الحقوق محفوظة لأصحابها

محمد عبد المعطي
شرح متن الآجرُّوميَّة

لفضيلة الشيخ محمد عبد المعطي

الدرس (7)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي بنعمته تتم الصَّالحات، أحمده -سبحانه وتعالى- في الغَدَوات والرَّوحات، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله مُنزل الآيات وربّ الكائنات، شهادة حقٍّ وصدقٍ بأنَّك أنت الفَعَّال لما تُريد، وبأنَّك أنت العزيز المجيد، اللَّهمَّ أمِّن خوفنا يوم الوعيد.

وأشهد أنَّ سيد الأنام، ومسك الختام، والواصل للأرحام، والشَّفيع لنا -بإذن الله- يوم الزِّحام، سيدنا محمد النبي الإمام.

اللَّهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الأعلام، ومَن تبعهم بإحسانٍ ما تعاقبت الأيام والأعوام.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1].

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70، 71].

اللَّهمَّ اجعلنا وإيَّاكم من الفائزين.

وبعد، فإنَّ أصدقَ الحديث كتابُ الله تعالى، وخيرَ الهدي هدي سيِّدنا محمد -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

اللَّهمَّ أجرنا من النار ومن كلِّ ما يُؤدِّي إلى النار من قولٍ أو عملٍ.

وبعد، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

مُشاهديَّ الكرام، ومُستمعيَّ العظام، مع الحلقة السَّابعة من حلقات الأكاديمية المتعلقة بشرح متن الآجرومية للعلامة ابن آجروم المتوفى سنة 723هـ.

وكنا قد تناولنا المرفوعات، وهنَّ: الفاعل، والمفعول الذي لم يُسمَّ فاعله -أي نائب الفاعل- والمبتدأ، والخبر، واسم "كان" وأخواتها، واسم "إنَّ" وأخواتها.

وقلنا إنَّ الشيخ لم يأتِ باسم "ما، ولا، ولات، وإن" المُشَبَّهات بـ"ليس".

وأمثلتها:

قول الله تعالى: ﴿وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا﴾ [يوسف: 31].

فـ"هذا" اسم "ما" مبني على السُّكون في محل رفع.

"بشرًا" خبرها منصوب بها وعلامة نصبه الفتحة الظَّاهرة.

ومثل:

تَعَزَّ فَلَا شَيْءٌ عَلَى الْأَرْضِ بَاقِيًا

وَلَا وَزَرٌ مِمَّا قَضَى اللهُ وَاقِيًا

فـ"لا شيء"، "شيء" اسم "لا" العاملة عمل "ليس" مرفوع بها، وعلامة رفعه الضَّمة الظَّاهرة.

"باقيًا": خبرها منصوب بها، وعلامة نصبه الفتحة الظَّاهرة.

"ولا وزر" مثل "شيء".

"مما قضي الله واقيًا" مثل "باقيًا".

ومثل: ﴿فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ [ص: 3]، أي: ولات الحينُ حينَ مناص، هذا على قراءة نصب "حين".

أو: لاتَ حينُ مناصٍ كائنًا لهم، أي لا مفرَّ لهم من عقوبةٍ.

نَدِمَ البُغَاةُ وَلَاتَ سَاعَةَ مَنْدَمِ

وَالْبَغْيُ مَرْتَعُ مُبْتَغِيهِ وَخِيمُ

ومثل قراءة سعيد بن جبير -رضي الله عنه: ﴿إِنِ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادًا أَمْثَالَكُمْ﴾ [الأعراف: 194].

فـ"الذين": اسم "إن" مبني على الفتح في محل رفع.

و"عبادًا" خبر "إنَّ" منصوب بها وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.

وقد أوضحنا ذلك من قبل.

كذلك اسم "كاد" وأخواتها.

مثل قول الله تعالى: ﴿يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ﴾ [النور: 35].

فـ"زيت": من "زيتها" اسم "يكاد" مرفوع بها وعلامة رفعه الضَّمة الظاهرة، وهو مُضاف، و"ها" مضاف إليه، مبني على السُّكون في محل جر، وجملة "يُضيء" في محل نصب خبر "يكاد".

وتحدَّثنا عن "إن"، وعن اسم "لا"، وعن خبر "لا" النافية للجنس.

مثل: لا ممرضةَ قاسيةٌ.

فـ"لا" النَّافية للجنس تعمل عمل "إنَّ".

و"ممرضةَ": اسمها مبني على الفتح في محل نصبٍ.

و"قاسيةٌ" خبر "لا" النافية للجنس، أو "لا" النافية للتَّبرئة، مرفوع بها وعلامة رفعه الضَّمة الظاهرة.

ونحن الآن مع التَّوابع؛ لأننا قلنا إنَّ باب "ظنَّ"، وباب "أعلم، وأرى" وأخواتهما يتعلَّقان بالمنصوباتِ، وإنما ذكر المؤلفُ أو المصنفُ باب "ظن" لصلته بالمبتدأ والخبر من حيث إنَّه من نواسخ الابتداء.

التَّوابع ذكرها ابنُ مالك -رحمه الله- في قوله:

يَتْبَعُ فِي الْإِعْرَابِ الَاسْمَاءَ الْأُوَلْ

نَعْتٌ وَتَوْكِيدٌ وَعَطْفٌ وَبَدَلْ

والتَّوابع يُراد بها: الأسماء التي تتبع ما قبلها رفعًا أو نصبًا أو جرًّا. وكذلك الفعل في الجزم.

النَّعت، والتَّوكيد، والعطف -عطف البيان- هذه الثلاثة لا تكون إلا في الأسماء.

ما هي؟

النعت، والتوكيد، وعطف البيان.

أمَّا عطف النَّسق فيكون في الأفعال، ويكون في الأسماء.

مثلًا تقول: جاء محمدٌ وعليٌّ، وأكرمتُ محمدًا وعليًّا، وسررتُ من محمدٍ وعليٍّ.

فالمعطوف على المرفوع مرفوعٌ مثله، وكذا المعطوف على المنصوب والمجرور.

ومثال الفعل: يُحبُّ عليٌّ النحوَ ويكره الظلمَ.

فـ"يحبُّ": مضارع مرفوع؛ لتجرُّده من الناصب والجازم، وعلامة رفعه الضَّمة الظَّاهرة.

و"عليٌّ": فاعل.

