الحقوق محفوظة لأصحابها

محمد عبد المعطي
شرح متن الآجرُّوميَّة

لفضيلة الشيخ محمد عبد المعطي

الدرس (6)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ذي الآلاء والنَّعماء، نحمده -سبحانه وتعالى- في كلِّ صباحٍ ومساء، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريكَ له، له الملك وله الحمد، يحيي ويُميت وهو على كلِّ شيءٍ قدير، وأشهد أنَّ سيدنا وحبيبنا ومُعلمنا وأُسوتنا وطبيب نفوسنا سيدنا محمد، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الغُرِّ الميامين، الفرسان في جميع الميادين، وارضَ اللَّهمَّ على مَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.

وبعد، فإنَّ أصدقَ الحديث كتابُ الله تعالى، وخيرَ الهدي هدي سيدنا محمدٍ -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1].

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70، 71].

فاللَّهمَّ اجعلنا وإيَّاكم من الفائزين.

وبعد، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

مُشاهديَّ الكرام، ومُستمعيَّ الأعزاء، هانحن أُولاء مع الحلقة السَّادسة من حلقات شرح متن الآجُرُّوميَّة للعَلَّامة ابن آجُرُّوم، المتوفى سنة 723 من هجرة النبي الأمين -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.

وما زلنا في باب المرفوعات، فقد أخذنا منهنَّ: الفاعل، ونائبه، والمبتدأ، والخبر. هذه أربعة.

وهانحن أُولاء مع المرفوع الخامس، ألا وهو: اسم "كان" وأخواتها:

وقد بدأنا فيه بالأمس، حيث قلنا: إنَّ "كان" وأخواتها ترفع المبتدأ اسمًا لها، وتنصب الخبرَ خبرًا لها.

وقلنا: إن "كان" وأخواتها هنَّ اثنا عشر أخًا أو أختًا، نبدؤها بـ"ظلَّ" للتَّوقيت في النَّهار، وقلنا إنَّ النهار يشمل ما قُبَيْل الشُّروق إلى قُبَيْلِ الغروب.

وبعد ذلك "أصبح" وتدلُّ على التَّوقيت في الصَّباح.

والصَّباح يأتي من طلوع الفجر الصَّادق إلى غروب الشَّمس.

و"أضحى" تعني التَّوقيت في الضُّحى، والضُّحى يبدأ من بعد الشُّروق بثلثي ساعة تقريبًا إلى قُبَيْل الظُّهر.

ثم "أمسى" وتبدأ من بعد الظُّهر إلى غروب الشَّمس.

و"صار" تُفيد التَّحويل.

و"بات" تُفيد التَّوقيت باللَّيل.

و"ليس" تُفيد نفي الحال عند الإطلاق، فحين أقول: ليس زيدٌ مُهملًا. أي الآن، إذا لم تُقيده بزمنٍ -يعني الآن- فإذا تقيَّد بزمنٍ تقيَّد به، مثل: ليس زيدٌ مُهملًا أمسِ، أو ليس زيدٌ مُهملًا غدًا...... (هنا انقطعت المادة الصَّوتية).

ثم هناك أربعة أفعال يَدْلُلْنَ على الاستمرار، وهنَّ: "زال، وفتئ، وبرح، وانفكَّ".

ولابُدَّ لكي يعملن عمل "كان" أن يتقدَّمهنَّ نفي أو نهي أو دُعاء.

قال الله تعالى: ﴿فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُم بهِ﴾ [غافر: 34]، وقال: ﴿ولَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ﴾ [هود: 118، 119].

ومثال النَّهي قول الشَّاعر:

صَاحِ شَمِّرْ وَلَا تَزَلْ ذَاكِرَ

الْمَوْتِ فَنِسْيَانُهُ ضَلَالٌ مُبِين

ومثال الدُّعاء قول الشَّاعر:

أَلَا يَا اسْلَمِي يَا دَارَ مَيّ عَلَى الْبِلَى

وَلَا زَالَ مُنْهَلًّا بِجَرْعَائِكِ الْقَطْرُ

إذن يُشترط لعمل "زال، وفتئ، وبرح، وانفكَّ" أن يتقدَّمهنَّ نفي أو نهي أو دعاء، وهما المُسَمَّيان بشبه النَّفي.

وقد ذكرنا أمثلة لـ"زال"....... (هنا انقطعت المادة الصَّوتية).

"فتئ، وبرح، وانفك": قال الله تعالى على لسان إخوة يوسف -عليه السلام- لأبيهم: ﴿قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ﴾ [يوسف: 85]، أي: لا تفتأ، فحذفوا حرف النَّفي؛ لأنَّ هذا مَقِيْسٌ بعد القسم.

والأخ الثاني عشر: "دام"، ويُشترط لعمل "دام" أن يتقدَّمها "ما" المصدريَّة الظَّرفية أو الزَّمانية، كقول الله تعالى على لسان المسيح -على نبينا وعليه أفضل الصَّلاة وأزكى التَّسليم: ﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾ [مريم: 31]، أي: مدة دوامي حيًّا.

فهذه كلها أفعالٌ باتِّفاقٍ إلا "ليس"، والأرجح أنَّها فعل. لماذا؟ لأنَّها تقبل تاء التَّأنيث السَّاكنة، وتقبل تاء الضَّمير المتحركة، تقول: ليست سعادُ بمهملةٍ، ولستُ بمهملٍ.

قال الله تعالى لحبيبه محمدٍ -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: ﴿لَسْتَ عَلَيْهِم بمُسَيْطِرٍ﴾ [الغاشية: 22].

