شرح متن أصول السنة
لفضيلة الشيخ محمد حسان
الدرس (8)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شُرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70، 71].
أمَّا بعد، فإنَّ أصدقَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدي هدي نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
حيَّاكم الله جميعًا أيُّها الإخوة الأخيار، وأيتها الأخوات الفاضلات، وطبتم وطاب سعيكم وممشاكم، وتبوَّأتم من الجنة منزلًا، وأسأل الله الكريمَ -جل وعلا- الذي جمعنا في هذا البيت العامر على طاعته أن يجمعنا في الآخرة مع سيِّد الدُّعاة وإمام النَّبيين في جنته ودار مقامته، إنَّه ولي ذلك ومولاه.
أحبتي في الله، هذا هو درسنا الثامن من شرحنا لأصول السنة للإمام المُبجَّل أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى.
قال الإمامُ: (أُصُولُ السُّنَّةِ عِنْدَنَا: التَّمَسُّكُ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَالِاقْتِدَاءُ بِهِمْ، وَتَرْكُ الْبِدَعِ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ فَهِيَ ضَلَالَةٌ، وَتَرْكُ الْخُصُومَاتِ، وَتَرْكُ الْجُلُوسِ مَعَ أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ).
لا زلتُ أتحدَّث في هذا الأصل الكبير الذي يحتاج إلى مزيدٍ من التَّأصيل والتَّفصيل، وإسقاطه على واقعنا المُرِّ الأليم؛ ليتعلم طلابُ العلم ولتعلم الأُمَّة عامَّة من سادتنا وأئمَّتنا وعلمائنا وكُبرائنا -أسأل الله أن يجزيهم عنَّا خيرَ الجزاء.
لا زلتُ أتحدَّث في هذا الموضوع الكبير الخطير؛ في موضوع: ضوابط هجر المبتدع:
تحدَّثتُ عن الضَّابط الأول وهو: سلامة القَصْد، وحُسن النية.
والضَّابط الثاني: هجر المُظهِرين للبدع، الدَّاعين إليها.
والضَّابط الثالث: مُراعاة أحوال الهاجرين والمهجورين قوَّةً وضعفًا، وقلَّةً وكثرةً.
والضَّابط الرابع: معرفة نوع البدعة: هل هي بدعة مُكَفِّرة؟ أم مُفَسِّقة؟ أم يُعذَر فيها صاحبُها وإن سُمِّيت في ذات الوقت ضلالة؟
والضَّابط الخامس -وهو من أجل الضَّوابط في هجر المبتدع والتَّعامل مع المُخالف وأهل الأهواء- العلم والعدل والرحمة.
وأسألكم بالله أن تُنصتوا لي جيِّدًا، وأن تُركِّزوا في كلماتي اللَّيلة، وددتُ أن لو سمعها كلُّ طالب علمٍ من مشايخنا وأساتذتنا الكرام، وإخواننا الأفاضل، وأبنائنا من طُلاب العلم.
يقول شيخُ الإسلام ابن تيمية -طيَّب الله ثراه: "وأئمَّة السُّنة والجماعة وأهل العلم والإيمان فيهم العلم والعدل والرحمة، يعلمون الحقَّ الذي يكونون فيه، مُوافقين للسُّنة، سالمين من البدعة".
إذن هذا هو العلم: "يعلمون الحقَّ الذي يكونون فيه، مُوافقين للسُّنة، سالمين من البدعة، ويعدلون مع مَن خرج منها ولو ظلمهم -أي مع مَن خرج من السُّنة- كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [المائدة: 8]".
ثم قال الشيخُ: "ويرحمون الخلقَ -الله الله!- فيُريدون لهم الخيرَ والهُدى والعلم، ولا يقصدون لهم الشَّرَّ ابتداءً، بل إذا عاقبوهم وبيَّنوا خطأهم وجهلَهم وظلمَهم كان قصدُهم بذلك بيانَ الحقِّ ورحمة الخلق".
أُكرر هذا الكلام، وستسمعون كلامًا نفيسًا طوال اللَّيلة من مثل هذا، لكن لا حرجَ أن أُكرر هذا الكلام لشيخ الإسلام مرةً ثانيةً.
يقول: "وأئمَّة السُّنة والجماعة وأهل العلم والإيمان فيهم العلم والعدل والرحمة، يعلمون الحقَّ".
هم على علمٍ بالأدلة، ومراتب الأدلة، ومناطات الأدلة، على علمٍ بالنَّاسخ والمنسوخ، على علمٍ بالمُجْمَل والمُبين، على علمٍ بالعامِّ والخاصِّ، على علمٍ بالمصالح والمفاسد، على علمٍ بمآلات الأقوال والأفعال، هم على علمٍ.
"يعلمون الحقَّ الذي يكونون فيه، مُوافقين للسُّنة، سالمين من البدعة، ويعدلون مع مَن خرج منها ولو ظلمهم".
