بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم وبارك على عبده المصطفى وآله وأصحابه وسلم تسليمًا مزيدًا إلى يوم الدين.
أما بعد أيها الإخوة الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم -كما جمعنا وإياكم في هذا المكان الطيب المبارك- أن يجمعنا في دار كرامته وفي مستقر رحمته في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
ثم قبل البدء في هذا الدرس الثالث من دروس العقيدة والتوحيد، أتقدم أولًا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا بالشكر لله -جل وعلا-، الذي يسر وسهّل لنا هذا اللقاء، كنت آتٍ في الطريق فأتأمل اجتماعنا هذا، وأتأمل محبتنا هذه، وأتأمل الحديث الذي نطرحه ونستمع إليه؛ فإذا به جميعه يرضي الله -جل وعلا-، وينقصنا فقط أن نخلص العمل لله، فإن أخلصنا العمل لله نجحنا وفزنا في الدنيا والآخرة، فاللهم اجعل عملنا خالصًا لوجهك، واجعلنا ممن يقال لهم في نهاية هذا المجلس: انصرفوا مغفور لكم.
ثم إنني أتقدم بالشكر لكم جميعًا على حضوركم وإنصاتكم، ولإخواني الذين أتوا من الجزائر ومن ليبيا ليشهدوا هذا المجلس، وليشهدوا هذا الذكر، وليشهدوا الخير، ونسأل الله -عز وجل- بمنِّه وكرمه أن يرحمنا برحمته الواسعة.
ستستمر -بإذن الله- هذه الدروس إلى يوم الأحد، وسيكون معنا -بإذن الله عز وجل- في هذا اليوم معالي الشيخ الدكتور سعد بن ناصر الشثري -بإذن الله عز وجل- بعد هذا الدرس.
الدروس التي أقدمها كنت أتمنى أن آخذ متنًا من متون العقيدة ككتاب التوحيد، أو العقيدة للإمام ابن أبي زيد القيرواني، أو غيرهم من علماء الإسلام، لكن الإشكال أن الوقت ضيق والزمن قصير، ولهذا حرصتُ على أن تكون هذه الدروس -دروس العقيدة- هي حديث عن عدد من القضايا المهمة التي تفتح لك معالم هذا العلم العظيم، والحديث عن بعض الأحاديث الجامعة التي تجمع الحديث عن هذه العقيدة العظيمة، وسأتحدث معكم في هذا الدرس -بإذن الله جل وعلا- عن حديث عظيم من أعظم أحاديث السنة، حتى إن الإمام ابن دقيق العيد -رحمه الله- أسمى هذا الحديث بـ"حديث أم السنة".
لدينا نحن سورة اسمها أم القرآن، وهي سورة الفاتحة.
الفاتحة لها أسماء كثيرة، فهي السبع المثاني، وهي الرقية، وهي الشافية، وهي الكافية، وهي القرآن العظيم، وهي السبع المثاني الذي أوتيه النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهي أم القرآن.
وهذا الحديث الذي أطرحه بين أيديكم هو حديث أم السنة، وهو حديث عمر -رضي الله عنه- وهو يتحدث عن جبريل -عليه السلام-، والحديث رواه عدد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، رواه أبو الدرداء، ورواه أيضًا أبو هريرة، ورواه عمر، ورواه ابنه، ورواه عدد من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
سأطرح الحديث من أجل أن تحل لنا بركته -صلى الله عليه وسلم- وبركة حديثه.
يقول عمر -رضي الله عنه- واسمع إلى هذا الحديث العظيم:
يقول عمر -رضي الله عنه: «بينما نحن جلوس عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثَر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى دنا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد -صلى الله عليه وسلم- أخبرني عن الإسلام.
قال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج بيت الله الحرام.
قال: صدقت».
مَن الذي يقول "صدقت"؟
جبريل -عليه السلام.
«قال: صدقت.