وقال الشَّاعر:

زَعَمَتْنِي شَيْخًا وَلَسْتُ بِشَيْخٍ

إِنَّمَا الشَّيْخُ مَنْ يَدِبُّ دَبِيبَا

إذن فـ"ليس" الأرجح فيها أنَّها فعلٌ ماضٍ ناسخٌ جامدٌ لا تصرُّف له.

ومثلها في عدم التَّصرُّف: "دام" في قولنا: زيدٌ ما دام مجتهدًا أُحبه.

هذه بإيجازٍ بعض ما يتعلَّق بـ"كان" وأخواتها من حيث المعنى، ومن حيث العمل.

اقرأ يا بُني.

(بَابُ الْعَوَامِلِ الدَّاخِلَةِ عَلَى الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: كَانَ وَأَخَوَاتُهَا، وَإِنَّ وَأَخَوَاتُهَا، وَظَنَنْتُ وَأَخَوَاتُهَا).

النَّواسخ -يا إخوة- تنقسم إلى:

- ناسخٍ فعلي.

- وناسخٍ حرفي.

- وناسخٍ اسمي.

فأمَّا الفعلي فأربعة أنواعٍ:

• باب "كان" وأخواتها.

• وباب "كاد" وأخواتها.

• وباب "ظنَّ" وأخواتها.

• وباب "أعلم وأرى" وأخواتهما.

إذن هذه النَّواسخ الفعليَّة، وهي أربعة:

- باب "كان".

- وباب "كاد".

وهما يرفعان وينصبان، يعني يرفعان المبتدأ اسمًا لهما، وينصبان الخبر خبرًا لهما.

وباب "ظنَّ" وأخواتها: وهو ينصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر.

مثل: ظننتُ زيدًا مُهملًا فوجدتُه مجتهدًا.

- و"أعلم وأرى" وأخواتهما ينصبن ثلاثةَ مفاعيل، الثاني والثالث أصلُهما المبتدأ والخبر.

كأن أقول: أعلمتُ محمدًا بكرًا مُنطلقًا، وأَرَيتُ زيدًا الطريقَ واضحةً.

ومثلهما: "أنبأ، ونبَّأ، وأخبر، وخبَّر، وحدَّث".

هذه هي النَّواسخ الفعليَّة.

أمَّا النَّواسخ الحرفيَّة فثلاثة:

- "ما، ولا، ولات، وإن" المُشبَّهات بـ"ليس"....... (هنا انقطعت المادة الصَّوتية)

- و"إنَّ" وأخواتها.

- و"لا" النافية للجنس.

أمَّا "ما، ولا، ولات، وإن" فيرفعن المبتدأ اسمًا لهنَّ، وينصبن الخبر خبرًا لهن.

وأمَّا "إنَّ" فتنصب المبتدأَ اسمًا لها، وترفع الخبرَ خبرًا له.

وأمَّا "لا" النافية للجنس: فإنَّها تعمل عمل "إنَّ" بشروطٍ.

هذا ما يتعلَّق بالنَّواسخ الفعليَّة، والنواسخ الحرفيَّة.

وأمَّا النواسخ الاسميَّة: فهي المُشتقة من أفعالها.

كقول الشَّاعر مثلًا:

بِبَذْلٍ وَحِلْمٍ سَادَ فِي قَوْمِهِ الْفَتَى

وَكَوْنُكَ إِيَّاهُ عَلَيْكَ يَسِيرُ

فقوله: "وكونك" مصدرٌ مأخوذٌ من "كان" النَّاقصة، أُضيف إلى اسمه "الكاف" ونصب خبره، أي: وكونك إياه.

وكقول الآخر:

وَمَا كُلُّ مَنْ يُبْدِي الْبَشَاشَةَ كَائِنًا

أَخَاكَ إِذَا لَمْ تُلْفِهِ لَكَ مُنْجِدَا

فقوله: "كائنًا" اسم فاعلٍ من "كان" النَّاقصة، يرفع اسمًا مُستترًا "هو" أي "كائنًا هو"، و"أخاك" خبر لـ"كائن" منصوبٌ بها وعلامة نصبه الألف نيابةً عن الفتحة؛ لأنَّه من الأسماء الستة، و"أخا" مضاف، والكاف مُضاف إليه.

هذه هي النَّواسخ الفعليَّة والحرفيَّة والاسمية.

والنَّواسخ تنقسم انقسامًا آخرًا بحسب العمل:

- فمنها ما يرفع وينصب.

- ومنها ما ينصب ويرفع.

- ومنها ما ينصب فقط.

فأمَّا الذي يرفع وينصب: فـ"كان" وأخواتها، و"ما، ولا، ولات، وإن"، و"كاد" وأخواتها. هذه الثلاثة يرفعن وينصبن.

أمَّا الذي ينصب ويرفع: فهو باب "إن"، و"لا" النَّافية للجنس.

وأمَّا الذي ينصب فقط: فبابان: "ظنَّ"، و"أعلم، وأرى" وأخواتهما.

إذن أتينا بهذه النَّواسخ من حيث المعنى والعمل والنِّظام الذي يتعلَّق به.

إذن النَّواسخ ليست ثلاثةً فقط كما يقول، إنَّما هي سبعٌ، فالنواسخ للمُبتدأ والخبر سبع: أربعة فعلية، وثلاثة حرفية، وأمَّا الأسماء فدائرةٌ في فلك الأفعال، إذ إنَّ الأصل في الإعمال الأفعال.

احفظوا هذه القاعدة: "الأصل في الإعمال الأفعالُ، والأصل في الأسماء الإعرابُ، والأصل في المعاني الحروف".

هذه أصول ثلاثة: الأصل في المعاني الحروف، والأصل في الإعمال الأفعال، والأصل في الأسماء الإعراب.

بارك الله فيكم.

