شرح متن الآجرُّوميَّة
لفضيلة الشيخ محمد عبد المعطي
الدرس "9"
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي نحا بنا إلى الخيرات، وصرفنا عن المضَرَّات، نحمده -سبحانه وتعالى- في كلِّ آنٍ، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله الحنَّان المنَّان، عظيم الشَّان، وأشهد أنَّ سيِّدنا محمدًا عبدُ الله ورسوله المُرسَل إلى الإنس والجان، اللَّهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الأعلام، وآل بيته الكرام، ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70، 71].
اللَّهمَّ اجعلنا وإيَّاكم من الفائزين.
وبعد، فإنَّ أصدقَ الحديث كتابُ الله تعالى، وخيرَ الهدي هدي سيدنا محمدٍ -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار. ونعوذ بالله أن نكون من أهل النار.
وبعد، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
مُشاهديَّ الكرام ومُستمعيَّ الأعزاء، هانحن أولاء مع الحلقة التاسعة من حلقات الأكاديمية المُتعلِّقة بشرح متن الآجُرُّوميَّة للعلامة ابن آجُرُّوم المتوفَّى سنة 723هـ.
نسأل الله -تبارك وتعالى- أن يُتمَّ ذلك العمل بخير ما يكون الإتمام، سائلين المولى -عز وجل- أن يجزي كلَّ مَن كان سببًا في جمعنا هذا خيرَ الجزاء، وأن يجعل ذلك في سجل أعمالِ القائل والمُستمع والمُحب لهما، إنَّه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلنا إلى باب المنصوبات، وقد عدَّدنا بعضَها بالأمس، فسنستمع إليها من أولها.
(بَابُ مَنْصُوبَاتِ الْأَسْمَاءِ:
الْمَنْصُوبَاتُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ).
وقد سبق أن قلنا أنَّها خمسة عشرة باعتبار أنَّ المضارعَ المنصوبَ بحرف نصبٍ داخل في المنصوبات، لكن المنصوبات للأسماء أربعة عشر.
إذن أربعة عشر اسمًا منصوبًا، وواحد فقط منصوبٌ من الأفعال وهو الفعل المضارع المسبوق بـ"أن"، أو "لن"، أو "كي"، أو "إذن".
مثل: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ﴾ [النساء: 28].
ومثل قوله تعالى: ﴿لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: 92].
ومثل قوله تعالى: ﴿فَإِذًا لَّا يُؤْتُوا النَّاسَ نَقِيرًا﴾ [النساء: 53] على قراءةٍ.
ومثل قوله تعالى: ﴿لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ﴾ [الأحزاب: 50].
هذا هو المنصوب الخامس عشر، بدأنا به لأنَّ المصنف لم يذكره.
تفضل.
(الْمَنْصُوبَاتُ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَهِيَ: الْمَفْعُولُ بِهِ، وَالْمَصْدَرُ، وَظَرْفُ الزَّمَانِ، وَظَرْفُ الْمَكَانِ، وَالْحَالُ، وَالتَّمْيِيزُ، وَالْمُسْتَثْنَى، وَاسْمُ "لَا"، وَالْمُنَادَى، وَالْمَفْعُولُ مِنْ أَجْلِهِ، وَالْمَفْعُولُ مَعَهُ، وَخَبَرُ "كَانَ" وَأَخَوَاتِهَا، وَاسْمُ "إِنَّ" وَأَخَوَاتِهَا، وَالتَّابِعُ لِلْمَنْصُوبِ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: النَّعْتُ، وَالْعَطْفُ، وَالتَّوْكِيدُ، وَالْبَدَلُ).
هذه هي الخمسة عشر التي ذكرنا طرفًا منها أمسِ، وسنبدأ بالأول منها.
(بَابُ الْمَفْعُولِ بِهِ:
وَهُوَ الِاسْمُ الْمَنْصُوبُ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الْفِعْلُ، نَحْوَ: ضَرَبْتُ زَيْدًا، وَرَكِبْتُ الْفَرَسَ).
نحن تكلَّمنا بشيءٍ من الإيجاز عن المفعول به، وقلنا إنَّ التعريف التَّقليدي للمفعول به أنَّه "ما وقع عليه فعل الفاعل"، واستبدلنا هذا بأنَّه "ما تعلَّق به فعلُ الفاعل، سواء كان إثباتًا أو نفيًا أو نهيًا أو استفهامًا أو شرطًا".
والأمثلة التي ذكرها الشيخُ في الإثبات، وهي: "ركبتُ الفرسَ، وضربتُ زيدًا".
وفي النَّفي مثل: "ما ترك رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- إلا كذا"، "كذا" هي المفعول به في صيغة النَّفي.
مثلًا: ما ضرب محمدٌ إلا الكلبَ. هذه في صيغة النفي.
والنَّهي مثل: لا تضرب مسكينًا.
والاستفهام مثل: هل ضربتَ أحدًا اليوم.
والشَّرط مثل: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ».
إذن المفعول به هو: ما تعلَّق به فعل الفاعل، سواء كان في الإثبات، أو النَّفي، أو النَّهي، أو الاستفهام، أو الشَّرط.
والأمثلة كما قلنا: ضربتُ زيدًا، وركبتُ الفرس.
مثَّلَ بالمثالين ليُبيِّن لك أنَّه لا فرقَ في ذلك بين أن يكون المفعولُ به عاقلًا كالمثال الأول، أو غيرَ عاقلٍ كالمثال الثاني.
وقلنا أمس: إنَّ الفاعل والمفعول:
- قد يكونان عاقلين، مثل: أكرمَ محمدٌ خالدًا.
- وقد يكونان غيرَ عاقلين، مثل: ركلَ الحمارُ الكلبَ.
- وقد يكون الفاعلُ عاقلًا والمفعولُ غير عاقلٍ، مثل: ضربَ عليٌّ القطَّ.
- وقد يكون العكس، مثل: عضَّ الكلبُ الطفلَ.
هذه أنواع الفاعل والمفعول من حيث العقل وغير العقل.
(وَهُوَ قِسْمَانِ: ظَاهِرٌ، وَمُضْمَرٌ).
كما كان الفاعلُ ظاهرًا ومُضمرًا، وكذلك نائبُ الفاعل، والمبتدأ، كذلك المفعول به نوعان:
ظاهر: وقلنا أنَّ الظَّاهر هو ما لا يحتاج فيه بيان حقيقته إلى قرينةٍ، مثل: محمد، وعلي، وفاطمة، وسعاد، وما شاكل ذلك.
والمُضمر: ما يحتاج إلى قرينة تكلُّمٍ، أو خطابٍ، أو غيابٍ، مثل: أنا، أنت، هو، وما شاكل ذلك.
إذن المفعول قسمان:
- ظاهر: ويدخل في الظَّاهر -كما قلنا- المُبْهَم، تذكرون حين قلنا أنَّ التَّقسيم إمَّا أن يكون ثنائيًّا أو ثُلاثيًّا، فبعضهم يُدخِل المُبْهَمَ في المُظْهَر، وبعضهم يجعله قِسمًا مُستقلًّا.
(فَالظَّاهِرُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ).
ما تقدَّم ذكره هو: ضربتُ زيدًا، وركبتُ الفرسَ.
(وَالْمُضْمَرُ قِسْمَانِ: مُتَّصِلٌ، وَمُنْفَصِلٌ).
تكلَّمنا قبلًا أنَّ الضَّمير ينقسم إلى قسمين: بارز، ومُستتر.
البارز: ما له صورةٌ في اللَّفظ والخط، مثل: أنا، أكرمتُ زيدًا "التاء".
هذا المُضمَر ينقسم إلى مُضمر بارز -كما قلنا- ومُستتر: وهو الذي ليس له صورة في اللَّفظ ولا في الخط، مثل: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق: 1].
اقرأ: أي أنت، إذن الفاعل مُستتر تقديره "أنت".
هل "أنت" مذكورة في اللَّفظ؟ لا.
هل "أنت" مذكورة في الكتابة؟ لا.
﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق: 1]، خلق هو، إذن الفاعل ضمير مُستتر تقديره "هو".
إذن المُستتر: ما ليس له صورة في اللَّفظ ولا في الخط، ولكن في التَّقدير.
والبارز نوعان: منفصل، ومُتَّصل.
المنفصل: ما يعتمد بعد الله على نفسه.
والمُتَّصل: ما اتَّصل بغيره اسمًا أو فعلًا أو حرفًا.
اسمًا، مثل: إنَّك.
والفعل، مثل: ضربتُ.
والحرف، مثل: بي، من قولنا: فلانٌ مرَّ بي.
إذن الضَّمير المتَّصل: هو الذي يتَّصل إمَّا باسمٍ، أو بفعلٍ، أو بحرفٍ.
هذه أنواع الضَّمائر بإيجازٍ.
والضَّمير البارز المُنفصل نوعان:
- ضمائر بارزة مُنفصلة في محل رفع.
- وضمائر بارزة مُنفصلة في محل نصب.
ما يهمنا في الاثنين هو ما يقع في محل نصبٍ، وهو: "إيَّاي، وإيَّانا، وإيَّاكَ، وإيَّاكِ، وإيَّاكما، وإيَّاكم، وإيَّاكن، وإيَّاه، وإيَّاها، وإيَّاهما، وإيَّاهم، وإيَّاهن"، وهي في مقابل: "أنا، ونحن،..." إلى آخره.
هذا ما يهمنا من الضَّمائر البارزة المُنفصلة.
طيب، ما يهمنا من الضَّمائر البارزة المتَّصلة الآتي:
ياء المتكلم، مثل: أكرمني فلانٌ.
وكاف المُخاطب وفروعها، مثل: أكرمتُكَ، أكرمتُكِ، أكرمتُكما، أكرمتُكم، أكرمتُكنَّ.
هاء الغائب وفروعها، مثل: فلانٌ أكرمتُه، وفلانة أكرمتُها، والرَّجلان أكرمتُهما، والمرأتان أكرمتُهما، والزَّيدون أكرمتُهم، والزَّينبات أكرمتُهنَّ.
فالذي يهمنا هنا من الضَّمائر إمَّا البارزة المُنفصلة في محل نصبٍ، أو الضَّمائر البارزة المُتَّصلة في محل نصبٍ، وهي: "ياء المتكلم، وكاف المُخاطَب وفروعها، وهاء الغائب وفروعها"، ومعهن "نا" إذا سُبِقت بحركةٍ، مثل: أحبَّنَا الأستاذُ.
إذن مَن المُحِبُّ؟ ومَن المُحَبُّ؟
المُحِب: الأستاذ.
المُحَبُّ: نحن. "أحبَّنَا".
بخلاف ما لو قلنا: أَحْبَبْنا الأستاذ.
أحببنا: "نا" ضمير رفع فاعل، إنَّما "أحبَّنا الأستاذ" ضمير نصب متصل.
أكمل يا بُني.
(وَالْمُضْمَرُ قِسْمَانِ:
مُتَّصِلٌ، وَمُنْفَصِلٌ.
فَالْمُتَّصِلُ اثْنَا عَشَرَ، وَهِيَ: ضَرَبَنِي).
ضربني: ياء المتكلم.
(وَضَرَبَنَا).
ضربنا "نا" الدَّالة على المتكلم المُعَظِّم نفسه، أو المتكلم ومعه غيره.
طيب، كيف نعرف أنَّ "نا" فاعل أو مفعول؟
إذا كان ما قبلها ساكنًا فهي في محل رفع، وإذا كان ما قبلها مفتوحًا فهي في محل نصب مفعول به. هذا مع الماضي.
أمَّا مع المضارع والأمر: فالضَّمير لابُدَّ أن يكون مُتَّصلًا في محل نصب.
مثلًا: فلانٌ يُحبُّنا، "نا" مفعول به مبني على السُّكون في محل نصب، والفاعل ضمير مُستتر تقديره "هو".
طيب، أحِبَّنا يا فلان: "نا" هنا مفعول به.
إذن الضَّمير إذا اتَّصل بالمضارع أو الأمر يكون مفعولًا به، أمَّا إذا اتَّصل بالماضي فإن كان مسبوقًا بساكنٍ يكون فاعلًا أو نائبَ فاعلٍ، وإن كان مسبوقًا بمتحرِّكٍ يكون مفعولًا به.
قلنا إنَّ الضَّمائر البارزة المتصلة اثنا عشر ضميرًا، وبدأنا بالأمثلة.
تفضل يا بني.
(فَالْمُتَّصِلُ اثْنَا عَشَرَ، وَهِيَ: ضَرَبَنِي).
طبعًا ليس هذا كلامًا تامًّا عند النُّحاة؛ فمَن الذي ضربني؟ فكان من المُفترض أن يقول مثلًا: فلان ضربني.
إذن ضرب: فعل ماضٍ، والفاعل مُستتر تقديره "هو" يعود إلى الذي في نية المؤلف، والنون نون الوقاية، والياء مفعول به، ضمير بارز متَّصلٌ مبني على السُّكون في محل نصب.
إذن ياء المتكلم تكون في محل نصبٍ، وفي محل جرٍّ.
(وَضَرَبَنَا).
هنا "نا" مسبوقة بمتحرِّكٍ فتكون مفعولًا به مبني على السُّكون في محل نصب.
(وَضَرَبَكَ).
مفعول به مبني على الفتح في محل نصب.
إنَّما مثلًا لو قلت: ضربْتُكَ، فالتاء هي الفاعل، والكاف مفعول به.
(وَضَرَبَكِ).
مفعول به مبني على الكسر في محل نصب.
(وَضَرَبَكُمَا).
مبني في محل نصبٍ أيضًا، للمُخاطَبيْنِ أو المُخاطبتين.