وقد ذكرنا بالأمس قوله: "إنَّ السُّنة لا تُحرَس أبدًا بالظُّلم، وإنَّما تُحرَس بالعدل والصِّدق والعلم والحق".
قال: "ويعدلون مع مَن خرج منها ولو ظلمهم، كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المائدة: 8]".
قال: "ويرحمون الخلقَ -يقصد أئمَّة السُّنة والجماعة، ويقصد أهلَ العلم والإيمان- فيُريدون لهم الخيرَ والهُدى والعلم، ولا يقصدون لهم الشَّر ابتداءً، بل إذا عاقبوهم وبيَّنوا خطأَهم وجهلَهم وظلمَهم -يعني إذا جلس رجلٌ من أهل العلم من أئمَّة أهل السنة، وأهل العلم والإيمان، وبيَّن خطأ وجهل وظلم طائفةٍ من المسلمين؛ فهم لا يُريدون بذلك الشَّر لهم أبدًا، وإنَّما هم يُريدون الخيرَ لهم- كان قصدُهم بذلك بيانَ الحق، ورحمةَ الخلق".
يا أخي، أُريدك أن تتدبر معي -لا إله إلا الله- قولَ النبي -عليه الصَّلاة وأزكى السَّلام- والحديث رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قرأ يومًا قولَ الله في إبراهيم: ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [إبراهيم: 36]، لم يقل: "ومَن عصاني فانتقم منه"، ولم يقل: "ومَن عصاني فخذه أخذ عزيزٍ مُقتدرٍ"، وإنَّما قال: ﴿وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [إبراهيم: 36]، وقرأ قول الله في عيسى: ﴿إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [المائدة: 118]، ثم بكى -عليه الصلاة والسلام- وقال: «اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي» ... إلى آخر الحديث.
أنا أقول -يا أبنائي ويا إخواني- وتدبَّروا مني هذا القول الذي أُردده دومًا، أقول: إنَّ أصحابَ القلوب الكبيرة قلَّما تستجِيشهم دوافعُ الغِلْظَة والقسوة والانتقام.
أُكرر: إنَّ أصحابَ القلوب الكبيرة -اللَّهُمَّ اجعلني وإيَّاكم منهم- قلَّما تستجيشهم دوافعُ الغِلْظة والقسوة والانتقام، فهم من أرحم الخلق بالخلق، ومن أنفع الخلق للخلق، يعلمون يقينًا أنَّهم لا يتعاملون مع ملائكة بررةٍ، ولا مع شياطين مَرَدةٍ، ولا مع أحجارٍ صَلْدَةٍ؛ بل يتعاملون مع نفوسٍ بشريَّةٍ، فيها الخير والشَّر، فيها الإقبال والإحجام، فيها الحلال والحرام، فيها الفُجور والتَّقوى، فيها الهُدى والضَّلال.
قال -جل وعلا: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾ [الشمس: 7- 10].
فهم يُحبُّون المرءَ لما فيه من خيرٍ على قدره، ويُبغِضون المرءَ على ما فيه من شرٍّ على قدره، يتعاملون بعدلٍ وعلمٍ.
ثم قال شيخُ الإسلام -رحمه الله- في كلماتٍ والله ما قرأتُها إلا واهتزَّ قلبي، وأنا دائم النَّظر -وهذه نصيحة مني لأبنائي من طلبة العلم- مُكثِر النَّظر في "مجموع الفتاوى"، ومن بركة هذا السِّفر العظيم أنَّك إنِ اطلعتَ عليه وقرأته ستجد أنَّ الإمامَ كرَّر المسائلَ بأكثرَ من أسلوبٍ وبأكثرَ من طريقةٍ؛ بل له عبارة عجبتُ وأنا أقرأها له حين يقول: "وكلَّما تعددت العبارةُ في مادة التوحيد كانت نورًا على نورٍ"، هذا كلام شيخ الإسلام.
أقول: من بركة شيخ الإسلام في هذا المجموع المبارك أنَّه يُكرر المسائلَ في أكثر من موضعٍ بطريقةٍ أو بأخرى، فكلَّما قرأتَ كلَّما ثبتت المسائلُ التي يطرحها شيخ الإسلام في قلبك وفي عقلك بعد توفيق الله وتفَضُّله.
تدبَّروا هذه الكلمات التي تُكتَب بماء الدُّموع الخاشعة من خشية الله -وهي أغلى عندي كما اتَّفقنا من ماء الذَّهب- فأين إخواننا الذين لا يتطاولون على أهل البدع الحقيقيين، بل يتطاولون على أهل السُّنة، ويتطاولون على علماء السُّنة، ويتطاولون على مشايخ التوحيد والسُّنة؟ أين إخواننا من هذا الكلام؟!