(فَأَمَّا كَانَ وَأَخَوَاتُهَا فَإِنَّهَا تَرْفَعُ الِاسْمَ، وَتَنْصِبُ الْخَبَرَ، وَهِيَ: كَانَ، وَأَمْسَى، وَأَصْبَحَ، وَأَضْحَى، وَظَلَّ، وَبَاتَ، وَصَارَ، وَلَيْسَ، وَمَا زَالَ، وَمَا انْفَكَّ، وَمَا فَتِئَ، وَمَا بَرِحَ، وَمَا دَامَ).

قال: "مَا زَالَ، وَمَا انْفَكَّ، وَمَا فَتِئَ، وَمَا بَرِحَ، وَمَا دَامَ"، ولم يقل: "زال"، لابُدَّ مع "زال" أن يتقدَّمها نفي، أو شبهه، وقلنا أنَّ شبه النفي هو النهي والدعاء، ومثَّلنا.

إذن لو قلنا "زال" فقط، "فتئ" فقط، "انفك" فقط، "برح" فقط؛ لم يكن ذلك من باب "كان" وأخواتها.

قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا﴾ [فاطر: 41]. أي: أن تفنيا.

﴿وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ [فاطر: 41].

إذن هنا "زال - يزول" بمعنى: فَنِيَ - يفنى.

وعندنا "زال - يزيل" بمعنى: "ماز - يَمِيز"، ومنه قول بعض العرب: زِلْ ضأنَك من معزك. أي ميِّز هذا من ذاك.

إذن عندنا "زال - يزول"، و"زال - يزيل"، و"زال - يزال".

الذي يخصنا هو "زال - يزال"، وهذا حتى يكون من أخوات "كان" لابد أن يتقدَّمه نفي أو شبه نفي وهو النَّهي والدعاء.

الفرق بين "ما" في "ما زال" و"ما" من "ما دام" أنَّ "ما" من "ما زال" نافية. أمَّا "ما" من "ما دام" فيُسمونها مصدرية ظرفية، كقولك: لن أُكلِّمَك ما لم تبرَّ أبويك. أي مدة عدم برِّك أبويك.

هذا هو الفرق بين "ما" هنا وهناك.

(وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهَا نَحْوَ: كَانَ، وَيَكُونُ، وَكُنْ، وَأَصْبَحَ، وَيُصْبِحُ، وَأَصْبِحْ، تَقُولُ: "كَانَ زَيْدٌ قَائِمًا، وَلَيْسَ عَمْرٌو شَاخِصًا"، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ).

يعني إذن أفعال "كان" وأخواتها على ثلاثة أنواعٍ من حيث التَّصرُّف وعدم التَّصرُّف:

- منها ما يأتي منه جميع التَّصرُّفات: ماضيًا، مضارعًا، أمرًا، مصدرًا، اسم فاعلٍ، اسم مفعولٍ، إلى آخره.

- ومنها ما لا يأتي منه إلا الماضي والمضارع.

- ومنها ما لا يأتي منه إلا الماضي.

إذن "كان" وأخواتها بالنسبة للتَّصرف وعدمه كم نوع؟

ثلاثة أنواع:

- منها ما يعمل ماضيًا ومضارعًا وأمرًا ومصدرًا، مثل "كان".

مثل: قال الله تعالى: ﴿وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا﴾ [الفرقان: 54]، وقال الله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة: 143].

"لتكونوا شُهداء"، فواو الجماعة: اسم "تكون". و"شهداء": خبر "تكون"

"ويكون الرسول" -صلى الله عليه وسلم- اسم "يكون".

"شهيدًا" خبر "يكون".

وبالمناسبة يا إخوة: هذه الآية هي الآية الرابعة والأربعون بعد المئة من سورة البقرة المكونة من ستٍّ وثمانين آية ومائتين، أي أنها وسط السورة، فوافق موقعُها معنى وسطيَّة هذه الأُمَّة.

ومثال الأمر قوله تعالى: ﴿قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا﴾ [الإسراء: 50].

"قل كونوا": واو الجماعة اسم "كن".

"حجارةً": خبر.

والمصدر قلناه منذ قليلٍ:

بِبَذْلٍ وَحِلْمٍ سَادَ فِي قَوْمِهِ الْفَتَى

وَكَوْنُكَ إيَّاهُ عَلَيْكَ يَسِيرُ

واسم الفاعل مثل:

وَمَا كُلُّ مَنْ يُبْدِي الْبَشَاشَةَ كَائِنًا

أَخَاكَ إِذَا لَمْ تُلْفِهِ لَكَ مُنْجِدَا

وقِسْ على ذلك "أصبح":

قال تعالى: ﴿فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ [آل عمران: 103].

وقال: ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ﴾ [الروم: 17].

ونقول: أَصْبِحْ بخيرٍ. بعد أن نقول "السلام عليكم"، نقول: أصبح بخيرٍ، وفلان مُصبحٌ خيِّرًا، وهكذا.

ومثال "صار" قوله: ﴿أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ﴾ [الشورى: 53].

وقولك: صار الماءُ ثلجًا، أو صار الثلجُ ماءً؛ لأنَّ "صار" للتحويل.

طيب، مثال: صِرْ رجلًا بعد أن بلغت رشدك، أي تحوَّل من الطُّفولة إلى الرجولة.

مثال: أنا صائرٌ أخاك. إلى آخره.

إذن هذه "كان، وأمسى، وأصبح، وصار، وبات" هذه كلها تنصرف.

ومنه ما يتحوَّل وينصرف منه الماضي والمضارع، مثل: "زال، وفتئ، وبرح، وانفك".

ربنا يقول لنا في القرآن: ﴿فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ﴾ [غافر: 34]، وقال: ﴿ولَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ [هود: 118].

فأتى بالماضي والمضارع.