(وَضَرَبَكُمْ).
للمُخاطَبين.
(وَضَرَبَكُنَّ).
للمُخاطبات.
(وَضَرَبَهُ).
فلانٌ ضربه فلان، يعني: محمدٌ ضربه عليٌّ مثلًا.
إذن الهاء للغائب المذكر مبني على الضَّم في محل نصب.
(وَضَرَبَهَا).
للغائبة، مبني على السُّكون في محل نصب مفعول به طبعًا.
(وَضَرَبَهُمَا).
مبني في محل نصب مفعول به أيضًا؛ لأنَّه للغائِبيْن أو الغائبتين.
(وَضَرَبَهُمْ).
للغائبين مبني على السُّكون في محل نصب.
(وَضَرَبَهُنَّ).
مبني على الفتح في محل نصب، ومنه قوله تعالى: ﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾ [فصلت: 12].
قضى: فعل ماضٍ، والفاعل مُستتر تقديره "هو" راجعٌ إلى الله، و"هن" مفعول به مبني على الفتح في محلِّ نصبٍ.
(وَالْمُنْفَصِلُ اثْنَا عَشَرَ، وَهِيَ: إِيَّايَ).
إيَّاي: للمُتكلم المفرد.
مثل: إيَّايَ أكرمَ فلانٌ، أصلها كان: أكرمني فلانٌ.
فيقول: إيَّاي أكرمَ فلانٌ.
إذن "إيَّاي" ضمير بارز مُنفصلٌ مبني في محل نصبٍ مفعول به مُقدَّم وجوبًا للحصر.
أكرم: فعل ماضٍ.
وفلان: فاعل.
(وَإِيَّانَا).
إيَّانا علَّم الأستاذُ. أصل الكلام: علَّمنا الأستاذُ. للمُتكلم المُعَظِّم نفسه، أو المتكلم ومعه غيره.
(وَإِيَّاكَ).
مثل قول الله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: 5].
فهذا ضمير المُخاطب المذكر.
(وَإِيَّاكِ).
المُخاطبة المؤنثة.
(وَإِيَّاكُمَا).
للمُخاطَبيْن أو المُخاطبتين.
(وَإِيَّاكُمْ).
للمُخاطَبِين.
(وَإِيَّاكُنَّ).
للمُخاطبات، مثل: إيَّاكنَّ أكرم فلانٌ. أصلها: أكرمكنَّ فلانٌ، والإعراب كما تعرفون.
(وَإِيَّاهُ).
هذا للغائب المذكر، مثل: إيَّاه أكرمتُ. أصلها: أكرمتُه -للغائب- فـ"إيَّاه" مبني في محل نصب.
(وَإِيَّاهَا).
للغائبة، مثل: إيَّاها علَّم زيدٌ. أصلها: علَّمها زيد.
(وَإِيَّاهُمَا).
للغائبين أو الغائبتين.
(وَإِيَّاهُمْ).
للغائبين.
(وَإِيَّاهُنَّ).
للغائبات.
إذن هذه ضمائر بارزة مُنفصلة، وما قبلها ضمائر بارزة متَّصلة، والأربعة وعشرون ضمير مفعول به، لكن مرةً ضمير بارز متَّصل، ومرةً ضمير بارز منفصل.
طيب، هل يكون المفعولُ به ضميرًا محذوفًا؟
نعم، قال الله تعالى: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا﴾ [المدثر: 11]، أصلها: ذرني ومَن خلقتُه. فالهاء العائدة على "من" ضمير مبني في محل نصب.
طيب، هل "إيَّا" هي الضمير والكاف حرف خطاب، أم "إيَّا" حرف عماد والكاف هو الضَّمير، أم "إيَّاك" هو الضَّمير كله؟
أقوال ثلاثة، أسهلهنَّ أنَّ "إيَّاك" الضَّمير، أو "إيَّانا" إلى آخره.
(بَابُ الْمَصْدَرِ).
يُراد بالمصدر -كما قلنا بالأمس وقد شرحنا بعضه- المفعول المُطلَق؛ لأنَّ المصدر ليس له موقعٌ مُعين:
فمن الممكن أن يأتي مبتدأ، مثل: نصر الله قريب.
ويأتي اسم "إنَّ": إنَّ نصرَ الله قريب.
ويأتي مجرورًا: سررتُ من نصرِ الله.
إذن المصدر يمكن أن يأتي فاعلًا، أو مفعولًا، أو مبتدأ، إلى آخره.
لكن المراد بالمصدر عند الإطلاق: المفعول المطلق، فإذا أُطلِق المصدر يُراد به المفعول المطلق، وتكلَّمنا عليه أمس وقلنا: المفعول المطلق مُؤكِّد لعامله، مُبيِّن لنوعه، مُبيِّن لعدده، إلى آخر ما قلناه.
وقلنا أنَّ الحكمة من المصدر في اللُّغة العربية: توكيد الفعل، وأنَّ المراد به حقيقته، مثل قول الله تعالى: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ [النساء: 164]، ذكرنا هذا الكلام بالأمس.
إذن المصدر عند الإطلاق يراد به ماذا؟
المفعول المطلق، أمَّا إذا قُيِّد فيتقيَّد بأنَّه مبتدأ، أو خبر، أو فاعل، أو نائب فاعل، أو اسم "إنَّ"، أو اسم "كان"، إلى آخره.
(الْمَصْدَرُ هُوَ الِاسْمُ الْمَنْصُوبُ الَّذِي يَجِيءُ ثَالِثًا فِي تَصْرِيفِ الْفِعْلِ).
(يَجِيءُ ثَالِثًا فِي تَصْرِيفِ الْفِعْلِ): نحن نعرف أنَّ الفعل تصريفاته: فعل ماضٍ، فعل مضارع، فعل أمر، مصدر.
فهو يقول أنَّه يأتي في التصريف الثالث. ما معناه؟
لأنَّ فعل الأمر بعضهم يعتبره من المضارع -كما قلنا- فنحن قلنا مرةً أنَّ بعض النَّحويين يعدُّون الأمر مضارعًا مجزومًا بلام أمرٍ محذوفة.
أمَّا البصريون فيرون أنَّ الأمر قسمٌ برأسه.
فعند البصريين يكون الترتيب الرابع أم الثالث؟
الرابع.
وعند الكُوفيين يكون الثالث.
(نَحْوَ: ضَرَبَ- يَضْرِبُ- ضَرْبًا).
جاء بالماضي "ضرب"، والمضارع "يضرب"، والمصدر "ضربًا".
لو قلنا بتقسيم البصريين: ضرب، يضرب، اضرب، ضربًا.
إذن التَّرتيب الثالث عند الكوفيين، والترتيب الرابع عند البصريين.
وقلنا أنَّ الشيخ لفَّقَ بين المذهبين، فهو ذكر أنَّ الأفعال ثلاثة، لكن قال لك أنَّ الأمر مجزوم، كيف يكون مجزومًا وهو أمر؟!