و"النَّحو": مفعول به.

و"يكره" معطوف على "يحب"، ومرفوع مثله. وهكذا.

إذن عطف النَّسق يكون في الأسماء وفي الأفعال.

كذلك البدل، فإنَّ هناك نوعًا من البدل يدخل الأسماءَ والأفعالَ.

فمثلًا: جاء الطالبُ محمدٌ.

فـ"الطالبُ": فاعل مرفوع.

و"محمد": بدل أو عطف بيان من "الطالب".

مثال: إنَّ المهندس عليًّا حاضرٌ.

فـ"عليًّا" بدل من "المهندس"، وهو بدل مُطابق من مُطابق، منصوب مثله، وعلامة نصبه الفتحة الظَّاهرة.

و"سُررتُ من التَّاجرِ زكيٍّ".

فـ"زكي" بدل أو عطف بيان من "التاجر"، مجرور مثله، وعلامة جره الكسرة الظَّاهرة.

مثال البدل في الأفعال: قول الواحد المتعال: ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَن تَابَ﴾ [الفرقان: 68- 70].

﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ﴾ "ذلك" إشارة إلى ماذا؟

إلى قول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ولَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ولَا يَزْنُونَ﴾ [الفرقان: 68].

إذن اسم الإشارة راجعٌ إلى الثلاثة: الشِّرك -والعياذ بالله- والقتل والزنا. ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ﴾.

إذن "مَنْ" اسم شرط جازم يجزم فعلين.

"يفعل" فعل الشرط مضارع مجزوم بـ"من" وعلامة جزمه السُّكون، وذكرنا ذلك في المجزومات.

يفعل هو: الفاعل مُستتر.

"ذا" من "ذلك" مفعول به مبني على السُّكون في محل نصبٍ مفعول به، واللام حرف بُعْد، والكاف حرف خطابٍ.

"يلقَ": مضارع جواب الشَّرط، مجزوم بـ"مَن"، وعلامة جزمه حذف حرف العلة نيابةً عن السكون، وحرف العلة هنا الألف، والفتحة دليلٌ عليها.

"يلقَ هو": الفاعل ضمير مُستتر.

يلق ماذا؟

"أثامًا": مفعول به.

كيف نُعرِب "يضاعف"؟

بدل من "يلقَ".

إذن "يُضاعف" فعل مضارع مبني لما لم يُسمَّ فاعله مجزوم؛ لأنَّه بدلٌ من المجزوم، وعلامة جزمه السُّكون؛ لأنَّه صحيح الآخر.

و"له" جار ومجرور مُتعلِّق بـ"يضاعف".

"العذابُ": نائب فاعل مرفوع بالفعل وعلامة رفعه الضَّمة الظَّاهرة.

إذن التَّوابع: النَّعت، والتَّوكيد، وعطف البيان، لا تكون إلا في الأسماء.

أمَّا عطف النَّسَق، وبعض أنواع البدل فتكون في الأفعال، كما تكون في الأسماء.

تفضَّل يا بُني.

(بَابُ النَّعْتِ:

النَّعْتُ تَابِعٌ لِلْمَنْعُوتِ فِي رَفْعِهِ وَنَصْبِهِ وَخَفْضِهِ، وَتَعْرِيفِهِ، وَتَنْكِيرِهِ، تَقُولُ: قَامَ زَيْدٌ الْعَاقِلُ، وَرَأَيْتُ زَيْدًا الْعَاقِلَ، وَمَرَرْتُ بِزَيْدٍ الْعَاقِلِ.

وَالْمَعْرِفَةُ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ).

انتظر.

الشيخُ تحدَّث عن النَّعت.

لماذا بدأ بالنَّعت؟

قال: لأنَّ النَّعت يُوضِّح ويُبين منعوته، أو يُخصِّصه.

يُوضِّحه إذا كان معرفةً، ويُخصِّصه إذا كان نكرةً.

فمثلًا عندما نقول: جاء زيدٌ العاقلُ.

"العاقل" هذا وضَّح زيدًا وكشف عن صفةٍ من صفاته، ومن ثَمَّ يُسمَّى نعتًا حقيقيًّا.

حين نُعرِب: جاء زيدٌ العاقلُ. نقول:

جاء: فعلٌ ماضٍ.

زيد: فاعل مرفوع.

العاقل: نعت حقيقي مفرد مرفوع؛ لأنَّ المنعوت مرفوع، وعلامة رفعه الضَّمة الظَّاهرة.

ما معنى نعت حقيقي؟ وما معنى نعت مفرد؟

النَّعت المفرد يُراد به ما ليس جملةً ولا شبه جملةٍ كما ذكرنا في باب الخبر، وكما هو أيضًا في باب الحال. هذا معنى كلمة "مفرد".

طيب، ما معنى حقيقي؟

يعني أنَّه يَنْصَبُّ على المتبوع -أي المنعوت- لفظًا ومعنًى، فالعاقل هو مَن؟ زيد.

إذن "العاقل" فيه ضمير مُستتر تقديره "هو" يعود إلى "زيد".

لو أبدلنا "زيدًا" بـ"فاطمة":

جاءت فاطمة العاقلة: أي هي.

جاء الزَّيدان العاقلان: أي هما.

جاءت الهندان العاقلتان: أي هما.

جاء الزَّيدون العاقلون أو العُقلاء: أي هم.

جاءت الفاطمات أو الفواطم العاقلات: أي هنَّ.

إذن النَّعت الحقيقي يرفع ضميرًا مُستترًا يعود إلى المنعوت، يُطابقه في النوع تذكيرًا وتأنيثًا، والعدد إفرادًا وتثنيةً وجمعًا.

والنَّعت الحقيقي يتبع منعوتَه في أربعةٍ من عشرةٍ:

1- في الرفع والنَّصب والجر:

هل يمكن أن يكون الاسمُ مرفوعًا ومنصوبًا ومجرورًا في وقتٍ واحدٍ؟

لا يمكن.

مثال: جاء محمدٌ العاقلُ، أكرمتُ عليًّا العاقلَ، سررتُ من زيدٍ العاقلِ.

إذن النَّعت يتبع المنعوتَ في واحدٍ من الرفع والنَّصب والجر.

2- وفي واحدٍ من الإفراد والتَّثنية والجمع:

هل يمكن أن يجمع الاسم الواحد بين الإفراد والتَّثنية والجمع؟ أبدًا.