مثال: ما انفكَّ زيدٌ مجتهدًا، ما ينفكُّ عمرٌو مُخلصًا، ما فتئ زيدٌ مُجتهدًا، ما يفتئ عمرٌو مجتهدًا.

ومنه الآية الكريمة: ﴿قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ﴾ [يوسف: 85].

برح: ما ربحتُ قارئًا للقرآن، لا أبرحُ قارئًا للقرآن.

إذن الأربعة: "زال، وفتئ، وبرح، وانفك" يأتي منها الماضي والمضارع فقط.

أمَّا ما لا يأتي منه لا مضارع ولا أمر: "ليس، ودام".

إذن الفعلان الجامدان هما: "ليس، ودام"، لكن "دام" التي معها "ما" المصدريَّة الظَّرفية؛ لأنَّ "دام" وحدها مُتصرفة: دام محمدٌ بخيرٍ، يدوم عليٌّ بخير، دُمْ سعيدًا، أنا دائمٌ على حبِّك، إلى آخره.

هذه هنا مُتصرفة؛ لأنها ليست مسبوقةً بـ"ما" المصدريَّة الظرفية. أليس كذلك؟ بلى.

إذن هذه الأفعال من حيث التَّصرف تمامه أو نقصانه أو الجمود على ثلاثة أقسامٍ:

- الماضي والمضارع: "زال" وأخواتها.

- الماضي فقط: "ليس، ودام".

- ما يأتي منه التَّصرُّف التام هم الباقي، وهنَّ ثمانية أفعال.

أكمل.

(وَأَمَّا إِنَّ وَأَخَوَاتُهَا فَإِنَّهَا تَنْصِبُ الِاسْمَ وَتَرْفَعُ الْخَبَرَ).

بهذا أنهى باب "كان" وأخواتها سريعًا.

"إنَّ" وأخواتها: هذه نواسخ حرفيَّة، وهي تُسمَّى أيضًا بشبيهات الأفعال، يعني يُسمُّونها الحروف الشَّبيهة بالأفعال.

"إنَّ، وأنَّ" بمعنى: أُؤكد.

"كأنَّ" بمعنى: أُشبه.

"لكنَّ" بمعنى: أستدرج.

"ليت" بمعنى: أتمنى.

"لعلَّ" بمعنى: أترجَّى.

فلمَّا كانت هذه الأحرف لها معانٍ تتعلَّق بالحروف سمَّوها: شبيهات الأفعال، مع أنَّها أحرف، فحتى نعرف أنَّها حرف دخيل ما لا يقبل علامات الأسماء ولا علامات الأفعال.

إذن "إنَّ" وأخواتها خالصةٌ للحرفية.

ما عملها؟

تعمل عكس عمل الفعل.

فالفعل يرفع فاعل وينصب مفعول، و"إنَّ" وأخواتها تنصب وترفع، يعني كأنَّها شبيهةٌ بأفعالٍ تقدَّمت مفاعيلُها على أفعالها، يعني مثلًا نقول: جاء القاضيَ فلانٌ. فكان أصلُها: جاء فلانٌ القاضيَ.

ومنه قول العرب: حضر القاضيَ امرأةٌ.

وكقول الله تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ﴾ [البقرة: 124].

"رب": فاعل مُؤخَّر وجوبًا، والهاء مضاف إليه. و"إبراهيم": مفعول به.

قال واحدٌ من الجُهَّال: كيف يبتلي إبراهيمُ ربنا؟

قلت: كيف يا بُني؟

قال: في القرآن: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ﴾.

قلت له: اقرأها جيدًا، "إبراهيمَ" مفعول، و"ربُّه" فاعل.

إذن مَن المُبتلِي؟ ومَن المُبتلَى؟

"ربُّه" مُبتلِي، و"إبراهيم" مُبتلَى.

قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: 28]، قال واحدٌ جاهل: كيف يخاف ربُّنا من العلماء؟

نقول له: يا أخي، اقرأ جيدًا: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾.

إذن مَن الخاشِ؟ ومَن المخشي؟

الخاشِ: العلماء. والمخشي: الله -عز وجل.

فهمتم يا إخواننا؟

بارك الله فيكم.

إذن "إن" وأخواتها تعمل عمل أفعال تقدَّمت مفاعيلُها على أفعالها.

اقرأ يا بني.

(وَأَمَّا إِنَّ وَأَخَوَاتُهَا فَإِنَّهَا تَنْصِبُ الِاسْمَ وَتَرْفَعُ الْخَبَرَ، وَهِيَ: إِنَّ، وَأَنَّ، وَلَكِنَّ، وَكَأَنَّ، وَلَيْتَ، وَلَعَلَّ).

طبعًا قلنا: "إن، وان" تُفيدان التوكيد.

و"لكن" الاستدراك.

ما معنى الاستدراك يا إخواننا؟

تعقيب آخر الكلام بما يُخالف أوله.

مثل ماذا؟

زيدٌ جريءٌ لكنَّه بخيلٌ.

زيد جريء: هذا جيد. لكنَّه بخيل.

مثال: المطر هاطلٌ لكنَّ الشمسَ طالعةٌ.

الشَّائع أنَّ المطر حين يكون هاطلًا تكون الشمسُ غائمةً.

مثال: الشمس طالعةٌ لكنَّ المطر غزير، وهكذا..

وقد تُفيد "لكنَّ" التوكيد. كيف؟

صلوا وسلِّموا على سيدنا رسول الله، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمدٍ.

تقول مثلًا: لو جئتني لأكرمتُك، لكنَّك لم تجئني.

هنا أفادت التوكيد؛ لأنَّ الجملة معناها أني لم آته، فقال: لكنَّك لم تجئني.

قال: لو جئتني لأكرمتُك، إذن لم أُكرمك لأنَّك لم تجئني. فأقول: لكنَّك لم تجئني.