يقول عمر: فعجبنا له يسأله ويصدقه.
قال: فأخبرني عن الإيمان.
قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره.
قال: صدقت.
قال: فعجبنا يسأله ويصدقه.
قال: فأخبرني عن الإحسان.
قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
قال: فأخبرني عن الساعة.
قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل.
قال: فأخبرني عن أماراتها. -ما هي علامات الساعة؟
قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان.
ثم لبث مليًّا، ثم انصرف.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم: يا عمر، أتدري مَن السائل؟
قلت: الله ورسوله أعلم.
قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم».
سبحان الله! حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- عليه نور، عليه بركة، حتى إن ابن القيم -رحمه الله- في كتابه العظيم "المنار المنيف" يقول: "إن من الطرق التي نعرف بها صحيح الحديث من ضعيفة وخاصة لمن أكثر من قراءة سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- أن حديث النبي تعرفه من سياقه"، هذا كلام عليه نور النبوة، كلامه -صلى الله عليه وسلم.
نتأمل في هذا الحديث لنأخذ الدروس والعبر، لأنه من أعظم الأحاديث التي تقرر مسائل العقيدة.
في البداية قال: «بينما نحن جلوس عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم».
وهذا يؤخذ منه درس عظيم: وهو أن يحرص المسلم على أن يلتحق بحلق الذكر وبمجالس العلم، وأن يكون كأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذين كانوا من أكثر الناس حرصًا على الخير وإقبالًا عليه، وهذا فضل الله -سبحانه وتعالى.
قال: «بينما نحن جلوس عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إذا طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد»، أمره غريب! في ذاك الوقت الذي كان يسافر يستحيل أن يأتي بهذه الثياب البيضاء الناصعة؛ لأن الطريق «وأعوذ بك من كآبة المنظر، وسوء المنقلب»، وأيضًا شديد سواد الشعر، لا يعرفه أحد.
فقال: «فجلس إلى النبي -صلى الله عليه وسلم».
وقبل هذا، من الفوائد في هذا الحديث: أن مَن أراد أن يذهب إلى حِلق الذكر والعلم فليذهب بأحسن ما لديه من الثياب، وليتطيب بأحسن ما لديه من الطيب؛ لأن هذه المجالس -مجالس الذكر- تحضرها الملائكة، وتحفها الرحمة، وتغشاها الملائكة؛ فلذا يجب على المسلم أن يحرص على هذا الخلق العظيم.
كان إمامنا الإمام مالك -رحمه الله تعالى رحمة واسعة- إذا أراد أن يحدث في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لبس أحسن الثياب وتطيب بأحسن الطيب وقال: "إنني أذهب لأحدث بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم".
قال: «حتى جلس إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه».
وهذا يؤخذ منه الأدب في مجالس الذكر وفي حلق العلم، أن يتأدب المسلم بهذه الآداب، وهذه المجالس يحضرها مع البشر ملائكة الرحمن، «فإن لله -كما سيأتي- ملائكة جوَّالون إذا رأوا حلق الذكر قولوا: هلموا فاجلسوا واستمعوا إلى ذكر الله -جل وعلا».
قال: «ووضع كفيه على فخذيه». على فخذ مَن؟
هنا خلاف: هل وضع كفيه على فخذي رسول الله -صلى الله عليه وسلم؟ أم أنه وضع كفيه على فخذيه هو؟
الصواب أنه وضع كفيه على فخذيه هو، وهذا من الأدب في الحديث مع العلماء.
«فقال: يا محمد»، كان الصحابة يقولون للنبي -صلى الله عليه وسلم- ينادون النبي بالنبوة وبالرسالة، بينما الأعراب الذين كانوا يأتون كانوا يسألون النبي -صلى الله عليه وسلم- باسمه -صلى الله عليه وسلم- فيقولون: يا محمد.