إذن "جاء محمدٌ الفاهمُ"، و"أكرمتُ المحمدَين الفاهمَين"، و"سررتُ من المحمدِين الفاهمِين".

إذن النَّعت يتبع منعوتَه في الرفع والنَّصب والجر، وفي الإفراد والتَّثنية والجمع.

3- وفي التَّذكير والتَّأنيث:

هل يمكن أن تكون كلمة مُذكَّرًا ومُؤنَّثًا في وقتٍ واحدٍ؟ أبدًا.

إذن "جاء محمدٌ الفاهمُ"، و"أكرمتُ زينبَ المجتهدةَ".

4- وواحدٍ من التَّعريف والتَّنكير:

أيضًا لا يجتمع على اسمٍ واحدٍ تعريفٌ وتنكيرٌ.

أمثلة المعرفة ما ذكرناها.

أمثلة النَّكرة: ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ﴾ [غافر: 28].

رجل: فاعل نكرة.

مؤمن: نعت حقيقي مفرد، تبع منعوته في كم؟

أولًا: واحد من التَّنكير.

ثانيًا: واحد من الرَّفع.

ثالثًا: واحد من التَّذكير.

رابعًا: واحد من الإفراد.

إذن "رجل مؤمن" تطابقت إفرادًا وتذكيرًا ورفعًا وتنكيرًا.

لو استبدلنا هذه وقلنا: رأيتُ رجلًا فاضلًا.

تطابقت في: إفرادٍ، وتذكيرٍ، ونصبٍ، وتنكيرٍ.

سررتُ من رجلٍ فاضلٍ.

تطابقت في: الجر..، إلى آخره.

إذن النَّعت الحقيقي يتبع منعوتَه في أربعةٍ من عشرةٍ:

1- واحد من الإفراد والتَّثنية والجمع. هذا واحد من ثلاثة.

2- واحد من الرَّفع والنصب والجر. اثنان من ستة.

3- واحد من التَّذكير والتَّأنيث. ثلاثة من ثمانية.

4- واحد من التَّنكير والتَّعريف. أربعة من عشرة.

هذا هو النَّعت الحقيقي.

إذن النَّعت الحقيقي هو: ما يرفع ضميرًا مُستترًا يعود إلى المنعوت، ويُطابقه في أربعةٍ من عشرة.

إذن النَّعت يتبع المنعوتَ في التَّنكير والتَّعريف، والتَّذكير والتَّأنيث، والرَّفع والنَّصب والجر، والإفراد والتَّثنية والجمع.

هذا معنى قول المصنف إنَّه يتبع منعوتَه في التَّنكير والتَّعريف، ولم يذكر الباقي، ونحن ذكرناه -بفضل الله تعالى.

هناك نوعٌ من أنواع النعت -يا إخواني- اسمه نعت سببي، وهو: ما يرفع اسمًا ظاهرًا مُتَّصلًا بضميرٍ يعود إلى المنعوت.

مثلًا: رأيتُ محمدًا الكريمةَ أمه.

الكريمة: نعت.

كيف يكون نعتًا و"الكريمة" مُؤنَّث و"محمد" مُذكَّر؟

نقول لك: هذا نوعٌ آخر اسمه النَّعت السَّببي، رفع اسمًا ظاهرًا وهي: "أم"، وأُضيفت "أم" إلى ضميرٍ وهو الهاء، وهذه الهاء تعود على محمد.

إذن النَّعت السَّببي هو ما رفع اسمًا ظاهرًا مُتَّصلًا بضميرٍ يعود إلى المنعوت.

مثال ذلك من القرآن: قول الحنان المنان: ﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا﴾ [النساء: 75].

الْقَرْيَةِ: بدل أو عطف بيان مجرور؛ لأنَّ المُبدل منه مجرور.

الظَّالِمِ أَهْلُهَا: "الظالم" مذكر أو مؤنث؟

مذكر، و"القرية" مؤنثة، ومع ذلك نقول: " الظَّالِمِ" نعت.

كيف يكون نعتًا وهو مُذكرٌ، والمنعوت مؤنث؟

نقول: هذا نعت سببي، " الظَّالِمِ" رفع "أهل" على أنَّه فاعل له؛ لأنَّ اسم الفاعل يعمل عمل الفعل، و"أهل" مُضاف لـ"ها"، و"ها" هذه تعود على "القرية". من هنا يُسمَّى النَّعت سببيًّا.

طيب، النَّعت السَّببي يتبع منعوتَه في كم؟

في اثنين من خمسةٍ، النعت الحقيقي كان أربعةً من عشرة.

ما هما الاثنان؟

صلوا بنا وسلِّموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم.

1- واحد من الرَّفع والنَّصب والجر. واحد من ثلاثة.

2- واحد من التَّعريف والتَّنكير. اثنين من خمسة.

- بقي الإفراد والتَّثنية والجمع، والنعت السَّببي دائمًا مفرد.

بهذا نكون قد انتهينا من الإفراد والتَّثنية والجمع.

إذن النَّعت السَّببي دائمًا مفرد.

ومن حيث التَّذكير والتَّأنيث: قال: تبعيته لما بعده.

الظَّالِمِ: مذكر؛ لأنَّ "أهل" مُذكر.

لو قلنا: رأيتُ محمدًا الكريمةَ أمه، أنَّثنا "الكريمة"؛ لأنَّ "أم" مؤنث.

إذن تبعيته من ناحية الإفراد والتَّثنية والجمع: هو مفرد دائمًا. استرحنا من هذا.

من حيث التَّذكير والتأنيث تبعيته لما بعده: قد يتبع ما قبله، وقد لا يتبعه.

من الممكن أن نقول مثلًا: رأيتُ سعادَ الكريمةَ أختها. هنا يكون تبع لما قبله وما بعده.

رأيتُ محمدًا الكريمَ أخوه. تبع لما قبله وما بعده.

لكن من الممكن أن نقول: رأيتُ سعادَ الكريمَ أبوها. تخالفا. لماذا؟

لأنَّ التَّبعية لما بعده.

مثال: رأيتُ محمدًا المجتهدةَ أخته. وهكذا.

هذا نوعٌ من أنواع النَّعت اسمه النَّعت السَّببي، وشرحناه، وهو يتبع منعوته في اثنين من خمسةٍ.

والحقيقي يتبع في أربعةٍ من عشرةٍ، ويرفع ضميرًا مُستترًا يعود على المنعوت.