إذن "لكنَّك لم تجئني" مُؤكِّدة لمفهوم "لو جئتني".

هذا معنى آخر من معاني "لكنَّ"، وهو التَّوكيد.

"إن، وأن" تُفيدان التوكيد أو التَّأكيد -التوكيد بالواو، والتأكيد بالهمزة- والأول أفصح؛ لقوله تعالى: ﴿ولَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا﴾ [النحل: 91].

الجماعة الذين كانوا مع لجنة الأزهر نقضوا الاتِّفاق يوم الجمعة، يوم الخميس اجتماع في مُنتهى العظمة ضم جميعَ الطوائف، ويوم الجمعة الحبر لم يجفَّ مداده. نسأل الله تعالى أن يهدي الجميع.

إذن "إن، وأن" هي للتوكيد.

مثال: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ [فصلت: 6]، جمعت بين "إنَّ" و"أنَّ" تُفيدان التوكيد.

بارك الله فيكم.

وقلنا: "كأنَّ" تُفيد التَّشبيه. مثل: كأنَّ محمدًا أسد، كأنَّ سعادَ بدرٌ.

طيب، هل تُفيد معنًى آخر؟

نعم، الظن. مثل أن يكون الخبرُ مُشتقًا.

مثال: كأنَّ محمدًا فاهمٌ.

فهل أنا أُشبهه بالفاهم، أم أظن أنَّ محمدًا فاهم؟

إذن "كأن" هنا للظن، فإذا كان خبرها مُشتقًّا أو جملةً فعليةً فيكون معناها الظن، أمَّا إذا كان خبرُها جامدًا كالمثالين السَّابقين، فإنَّها تفيد التَّشبيه.

"ليت" للتَّمني، والتَّمني هو طلب المستحيل، أو المُستَبعَد.

مثال:

أَلَا لَيْتَ الشَّبَابَ يَعُودُ يَومًا

فَأُخْبِرَهُ بِمَا فَعَلَ الْمَشِيبُ

والمُستبعد مثلًا مثل واحدٍ في أيام المخلوع يقول: ليتني رئيس جمهورية!

"لعلَّ" تُفيد التَّرجي، والترجي: هو طلب المُمكن.

مثال: لعلَّ محمدًا ناجحٌ أو مفلحٌ.

وقد تُفيد الإشفاق، كقوله تعالى: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ﴾ [الكهف: 6]، أي مهلكٌ نفسك، إشفاقٌ من الله على حبيبه محمدٍ -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.

وقد تُفيد التَّعليل، مثل: ذاكر لعلك تنجح، أي لكي تنجح.

ومنه قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183]، أي لكي تتقون.

هذه بإيجازٍ بعض ما يتعلق بمعاني "إن" وأخواتها، وقد سبق أنَّها تنصب المبتدأ اسمًا لها، وترفع الخبرَ خبرًا لها.

هل يجوز تقدُّم الخبر على الاسم؟

قالوا: لا يجوز، إلا إذا كان الخبرُ شبه جملةٍ: ظرفًا أو جارًّا ومجرورًا.

قال تعالى: ﴿إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا﴾ [المزمل: 12]، وقال: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ﴾ [آل عمران: 13].

"إنَّ لدينا أنكالًا - إنَّ أنكالًا لدينا"، "إنَّ عبرةً في ذلك".

إذن متى يجوز تقدُّم خبر "إنَّ" وأخواتها على أسمائها؟

إذا كان شبه جملةٍ: ظرفًا أو جارًّا ومجرورًا.

طيب، هل يجوز أن يتقدَّم على "إنَّ" نفسها؟

لا، فلا يجوز أن تقول: عالمٌ إنَّ زيدًا، ولا مجتهدٌ أنَّ عمرًا. فهذا كله خطأ.

طيب، هل يجوز تقدُّم الخبر على الاسم إذا لم يكن ظرفًا أو جارًّا ومجرورًا؟

قالوا: لا يجوز.

وكان هناك واحد جاهل دائمًا يقول: إنَّ أصدقُ الحديثِ كتابَ الله، وخيرُ الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم.

فظللتُ وراءه حتى أقنعته بأنَّ هذا خطأ، وأخذتُ وقتًا طويلًا، نسأل الله الهداية.

إذن "إنَّ" وأخواتها لا يجوز فيها تقدُّم الخبر على الاسم إلا إذا كان ظرفًا أو جارًّا ومجرورًا، ولا يجوز تقدُّمه على "إنَّ" وأخواتها بتاتًا.

أمَّا خبر "كان" فيجوز أن يتوسَّط بينها وبين اسمها، قال تعالى: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الروم: 47]، وقال: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا﴾ [البقرة: 177]، ودائمًا نُواجَه بهذه الآية.

"البرَّ": خبر "ليس" مُقدَّم.

والمصدر المُؤوَّل اسم "ليس" مُؤخَّر.

طيب، هل يجوز تقدُّم الخبر على "كان"؟

نعم، مثلًا نقول: مجتهدًا كان زيدٌ، عالمًا أصبح عمرٌو.

هذه بعض المُقارنات بين "كان" و"إن".

(تَقُولُ: إِنَّ زَيْدًا قَائِمٌ، وَلَيْتَ عَمْرًا شَاخِصٌ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ).

نُلاحظ -يا إخواننا- أنَّ "إنَّ" تأتي في أول جملتها، أمَّا "أنَّ" فلابُدَّ أن يسبقها كلامٌ.

قال تعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [المائدة: 98].

"اعلموا أنَّ".

﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ﴾ [الحجر: 49، 50].

إذن "إن" و"أن" ما الفرق بين الاثنين؟

"إنَّ" تأتي في أول الكلام، أمَّا "أنَّ" فتأتي في أثنائه، فالاثنان يُفيدنا التَّوكيد، لكن هناك فرق بين الاثنين.