إذن هو لفَّق بين المذهبين: البصري والكوفي.
(وَهُوَ قِسْمَانِ: لَفْظِيٌّ، وَمَعْنَوِيٌّ).
"وهو" الضَّمير هذا عائد على ماذا؟
على المفعول المطلق، أي المصدر، فنحن قلنا أنَّ المصدر هو المفعول المطلق عند الإطلاق.
(فَإِنْ وَافَقَ لَفْظُهُ لَفْظَ فِعْلِهِ فَهُوَ لَفْظِيٌّ، نَحْوَ: قَتَلْتُهُ قَتْلًا).
ونحو قول الله تعالى: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ [النساء: 164].
إذن قتلتُه: ماضٍ، وفاعله، ومفعوله.
وقتلًا: مفعول مطلق، مُؤكِّد لعامله، منصوب بالفعل، وعلامة نصبه الفتحة الظَّاهرة.
هذا معنى "لفظي"، أي أنَّ المصدر من ألفاظ الفعل: "قتل- قتلًا".
لو قلنا مثلًا: قعدتُّ جلوسًا. هذا من لفظه أم من معناه؟
من معناه.
هذا معنى اللَّفظي والمعنوي.
(وَإِنْ وَافَقَ مَعْنَى فِعْلِهِ دُونَ لَفْظِهِ فَهُوَ مَعْنَوِيٌّ، نَحْوَ: جَلَسْتُ قُعُودًا، وَقُمْتُ وُقُوفًا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ).
قلنا إنَّ المفعول المطلق كم نوع؟
ثلاثة أنواع:
- مُؤكِّد لعامله: مثل الأمثلة التي ذكرها الشيخ.
- ومُبيِّن لنوعه: كقوله تعالى: ﴿فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُورًا﴾ [الإسراء: 63].
- ومُبيِّن لعدده: مثل: ضربتُه ضربةً أو ضربتين أو ضربات.
وقلنا أنَّ العامل في المفعول المطلق إمَّا أن يكون:
- الفعل: وهذا هو الأصل.
- الوصف: مثل: ﴿وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا﴾ [الذاريات: 1]، ﴿وَالصَّافَّاتِ صَفًّا﴾ [الصافات: 1].
- المصدر: مثل: عجبتُ من ضربك اللصَّ ضربًا. فـ"ضربًا" هذه منصوب بـ"ضرب".
هذا بالنسبة للمفعول المُطلَق.
أمَّا المفعول فيه فيشمل ظرف الزمان وظرف المكان، فمن الممكن أن تعتبر هذا نوعًا، أو تعتبره نوعين، والشيخ ذكره على أنَّهما نوعان: ظرف الزمان، وظرف المكان. هذا منصوب، وهذا منصوب.
لكن يجمع الاثنين المفعولُ فيه، فالذي يشمل ظرفَي الزمان والمكان اسمه: المفعول فيه.
وقلنا أنَّ المفعول فيه -ظرف الزمان- مثل: ﴿وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ﴾ [يوسف: 16].
إذن "عشاءً" مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفعل، وعلامة نصبه الفتحة الظَّاهرة.
وظرف المكان مثل: ﴿وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا﴾ [الكهف: 79]، أين ظرف المكان هنا؟
وراء من "وراءهم"، مفعول فيه ظرف مكان منصوب بالفعل، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، و"وراء" مضاف، و"هم" مضاف إليه.
إذن المفعول فيه هو ظرف الزمان وظرف المكان.
إذن أخذنا المفعول فيه، وأخذنا المفعول المُطلق الذي اسمه المصدر، وأخذنا المفعول به.
بقي لنا المفعول لأجله، والمفعول معه.
إذن المفاعيل كم؟
خمسة، ذكرنا ثلاثةً: المفعول به، والمفعول المطلق -واسمه المصدر- والمفعول فيه -وهو ظرفا الزمان والمكان.
الشيخ اعتبر ظرفي الزمان والمكان اثنين.
(بَابُ ظَرْفِ الزَّمَانِ وَظَرْفِ الْمَكَانِ:
ظَرْفُ الزَّمَانِ هُوَ اسْمُ الزَّمَانِ الْمَنْصُوبُ بِتَقْدِيرِ "فِي").
ولذلك اسمه مفعول فيه.
حين أقول مثلًا: جئتُكَ صباحًا. كأني قلتُ: جئتُك في وقت الصباح. فاختصرنا "في وقت الصباح" فقلنا: صباحًا.
إذن هذا لونٌ من ألوان الإيجاز.
مثل: قابلتُكم سنة كذا. أي: في سنة كذا.
(نَحْوَ: الْيَوْمَ، وَاللَّيْلَةَ، وَغُدْوَةً، وَبُكْرَةً، وَسَحَرًا، وَغَدًا، وَعَتْمَةً، وَصَبَاحًا، وَمَسَاءً، وَأَبَدًا، وَأَمَدًا، وَحِينًا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ).
كلُّ هذه اسمها ظروف زمان، يعني مثلًا: اليوم: معروف أنَّه اليوم الذي نحن فيه، أو حسب السياق، فحين يقول ربُّ العزة: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3]. "اليوم" هنا ما معناه؟
اليوم الذي نزلت فيه الآيةُ، وهو يوم عرفة.
ومثل: ﴿فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا﴾ [يس: 54]، يوم القيامة.
إذن "اليوم" يُفسَّر بالسِّياق الذي ورد فيه.
لكن حين أقول: ألتقي بكم اليوم.
إذن اليوم الذي نحن فيه -يوم الجمعة- وهكذا.
هذا "اليوم".
(وَاللَّيْلَة).
الليلة معروفة.
(وَغُدْوَةً).
الغُدوة في أول النَّهار.
مثل: أتيتُك غُدوةً.
(وَبُكْرَةً).
هذا في أول اليوم أيضًا: ﴿بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الإنسان: 25].
(وَسَحَرًا).
السَّحر: هو الثلث الأخير من الليل.
مثل قول الله تعالى: ﴿نَّجَّيْنَاهُم بسَحَرٍ﴾ [القمر: 34].
ومثل أن أقول: سألتقي بك -إن شاء الله- سَحَرًا. يعني في الثلث الأخير من الليل.
(وَغَدًا).
أنتم تعرفون معنى غدًا، وهو اليوم الذي بعد يومك.
وقد تُنزَّل الآخرةُ منزلةَ الغدِ بالنسبة للدنيا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾ [الحشر: 18].
(وَعَتْمَةً).
العتمة: العشاء.
(وَصَبَاحًا).
معروف.
(وَمَسَاءً).
المساء يبدأ كما قلنا في باب "كان" وأخواتها من بعد الظهر إلى غروب الشَّمس.
(وَأَبَدًا).
أبدًا: ظرف لاستغراق الأزمنة المُستَقْبلَة، إثباتًا أو نفيًا.