هنا سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الدين كله، ولهذا يقولون: الدين ثلاثة أقسام:
- الإسلام.
- والإيمان.
- والإحسان.
كل دائرة منها أضيق من الأخرى، فالدائرة الكبيرة هي دائرة الإسلام، والدائرة الأضيق هي دائرة الإيمان، والأضيق منها دائرة أهل الإحسان.
قال: فسأله عن الإسلام، ما هو الإسلام؟
الإسلام في اللغة هو: الانقياد.
أما تعريفه في الاصطلاح فهو: الاستسلام لله بالتوحيد، أعظم شيء هو توحيد الله -جل وعلا-، الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله.
الاستسلام لله بالتوحيد: هذا أولًا، وهذا واضح لعظمة التوحيد.
والانقياد له بالطاعة: ما أمر الله به فيجب أن يطيعه العبد، ولهذا الإسلام لابد أن يكون له أثر في حياة الإنسان.
تجد الآن في بعض الدول الأوربية وخاصة ما يسمى بالجيل الثاني والثالث من أبناء المسلمين الذين عاشوا هناك، لا يصلون، ولا يصومون، ولا يعرفون النبي، ولا يعرفون الله، ولا يعرفون شيئًا عن الإسلام إلا الاسم، الهوية، فيقولون: نحن مسلمون.
قال:الإسلام هو: الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله.
ما الفرق بين الإسلام والإيمان؟
هذه من الأصول العظيمة التي تراعونها.
الإسلام والإيمان يقول العلماء: إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، كيف ذلك؟
الإسلام ما هو؟
الإسلام هو الأعمال الظاهرة، الصلاة، والصيام، والزكاة.
والإيمان: الأعمال الباطنة.
فإذا ورد الإسلام مفردًا لوحده فيُراد به الإسلام والإيمان، وإذا ورد الإيمان لوحده فيُراد به الإسلام والإيمان، وإذا ورد الإسلام مستقلًّا في آية واحدة فيُراد به الأعمال الظاهرة، والإيمان الأعمال الباطنة.
يقول الله -جل وعلا: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ [الحجرات: 14].
قال: «فسأله عن الإسلام.
فقال: «أن تشهد أن لا إله إلا الله».
وهذه مرَّت معنا بالأمس، الحديث عن شهادة التوحيد، ومعناها، وشروطها، وتحدثنا أيضًا عن أركانها -النفي والإثبات- وتحدثنا كذلك عن فضلها.
قال: «أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله».
دائمًا هذه الشهادة شهادة واحدة، لا يتم كما الإيمان إلا بشهادة أن محمدًا عبد الله ورسوله.
هذه الشهادة -شهادة التوحيد- من قالها بلسانه فإنه يدخل الإسلام، ويُعصم به ماله ودمه «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإذا هم فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله -جل وعلا».
لما قتل أسامة ذاك الرجل بعد أن قال: لا إله إلا الله، في المعركة لما رأى السيف قال: أشهد أن لا إله إلا الله؛ فقتله، قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله؟».
قال: يا رسول الله، والله ما قالها إلا تعوذًا من القتل -أو من السيف.
قال -صلى الله عليه وسلم: «فما تصنع بلا إله إلا الله؟».
ولهذا لنا الظاهر كما تعامل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع المنافقين الذين شهدوا بالوحدانية لله وللنبي بالرسالة،لكن قلوبهم كانت تكره هذا، وكانت على النفاق.
قال: «وأن تشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله».
وذكرنا لكم: طاعته فيما أمر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وألا يُعبَد الله إلا بما شرعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
من تمام شهادة أن محمدًا عبده ورسوله: ألا نرفعه -صلى الله عليه وسلم- فوق منزلته التي أنزله الله إياها.
ما هي منزلة النبي -صلى الله عليه وسلم؟
هي أعظم المنازل وأرفع المنازل، وهي النبوَّة والرسالة، لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- حينما أثنى عليه ربه -جل وعلا- في القرآن أثنى عليه بماذا؟
بالعبودية، فهو عبد لمَن؟
لله -جل وعلا.