أيضًا "إن" مع اسمها وخبرها جملةٌ كاملةٌ شكلًا ومضمونًا، لفظًا ومعنى.

أمَّا "أنَّ" ومعمولاها فجملة صورةً، ومفرد حقيقةً.

مثلًا: عرفتُ أنَّك مجتهدٌ. كأني قلت: عرفتُ اجتهادك.

هذا ثاني فرق بين "إنَّ" و"أنَّ".

(وَمَعْنَى إِنَّ وَأَنَّ التَّوْكِيدُ، وَلَكِنَّ لِلِاسْتِدْرَاكِ).

ونحن فهمنا معنى الاستدراك، وقلنا أنَّ معناها التوكيد أيضًا، مثل: لو جئتني لأكرمتُك لكنَّك لم تجئني.

(وَكَأَنَّ لِلتَّشْبِيهِ).

وقلنا معنى الظن أيضًا.

مثل: كأنَّ زيدًا فاهم.

(وَلَيْتَ لِلتَّمَنِّي، وَلَعَلَّ لِلتَّرَجِّي وَالتَّوَقُّعِ.

وَأَمَّا ظَنَنْتُ وَأَخَوَاتُهَا فَإِنَّهَا تَنْصِبُ الْمُبْتَدَأَ وَالْخَبَرَ).

قلنا: "ظنَّ" تنصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر.

مثل: محمدٌ مجتهدٌ، علمتُ محمدًا مجتهدًا.

مثلًا: فلانٌ سارقٌ، ظننتُ فلانًا سارقًا، وهكذا.

(عَلَى أَنَّهُمَا مَفْعُولَانِ لَهَا، وَهِيَ: ظَنَنْتُ، وَحَسِبْتُ، وَخِلْتُ، وَزَعَمْتُ، وَرَأَيْتُ، وَعَلِمْتُ، وَوَجَدْتُ، وَاتَّخَذْتُ، وَجَعَلْتُ، وَسَمِعْتُ، تَقُولُ: ظَنَنْتُ زَيْدًا مُنطَلِقًا).

انتبهوا!

"ظنَّ" وأخواتها تنقسم إلى ثلاثة أقسامٍ بحسب معانيها:

- فمنها ما يُفيد الرُّجحان.

- ومنها ما يُفيد اليقين.

- ومنها ما يُفيد التَّصيير أو التَّحويل.

كم نوع؟

ثلاثة.

- منها ما يُفيد الرُّجحان. ما معنى الرُّجحان؟

نحن نعرف أن درجات المعرفة -يا إخوة- أربعة:

• علم.

• ظنٌّ.

• شك.

• وهم.

- العلم هو: الإدراك الجازم المُطابق للواقع النَّاشئ عن دليلٍ.

- فإذا قلَّ عن ذلك يكون ظنًّا.

- والشك يكون خمسين بالمئة إثبات، وخمسين بالمئة نفي.

- أمَّا ما كان أقل من خمسين بالمئة فإنَّه يكون وهمًا.

إذن عندنا مئة بالمئة يكون علمًا، وأقل من ذلك إلى واحد وخمسين يكون ظنًّا، والشَّك خمسين بالمئة إثبات وخمسين بالمئة نفي، وأقل من ذلك وهم.

إذن الوهم: هو الطرف المرجوح.

والظن: هو الطرف الراجح.

والشك: هو استواء الطرفين.

والعلم نفسه منه ما هو علم اليقين، وحقُّ اليقين، وعين اليقين.

أنا أعلم أنَّ هناك دولة في العالم اسمها استراليا. هذا علم يقين.

مررنا بأجوائها: عين اليقين.

نزلناها: حقُّ اليقين.

والقرآن أتى بالثلاثة.

إذن الذي يُفيد الرجحان هو: "حسب، ظن، زعم، خال".

كما قال الشيخ: "ظَنَنْتُ زَيْدًا مُنطَلِقًا"، هنا الظنُّ يعني الرُّجحان، ترجح لديه أنَّ زيدًا مُنطلقًا.

"ظن" من "ظننت" فعل ماضٍ مبني على السكون والتاء ضمير مبني على الضَّم في محل رفع فاعل.

"زيدًا" مفعول أول -وكان أصله مبتدأ- منصوب بـ"ظن" وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.

"منطلقًا" مفعول ثانٍ خبر ظن.

هل كان من المفروض أن يأتي بهذا الباب أم لا؟

كان من المفروض ألا يأتي به؛ لأننا في باب المرفوعات، و"ظنَّ" وأخواتها من باب المنصوبات.

إذن، لم يكن هناك داعٍ أن يأتي بباب "ظن" هنا؛ لأنَّ حديثه مُنصَبٌّ على مرفوعات الأسماء.

لكنَّ الذي جعله يجعلها هنا أنَّه يتحدث عن عوامل نسخ الابتداء والخبر، فكأنَّه شيءٌ من الاستطراد.

إذن ما يفيد الرجحان: "ظن، وزعم، وحسب، وخال".

وما يُفيد اليقين هو: "علم، ورأى، ووجد، وألفى، ودرى، وتعلًَّم -بمعنى اعلم". قال الشاعر:

تَعَلَّمْ شِفَاءَ النَّفْسِ قَهْرَ عَدُوِّهَا

فَبَالِغْ بِلُطْفٍ فِي التَّحَيُّلِ وَالْمَكْرِ

...... (هنا انقطعت المادة الصَّوتية)

وأخيرًا ما يُفيد التَّصيير هو: "وجد، وجعل، واتَّخذ، وتَخِذ".

إذن هذه معاني "ظنَّ" وأخواتها، وهي:

- ما يُفيد الرُّجحان.