والسَّببي: يرفع اسمًا ظاهرًا مُضافًا إلى ضميرٍ يعود إلى المنعوت.

نقرأ المقدمة مرةً ثانيةً.

(النَّعْتُ تَابِعٌ لِلْمَنْعُوتِ فِي رَفْعِهِ وَنَصْبِهِ وَخَفْضِهِ، وَتَعْرِيفِهِ وَتَنْكِيرِهِ).

طبعًا وإفراده وتثنيته وجمعه، وتذكيره وتأنيثه، لكن هذا حين يكون حقيقيًّا.

أمَّا في رفعه ونصبه وجرِّه، وتعريفه وتنكيره فقط، فللنعت السَّببي.

(تَقُولُ: قَامَ زَيْدٌ الْعَاقِلُ).

قام: فعلٌ ماضٍ مبني على الفتح لا محلَّ له من الإعراب.

زيد: فاعل مرفوع بالفعل، وعلامة رفعه الضَّمة الظَّاهرة.

العاقل: نعت حقيقي مفرد -وفهمنا معنى حقيقي، ومعنى مفرد- مرفوع؛ لأنَّ المنعوتَ مرفوع -هذه التَّبعية- وعلامة رفعه الضَّمة الظَّاهرة، وفيه ضميرٌ مُستترٌ جوازًا يعود إلى المنعوت وهو "زيد".

بارك الله فيكم، لأن "العاقل" اسمُ فاعلٍ يعمل عمل الفعل، فهو يُريد فاعلًا.

(وَرَأَيْتُ زَيْدًا الْعَاقِلَ).

رأيت: فعلٌ ماضٍ، والتاء فاعل.

زيدًا: مفعولٌ به منصوب بالفعل، وعلامة نصبه الفتحة الظَّاهرة.

العاقل: نعت حقيقي مفرد منصوب؛ لأنَّ المنعوتَ منصوبٌ، ما هو منعوته ؟

"زيدًا" وعلامة نصبه الفتحة الظَّاهرة، وفيه ضمير مُستتر تقديره "هو".

(وَمَرَرْتُ بِزَيْدٍ الْعَاقِلِ).

زيدٍ: مجرور بالباء، وعلامة جره الكسرة الظَّاهرة.

العاقلِ: نعت حقيقي مفرد..، إلى آخره.

والجار والمجرور مُتعلِّق بـ"مرَّ".

(وَالْمَعْرِفَةُ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ).

طيب، لماذا لم يأتِ بالنَّكرة؟

قال لك: لأنَّه استطرد، فهو قال لك تعريفًا وتنكيرًا، فجرَّه الكلامُ إلى أن يُبيِّن لنا أنواعَ المعارف.

لكن لما نأتي بالنَّكرة نقول: قام رجلٌ صالحٌ، ومنه قوله تعالى: ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ﴾ [غافر: 28].

طيب، النكرة مثل ماذا؟ والمنصوب مثل ماذا؟

مثل: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ﴾ [الزمر: 29].

وَرَجُلًا: معطوف على "رجلًا" الأول.

نكرة أم معرفة؟

نكرة.

سَلَمًا: نعت منصوب؛ لأنَّ المنعوتَ منصوبٌ، وعلامة نصبه الفتحة الظَّاهرة، والاثنان نكرتان.

مثال: ﴿وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأحزاب: 50] -صلى الله عليه وسلم.

وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً: "امْرَأَةً" مفعول لفعلٍ محذوفٍ، والتقدير: اذكر امرأةً مثلًا.

وَمُؤْمِنَةً: نعت حقيقي مفرد منصوب؛ لأنَّ المنعوت منصوبٌ، وعلامة نصبه الفتحة الظَّاهرة.

مثال: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ [الزخرف: 31].

على رجلٍ عظيمٍ.

رَجُلٍ: مجرور بـ"على" وعلامة جره الكسرة.

عَظِيمٍ: نعت مجرور؛ لأنَّ المنعوت مجرور، وعلامة جره الكسرة الظَّاهرة، وفيه ضمير مُستتر تقديره "هو" يعود إلى "رجل".

مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ: جار ومجرور، نعت شبه جملة.

لأنَّ النعت المفرد ينقسم بدوره إلى مفردٍ وجملةٍ وشبه جملة، كانقسام الخبر إلى مفردٍ وجملةٍ وشبه جملة.

وقد جمع الله الثلاثةَ في قوله: ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ﴾ مفرد، ﴿مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ﴾ شبه جملة، ﴿يَكْتُمُ إِيمَانَهُ﴾ جملة فعليَّة. [غافر: 28].

إذن في هذه الآية اجتمعت أنواع النعت الحقيقي المفرد، والجملة، وشبه الجملة.

﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ﴾ "مؤمن" نعت مفرد؛ لأنَّه ليس جملةً ولا شبه جملةٍ.

﴿مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ﴾ جار ومجرور شبه جملة، نعت آخر لـ"رجل".

﴿يَكْتُمُ إِيمَانَهُ﴾ جملة في محل رفع نعت لـ"رجل".

ننتبه!

هل النَّعت يتقدَّم على المنعوتِ أم لابُدَّ أن يتقدَّم المنعوتُ على نعتِه؟ مَن يتقدَّم على الآخر؟

المنعوت؛ لأنَّ المنعوتَ هو المتبوع، والنَّعت هو التَّابع.

إذن التَّابع هنا يأتي مُتأخِّرًا، والمنعوت يأتي مُتقدِّمًا.

نفرض أننا عكسنا الأمر، فقلنا في المثال: جاءني زيدٌ العاقل، قلنا: جاءني العاقلُ زيدٌ.

هل يظل "العاقل" نعتًا لـ"زيد" كما كان أم يكون فاعلًا و"زيد" يكون بدلًا أو عطفَ بيانٍ؟

إذن إذا تقدَّم النعتُ على المنعوت في المعارف أُعرِب النعتُ السَّابق على حسب موقعه، وكان المنعوتُ السابق بدلًا أو عطفَ بيانٍ منه.

افرض كان نكرةً، قال: النعت النَّكرة إذا تقدَّم عليها أُعرِب حالًا.

مثلًا: جاءني رجلٌ فاضلٌ - جاءني فاضلًا رجلٌ.

إذن النَّعت السَّابق صار حالًا، والمنعوت السَّابق أُعرِب فاعلًا: جاء فاضلًا رجلٌ.