يقول: "وإذا نظرتَ إلى المبتدعة بعين القدر"، يا الله! كلمة تهُزُّ القلب، أنت لا تملك لنفسك من نفسك أيَّ شيءٍ، يا أخي، أُقسم بالله أنا لا أملك لنفسي ضرًّا ولا نفعًا، وإن كان ربي قد وفَّقني للمُعتَقَد الصَّحيح الذي كان عليه المُصطفى وأصحابه، فذلك مَنٌّ منَّ الله به عليَّ وعليكم، ليس لنا في الأمر ومن الأمر شئ، فضل الله يُؤتيه مَن يشاء، ألم تسمع قولَ النبي كما في الصَّحيح: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ»، وأنا وأنت نشأنا في بيوتٍ تُوحِّد الله؛ فوحَّدنا الله من غير رغبةٍ منَّا ولا اختيارٍ ابتداءً، وإنَّما محض فضل الله علينا ابتداءً وانتهاءً، فتدبَّر هذا.
يقول: "وإذا نظرتَ إلى المبتدعة بعين القدر والحيرة مُستوليةٌ عليهم -اللَّهم ثبتنا على الحقِّ- والشَّيطان مُستحوذٌ عليهم؛ رحمتهم وترفَّقت بهم"، هذا كلام شيخ الإسلام الذي اتُّهم بالتَّطرف والإرهاب والقوة والجُمود والرَّجعيَّة، انظر كيف ظُلِمَ هذا الرجل كما ظُلِمَ الشيخ محمد بن عبد الوهاب! وسأذكر اللَّيلة للشيخ محمد بن عبد الوهاب كلامًا من أنفس ما قال.
انظر إلى كلام العلماء.
أُكرر: يقول شيخُ الإسلام -رحمه الله تعالى: "وإذا نظرتَ إلى المبتدعة بعين القدر والحيرة مُستوليةٌ عليهم، والشَّيطان مُستحوذٌ عليهم؛ رحمتهم وترفَّقت بهم، أُوتوا ذكاءً وما أُوتوا زكاءً".
انتبه! الأولى بالذَّال، والثَّانية بالزَّاي.
قال: "أُوتوا ذكاءً وما أوتوا زكاءً".
أوتوا ذكاءً: وهو ذكاء العقل.
"وما أُوتوا زكاءً": وهو زكاء أو تزكية النفس والقلب.
انظر إلى دقَّة الكلمات، تجد الرجلَ عبقريًّا في أيِّ بابٍ من الأبواب، لكنَّه انحرف عن منهج الحقِّ.
سبحان الله! يقول لك: البروفسور الفلاني معه أربعة دكتوراه، وخمسة دكتوراه.
والله الذي لا إلهَ غيره وأنا في بيته، في موسمٍ من مواسم الحج كان معي مجموعةٌ من أساتذتي الأفاضل من أساتذة الجامعة، وأردتُ أن أجعلَ لهم خيمةً وحدهم، وأردتُ أن أضعَ برنامجًا في أيام مِنى لهؤلاء الأساتذة الكرام؛ لنخرج بفائدةٍ علميَّةٍ كبيرةٍ في هذا الموسم المُبارك، وقلنا نبدأ بمنهج القرآن، ووضعتُ منهجًا للحديث، ووضعتُ منهجًا في العقيدة مع أساتذتنا في الجامعة فقط، وبدأتُ بمنهج القرآن، والله الذي لا إلهَ غيرُه إذ بأستاذٍ فاضلٍ يحمل ثلاث شهادات دكتوراه في التاريخ وشهادة دكتوراه في التاريخ الإسلامي يقرأ الفاتحة قراءةً تعجَّبتُ منها، لكن طلبتُ من الإخوة الأفاضل ألا يرد عليه أحد؛ لنُعطي له فرصةً ولا نُحرجه، وإذ به ينتهي من قراءة الفاتحة وأنا أعجب! وفي ذات الوقت أودُّ أن أضع أنفي في الطِّين شكرًا لربي أن علَّمني قراءة القرآن، بل وأنهيتُ حفظه وأنا في الثامنة من عمري، تتذكر فضلَ الله عليك في هذه اللَّحظة.
ثم بدأ قراءة البقرة، وإذ به يقول: "بسم الله الرحمن الرحيم، ألَمْ * ذلك الكتاب لا ريبَ فيه".
قلت: يا دكتور فلان، ألف لام ميم.
قال: لا، يا شيخ "ألم". مكتوبة هكذا.
قلت: ألف لام ميم -للمرة الثانية.
قال: لا، "ألَمْ * ذلك الكتاب" أليست هذه كسورة الشرح: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ [الشرح: 1]، هذه مثلها.
"أوتوا ذكاءً وما أوتوا زكاءً"، ثلاثة دكتوراه، حتى تعرف النِّعمة التي أنعم الله بها عليَّ وعليك.