إثباتًا مثل: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [النساء: 57].
إذن هذا ظرف للمُستقبل في أسلوب الإثبات.
أمَّا قوله: ﴿وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ [البقرة: 95]، هذا ظرف لاستقبال الأزمنة المُستقبلَة في النفي، والحديث عن اليهود -عليهم لعائن الله وملائكته والناس أجمعين هم وعملاؤهم.
ولكن بالنسبة لـ"أبدًا" لا يصح أن تقول: ما لقيتُك أبدًا.
لماذا؟
لأننا قلنا أنَّ "أبدًا" للمستقبل، أمَّا "ما لقيتُك" فللماضي.
إنَّما يُقابله "قَط"، مثل: ما أكلتُ هذا الطعامَ قطُّ، وما رأيتُكَ قطُّ.
إذن "قَط" مفعول فيه ظرف زمان مبني على الضَّم في محل نصب.
إذن هذا لاستغراق الأزمنة الماضية في النفي خاصَّةً.
(وَأَمَدًا).
أمدًا: يعني أمدًا طويلًا، وقتًا طويلًا.
(وَحِينًا).
معروف أنَّ "حين" ظرف مبهم.
(وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
وَظَرْفُ الْمَكَانِ هُوَ: اسْمُ الْمَكَانِ الْمَنْصُوبُ بِتَقْدِيرِ "فِي").
كما قلنا: ﴿وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ﴾ [الكهف: 79]، أي كان في الجهة الخلفيَّة مَلِكٌ.
وبالمناسبة: "وراء" تعني أيضًا أمام، فهي من أسماء الأضداد، فمَن كان وراءك فأنت أمامه، ومَن كنتَ وراءه فهو أمامك.
يعني يجوز أن نقول: قعد زيدٌ ورائي. فهو بالنسبة لي: يكون ورائي.
ولذلك قوله: ﴿وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ﴾ [الكهف: 79] قُرِئَ: "وَكَانَ أَمَامَهُم مَلِكٌ".
إذن "وراء" تُستخدم للخلف وللأمام، والسِّياق هو الذي يُوضِّح ذلك.
(نَحْوَ: أَمَامَ، وَخَلْفَ، وَقُدَّامَ، وَوَرَاءَ، وَفَوْقَ، وَتَحْتَ، وَعِنْدَ، وَمَعَ، وَإِزَاءَ).
"عند" بالذَّات، "عند" مفعول فيه ظرف مكان أو زمان بحسب ما تُضاف إليه.
حين أقول لك: سأنتظرك عند الحديقة. زمان أم مكان؟ مكان.
طيب، سأنتظرك عند المساء. هذا زمان.
إذن بحسب ما تُضاف إليه.
وانتبهوا! الفرق بين "عند" و"لدى":
"عند": لما حضر وغاب.
و"لدى" لما حضر فقط.
ما الفرق بين "لدى" و"عند"؟
"عند" لِمَا حَضَرَ وغابَ.
يعني أقول مثلًا: "عندي مالٌ"، فإذا فتَّشتَ في جيبي ولم تجد شيئًا فيجوز، ولكن لو قلت: "لديَّ مال"، وفتَّشتَ في جيبي ولم تجد فيه شيئًا أكون كاذبًا.
إذن "لدى" تكون لما حضر، و"عند" لما غاب وحضر.
قال الله تعالى: ﴿وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ﴾ [يوسف: 25].
"لدى" ظرف مكان منصوب وعلامة نصبه الفتحة المُقدرة على الألف للتَّعذر، فـ"لدى الباب" أي في المواجهة.
إذن "لدى" لما حضر، و"عند" لما غاب وحضر.
(وَمَعَ).
"مع" مثل "عند" في أنَّها تُضاف للزمان والمكان.
(وَإِزَاءَ).
أي اتجاه.
(وَحِذَاءَ).
حذاء: أي اتجاه أيضًا، وليس الحذاء الذي نعرفه، لا.
فلان حذاء فلان. أي جهته.
(وَتِلْقَاءَ).
أي وجه.
قال تعالى: ﴿وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ﴾ [القصص: 22].
حين نُعرِب "تلقاء" نقول: مفعول فيه ظرف مكان منصوب بالفعل وعلامة نصبه الفتحة الظَّاهرة، و"تلقاء" مضاف، و"مدين" مضاف إليه.
(وَهُنَا).
"هنا" اسم إشارةٍ للمكان القريب.
إذن "هنا" جمعت بين الإشارة وظرف المكان.
نقول: هنا القاهرة.
إذن "هنا" اسم إشارة للمكان القريب مبني على السكون في محل نصب ظرف مكان مُتعلق بمحذوف خبر مُقدَّم، و"القاهرة" مبتدأ مُؤخَّر.
و"ها هنا" مثل "هنا"، ولكن "ها" حرف تنبيه.
قال الله تعالى على لسان قوم موسى -عليه السلام: ﴿إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ﴾ [المائدة: 24].
و"هناك" للإشارة إلى المكان المتوسط، و"هنالك" للبعيد.
(وَثَمَّ).
"ثَمَّ" بمعنى المكان البعيد، قال تعالى: ﴿وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ﴾ [الشعراء: 64]، أي هنالك، فهي اسم إشارة للمكان البعيد مبني على الفتح في محل نصب ظرف مكان.
(وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ).
وبالمناسبة أُنبه أنَّ "ثُمَّ" غير "ثَمَّ".
"ثُمَّ": حرف عطف للتَّرتيب والتَّراخي.
أمَّا "ثَمَّ" فاسم إشارة للمكان البعيد.
ولا يصح أن تقول: "مِنْ ثُمَّ"، فهذا خطأ، ولكن قل: "مِنْ ثَمَّ".
"ثَمَّ" غير "ثُمَّ".
(بَابُ الْحَالِ).
اللَّهم أصلح أحوالَ المسلمين أجمعين يا رب.
(الْحَالُ هُوَ: الِاسْمُ الْمَنْصُوبُ الْمُفَسِّرُ لِمَا انْبَهَمَ مِنَ الْهَيْئَاتِ).
الحال: هو الاسم المنصوب الْمُفَسِّرُ لِمَا انْبَهَمَ من الأحوال والأوضاع.
نقول مثلًا: جاء زيد. كيف جاء؟ راكبًا، ماشيًا، مُمتطيًا دراجةً، راكبًا طائرة، إلى آخره.
مثلًا حين أقول: لقيتُكَ مُكْفَهِرًّا، مبتسمًا، ضاحكًا. كل هذه صالحة.
فحين أقول: لقيتُكَ ضاحكًا. هذا حال مُبيِّن لهيئة الفاعل مع الفعل.
لقيتك. كيف لقيتني؟
إذن الحال علامته أن يصلح وقوعه في جواب: كيف؟
وأصل الحال: حَوَلٌ، تحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها فقُلِبَت ألفًا.
ويجوز في الحال التَّذكير والتَّأنيث، تقول: هذا حال حسنٌ، وهذه حالٌ حسنة.