ومنه قول الشَّاعر:

لِمَيَّةَ مُوحِشًا طَلَلُ

يَلُوحُ كَأَنَّهُ خِلَلُ

أصلها كانت: لِمَيَّةَ طَلَلٌ مُوحِشٌ.

فـ"مُوحِش" كان في البداية نعتًا لـ"طلل"، لكن تقدَّم على "طلل" فصار حالًا.

إذن نعت النَّكرة إذا تقدَّم عليها يُعرَب حالًا، ونعت المعرفة إذا تقدَّم عليها يُعرَب على حسب موقعه من الجملة، والمنعوت السَّابق يصير بدلًا أو عطفَ بيانٍ.

بعد هذا أنواع المعارف:

عرفنا لماذا أتى بأنواع المعارف قبل النكرة؟

حتى يُبيِّن لك "تعريفًا وتنكيرًا"؛ لأنَّ الاسم بدوره ينقسم إلى معرفةٍ ونكرةٍ، أو نكرةٍ ومعرفةٍ، من حيث المدلول؛ لأنَّ للاسم أقسامًا كثيرةً باعتباراتٍ كثيرةٍ:

- فهو من حيث النوع: مذكر، ومُؤنث.

- ومن حيث العدد: مفرد، ومثنى، وجمع.

- ومن حيث الإعراب: مرفوع، ومنصوب، ومجرور.

- ومن حيث المدلول: نكرة، ومعرفة.

- ومن حيث الآخر: صحيح، ومُعتل.

إلى غير ذلك من الأقسام الكثيرة للاسم.

فالنوع الذي نقسمه: مدلول الاسم.

إن كان شائعًا عامًّا يكون نكرةً، وإن كان مُحدَّدًا يكون معرفةً.

نقول مثلًا: قابلتُ اليومَ في السوق رجلًا.

ستُثير فضولَ مَن يسأل: الرجل هذا أبيض أم أسمر؟ طويل أم قصير؟ سمين أم نحيف؟ عربي أم أجنبي؟ مسلم أم غير مسلمٍ؟

كل هذه احتمالات.

كلمة "رجلًا" مفتوحة، شائعة.

طيب، إذا قلت: جاءني زيدٌ. صار مُحدَّدًا، وصار معرفةً، وصار علمًا.

"جاء هذا" محدد بالإشارة، إلى آخره.

إذن النَّكرة: ما دلَّت على شيءٍ شائعٍ في جنسه.

والمعرفة: ما دلَّت على شيءٍ محددٍ ومعينٍ.

قال ابنُ مالك:

نَكِرَةٌ قَابِلٌ الْ

وَغَيْرُهُ مَعْرِفَةٌ

إذن هناك نكرة وهناك معرفة.

والأصل التَّنكير، والفرع التَّعريف.

علامة النكرة ماذا؟

أنَّك إذا وضعت قبلها "ال" تحوَّل الاسمُ من نكرةٍ إلى معرفةٍ.

مثلًا: "كتاب" نكرة، و"الكتاب" صار معرفة. "رجل" نكرة، و"الرجل" معرفة.

هذا معنى قول ابن مالك: "نَكِرَةٌ قَابِلٌ الْ مُؤَثِّرًا".

لكن الشَّرط في "ال" هذه: أن تُؤثِّر فيه.

بمعنى: "عباس" نكرة أم معرفة؟

معرفة، علم.

نقول: "العباس" أيضًا معرفة.

إذن "ال" هذه مؤثرة أم غير مُؤثرة؟

غير مؤثرة.

ولذلك يقولون عنها: إنها زائدة للَمْحِ الأصل.

رجل اسمه سعيد، معرفة أم نكرة؟

معرفة.

طيب، "السعيد" أيضًا معرفة.

فـ"ال" هذه زائدة للمح الأصل.

أثَّرت أم لم تُؤثر؟

لم تُؤثر.

هذا معنى قول ابن مالك: "نَكِرَةٌ قَابِلٌ الْ مُؤَثِّرًا".

إذن هناك "ال" مؤثرة، وهي ما تنقل الاسمَ من التَّنكير إلى التَّعريف، و"ال" الثانية ليست مُؤثرةً؛ لأنَّ الاسم معرفة قبلها، وهو معرفة أيضًا بعدها.

بعض النُّحاة يجعل علامةَ النكرة: أن تدخل عليها "رُبَّ"، أو أن تقبل دخول "رُبَّ" عليها؛ لأنَّ "رُبَّ" من خصائص النَّكرات، حتى إذا كان المدخول عليها معرفة تُحَوَّلُ إلى نكرةٍ.

مثلًا: ربَّ رجلٍ صالحٍ لقيتُه، ربَّ أخٍ لك لم تلده أمك، "يا رُبَّ كاسيةٍ في الدنيا عارية يوم القيامة"، كما ذكر النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- هذه نكرات.

طيب، لما قلنا: رُبَّ محمدٍ، "محمد" نكرة أم معرفة؟

التنوين علامة المعرفة، لكن لما دخلت عليه "رُبَّ" صار نكرةً.

إذن "رُبَّ" تُحوِّل المعرفةَ إلى نكرةٍ، وتدل على أنَّ الذي بعدها نكرة، ولذلك لو أتينا بـ"أحمد" بعد "رُبَّ" نقول: رُبَّ أحمدٍ، سنصرفه؛ لأنَّه صار نكرةً بعد أن كان معرفةً.

إذن من علامات التَّنكير: دخول "رُبَّ"، أو قبول الاسم "رُبَّ"، أو دخول "الـ" المُؤثرة -كما ذكرنا.

إذن النَّكرة هي الأصل، والعلامة كما قلنا.

طيب، المعرفة: قال لك: المعارف خمسة.

لا، المعارف ستة، وبعضهم قال: سبعة.

أولًا: اسم الله تعالى أعرف المعارف على الإطلاق.

إذن هذا لا نذكره؛ لأنَّه ليس تبع الأقسام، فاسم الله هو أعرف المعارف على الإطلاق.

من غير اسم الله، سيكون التَّرتيب:

أولًا: الضَّمير.

ثانيًا: العَلَم.

ثالثًا: اسم الإشارة.

رابعًا: الاسم الموصول.

خامسًا: المُحَلَّى بـ"الـ".

سادسًا: المُضاف إلى معرفةٍ.