ولهذا مثلًا كما يقول الإمام ابن أبي العز الحنفي في شرحه للطحاوية قال: "وقد أثنى الله -جل وعلا- على نبيه في المواطن الكبرى في الإسلام بلفظ العبودية". كيف ذلك؟
اسمع إلى الآيات:
- قال في مقام إنزال القرآن: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ﴾ [الكهف: 1]، فنعت النبي بماذا؟
بالعبودية.
- في مقام الإسراء: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ [الإسراء: 1].
- وفي مقام الدعوة إلى الله: ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ﴾ [الجن: 19].
أتى جبريل -عليه السلام- إلى نبينا -صلى الله عليه وسلم- قال: يا محمد، إن الله يُخيرك بين أمرين: إما أن تكون نبيًّا ملكًا، وإما أن تكون نبيًّا عبدًا.
يعني مقام النبوة ثابت، لكن تريد أن تكون ملكاً، لك ما لملوك الأرض من المال والجاه والمناصب، وهناك من الأنبياء مَن كانوا ملوكًا، أليس كذلك؟
مثل داوود كان ملكًا، وسليمان كان ملكًا.
وإما أن يكون نبيًّا عبدًا، له ما للناس، إن جاع الناس يجوع، وإن شبع الناس يشبع.
فاستشار جبريل -عليه السلام- استشار المستشار الأمين، قال: «أشِر عليَّ يا جبريل».
قال: تواضع لربك يا محمد -صلى الله عليه وسلم.
فاختار المقام الأسنى، والمنزلة العظمى، وهو أن يكون عبدًا لله -جل وعلا.
و مما زادني شرفاً وتيهاً
وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي
وأن صيرت أحمد لي نبيًّا
ولهذا لا يجوز لأحد أن يرفع النبي فوق هذه المنزلة، فمَن استغاث بالنبي -صلى الله عليه وسلم- نقول له: لا يجوز. ومَن دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- نقول له: لا يجوز؛ وإنما تدعو الله -جل وعلا- مباشرة، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- هو الذي علمنا هذا الأمر، أن ندعو الله ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾ [النمل: 62]، ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60].
في القرآن كما ذكرت لكم بالأمس: أن الله -جل وعلا- فرَّق بين حقه وحق نبيه، فقال: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾[النور: 52]، فالطاعة لمن؟
لله وللرسول -صلى الله عليه وسلم.
قال: ﴿وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ﴾ [النور: 52]، قال: "ورسوله"؟
لم يقل، لماذا؟
لأن الخشية والتقوى عبادة لا يجوز صرفها لغير الله -عز وجل.
ونبينا -صلى الله عليه وسلم- كما قال الله -جل وعلا: ﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ﴾ [الأعراف: 188]، ﴿قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ﴾ [الجن 21، 22]، فلا يجوز أن ندعو أحدًا غير الله -سبحانه وتعالى.
أيضًا من تمام شهادة أن محمدًا رسول الله هو عدم تقديم آرائنا وأهوائنا وعقولنا على قوله -صلى الله عليه وسلم-، بل إذا ورد علينا الأمر من رسولنا نقول: سمعنا وأطعنا؛ هذا شعار أهل الإيمان، ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ [الأحزاب: 36]، ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65].
تعرفون ثابت بن قيس هذا الصحابي الجليل والذي كان خطيبًا مفوَّهًا، كان عالي الصوت -رضي الله عنه- وكان خطيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما نزل قول الله -جل وعلا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ [الحجرات: 2]، فلزم داره، وأخذ يبكي بكاءً عظيمًا، ففقده النبي -صلى الله عليه وسلم- وانظر إلى رحمة رسول الله، يتفقد أصحابه مع الهموم العظيمة التي أحاطت به، لكنه لم يكن يترك أصحابه ومن حوله -عليه الصلاة والسلام.
