسأل الله -عز وجل- أن يبارك لنا ولكم في الأعمار والأعمال.
هذا الأخ يسأل عن المنهجية في طلب العلم الشرعي.
طبعًا الدورة العلمية الأولى، ألقيت دورة بعنوان البناء العلمي، وهي موجودة في موقع الأكاديمية نصًّا وأيضًا موجودة مفرغة، فيها التدرج، كيف تتدرج في العلوم الشرعية، في الفقه، في النحو، في البلاغة، في الحديث في المصطلح وغيرها.
نفس السؤال، طبعًا جزاكم الله خيرًا، وأحبكم الله الذي أحببتمونا فيه، نفس الإجابة على السؤال السابق.
وهذه رسالة أخرى، الحمد لله، طبعًا من الأمور التي تبشر هذه الأمة بالخير أن من بين الحضور من أتى من الجزائر ومن أتى من ليبيا وأيضًا من أتى من ساحل العاج، وهذا -الحمد لله- يدل على أن العلم رحم بين أهله.
أختم بالحديث الذي ابتدأت به في هذه الدورة: وهو قول النبي -صلى الله عليه وسلم: «من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهَّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب».
ونختم ببيان فضل هذه الشهادة العظيمة في قول نبينا -صلى الله عليه وسلم: «قال موسى: يا رب يا رب، علمني شيئًا أذكرك وأدعوك به.
قال: يا موسى، قل: لا إله إلا الله.
قال: يا رب، كل عبادك يقولون هذا.
قال: يا موسى، لو أن السماوات السبع والأراضين السبع وعامرهن غيري في كِفَّة ولا إله إلا الله في كِفَّة لمالت بهنَّ لا إله إلا الله».
فأسأل الله أن يحيينا على الإسلام، وأن يبعثنا على الإسلام، وأن يتوفانا وهو راضٍ عنَّا غير غضبان.
اللهم يا ذا الجلال والإكرام لا تحرمنا أجر هذه الأيام المباركة، اللهم لا تحرمنا أجرها، اللهم قد اجتمعنا على طاعتك وطاعة رسولك، اللهم لا نبتغي إلا رضاك، ولا نرجو إلا رحمتك، اللهم يا ذا الجلال والإكرام نقِّ قلوبنا من الرياء.
اللهم يا ذا الجلال والإكرام يسِّر أمورنا، وفرِّج كروبنا، واشرح صدورنا، اللهم اجعلنا ممن يرفع لا إله إلا الله وارفعنا بها واجعلها آخر كلامنا من الدنيا.
اللهم قد اجتمعنا على طاعتك وعلى توحيدك واتِّباع رسولك، اللهم لا تفضَّ هذا الجمع إلا بذنب مغفور وعمل متقبل مبرور، وتجارة لن تبور يا عزيز يا غفور.
اللهم واجعل خير أيامنا آخرها، وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك، اللهم يا ذا الجلال والإكرام لا تردنا خائبين.
اللهم انصر دينك وكتابك، وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم انصر مَن نصر هذا الدين، واخذل من خذل هذا الدين، اللهم كن لإخواننا في سوريا، اللهم كن لهم عونًا ونصيرًا، اللهم أمددهم بمددٍ من عندك، اللهم كن لهم يا ذا الجلال والإكرام ولا تكن عليهم، اللهم عليك بطاغيتهم، اللهم إنه قد بغى وطغى، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم يا مَن إذا أراد شيئًا إنما يقول له كن فيكون، اللهم كن للمستضعفين في كل مكان، كن لهم في سوريا، كن لهم فلسطين، كن لهم في بورما.
اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق والدين، آمنَّا يا رب في أوطاننا، اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتَّبع رضاك يا ذا الجلال والإكرام، ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الصافات 180-182].
http://islamacademy.net/media_as_home.php?parentid=90