صاروا كم؟

ستة.

مرة ثانية: المُضْمَرات، الأعلام، أسماء الإشارة، الأسماء الموصولة، المحلى بـ"الـ". هكذا خمسة.

والسادس: المُضاف إلى معرفةٍ، ولكن إذا أُضيف إلى ضميرٍ فهو في قوة العلم، وإذا أُضيف إلى علمٍ يصير في قوة العلم، يعني المُضاف إلى شيءٍ في قوة ذلك الشَّيء.

إذن المُضاف إلى العلم في قوة العلم، والمضاف إلى اسم الإشارة في قوة اسم الإشارة، والمُضاف إلى الموصول في قوة الموصول، والمُضاف إلى المحلى بـ"الـ" في قوة المحلى بـ"الـ".

طيب، المضاف إلى الضَّمير هذا وحده في قوة العلم.

مثلًا: الضَّمائر مثل: أنا، أنت، هو.

الأعلام مثل: محمد، زينب.

أسماء الإشارة: ذا، وذهِ، وذان، وتان، إلى آخره.

الاسم الموصول: الذي، التي، اللَّذان، اللَّتان.

المحلى بـ"الـ" مثل: الرجل، والمرأة، والكتاب، والقميص، إلى آخره.

طيب، "كتابي" مُضاف إلى الضَّمير، فيصير في قوة العلم.

كتاب محمدٍ: مضاف إلى العلم، فيصير في قوة العلم.

كتاب هذا الرجل: مُضاف إلى اسم الإشارة.

كتاب الذي قابلته أمسِ: مضاف إلى اسم موصول.

كتاب الرجل، أو غلام المرأة: مضاف إلى محلى بـ"الـ".

إذن المضاف إلى شيءٍ في قوة ذلك الشيء، إلا المُضاف إلى الضَّمير فإنَّه في قوة العلم.

والمُضاف إلى نكرةٍ يكون في قوة النَّكرة.

إذن الإضافة تُفيد المضاف تخصيصًا إن كان المُضافُ إليه نكرةً، كـ"كتاب رجلٍ، وحقيبة امرأةٍ".

وإن كان مُضافًا إلى معرفةٍ أفاد التَّعريف، كـ"كتابي، وكتاب محمدٍ"، إلى آخره.

هذه أنواع الإضافة.

بعضهم أضاف إلى هذه الأنواع نوعًا سابعًا، هو: النَّكرة المقصودة في باب النِّداء.

مثل: يا سائقُ تنبَّه، يا غافلُ تنبَّه.

أنا أُنادي على واحدٍ، لكن لا أعرف اسمه، ولكن أشاور عليه: يا سائق، يا طالب، يا رجل.

ومنه قوله تعالى: ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيا سَمَاءُ أَقْلِعِي﴾ [هود: 44]، وقال تعالى: ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ﴾ [سبأ: 10].

إذن هذا اسمه نكرة مقصودة، يعني أنا لا أعرف اسمه، لكن أعرف حرفته أو مهنته.

طيب، النكرة غير المقصودة مثل الرجل الكفيف الذي يقول: يا رجلًا، خذ بيدي.

فقد يُشير إلى امرأةٍ، وقد يُشير إلى طفلٍ حين يقول: يا رجلًا.

إذن هذا اسمه: نكرة غير مقصودةٍ.

إذن ما الفرق بين النَّكرة المقصودة والنَّكرة غير المقصودة؟

النَّكرة المقصودة: أنَّك تُشير إلى واحدٍ بعينه، لكنَّك لا تعرف اسمه.

الثاني -الغير مقصودة: يشير حيثما اتَّفق، كان رجلًا، أو كان امرأةً ... إلى آخره.

الذي معنا من أنواع المعارف ما هو؟

النَّكرة المقصودة، فهذه تلتحق بالمعارف.

حين أقول: يا محمد. هذا معرفة قبل النداء، فانتهى الأمر.

إذن السَّابع: المُنادى إذا كان نكرةً مقصودةً.

إذن هذه هي المعارف وأنواعها.

(وَالْمَعْرِفَةُ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ: الِاسْمُ الْمُضْمَرُ، نَحْوَ: أَنَا وَأَنْتَ، وَالِاسْمُ الْعَلَمُ، نَحْوَ: زَيْدٍ وَمَكَّةَ).

المُضمر يعني الضَّمير، ما الضَّمير؟

ما دلَّ على متكلمٍ، أو مُخاطبٍ، أو غائبٍ.

لا تقل: ما دلَّ على تكلُّمٍ أو غيبةٍ أو خطابٍ، لا؛ لأنَّ الذي يدلُّ على التكلم حرفٌ؛ إنَّما الذي يدلُّ على المتكلم اسمٌ، ونحن في إطار الأسماء.

إذن ما دلَّ على متكلمٍ كـ"أنا، ونحن"، وجئنا بالمُضمرات من قبل، وما دلَّ على مُخاطبٍ كـ"أنتَ، وأنتِ، وأنتم، وأنتن"، وما دلَّ على غائبٍ كـ"هو، وهي، وهما، وهم، وهن".

وقلنا أنَّ المُضمرات من باب المبنيَّات.

(وَالْمَعْرِفَةُ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ: الِاسْمُ الْمُضْمَرُ، نَحْوَ: أَنَا وَأَنْتَ).

أنا، وأنت، وهو. حتى تكتمل.

(وَالِاسْمُ الْعَلَمُ، نَحْوَ: زَيْدٍ وَمَكَّةَ).

زيدٍ: هذا علم على عاقل.

مكة: علم على غير عاقلٍ.

كأنَّه يُريد أن يقول لك: إنَّ العلم ما دلَّ على مُسمَّاه بدون واسطةٍ، سواء دلَّ على اسم إنسانٍ، أو حيوانٍ، أو نباتٍ، أو جمادٍ، أو بلدٍ، أو ما شاكل ذلك.

ولذلك يقول ابنُ مالك:

اسْمٌ يُعَيِّنُ المُسَمَّى مُطْلَقَا

عَلَمُـهُ كَجَعْفَرٍ وَخِرْنِقَا

وَقَـرَنٍ وَعَدَنٍ وَلَاحِقِ

وَشَذْقَمٍ وَهَيْلَةٍ وَوَاشِـقِ

أتى لك بأسماء أعلام، شاة اسمها "هيلة"، سمَّاها العربُ من باب الألفة "هيلة".