فسأل عنه فقالوا: هو في داره يبكي.
قال -صلى الله عليه وسلم: «أخبروه أن يأتي».
فأتى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له: «ما لك؟».
قال: يا رسول الله، إني رجل رفيع الصوت، وإنه قد نزلت هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ [الحجرات: 2]، وفي آخرها: ﴿أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ [الحجرات: 2]، فخشيت أن تكون هذه الآية نزلت فيَّ.
ماذا قال له النبي -صلى الله عليه وسلم؟
قال له: «يا ثابت، أما ترضى أن تعيش حميدًا، وتُقتل شهيدًا، وتدخل الجنة؟».
قال: بلى يا رسول الله.
ولهذا فإن ممن شهد لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالجنة مَن؟
ثابت بن قيس -رضي الله عنه وأرضاه-، ثابت بن قيس الذي خاف من الله أمَّنه الله -جل وعلا.
كل أمر تخاف منه لا تأمن منه، إلا الله -جل وعلا- تخاف منه ويؤمنك، تبكي في الصلاة فتخرج بعد الصلاة منشرح الصدر آمن القلب، ولهذا لما خاف ثابت بن قيس ومكث في داره يبكي من خشية الله، أمَّنه الله -جل وعلا- فماذا نقول عنَّا نحن ونحن نجترح الذنوب والمعاصي؟! ومع ذلك إذا أتيت إلى أحد قال: الإيمان في القلب، ولا يعمل شيئًا ولا يتقرب إلى الله -عز وجل- بالطاعة!
فعاش حميدًا كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- وقُتل شهيدًا في معركة اليمامة في قتاله مع مسيلمة الكذاب، استُشهد -رضي الله عنه وأرضاه- في هذه المعركة، ونحن نجزم بأنه يدخل الجنة لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعده بهذا.
فأتى أحد الصحابة فأخذ درعًا وجده عند ثابت، ثم أخذ البرمة ووضعها على الدرع، فرأى أحد الجند ثابت بن قيس في المنام -في رؤيا- فقال: إن فلانًا قد أخذ درعي، وقد وضع عليه البرمة.
قال: فذهبت إلى خالد بن الوليد سيف الله المسلول فأخبرته بالرؤيا، فقال: اذهب إلى المكان الذي قال لك.
يقول: فذهبت فرفعت البرمة فإذا بدرعه -رضي الله عنه وأرضاه.
أعظم أمر، ولذلك الخوف من الله -عز وجل- نجاة، ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ﴾ [الذاريات: 50]، لا أحد تفر منه إليه إلا الله -سبحانه وتعالى-، فمن خاف سلم.
ولهذا يجب أن يكون هذا درس عظيم من الدروس التي نستفيدها من قصة ثابت بن قيس -رضي الله عنه وأرضاه.
من الأحاديث التي بينت هذا المعنى وهو أن الإسلام المراد به الأعمال الظاهرة: حديث عمرو بن عَبَسَة، رجل أعراب أتى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا محمد، إن رجلًا قد أتى إلينا وقال: إنك رسول الله.
قال: «صدق».
قال: يا محمد، مَن خلق السماء؟
قال: «الله».
قال: مَن خلق الأرض؟
قال: «الله».
قال: مَن خلق الجبال.
قال: «الله».
قال: أسألك بالذي خلق السماء، وخلق الأرض، وخلق الجبال؛ آلله أرسلك؟
قال: «نعم».
قال: ويزعم أنك قد أمرتنا بخمس صلوات في اليوم والليلة.
قال: «صدق».
قال: أسألك بالذي أرسلك هل أمرك بهذا؟
قال: «نعم».
قال: وأمرنا أن نخرج الزكاة.
قال: «صدق».
وهكذا في الحج حتى أتم هذه الأركان.