القرآن يُؤخَذ بالتَّلقِّي -بالمُشافهة- وليس بالعلم ولا بالذَّكاء، أقصد بالعلم يعني الذَّكاء؛ لأنَّ صنفًا يُقدِّم الآن العقلَ على النَّقل، وأنا ذكرتُ لكم كلامًا أُحب أن أُكرره لشيخنا ابن القيِّم -رحمه الله- يقول:
لَا يَسْتَقِلُّ الْعَقْلُ دُونَ هِدَايَةٍ
بِالْوَحْيِ تَأْصِيلًا وَلَا تَفْصِيلَا
كَالطَّرْفِ دُونَ النُّورِ لَيْسَ بِمُدْرِكٍ
حَتَّى يَرَاهُ بُكْرَةً وَأَصِيلَا
نُورُ النُّبُوَّةِ مِثْلُ نُورِ الشَّمْسِ
لِلْعَيْنِ الْبَصِيرَةِ فَاتَّخِذْهُ دَلِيلَا
فَإِذَا النُّبُوَّةُ لَمْ يَنَلْكَ ضِيَاؤُهَا
فَالْعَقْلُ لَا يَهْدِيكَ قَطُّ سَبِيلَا
طُرُقُ الْهُدَى مَحْدُودَةٌ إِلَّا عَلَى
مَنْ أَمَّ هَذَا الْوَحْيَ وَالتَّنْزِيلَا
فَإِذَا عَدَلْتَ عَنِ الطَّرِيقِ تَعَمُّدَا
فَاعْلَمْ بِأَنَّكَ مَا أَرَدْتَ وُصُولَا
يَا طَالِبًا دَرْكَ الْهُدَى بِالْعَقْلِ دُونَ
النَّقْلِ لَنْ تَلْقَى لِذَاكَ دَلِيلَا
نور الوحي، نور القرآن والسُّنة.
وانتبه! إيَّاك أن تتصور أنني أُريد أن أُقلل من شأن العقل، فالذي يُقلل من شأن العقل في الإسلام لا عقلَ له، فالعقل مناط التَّكليف في شرعنا، فكيف يأتي عالمٌ أو طالبُ علمٍ يُقلل من شأن العقل؟!
يقول شيخُ الإسلام ابن تيمية -طيَّب الله ثراه: "نور الوحي لا يطمس نورَ العقل، بل يُباركه ويُزَكِّيه".
"أُوتوا ذكاءً وما أُوتوا زكاءً"، زعيم الهند الكبير غاندي، يُضرَب به المثلُ في كثيرٍ من المجالات بالحقِّ لا أُنكر ذلك، لكن انظر إليه في جانب المُعتقد، يقول: إنَّه سيظلُّ يُدافع عن عبادة البقرة أمام العالم أجمع.
ثم يقول: وإنَّ أمَّه البقرة أحبُّ إليه من أمِّه التي ولدته.
انظر إلى فضل الله علينا، نسأل الله الذي هدانا للتَّوحيد والإيمان أن يختم لنا بالتوحيد والإيمان، وأن يحشرنا مع سيِّدنا محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- إنَّه ولي ذلك والقادر عليه.
يقول شيخُ الإسلام: "وإذا نظرتَ إلى المبتدعة بعين القدر والحيرة مُستوليةٌ عليهم، والشَّيطان مُستحوذٌ عليهم؛ رحمتهم وترفَّقت بهم، أُوتوا ذكاءً وما أوتوا زكاءً، وأُعْطُوا فهومًا وما أُعْطُوا علومًا، وأُعْطُوا سمعًا وأبصارًا وأفئدةً فما أغنى عنهم سمعُهم ولا أبصارُهم ولا أفئدتُهم من شيءٍ".
أبو أُمامة الباهلي -رضي الله عنه- الصَّحابي الجليل لما رأى سبعين رأسًا من رؤوس الخوارج وقد جُزَّت ونُصِبَت أمام المسجد الدِّمشقي -أسأل الله أن يُفرِّج كربَ أهلنا في دمشق وفي سوريا، وأن يرد أهلنا السُّوريين الذين يحضرون معنا وفي كلِّ مكانٍ إلى بلادهم في عزٍّ وكرامةٍ- لما رأى أبو أُمامة الباهلي -رضي الله عنه- رؤوسَ سبعين من الخوارج وقد جُزَّت وعُلِّقت أمام المسجد الدِّمشقي قال: "سبحان الله! ما يصنع الشيطانُ ببُنيّ آدم؟!" -أو ببَنِي آدم- ثم قال: "كلابُ جهنم -هكذا قال النبيُّ فيهم، يعني هذا وصف النبي لهم- شرُّ قتلى تحت ظلِّ السَّماء"، ثم بكى الصَّحابي الجليل.