وحمار النبي -صلى الله عليه وسلم- كان اسمه دلدل، والبغل مثلًا كان اسمه يعفور، وكانت الناقة اسمها القصواء.

هذه أعلام على حيوانات.

ونحن عندنا: "ركس" اسم كلب مثلًا، و"مشمش" اسم قطة، وعندنا "طنطا" و"القاهرة" أسماء بلاد، إلى آخره.

(وَالِاسْمُ الْمُبْهَمُ نَحْوَ: هَذَا، وَهَذِهِ، وَهَؤُلَاءِ).

"هَذَا، وَهَذِهِ، وَهَؤُلَاءِ" من أسماء الإشارة. مُبهمة لماذا؟

لأنَّها تحتاج إلى ما يُوضِّحها، يعني تُعيِّن مُسمَّاها بالإشارة.

كأن يقول واحدٌ لواحدٍ: دُلَّني على محمدٍ.

فيقول له: هذا -يُشير إليه- "واللَّبيب بالإشارة يفهم".

حتى في الجيش سلاح اسمه سلاح الإشارة.

(وَالِاسْمُ الَّذِي فِيهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ).

المبهم يشمل اسمَ الإشارة والاسمَ الموصول؛ لأنَّ الاسم الموصول مُبهَمٌ، لماذا؟ لأنَّه يحتاج إلى الصلة والعائد.

فلا تقل: جاء الذي.... وتسكت.

تقول: الذي يتَّقي ربه.

مثل: رأيتُ التي.... وتسكت.

تقول: التي تحب زوجها. إلى آخره.

فالاسم الموصول داخلٌ في المبهم.

إذن المبهم يشمل اسمَ الإشارة والاسمَ الموصول.

(وَالِاسْمُ الَّذِي فِيهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ، نَحْوَ: الرَّجُلُ وَالْغُلَامُ).

يعني "رجل وغلام" كانا نكرتين، ثم صارا بعد "الـ" معرفتين -كما اتَّفقنا سابقًا- "الرجل والغلام" معرفتان بواسطة "الـ"، ولو حذفنا "الـ" لصارت نكرتان، إلى آخره.

(وَمَا أُضِيفَ إِلَى وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ).

وهو ما قلناه: المُضاف إلى الضَّمير في قوة العلم، والمُضاف إلى العلم في قوة العلم، إلى آخره.

(وَالنَّكِرَةُ كُلُّ اسْمٍ شَائِعٍ فِي جِنْسِهِ، لَا يَخْتَصُّ بِهِ وَاحِدٌ دُونَ آخَرَ).

يعني مثلًا كلمة "رجل": محمد رجل، وسعيد رجل، وزيد رجل، وعمرو رجل، وجرجس رجل، وكوهين رجل؛ كله داخل تحت رجل، يعني ليس مُختصًّا به فردٌ دون آخر. وكذلك كلمة "امرأة".

(وَتَقْرِيبُهُ كُلُّ مَا صَلُحَ دُخُولُ الْأَلِفِ وَاللَّامِ عَلَيْهِ، نَحْوَ: الرَّجُلِ وَالْفَرَسِ).

قلنا هذا الكلام أم لا؟

يعني تقريب النَّكرة ماذا؟ ما صلُحَ لدخول "الـ" عليه.

نُعطي أمثلةً: لو جاءت كلمة "رجل" أو كلمة "تاجر"، حين تُدخِل عليها "الـ" ستنقلب من نكرةٍ إلى معرفةٍ، ولكن "الـ" المُؤثِّرة، فلو كانت علمًا قبل دخولها لا تكون مؤثرةً، تكون للمح الأصل.

ما معنى لمح الأصل؟

يعني رجل سمَّى ابنه سعيدًا، هل جاء في ذهنه أن يكون هذا الابنُ سعيدًا؟ الله أعلم.

طيب، لو سمَّاه: السَّعيد، فيكون قاصدًا أن يكون هذا المولودُ سعيدًا.

فهمتم الفرق؟

إذن لو سمَّى رجلٌ ابنه: جمالًا. هل يقصد معنى الجمال؟ الله أعلم.

طيب، لو قال: الجمال، اسمه الجمال، فيكون قاصدًا المعنى هذا.

هذا معنى "زائدة للمح الأصل".

(بَابُ الْعَطْفِ:

وَحُرُوفُ الْعَطْفِ عَشَرَةٌ).

وأحرف العطف عشرة؛ بل تسعة؛ لأنَّ عندنا ستة منهنَّ يُفِدْنَ التَّشريك في اللَّفظ والمعنى: "الواو، والفاء، وثم، وأو، وأم، وحتى".

فمثلًا حين أقول: جاء زيد وعمرو. اشتركا في ماذا؟

اشتركا في الحكم، أي المجيء، وفي الإعراب، تقول: جاء زيدٌ وعمرٌو، أكرمتُ زيدًا وعَمْرًا، سُررتُ من زيدٍ وعَمْرٍو.

إذن اشتركا في الحكم وهو المجيء، والإكرام والرُّؤية أو المرور. وفي الإعراب.

إذن "الواو، والفاء، وثم، وأو، وأم، وحتى".

"حتى" مثل: مات الناسُ حتى الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- مات الناسُ حتى اللُّصوص.

إذن "حتى" تُفيد الغاية في زيادةٍ كالمثال الأول، أو نقصانٍ كالمثال الثاني.

مثال: رأيتُ زيدًا أو عَمْرًا، أمكرونة أكلتَ أم أُرزًا، سمكًا أكلتَ أم لحمًا، وهكذا، هذه "أم".

إذن عندنا: جاء زيد فعمرو، أو ثم عمرو، إلى آخره.

والقسم الثاني: ما يُفيد التَّشريك في اللَّفظ دون الحكم، وهم ثلاثة: "لا، وبل، ولكن".

تقول: جاء زيدٌ لا عمرو.

زيد وعمرو اشتركا في ماذا؟ في المجيء أم في عدم المجيء؟

لم يشتركا في المجيء؛ إنَّما اشتركا في الإعراب.

جاء زيد لا عمرو.

"عمرو" جاء أم لا؟ لم يجئ.

مثال: أكرمتُ المسلمَ لا الكافرَ.

هل الكافر داخلٌ في الإكرام؟ أبدًا.

مثال: تمتعتُ بالماء لا بالخمر، وهكذا.