فهذا يدل على هذا المعنى العظيم الذي كنَّا نتحدث عنه وهو الفرق بين مسائل الإسلام وبين مسائل الإيمان.
- الإسلام: الدائرة الواسعة الكبيرة.
- ثم الإيمان: وهو الدائرة الضيقة.
- ثم الإحسان.
وهذا هو الدين كله.
هنا في هذا الحديث فرق بين الإسلام والإيمان، فجعل الإسلام هو الأعمال الظاهرة، فقال: «أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله».
قال: «وتقيم الصلاة».
هذه الصلاة التي فرضها الله -جل وعلا- من فوق سبع سماوات، العبادة الوحيدة التي فُرضت في السماء هي عبادة الصلاة.
أول ما فرضت كانت خمسين، فنزل النبي -صلى الله عليه وسلم- فالتقى بموسى -عليه السلام- فقال له موسى: «يا محمد، بِمَ أمرك الله؟
قال: أمرني بخمسين صلاة.
فقال: يا محمد، لقد جربت الناس قبل ذلك، وإنهم لا يستطيعون، فسل ربك التخفيف.
فعاد النبي -صلى الله عليه وسلم- فسأل ربه التخفيف، فأسقط عشرًا، ثم ذهب إلى موسى فقال له: إن قومك لا يطيقون ذلك».
فما زال يتردد حتى فُرضت خمس، فقال موسى -عليه السلام: يا محمد، سل ربك التخفيف، فإن قومك لا يطيقون ذلك.
قال: «لقد استحييت من ربي من كثرة ما سألته»، فإذا بمنادٍ ينادي: «أني قد أمضيتُ فريضتي، فهي خمس في العمل، خمسين في الميزان».
وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمر أصحابه الذين يدعون إلى الله -جل وعلا- أول ما يأمرهم بأن يدعوا الناس بعد توحيد الله إلى إقامة الصلاة.
يقول -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ: «إنك تأتي قومًا أهل كتاب».
وهذا يدلنا، مَن أراد أن يدعو إلى الله -جل وعلا- فليعرف واقع الناس، لينظر إلى احتياجاتهم، النبي -صلى الله عليه وسلم- بين له قبل أن تدعو إلى الصلاة، وقبل أن تدعوهم إلى الزكاة؛ لابد أن تعلم أنهم أهل كتاب، فليسوا بمسلمين، فلابد أن تكون دعوتهم أول ما تكون إلى توحيد الله -جل وعلا.
قال: «إنك تأتي قومًا أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه إلى شهادة أن لا إله إلا الله -وفي رواية: إلى أن يوحدوا الله- فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، وإياك وكرائم أموالهم، واتقِ دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب».
الركن الثالث وهو: إيتاء الزكاة.
الزكاة ركن عظيم من أركان الإسلام، قال الله -عز وجل: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾ [التوبة: 103].
قال الله -عز وجل- في صفات أهل الإيمان: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ﴾ [المؤمنون: 4].
طيب، مَن يمنع الزكاة؟
كثير من الناس، أنتم تعلمون الآن أن المسلمين لو أخرجوا زكاة أموالهم لم يبقَ في المسلمين فقير.
طيب، يقول الله -جل وعلا: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ﴾ [التوبة 34، 35].
في القرآن دائمًا ما يقرن الله بين الصلاة والزكاة، أليس كذلك؟ ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ [النساء: 77]، مَن يعرف لماذا، لماذا يقرن الله دائمًا بين الصلاة والزكاة؟
لأن الصلاة حق الله، والزكاة حق العباد.
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله- واسمع إلى هذه الفائدة: "وإنما قرن الله بين الصلاة والزكاة في القرآن؛ لأن سعادة العبد لا تتحقق في الدنيا إلا بأن يؤدي الحق الذي بينه وبين الله، وأعظمها بعد التوحيد الصلاة، وأن يؤدي الحق الذي بينه وبين الناس، وأعظمه الزكاة التي افترضها الله -عز وجل- عليهم".