ثم قال -واسمع ماذا قال: "إنَّما بكيتُ رحمةً لهم حين رأيتُهم كانوا من أهل الإسلام".
فأنت تخاف على نفسك، وأنا أخاف على نفسي، فهل أنت ضامنٌ أن تكون خاتمتُك على التَّوحيد؟ مَن منَّا يضمن هذا؟ والله لا أحد.
اللَّهمَّ ارزقنا حسنَ الخاتمة، إنَّما الأعمال بالخواتيم، لا تغترَّ بعلمٍ، ولا تغترَّ بعبادةٍ، ولا تغترَّ بمنصبٍ ولا بمالٍ وبجاهٍ ولا بمكانةٍ، بل كن دائمَ الانكسار، دائمَ الذُّل بين يدي العزيز الغفَّار حتى يُحسِن لك الخاتمة.
لما مات عثمانُ بن مظعون، وهو مَن هو، هو ممن شهدوا بدرًا، وهو أول مَن لُقِّبَ بالسَّلف الصَّالح، فلمَّا مات عثمانُ -كما في روايةٍ في مسند الإمام أحمد بسندٍ وإن ضعَّفه شيخُنا الألباني فقد حسَّنه شيخنا العلامة أحمد شاكر- دخل عليه النبيُّ وقبَّله وهو ميِّت وبكى، فسالت دموعُ النبي على خدَّي عثمان -رضي الله عنه- وأنا أقول: فَلْيَلْقَ عثمانُ ربَّه ودموع رسول الله على خدَّيه، فقالت امرأةٌ من الأنصار يُقال لها أمُّ العلاء: رحمة الله عليك أبا السَّائب، شهادتي عليكَ أنَّ الله أكرمك. فسمعها سيدنا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: «أُمَّ الْعَلَاءِ، وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللهَ أَكْرَمَهُ؟».
قالت: سبحان الله! فمَن يا رسولَ الله؟!
يعني مَن هذا الذي سيُكرمه الله إن لم يُكرِم الله عثمانَ بنَ مظعون؟!
فقال -بأبي وأُمِّي ورُوحي: «أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ، وَإِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ، وَوَاللهِ لَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللهِ مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ!».
هل تدبَّرتَ؟
قال: «وَوَاللهِ لَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللهِ مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ!».
فلا تغترَّ بشيءٍ.
يقول أبو أُمامة: "إنَّما بكيتُ رحمةً لهم حين رأيتهم كانوا من أهل الإسلام".
فالأصل -يا إخواني- في المسلم الولاء لله ولرسوله ولإخوانه من أهل الدِّين، كما أنَّ الأصل في المسلم أن يُعاديَ الكفرَ والكافرين، فالولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، والبراء من الشِّرك والمُشركين.
أَتُحِبُّ أَعْدَاءَ الْحَبِيبِ وَتَـدَّعِي
حُبًّا لَهُ! مَا ذَاكَ فِـي الْإِمْكَـانِ
وَكَذَا تُعَادِي جَاهِدًا أَحْبَابَهُ
أَيْنَ الْمَحَبَّةُ يَا أَخَا الشَّيْطَانِ
شَرْطُ الْمَحَبَّةِ أَنْ تُوَافِقَ مَنْ تُحِب
عَلَى مَحَبَّتِهِ بِلَا نُقْصَانِ
فَإِنِ ادَّعَيْتَ لَهُ الْمَحَبَّةَ مَعْ خِلَافِكَ
مَا يُحِبُّ فَأَنْتَ ذُو بُطْلَانِ
لَو صَدَقْتَ اللهَ فِيمَا زَعَمْتَهُ
لَعَادَيْتَ مَنْ بِاللهِ وَيْحَكَ يَكْفُرُ
وَوَالَيْتَ أَهْلَ الْحَقِّ سِرًّا وَجَهْرَةً
وَلَمَا تُعَادِيهِمْ وَلِلْكُفْرِ تَنْصُرُ
فَمَا كُلُّ مَن قَدْ قَالَ مَا قُلْتَ مُسْلِمٌ
وَلَكِنْ بِأَشْرَاطٍ هُنَالِكَ تُذْكَرُ
مُبَايَنَةُ الْكُفَّارِ فِي كُلِّ مَوطِنٍ
بَذَا جَاءَنَا النَّصُّ الصَّحِيحُ الْمُقَرَّرُ
وَتَصْدَعُ بِالتَّوْحِيدِ بَيْنَ ظُهُورِهِمْ
وَتَدْعُوهُمُ سِرًّا لِذَاكَ وَتَجْهَرُ
هَذَا هُوَ الدِّينُ الْحَنِيفِيُّ وَالْهُدَى
وَمِلَّةُ إِبْرَاهِيمَ لَوْ كُنْتَ تَشْعُرُ
الولاء لله هذا هو الأصل في المؤمن، فالمؤمن يُوالي الله ورسولَه والمؤمنين، ويُعادي الكفرَ والكافرين والشِّرك والمُشركين، غير أنَّ المُبتدع والفاسق تنقص مُوالاة المؤمن لهما بحسب بدعتهما وفسقهما وانحرافهما عن الحقِّ.