إذن "لا، وبل، ولكن" يُفِدْنَ التَّشريك اللَّفظي دون المعنوي والحكمي.

مثال "بل": ما جاءني زيدٌ بل عمرو.

إذن عمرو جاء وزيد لم يجئ.

مثال: ما أكرمتُ الكافرَ بل المسلمَ، أو لكن المسلمَ.

إذن أحرف العطف كم؟

تسعة، ستة يُشَرِّكن في اللَّفظ والحكم، وثلاثة في اللَّفظ فقط.

وجاء بحرفٍ مَخْتَلَفٍ فيه، لكنَّ الجمهورَ يرون أنَّها لا تكون إلا تسعة.

ما قبل حرف العطف ما اسمه؟ وما بعد حرف العطف ما اسمه؟

المعطوف عليه وهو المتبوع والسَّابق، والمعطوف وهو التَّابع واللاحق.

يعني لما أقول: جاء زيدٌ وعمرو.

أين المتبوع؟ وأين التابع؟

المتبوع: زيد.

والتابع: عمرو.

و"زيد" اسمه معطوف عليه، و"عمرو" معطوف. فهمنا الفرق؟

إذن المعطوف عليه هو السَّابق والمتبوع، والمعطوف هو اللاحق والتابع.

إذن العطف من باب التَّوابع باعتبار أنَّ ما بعد حرف العطف هو التابع لما قبل حرف العطف.

إذن المتبوع هذا يخضع للعوامل.

مثال: جاء زيدٌ وعَمْرٌو، أكرمتُ زيدًا وعَمْرًا، سررتُ من زيدٍ وعَمْرٍو.

إذن الأول هو الذي يحكمنا، والثاني تبعٌ.

مثل الخادم يمشي وراء المخدوم، والعبد يمشي وراء السيد.

قال الشاعر:

لَكَ الْعِزُّ إِنْ مَوْلَاكَ عَزَّ، وَإِنْ يَهُنْ

فَأَنْتَ لَدَى بُحْبُوحَةِ الْهَونِ كَائِنُ

هذا التابع، وهذا المتبوع، وهذا المعطوف، والمعطوف عليه.

أكمل.

(وَأَحْرُف الْعَطْفِ تِسْعَةٌ، وَهِيَ).

اجعلها "وهُنَّ"؛ لأنَّ الضمير إذا عاد على عشرة فأقل يكون جمعَ مؤنثٍ كما قلنا من قبل.

(وَأَحْرُف الْعَطْفِ تِسْعَةٌ وَهُنَّ: الْوَاوُ، وَالْفَاءُ، وَثُمَّ، وَأَوْ، وَأَمْ، وَأَمَّا، وَبَلْ، وَلَا، وَلَكِنْ).

هي "إمَّا"، وليست "أمَّا".

مثال: الكلمة إمَّا اسمٌ أو فعلٌ أو حرفٌ.

أو يقولون: الكلمة إمَّا اسمٌ، وإمَّا فعلٌ، وإمَّا حرفٌ.

هنا ما حرف العطف؟

الواو؛ لأنَّ الواو أم باب العطف.

جاء إمَّا زيد، وإمَّا عمرو، وإمَّا بكر.

أو: الكلمة إمَّا اسم، وإمَّا فعل، وإمَّا حرف.

إذن "إمَّا" هي العاطفة أم الواو هي العاطفة؟

الواو.

إذن "إمَّا" ليست حرفَ عطفٍ، خلافًا للكوفيين، والشيخ مُتَّبعٌ مذهب الكوفيين في بعض المسائل.

تفضل.

(وَحَتَّى فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ).

لأنَّ "حتى" أحيانًا تأتي حرفَ جرٍّ، وأحيانًا تأتي حرفَ عطفٍ، وأحيانًا تأتي غيرَ عاملةٍ، يعني مثلًا قول الله تعالى: ﴿سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾ [القدر: 5]، هذه حرف جرٍّ وليست عاطفةً.

مثال: مات الناسُ حتى الأنبياء، أو حتى اللُّصوص. هنا تكون عاطفةً.

مثال: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ [الزمر: 73]، هذه ليست لا عاطفة ولا جارة.

هذا معنى كلمة "فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ"؛ إنَّما هي تُفيد الغاية في صعودٍ أو هبوطٍ.

ومنه قولهم: أكلتُ السَّمكةَ حتى رأسَها، أو حتى رأسِها، أو حتى رأسُها.

حتى رأسَها: تكون عاطفةً.

حتى رأسِها: تكون جارَّةً.

حتى رأسُها: لا جارَّة، ولا عاطفة، ويكون أصلُ الكلام: حتى رأسُها أكلتهُ، لا تقل: أكلتها؛ لأنَّ الرأس مذكر، قال تعالى: ﴿وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ﴾ [الأعراف: 150].

(فَإِنْ عَطَفْتَ بِهَا عَلَى مَرْفُوعٍ رَفَعْتَ، أَوْ عَلَى مَنْصُوبٍ نَصَبْتَ، أَوْ عَلَى مَخْفُوضٍ خَفَضْتَ).

أو على مجزومٍ، مثل: مَن يُذاكِر ويجتهد ينجح ويُوفَّق.

يجتهد: معطوفة على "يُذاكر" عطف فعلٍ على فعلٍ.

ينجح: جواب الشَّرط.

ويُوفَّق: معطوف على الجار.

(أَوْ عَلَى مَجْزُومٍ جَزَمْتَ، تَقُولُ: قَامَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو، وَرَأَيْتُ زَيْدًا وَعَمْرًا، وَمَرَرْتُ بِزَيْدٍ وَعَمْرٍو، وَزَيْدٌ لَمْ يَقُمْ وَلَمْ يَقْعُدْ).

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيمَ لي ولكم وللمسلمين أجمعين، وصلى الله على سيِّدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم.

سبحانك اللَّهمَّ وبحمدك، أشهد أن لا إلهَ إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [سورة العصر].

﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الصافات: 180- 182].

مُشاهديَّ الكرام، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، وجزاكم الله عنا خيرَ الجزاء، وجزى القائمين على قناة الرحمة وإخواننا في السعودية خير الجزاء على هذه الفرصة العظيمة التي أتاحوها لنا، نسأل الله لهم التوفيقَ والسَّداد.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

http://islamacademy.net/media_as_home.php?parentid=62