والأفصح التَّأنيث.
(نَحْوَ: قَوْلِكَ: جَاءَ زَيْدٌ رَاكِبًا).
إذن "جاء زيد" جملة كاملة أو ليست كاملة؟
كاملة، لكن نقول: كيف جاء زيد؟ جاء زيد راكبًا.
جاء: فعل ماض.
زيد: فاعل، والفاعل مرفوع كما نعرف.
راكبًا: حال منصوب بـ"جاء" وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، وفيه ضمير مُستتر تقديره "هو" يعود إلى زيد.
(وَرَكِبْتُ الْفَرَسَ مُسْرَجًا).
إذن جاء زيد راكبًا. مَن صاحب الحال؟ زيد، فاعل.
طيب، ركبتُ الفرسَ مُسْرَجًا. أين الحال؟ مُسْرَجًا، منصوب.
أين صاحب الحال؟ الفرسَ.
ركبتُ: فعل ماضٍ وفاعله.
الفرس: مفعول به منصوب.
مُسْرَجًا: حال من المفعول.
أين عامله؟
ألم نقل أنَّه لابُدَّ لكلِّ منصوبٍ من ناصبٍ، ولكلِّ مرفوعٍ من رافعٍ، إلى آخره.
ركب: هذا هو العامل، "ركبتُ الفرسَ مُسْرَجًا"، نعم.
(وَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ رَاكِبًا).
لقيتُ عبدَ الله راكبًا.
"راكبًا" تصلح أن تكون حالًا من "لقيتُ" التاء، وتصلح أن تكون حالًا من "عبد الله".
لو قلنا: "لقيتُ عبدَ الله راكبين" تكون حالًا من التاء ومن "عبد الله".
إذن يمكن أن يكون الحالُ من الفاعل، أو من المفعول به، أو محتملًا لأحدهما، أو جامعًا بين الاثنين.
قد يكون الحالُ أيضًا من المُضاف إليه، كقوله تعالى: ﴿أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾ [النحل: 123].
حنيفًا: حال من "إبراهيم"، و"إبراهيم" مُضاف إليه -عليه السلام.
مثال: ﴿أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا﴾ [هود: 72].
إذن "شيخًا" حال من الياء في "بعلي"، وهكذا.
(وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ).
والحال قد يكون مُفردًا، وقد يكون جملةً، وقد يكون شبه جملةٍ. مثل أنواع الخبر.
(وَلَا يَكُونَ الْحَالُ إِلَّا نَكِرَةً).
أمَّا النَّعت فيكون نكرةً ومعرفةً حسب المنعوت -كما قلنا من قبل في باب التَّوابع.
أمَّا الحال فلا يكون إلا نكرةً، وصاحب الحال معرفة غالبًا.
(وَلَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْكَلَامِ).
لا يكون إلا بعد تمام الكلام -انتبهوا- يعني بعد أن تستوفي الجملةُ رُكنيها: المبتدأ والخبر، أو الفعل والفاعل، أو ما إلى ذلك.
لكن لفظه يمكن أن أُؤَخِّره، ويمكن أن أُوسِّطه، ويمكن أن أُقدِّمه.
مثلًا: جاء زيدٌ راكبًا. الحال هنا أتى في الآخر.
جاء راكبًا زيدٌ. جاء في الوسط.
راكبًا جاءَ زيدٌ: مُتقدِّم عليهما.
إذن يجوز في الحال التَّأخُّر، والتوسُّط، والتَّقدم.
لكن رُتبته التَّأخير.
إذن الحال يمكن أن يتأخَّر، ويتوسَّط، ويتقدَّم، لكن رتبته التَّأخير، ولذلك قال لك: "يجيء بعد تمام الجملة".
(وَلَا يَكُونُ صَاحِبُهَا إِلَّا مَعْرِفَةً).
غالبًا، ضع كلمة "غالبًا" لماذا؟
لأنَّه قد يكون نكرةً في ظروفٍ معينةٍ وأحوالٍ معينةٍ، مثل قول الله تعالى: ﴿وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ﴾ [الحجر: 4]، فجملة "ولها كتاب معلوم" حال في محل نصب، وصاحب الحال "قرية" وهي نكرة.
ومن ثَمَّ قالوا: "صلى رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- جالسًا ووراءه رجالٌ قيامًا".
أنا أُنبه على هذه النقطة لماذا؟
لأنَّ بعضَ الناس يرفضون أن يكون الإمامُ جالسًا إلا إذا كان المأمُومون جالسين، لكن كان هذا في البداية ثم نُسِخَ ذلك بهذا الحديث.
"صلى رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- جالسًا".
فـ"جالسًا" حال من "رسول الله" -صلى الله عليه وسلم- يعني من المعرفة.
"ووراءه رجالٌ قيامًا"، إذن "قيامًا" حال، صاحبه: رجال، وهو نكرة.
ولذلك قلنا "غالبًا"، فنقول: ولا يكون صاحبه إلا معرفة، ثم نضيف كلمة "غالبًا".
أمَّا الحال فلا يكون إلا نكرة، والحال من المنصوبات، يعني لا يكون مجرورًا ولا مرفوعًا.
والحال كالنَّعت يكون مُشتقًّا، أو شبيهًا بالمُشتقِّ.
(بَابُ التَّمْيِيزِ:
التَّمْيِيزُ هُوَ: الِاسْمُ الْمَنْصُوبُ الْمُفَسِّرُ لِمَا انْبَهَمَ مِنَ الذَّوَاتِ).
التَّمييز: هو الاسم المنصوب.
إذن دخل في المنصوبات، فالتَّمييز لا يكون فعلًا ولا حرفًا.
إذن التَّمييز: هو الاسم المنصوب الذي يأتي لبيان ما انْبَهَمَ من الذَّوات.
نحن قلنا هذا الكلام بالأمس حين قلنا: إنَّ الذَّوات إمَّا عدد، وإمَّا كيل، أو وزن، أو مساحة.
مثلًا: حصدنا إردبًّا قَمْحًا.
أين التَّمييز؟
قمحًا.
أين المُميَّز؟
إردبًّا.
"إردبًّا" هذا مُبْهَم أو غير مُبْهَمٍ؟
مبهم: إردب فول، إردب شعير، إردب قمح.
إذن "قمحًا" هذه بيَّنت إبهام "إردب"، و"إردب" هذا كيل.
مثلًا: أكلتُ أُقَّةً لحمًا.
إذن "لحمًا" تمييز لـ"أُقَّة"، و"أُقَّة" وزن.
ومثل: اشتريتُ رِطلًا عسلًا، كذلك وزن.
ومثل: زرعنا فدَّانًا قُطنًا.
أين التَّمييز هنا؟
قطنًا.
أين المُميَّز؟
فدانًا، وهذا مساحة.
﴿إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا﴾ [يوسف: 4].
أين التَّمييز؟
كوكبًا.