ولذلك يجتمع في المسلم الواحد حبٌّ وبُغْضٌ، فأُحبّه لما معه من الإيمان والخير، وأبغضُه لما وقع فيه من البدعة والمعصية.
قال شيخُ الإسلام -رحمه الله: "وإذا اجتمع في الرجل الواحد خيرٌ وشرٌّ"، وكلنا ذاك الرجل، فكلُّ بني آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين التَّوَّابُون.
يقول: "وإذا اجتمع في الرجل الواحد خيرٌ وشرٌّ، وفجورٌ وطاعةٌ، وسُنَّةٌ وبدعةٌ؛ استحقَّ من المُوالاة والثَّواب بقدر ما فيه من الخير، واستحقَّ من المُعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشَّر، فيجتمع في الشَّخص الواحد مُوجبات الإكرام والإهانة".
والله كلامٌ غالٍ جدًّا، أين شيوخنا من هذا الكلام؟
وهذا في "مجموع الفتاوى"، المجلد رقم 28، صفحة 209 وما بعدها، لمَن أراد أن يُراجع هذا الكلام النَّفيس.
أقول مرةً ثانيةً: "وإذا اجتمع في الرجل الواحد خيرٌ وشرٌّ، وفجورٌ وطاعةٌ، وسُنَّةٌ وبدعةٌ؛ استحقَّ من المُوالاة والثَّواب بقدر ما فيه من الخير، واستحقَّ من المُعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشَّر، فيجتمع في الشَّخص الواحد مُوجِبات الإكرام والإهانة".
ويقول أيضًا شيخُ الإسلام -رحمه الله تعالى- في كتابه الماتع "منهاج السنة النبوية"، المجلد الرابع، صفحة 543 وما بعدها: "ومما يتعلَّق بهذا الباب أن يُعلَم أنَّ الرجل العظيم في العلم والدِّين من الصَّحابة والتَّابعين ومَن بعدهم إلى يوم القيامة وأهل البيت وغيرهم قد يحصل منهم نوعٌ من الاجتهاد مقرونًا بالظنِّ، ونوعٌ من الهوى الخفيّ"، يا الله! هذا كلامٌ كبيرٌ.
قال: "قد يحصل منهم نوعٌ من الاجتهاد مقرونًا بالظنِّ، ونوعٌ من الهوى الخفيّ، فيحصل بسبب ذلك ما لا ينبغي اتِّباعه فيه، وإن كان من أولياء الله المُتقين، ومثل هذا إذا وقع يصير فتنةً لطائفتين".
إذا زلَّ العالمُ الكبير -سواء كان من الصَّحابة أو من التَّابعين أو من آل البيت- يزل لبشريته.
قال: " ومثل هذا إذا وقع يصير فتنةً لطائفتين: طائفة تُعظِّمه فتُريد تصويبَ ذلك الفعل واتِّباعه عليه".
هل أنتم معي يا إخواني؟
الكلام صعب، وأُريد أن أُبَسِّط بقدر استطاعتي، فسامحوني على قدر جهلي أقول، فالكلام عالٍ وغالٍ.
يقول: حين يُخطئ إمامٌ من الأئمَّة الكبار من الصَّحابة أو التَّابعين أو آل البيت الطيبين.
وغدًا -إن شاء الله تعالى- سأتكلم عن آل البيت في محورٍ من محاور الخطبة، إن شاء الله غدًا الخطبة بعنوان: مصر إسلاميَّة الهُويَّة، سُنِّيَّة المذهب، عربية المَذَاق -بإذن الله.
قال: "ومثل هذا إذا وقع يصير فتنةً لطائفتين: طائفةٍ تُعَظِّمه -تُعظِّم الإمامَ مع أنَّه أخطأ- فتريد تصويبَ ذلك الفعل واتِّباعه عليه "، وهو التَّعصُّب الذَّميم البغيض الأعمى للشيخ أو للإمام، وهذا موجود، أنا شيخي مَن؟ فلان، فلان قال...، مَن فلان هذا؟ لا كرامةَ لأيِّ فلانٍ إن خالف قولُه القرآنَ والسُّنة، يُؤخَذ من قوله ويُردُّ عليه.
محمد حسان أو غيره قال، والقول مخالفٌ للقرآن والسُّنة؛ يُضرَب بقوله عرض الحائط، ليس له أيُّ قيمةٍ، لكن لا تهدر مكانتي ولا كرامتي ولا علمي؛ لأنَّ هذا خطأ أنا وقعتُ فيه، هذه زلَّةٌ أن زللتُ فيها، قل لي: هذا خطأ، والدليل كذا... على رأسي، أرجع إلى الحقِّ، وأستغفر الله وأتوب إليه عن كلِّ زللٍ وخطأ وقعت فيه في حياتي، وأنا تائبٌ عنه بعد مماتي، إذن لا حرجَ.