- ما يفيد اليقين.

- ما يفيد التحويل.

بالمناسبة: "رأى" في العربية على عِدَّة أوجه، منها:

- البصرية: أي بمعنى أبصر، فتنصب مفعولًا واحدًا فقط، مثل: رأيتُ العصفورَ. ولو قلنا: رأيت العصفورَ مُغردًا، فـ"مغردًا" حال؛ لأنَّها بمعنى أبصرتُ.

- ولو قلت: رأيتُ الله قادرًا، تكون بمعنى: علمتُ، فتنصب اثنين.

وقد تفيد "ظن" اليقين، وقد تفيد "علم" الرجحان، تبادل أماكن.

قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ [البقرة: 45]. مَن هم؟ صِف لنا -اللهم اجعلنا منهم: ﴿الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ [البقرة: 46].

هم يظنون أم مُتأكِّدون؟

مُتأكِّدون، لكنَّ الله تعالى استعمل ظنَّ هنا في اليقين. لماذا؟

حتى يُعلمنا الأدب في التعبير، فالعالِم يشُك والجاهل يُؤكِّد.

احفظوا هذه القاعدة: "العالم يشُك، والجاهل يؤكد"، هذه هي لغة العلماء، الشَّك المنهجي، وزعموا أنَّ صاحب هذه القاعدة هو ديكارت -لعنه الله- ولكن هذا تبع المسلمين، «نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ» كما قال سيدنا محمد -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.

والعكس مثل: ﴿فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ﴾ [الممتحنة: 10].

هل العلم هنا يقيني أو ظني؟

ظني.

كيف تعرف أني مؤمن أو غير مؤمن؟!

هذا داخل القلب، تُترجم عنه الأفعال.

إذن العلم هنا بمعنى الظن، أي: إن غلب على ظنِّكم كونهن مُهاجرات فلا ترجعوهنَّ إلى الكفَّار.

(تَقُولُ: ظَنَنْتُ زَيْدًا مُنْطَلِقًا، وَخِلْتُ عَمْرًا شَاخِصًا).

"خلتُ" من "خال"، "خال" لما أُسندت إلى تاء الضَّمير المُتحرك حُذفت العين، كما تقول في "باع - بعتُ"، "خال - خلتُ".

(وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

بَابُ النَّعْتِ).

اقرأ الأفعال مرةً أخرى.

(وَهِيَ: ظَنَنْتُ، وَحَسِبْتُ، وَخِلْتُ، وَزَعَمْتُ، وَرَأَيْتُ، وَعَلِمْتُ، وَوَجَدْتُ، وَاتَّخَذْتُ، وَجَعَلْتُ، وَسَمِعْتُ).

"وَسَمِعْتُ" لستُ مُطمئنًا لها!

"سمع" ليست من هذا الباب، إنَّما هي فعلٌ تامٌّ ليس ناسخًا، قال تعالى: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾ [المجادلة: 1]. وقال أيضًا: ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ﴾ [آل عمران: 181].

إذن "سمع" ليست من باب "ظن" وأخواتها.

لكن يبدو أنَّ الشيخ -رحمه الله- التبس عليه الأمر؛ لأنَّ الله يقول: ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ [يوسف: 76].

لأنَّه أحيانًا يُسمَّى هذا الباب بـ"باب ظننت"، أو "باب ظن"، وأحيانًا يُسمى "باب أفعال القلوب".

بين هذين تداخل قليلًا. لماذا؟

لأنَّ الظن والرُّجحان من أمور القلب أم من أمور الجسد؟

القلب.

فـ"سمع" من أعمال القلوب، فمن هنا كان اللَّبس.

تفضل.

وقبل أن نقول باب النَّعت سنعمل تمرينًا على باب الفاعل، ونحن -والحمد لله- بهذا قد فُقْنَا نصفَ الكتاب بكثيرٍ -بارك الله فيكم.

اقرأ يا بُني بعض التَّمارين.

(اجعل كلَّ اسمٍ من الأسماء الآتية فاعلًا في جملتين، بشرط أن يكون الفعلُ ماضيًا في إحداهما، ومضارعًا في الأخرى).

هل يكون أمرًا أيضًا؟

لا؛ لأنَّ الأمر فاعله لابُدَّ أن يكون ضميرًا، وهذه أسماء ظاهرة.

(أبوك).

نقول مثلًا: جاء أبوك، يحضر أبوك درسنا.

فـ"أبوك" مرفوع بالواو؛ لأنه من الأسماء الستة.

(صديقك).

نقول: نال صديقُك الجائزة، ينال صديقُك الجائزة.

(التُّجار).

نقول: حضر التجار المزاد، يحضر التجار إلى السُّوق.

(المخلصون).

نقول: أفلح المخلصون، ينجو المخلصون.

وتكون علامة الرفع الواو نيابةً عن الضم الأصلي؛ لأنه جمع مذكر سالم. اللَّهم اجعلنا وإيَّاكم من المُخلصين.

(ابني).

نقول: حضر ابني معي -هو لم يحضر، لكن كلكم أبنائي- يحضر ابني معي.

إذن "ابن" من "ابني" تُعرَب فاعل مرفوع بالفعل وعلامة رفعه الضَّمة المُقدَّرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة، فهذا اسمه: إعراب أصلي تقديري.

"ابن" مضاف، وياء المتكلم مضاف إليه مبني على السُّكون في محل جر.

(الأستاذ).

نقول: إذا حضر الأستاذُ أنصت التلاميذُ، إذا يحضر الأستاذ يُنصِت التلاميذ.

(الشَّجرة).

نقول: أثمرت الشجرةُ.

النحو يُعلمنا الانتباه والتَّدبر.