أين المُميَّز؟
أحد عشر، وهذا عدد، وهكذا.
إذن تمييز الذَّوات يكون بعد كيلٍ، أو وزنٍ، أو مساحةٍ، أو عددٍ.
هناك تمييز آخر قلناه بالأمس وهو: تمييز النِّسَب.
مثلًا حين أقول: طابت الإسكندريةُ هواءً.
أين التَّمييز؟
هواءً.
مَيَّز ماذا؟
طِيب الإسكندرية. ما وجه طِيبها؟
طابت هواءً، طابت كذا، طابت مُستقرًّا، إلى آخره.
قال الله تعالى: ﴿وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا﴾ [مريم: 4]، "شيبًا" هذه تمييز من النِّسبة، وهي اشتعال الرأس، وهكذا.
(نَحْوَ قَوْلِكَ: تَصَبَّبَ زَيْدٌ عَرَقًا).
أين التَّمييز؟
عرقًا.
أين المُميَّز؟
" تَصَبَّبَ زيد" كلها؛ لأنَّ الأصل هو: تَصَبَّبَ عرقُ زيدٍ.
المفروض أنَّه جاء بما انْبَهَمَ من الذَّوات، لكن هو ما انْبَهَمَ من الذَّوات أو النِّسَب.
اقرأ مرةً ثانيةً التَّمييز.
(التَّمْيِيزُ هُوَ: الِاسْمُ الْمَنْصُوبُ الْمُفَسِّرُ لِمَا انْبَهَمَ مِنَ الذَّوَاتِ).
أضف كلمة "أو النِّسَب"، وقد عرفنا الذَّوات من قبل: كيل، وزن، مساحة، عدد.
هل في "تَصَبَّبَ زيدٌ عرقًا" كيل أو وزن أو مساحة أو عدد؟ لا.
فكيف يكون ما انْبَهَمَ من الذَّوات؟!
إذن المثال هنا غير مُنطبق على ما قبله؛ لأنَّ "عرقًا" لم تقع بعد هذه الذَّوات، إنَّما هذا اسمه تمييز نسبة.
لكن أمثلة ما انْبَهَمَ من الذَّوات ما قلناه: زرعنا فدانا قطنًا، اشتريتُ رطلًا عسلًا، إلى آخره.
هذا من ضمن التَّقصير في المتن، ففيه أخطاء.
(وَتَفَقَّأَ بَكْرٌ شَحْمًا).
إذن "تفقَّأ": فعل ماضٍ.
بكر: فاعل.
شحمًا: تمييز نسبة أيضًا.
إذن الرجل تجاهل تمييز ما انْبَهَمَ من الذَّوات.
إذن الشيخ هنا أخلَّ أم لم يُخلّ -رحمه الله؟ أخلَّ.
إذن هذان المثالان تمييز نسبة. لماذا؟
لأنَّهما ليسا بعد وزنٍ، ولا كيلٍ، ولا مساحةٍ، ولا عددٍ، أو أشباه ذلك.
(وَطَابَ مُحَمَّدٌ نَفْسًا).
كذلك "نفسًا".
طاب: فعل ماضٍ.
محمد: فاعل.
نفسًا: تمييز نسبة مُحوَّل عن الفاعل، وأصل الكلام: طابت نفسُ محمدٍ.
(وَاشْتَرَيْتُ عِشْرِينَ غُلَامًا).
هذا تمييز ذات عن العدد.
ونحن قلنا أنَّ الذَّات يشمل العددَ، والوزن، والكيلَ، والمساحةَ.
فيكون اسمه تمييز ذات مفرد عدد: اشْتَرَيْتُ عِشْرِينَ فَدَّانًا.
(وَمَلَكْتُ تِسْعِينَ نَعْجَةً).
لأنَّ ربنا يقول في القرآن: ﴿إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ﴾ [ص: 23].
(وَزَيْدٌ أَكْرَمُ مِنْكَ أَبًا).
هذا تمييز نسبة هنا.
فضعوا كلمة "أو النِّسَب" في التعريف.
(وَأَجْمَلُ مِنْكَ وَجْهًا.
وَلَا يَكُونُ التَّمْيِيزُ إِلَّا نَكِرَةً، وَلَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْكَلَامِ).
إلا بعد تمام الكلام رُتبةً، ضع كلمة "رُتبةً"، لكن من الممكن أن يتقدَّم.
(بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ).
الاستثناء: هو إخراج شيءٍ لولا ذكرُه لدخل، أو إدخال شيءٍ لولا ذكرُه لخرج.
مثلًا: قام الطلبةُ إلا زيدًا.
فإذا لم نقل "إلا زيدًا" لكان زيدٌ داخلًا ضمن مَن قام من الطَّلبة.
لكن لما قلنا: "إلا زيدًا"، فهو لم يقم.
فكأني قلتُ: قام الطلبةُ لكن زيدًا لم يقم.
فاستغنينا عن جملة: "لكن زيدًا لم يقم"، وقلنا: "إلا زيدًا".
قال الله تعالى: ﴿فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ﴾ [الحجر: 30، 31].
"إبليس" استثناء مُنقطع، وتكلَّمنا بالأمس عن ذلك.
(وَحُرُوفُ الِاسْتِثْنَاءِ ثَمَانِيَةٌ).
اجعلها "أحرف"؛ لأنَّ هذا جمع قِلَّةٍ: "وَأَحْرُفُ الِاسْتِثْنَاءِ ثَمَانِيَةٌ"، أو "ثَمَانٍ"، فيجوز أن نقول: ثمانية، أو ثمانٍ؛ لأنَّ العدد إذا تأخَّر عن المعدود يجوز المُخالفة والمُوافقة، والمُخالفة أولى استصحابًا للأصل.
(وَأَحْرُفُ الِاسْتِثْنَاءِ ثَمَانِيَةٌ، وَهُنَّ: إِلَّا، وَغَيْرُ).
"إلا" أمُّ باب الاستثناء.
وأحرف الاستثناء -يا إخواني- على أربعة أقسامٍ:
- منها ما لابُدَّ أن يكون حرفًا.
- ومنها ما لابُدَّ أن يكون اسمًا.
- ومنها ما يحتمل الفعليَّة والحرفيَّة.
- ومنها ما لا يكون إلا فعلًا.
مرةً أخرى:
• منها ما يكون حرفًا فقط: "إلا".
• ومنها ما يكون اسمًا فقط: "غير، وسِوَى، وسُوَى، وسواء". فهذه لابُدَّ أن تكون أسماء.
• "ما خلا، ما عدا، ما حاشا، ليس، لا يكون": هذه أفعال فقط.
• أمَّا "خلا، وعدا، وحاشا" من غير "ما" فيجوز أن يكنَّ حرفًا، وأن يكنَّ أفعالًا.
إذن أقسام الاستثناء كم؟
أربعة:
- ما يتحتَّم حرفيته: "إلا".