إذن طائفةٌ تتعصَّب تعصُّبًا بغيضًا أعمى للإمام أو للعالم، حتى وإن أخطأ تريد أن تُصوِّب الخطأ، وتريد أن يتَّبعه الناسُ في هذا الخطأ. فهذه طائفة.
والطَّائفة الثانية قال عنها: "وطائفة تذُمُّه، فتجعل ذلك -أي الخطأ- قادحًا في ولايته –فمن الممكن أن يكون من أولياء الله المُتَّقين- وتقواه، بل في برِّه، وكونه من أهل الجنة، بل في إيمانه حتى تُخرجه من الإيمان، وكلا هذين الطَّرفين فاسد". هذا الإفراط والتَّفريط، فكلا الطَّرفين فاسد.
يقول: "والخوارج والرَّوافض وغيرهم من أهل الأهواء دخل عليهم الدَّاخلُ من هذا، ومَن سلك طريقَ الاعتدال". لا زال الكلامُ لأستاذ الاعتدال والعلم والحقِّ والعدل.
يقول: "ومَن سلك طريقَ الاعتدال عظَّم مَن يستحق التَّعظيم وأحبَّه ووالاه، وأعطى الحقَّ حقَّه، فيُعظِّم الحقَّ، ويرحم الخلقَ، ويعلم أنَّ الرجل الواحد تكون له حسنات وسيِّئات، فيُحمَد ويُذَم، ويُثاب ويُعاقَب، ويُحبُّ من وجهٍ ويُبغَض من وجهٍ، وهذا هو مذهب أهل السُّنة والجماعة، خلافًا للخوارج والمُعتزلة ومَن وافقهم".
هل تدبَّرتم يا إخواني؟
الكلام هذا موجودٌ في "منهاج السنة النبوية"، المجلد الرابع، صفحة 543، 544.
اسمع أيضًا لشيخي وحبيبي ابن القيِّم ماذا يقول في كتابه القيم؟
وأنا أنصح نصيحةً خاصَّةً جدًّا ونصيحةَ مُحبٍّ لأبنائه من طلبة العلم أن يقرؤوا هذا الكتابَ لشيخنا ابن القيِّم لمَن أراد أن يكون طالبَ علمٍ بصدقٍ، لا أن يلتقط كلمتين من هنا وكلمتين من هنا ويتأسَّد بالكلمتين على إخوانه في المجالس!
لا، تُريد أن تكون طالبَ علمٍ ارجع لكتاب "إعلام المُوقِّعين" لشيخنا ابن القيم وادرسه، لا أن تقرأ قراءةً سريعةً كأنَّك تقرأ صحيفةً، لا.
فأنصح طلابَ العلم بدراسة "إعلام الموقعين"، ولن نختلف في "إعلام المُوقعين" -بالكسر أو بالفتح- لا مُشاحةَ في الاصطلاحات.
ماذا يقول شيخُنا -رحمه الله؟
يقول: "ومَن له علمٌ بالشَّرع والواقع"؛ لأنَّهم يتَّهمون أئمَّة أهل السُّنة بأنَّهم علماء حيضٍ ونفاسٍ، وعلماء دورة المياه، لا فهمَ لهم بالواقع، ولا علاقةَ لهم به!
يا إخواني، هل يستطيع إمامٌ من أئمَّة أهل السُّنة أن يسحب دليلًا شرعيًّا من كتاب الله ومن سنَّة رسوله إلا إذا كان فاهمًا للواقع الذي سيسحب له هذا الدليل القرآني والنَّبوي؟
لا يقدر، أنا لا أقدر الآن أن أسحب دليلًا من كتاب ربي ولا من سُنَّة نبيي إلا لواقعٍ أنا أعرفه.
ولذلك يقول شيخي ابن القيم في "إعلام الموقعين": "لا يجوز للعالم أو الحاكم أو المُفتي أن يُفتي في أيِّ مسألةٍ إلا بعلمين:
الأول: فهم الواقع.
والثاني: فهم الواجب في الواقع". أي فهم الدليل الشَّرعي.
يقول: "ومَن له علمٌ بالشَّرع والواقع يعلم قطعًا أنَّ الرجل الجليلَ الذي له في الإسلام قدمٌ صالح، وآثارٌ حسنة، وهو من الإسلام وأهله بمكانٍ قد تكون منه الهفوةُ والزَّلَّةُ، هو فيها معذورٌ، بل مأجورٌ؛ لاجتهاده". والمجتهد مأجورٌ وإن أخطأ.