أثمرت الشجرة، تُثمر الشجرة، أو يُثمِر الشجر. فيجوز أن أقول: "أثمرت، وأثمر"، و"يثمر وتثمر". لماذا؟

لأنَّه اسم مجازي التأنيث، فيجوز في فعله التَّأنيث والتَّذكير.

(الربيع).

نقول: أقبل الربيع، يُقبل الربيع.

(الحصان).

نقول: جرى الحصان، يجري الحصان.

يعني بأقل تكلفةٍ نأتي بالجملة، فلا تأتي بجملٍ مُعقَّدةٍ.

(هات مع كلِّ فعلٍ من الأفعال...).

"هاتِ" هذا فعل أم اسم؟

فعل أمر بدليل أنَّه يدل على الطلب، ويقبل ياء المؤنثة المخاطبة: "هاتي المنشفة يا فاطمة".

إذن ما الدليل على فعليَّة "هاتِ"؟

أنَّه يدل على الطلب، ويقبل ياء التأنيث المخاطبة، وباقي الضمائر.

قال تعالى: ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ﴾ [البقرة: 111]؛ لأنَّ واو الجماعة من خصائص الفعل بعامَّة.

(هاتِ مع كلِّ فعلٍ من الأفعال الآتية اسمين، واجعل كلَّ واحدٍ منهما فاعلًا له في جملةٍ مناسبةٍ:

حضر).

إذن ما مضى كان مطلقًا، وهنا نأتي بفعلٍ مُعتدٍّ؛ لأنَّ الفعل ينقسم إلى قسمين:

- لازم: وهو الذي يكتفي بمرفوعه.

- ومُتعدٍّ: وهو الذي له مفعولٌ أو أكثر.

(حضر).

حضر الأستاذ الحفلَ.

(اشترى).

اشتريتُ المتاعَ، أو اشترى محمدٌ المتاعَ.

(يربح).

يربح التاجرُ أموالًا طائلةً، وخصوصًا في وقت الأزمات –هداهم الله.

(ينحو).

ينحو محمدٌ نحوَ عليٍّ، يعني مثل فلان.

لكن "يمحو" كقوله تعالى: ﴿فَإِن يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ﴾ [الشورى: 24]، "يمح" هنا ليست معطوفة على "يختم"؛ لأنَّ "إن يشأ يختم" هذا على سبيل الافتراض، أمَّا محو الله الباطل فدائم.

إذن نقول: "ويمح الله الباطل"، لكنَّها مرسومة بدون واو؛ للإسراع، أي أن الله تعالى يُسرع في محوِ الباطل.

(نجح).

نجح محمدٌ في الامتحان. هذا فعل لازم.

(أدَّى).

أدَّى محمدٌ الأمانة، قال -صلى الله عليه وسلم: «أَدِّ الْأَمَانَةَ لِمَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ».

(أثمرت).

أثمرت الشجرة ثمرًا عظيمًا.

قل التَّمرين مرةً أخرى من بدايته.

(هاتِ مع كلِّ فعلٍ من الأفعال الآتية اسمين، واجعل كلَّ واحدٍ منهما فاعلًا له في جملةٍ مناسبةٍ).

فاعلًا، والباقي يمكن أن يكون مفعولًا أو غيرَ مفعولٍ.

نعم.

(أقبل).

أقبل الربيعُ على الكون.

(أجب على كلِّ سؤالٍ من الأسئلة الآتية بجملةٍ مفيدةٍ مشتملةٍ على فعلٍ وفاعلٍ).

أجب عن، وليس "على"، فالصواب أن نقول: "أجب عن"، لا أن نقول: "أجب على"، فأنا أستملح تعبير "أجب عن".

(متى تُسافر).

أعد السؤال.

(أجب عن كلِّ سؤالٍ من الأسئلة الآتية بجملةٍ مفيدةٍ مشتملةٍ على فعل وفاعل:

متى تُسافر؟)

أسافر -بإذن الله- غدًا أو اليوم.

أسافر أنا، إذن الفاعل هنا: ضمير مُستتر وجوبًا تقديره: أنا.

وقلنا أنَّ الفاعل إمَّا مُظهر، وإما مضمر، وإما مبهم.

(أين يذهب صاحبك؟)

يذهب صاحبي إلى السُّوق، أو إلى المسجد.

(هل حضر أخوك؟)

نعم حضر أخي. لا، لم يحضر أخي.

"أخ" من "أخي" فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضَّمة المقدرة.

(كيف وجدت الكتاب؟)

وجدتُه سهلًا عظيمًا.

(ماذا تصنع؟)

أصنع الخيرَ. أصنع أنا.

(متى ألقاك؟)

ألقاك غدًا -بإذن الله.

(أيَّان تقضي فصلَ الصيف؟)

أقضيه في قريتي.

(ما الذي تدرسه؟)

أدرس النحوَ.

أو: ماذا تُدَرِّس؟

أُدَرِّس النحوَ. أُدَرِّس أنا.

(كوِّن من الكلمات الآتية جملًا تشتمل كلُّ واحدةٍ منها على فعلٍ وفاعلٍ:

فاز).

فاز المجتهد.

(ربح).

ربح المؤمن.

(فاض).

فاض النهر.

(أينع).

أينعت الثمرةُ.

(المجتهد).

وفَّق اللهُ المجتهدَ.

(المخلص).

فاز المخلصُ.

(النيل).

غزُرَ النيلُ.

(التاجر).

ربح التاجر.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم وللمسلمين أجمعين، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم.

﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الصافات: 180- 182].

سبحانك اللَّهمَّ وبحمدك، أشهد أن لا إلهَ إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [سورة العصر].

جزاكم الله عنا خيرَ الجزاء، ومتَّعكم الله بالصحة والعافية، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

http://islamacademy.net/media_as_home.php?parentid=62