- ما يتحتَّم اسميَّته: "سِوَى، وغير، وسُوَى، وسواء".
"سِوَى، وسُوَى، وسَوَاء، وسِوَاء"، الأربعة مثل بعض، لكنَّها لغات.
مثلًا: قام القومُ سِوَى زيدٍ، أو سُوَى زيدٍ، أو سَوَاءَ زيدٍ، أو سِوَاء زيدٍ.
سِواء: أقلهنَّ.
"سواءٌ" كـ"سَمَاء"، و"سِواءٌ" كـ"نِدَاء".
إذن كم واحدة؟
"غير، سِوَى، سُوَى، سِوَاء، سَوَاء"، هؤلاء يتحتَّم أن يكنَّ أسماء.
- أمَّا الذي يتعيَّن أن يكُنَّ أفعالًا هنَّ: "ما خلا، وما عدا، وما حاشا، وليس، ولا يكون".
"ليس" مثل: قول النبي -صلى الله عليه وسلم: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ فَكُلُوا، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفْرَ».
ليس السِّنَّ : يعني إلا السِّنَّ والظُّفر.
ومن الممكن أن تستبدلها بـ"لا يكون السِّنَّ -أو الظُّفْرَ".
- أمَّا ما يجوز فيه الوجهان -الحرفيَّة والفعليَّة- فهنَّ: "خلا، وعدا، وحاشا".
(وَهُنَّ: إِلَّا، وَغَيْرُ، وَسِوًى، وَسُوًى، وَسَوَاءٌ، وَخَلَا، وَعَدَا، وَحَاشَا).
ضع أيضًا "وسِوَاء".
إذن الشيخ تجاهل: "ما خلا، وما عدا، وما حاشا"، وتجاهل: "ليس، ولا يكون" في الاستثناء.
(فَالْمُسْتَثْنَى بِإِلَّا يُنْصَبُ إِذَا كَانَ الْكَلَامُ تَامًّا مُوجَبًا).
المُراد بالتَّمام في هذا الباب: ما ذُكِر فيه المُستثنى منه.
والمُراد بالإيجاب: ما لم يتقدمه نفي أو شبهه.
مثل قوله تعالى: ﴿فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ﴾ [الحجر: 30، 31].
وقوله تعالى: ﴿فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ﴾ [البقرة: 249].
(نَحْوَ: قَامَ الْقَوْمُ إِلَّا زَيْدًا).
هنا الاستثناء تامّ مُوجَب.
تام: لوجود "القوم" المُستثنى منه.
ومُوجب الذي هو "قام".
فهنا يجب نصب المُستثنى بـ"إلا".
(وَخَرَجَ النَّاسُ إِلَّا عَمْرًا).
كذلك.
(وَإِنْ كَانَ الْكَلَامُ مَنْفِيًّا تَامًّا جَازَ فِيهِ الْبَدَلُ وَالنَّصْبُ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، نَحْوَ: مَا قَامَ الْقَوْمُ إِلَّا زَيْدٌ. وَإِلَّا زَيْدًا).
إلا زيدٌ: بدل مرفوع من مرفوع، وهو "القوم".
وإلا زيدًا: منصوب على الاستثناء.
وبالوجهين قُرِئَ قوله تعالى: ﴿مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ﴾، ﴿مَّا فَعَلُوهُ إَلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ﴾ [النساء: 66].
فإذا كان الكلامُ تامًّا -أي ذُكِر المُستثنى منه- غيرَ مُوجَبٍ بأن تقدَّم نفي أو شبهه؛ فإنَّ المستثنى يجوز فيه الإتباع على البدليَّة -ونحن نعرف البدليَّة: فبعد المرفوع مرفوع، وبعد المنصوب منصوب، إلى آخره- أو النَّصب على الاستثناء.
(وَإِنْ كَانَ الْكَلَامُ نَاقِصًا كَانَ عَلَى حَسَبِ الْعَوَامِلِ، نَحْوَ: مَا قَامَ إِلَّا زَيْدٌ).
يُسموه: "الاستثناء المُفَرَّغ".
ما معنى الاستثناء المُفرَّغ؟
أي تفرَّغ ما قبل "إلا" للعمل فيما بعد "إلا"، فإذا حذفت "ما" و"إلا" تقول: قام زيدٌ -فاعل.
ما رأيتُ إلا عمْرًا: احذف "ما" و"إلا" تصير: رأيتُ عَمْرًا.
ما مررتُ إلا بخالدٍ: احذف "ما" و"إلا" تقول: مررتُ بخالد.
هذا معنى الاستثناء المُفرَّغ.
فالاستثناء المُفرَّغ هو: الذي حُذِف منه المُستثنى منه وتقدَّمه نفيٌ أو شبهه، فيُعرَب على حسب موقعه.
ومنه قوله تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ﴾ [آل عمران: 144].
رسول: خبر.
احذف "ما" و"إلا" تصير: محمد رسول -صلى الله عليه وسلم.
(وَمَا ضَرَبْتُ إِلَّا زَيْدًا، وَمَا مَرَرْتُ إِلَّا بِزَيْدٍ.
وَالْمُسْتَثْنَى بِغَيْرٍ، وَسِوًى، وَسُوًى، وَسَوَاء مَجْرُورٌ لَا غَيْرُ).
تمام، مثل: قام القوم غيرَ زيدٍ، سِوَى زيدٍ، ما قام القومُ غيرُ زيدٍ، أو غيرَ زيدٍ، إلى آخره.
إذن المُستثنى بـ"غير، وسِوَى، وسَواء، وسُوَى" مجرور دائمًا على أنَّه مُضاف إليه.
(وَالْمُسْتَثْنَى بِخَلَا، وَعَدَا، وَحَاشَا يَجُوزُ نَصْبُهُ وَجَرُّهُ).
يجوز نصبه إذا اعتبرنا هذه أفعالًا، ويجوز جرُّه إذا اعتبرنا هذه حروفًا.
فمن الممكن أن تقول: أُحبُّ الناسَ خلا اللصِّ، وخلا اللصَّ، وحاشا اللصَّ، وحاشا اللصِّ، إلى آخره.
(نَحْوَ: "قَامَ الْقَوْمُ خَلَا زَيْدًا، وَزَيْدٍ" وَ"عَدَا عَمْرًا وَعَمْرٍو" وَ"حَاشَا بَكْرًا وَبَكْرٍ").
بهذا نقف عند باب "لا" النَّافية للجنس التي تُسَمَّى "لا" للتَّبرئة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيمَ لي ولكم وللمسلمين أجمعين، وصلى الله على سيِّدنا ومولانا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم.
شَكَرَ الله حُسن الاستماع، وجزاكم الله عنَّا خيرَ الجزاء، وَشَكَرَ الله لإخواننا في قناة الرحمة وفي الرياض، وجزاهم الله عن العمل الإسلامي خيرَ الجزاء، والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
http://islamacademy.net/media_as_home.php?parentid=62