ثم قال بعد ذلك الركن الرابع: الصيام.
والصيام افترضه الله -عز وجل- وقال -سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183].
كان الصيام أول ما وجب صيام يوم عاشوراء، ثم بعد ذلك أنزل الله -عز وجل- هذه الآية فأوجب على المسلمين صيام شهر رمضان.
الركن الخامس وهو: حج البيت الحرام لمن استطاع إليه سبيلًا.
أرى البعض قد حنَّ ورقَّ، فنسأل الله -عز وجل- بمنه وكرمه أن يجعلنا وإياكم ممن يحج بيته الحرام.
قال الله -عز وجل: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97].
قال بعد ذلك: «صدقت.
قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه».
لماذا العجب؟
لأنه في الغالب أنه حينما يأتي شخص ليسأل فالغالب أن السائل جاهل فيسأل العالم، بينما هنا هو يصدقه ويؤيد كلامه، وقد أخذ العلماء من هذا فائدة تربوية، قد يكون لديك فائدة تريد أن توصلها للناس، لكن هناك مَن هو أكبر منك فتسأله هذا السؤال من أجل أن يجيب ويستفيد غيرك، وهذا من الفوائد التي تستفاد من هذا الحديث العظيم.
قال بعد ذلك: فسأله عن الإيمان -نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهله.
ما هو الإيمان في اللغة؟
قالوا: الإيمان هو: التصديق، كما قال الله -جل وعلا: ﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ﴾ [العنكبوت: 26].
لكن الإيمان من خلال كتب اللغة مثل المعجم لابن فارس -رحمه الله- وغيره هناك معنى أكثر من التصديق، فهو تصديق وإقرار؛ لأنه سيأتي معنا أن التصديق وحده لا يكفي بدون عمل.
ما هو الإيمان؟
الإيمان -كما ذكرنا: إن أُطلق مفردًا فيُعنَى به الدين كله، وإن أُطلق مقترنًا بالإسلام فيُعنَى به أركان الإيمان الستة التي ستأتي معنا -بإذن الله جل وعلا.
في حديث وفد عبد القيس في الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «وآمركم بالإيمان بالله وحده».
ركز معي: في هذا الحديث حديث جبريل قال له: ما الإسلام؟
قال: «أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة...»، الحديث.
وهنا يقول: «وآمركم بالإيمان بالله وحده. أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟».
قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تؤدوا الخمس من الغنائم».
ففسر الإسلام هنا بالإيمان، وفسر الإيمان هنا بالإسلام، وهذا هو الذي ذكرته لكم، أنها إذا افترقت يجتمع فيها المعنى.
الإيمان كيف يتم؟
يقول العلماء: عقيدة أهل السنة والجماعة في الإيمان ما هو؟
قالوا: الإيمان قول وعمل واعتقاد.
وبعض العلماء يقولون: الإيمان ما اجتمعت فيه خمس نونات، ما هي؟
قال: الإيمان هو قول باللسان -هذه النون الأولى- ، وتصديق بالجنان، وعمل بالأركان، يزيد بطاعة الرحمن، وينقص بطاعة الشيطان.
هذه تُحفَظ سريعًا، أحد حفظها؟
دعونا نقول مع بعض:
هو قول باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالأركان، يزيد بطاعة الرحمن، وينقص بطاعة الشيطان.
فتح الله عليكم.
طيب، إذن الإيمان هو يشتمل على هذه المعاني الثلاث:
- قول اللسان.
- واعتقاد القلب.
- وعمل الجوارح.
ومن العلماء مَن يقول: الإيمان هو قول القلب وتصديقه.
ما معنى قول القلب؟
قول القلب هو: التصديق، يعني حتى لا تقرؤونها في الكتب وتطنون أن فيها خلاف، هو التصديق، قال الله -جل وعلا: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [الزمر: 33].
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم: «يخرج من النار مَن قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من إيمان». هذا قول القلب.
قول اللسان ما هو؟
أن يقول المسلم: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله.
﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ [البقرة: 136].
قال: وعمل القلب.
ما هو عمل القلب؟
عمل القلب: النية، والإخلاص، والمحبة.
تعرفون عندنا شيء في العبادة، يُقال العبادة كم نوع؟
العبادة نوعان:
- عبادة قلبية.
- وعبادة بالجوارح.
هناك عبادات عظيمة يتعبد بها البعض ربه -جل وعلا-، وتكون سببًا في دخول الجنة، تجد أنه من أعماق قلبه يحب الله، هذه عبادة قلبية، يؤمن بالله، الانقياد، الخشوع، الخشية، الإنابة؛ كل هذه من أعمال القلب.
كذلك أعمال الجوارح، الجوارح كذلك لها أعمال، مثل: الصلاة، ومثل الصيام.
ماذا يقول الله -جل وعلا؟
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ [البقرة: 143].
الإمام البخاري -رحمه الله- في صحيحه عقد بابًا قال: باب أمور الإيمان، وعقد بابًا قال: باب الصلاة من الإيمان، وعقد باب: باب الزكاة من الإيمان، وباب الجهاد من الإيمان، وباب حب الرسول من الإيمان؛ فالإيمان فيه أعمال الظاهر، وفيه كذلك أعمال الباطن.
وهذا نرد به على مَن قال إن الإيمان فقط هو المعرفة، يقول: إذا عرفت الله فأنت مؤمن حتى لو لم تصدق.
ونقول: معنى هذا الكلام أن فرعون يكون مؤمنًا، لأنه قال: ﴿آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [يونس: 90].
ونرد به أيضًا على المرجئة الذين يقولون: الإيمان هو قول اللسان، لا تصلي ولا تصوم، وإنما يكفي قول اللسان.
ونقول: على هذا يكون المنافقون مؤمنون.
وهل هذا المعنى صحيح؟
لا.
فإذن الإيمان هو ما اجتمع فيه ثلاثة أمور:
- قول اللسان.
- واعتقاد الجنان.
- والعمل بالجوارح.
وما اجتمعت فيه النونات الخمس التي ذكرتها لكم.
أختم هذا اللقاء بحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حديث -إذا كان أحد منكم يعرفه- يجمع بين هذه الأمور الثلاثة، يجمع أن الإيمان هو قول اللسان واعتقاد القلب وعمل الجوارح.
نعم، بارك الله فيك.
قال -صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأعلاها قول لا إله إلا الله -هذا القول- وأدناها إماطة الأذى عن الطريق -وهذا عمل جوارح- والحياء شعبة من شعب الإيمان».
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم بمنِّه وكرمه أن يُبارك لنا ولكم في الأعمار والأعمال، وأن يجعل خير أيامنا آخرها، وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاه.
اللهم إنا نسألك إيمانًا صادقًا، ويقينًا راسخًا، اللهم إنا نسألك علمًا نافعًا، وعملًا صالحًا، ودعاءً مستجابًا، ورزقًا طيبًا، وعملًا متقبَّلًا.
اللهم حبب لنا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.
اللهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم يا واحد يا أحد، اللهم يا أحد يا صمد، يا مَن لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، اللهم يا رب الأرباب، اللهم يا مسبب الأسباب، اللهم يا خالق خلقه من تراب، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم انصر إخواننا المستضعفين في سوريا، اللهم كن لهم عونًا ونصيرًا، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم يسر أمورنا، اللهم فرج كروبنا، اللهم اشرح صدورنا، اللهم اجعلنا ممن يرفع لا إله إلا الله، وارفعنا بها، واجعلها آخر كلامنا من الدنيا، ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الصافات 180-182].
http://islamacademy.net/media_as_home.php?parentid=90