قال: "ومَن له علمٌ بالشَّرع والواقع يعلم قطعًا أنَّ الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدمٌ صالح، وآثارٌ حسنة، وهو من الإسلام وأهله بمكانٍ -يعني له مكانة في الإسلام ومكانة عند المسلمين- قد تكون منه الهفوةُ والزَّلةُ، هو فيها معذورٌ، بل مأجورٌ؛ لاجتهاده، فلا يجوز أن يُتَّبع فيها، ولا يجوز أن تُهدَر مكانتُه وإمامتُه ومنزلتُه في قلوب المسلمين".
هل هناك أوضح من هذا يا إخواني؟ فما الذي نراه في واقعنا الأليم هذا؟! ما الذي نراه؟ وما الذي نسمعه؟! أين نحن من هذا الكلام؟! أليس هذا كلام أئمَّتنا؟! أليس هذا كلام مشايخنا الذين نرفعهم فوق رؤوسنا؟! أليس هذا هو العلم؟! أليس هذا هو التَّأصيل؟! أليس هذا هو منهج أهل السُّنة والجماعة؟!
ويقول أيضًا في كتابه الرَّقراق "مدارج السَّالكين"، في سياق ما أخذه هو على أبي إسماعيل الهروي -وهو صاحب المنازل- لما أخطأ في بعض المواطن، ماذا قال ابنُ القيم؟
لما زلَّ زلَّةً كبيرةً قال الإمامُ ابن القيم: "ولا تُوجِب هذه الزَّلة من شيخ الإسلام أن نُهدر محاسنَه، أو أن نُسيء الظنَّ به".
يقول: "ولا تُوجِب هذه الزَّلة من شيخ الإسلام أن نُهدِر محاسنَه، أو أن نُسيء الظنَّ به، فمحله من العلم والإمامة والمعرفة والتَّقدُّم في طريق السُّلوك المحل الذي لا يُجهَل، وكلُّ أحدٍ فمأخوذٌ من قوله ومتروكٌ إلا المعصوم -صلوات الله وسلامه عليه".
يقول شيخُنا: "والكامل مَن عُدَّ خطؤه، ولا سيَّما في مثل هذا المجال الضَّنْك، والمُعْتَرَك الصَّعب الذي زلَّت فيه أقدامٌ، وضلَّت فيه أفهامٌ، وافترقت بالسَّالكين فيه الطُّرقات، وأشرفوا إلا القليل على أودية المُهلكات، وكيف لا وهو البحر الذي تجري سفنه في موجٍ كالجبال، والمُعْتَرك الذي تضاءلت لشهوده شجاعة الأبطال".
هذا كلام ابن القيم، كلامٌ عالٍ.
اسمع للشَّاطبي، وأنا طبعًا نصحت بالمُوافقات، وأحمد الله أنَّ لي تعليقات على "المُوافقات"؛ لأني شرحتُه لإخواننا وطلابنا في كلية الشَّريعة وأصول الدين في القصيم من أكثر من أربعة وعشرين سنةً -بفضل الله- وأرجو الله أن يُعيننا ويخرج؛ لأنَّ "المُوافقات" يحتاج حلًّا لكثيرٍ من مسائله.
ماذا يقول الشَّاطبي في "المُوافقات"؟
يقول في المجلد الرابع، صفحة 170 إلى 171: "إنَّ زلَّة العالم -والعالم ليس نبيًّا، وليس ملَكًا مُقَرَّبًا، وليس معصومًا من الخطأ- لا يصح اعتمادُها، ولا يصح الأخذُ بها". يعني لا نُقِرُّ العالمَ إن أخطأ على خطئه، ولا نقبل منه خطأه.
يقول: "كما أنَّه لا ينبغي أن يُنسَب صاحبُها إلى التَّقصير، ولا أن يُشَنَّع عليه بها، ولا يُنتَقَص من أجلها، أو يُعتَقد فيه الإقدامُ على المُخالفة".
أعوذ بالله، هل هناك عالمٌ من أئمَّة أهل السنة تظنُّ به أن يُقدِم عن قصدٍ وعمدٍ على مُخالفة كتاب ربِّه ومخالفة سُنَّة نبيه؟ هل تدين الله بهذا؟ هل تدين لله في عالمٍ من عُلماء السُّنة أنَّه يُقدِم على الخطأ عن قصدٍ وعمدٍ أم عن اجتهادٍ وتأويلٍ؟ اجتهاد وتأويل؛ فهو مأجورٌ حتى وإن أخطأ.
يقول الشَّاطبي: "إنَّ زلَّة العالم لا يصح اعتمادُها، ولا يصح الأخذُ بها تقليدًا له، كما أنَّه لا ينبغي أن يُنسَب صاحبُها إلى التَّقصير، ولا أن يُشنَّع عليه بها، ولا يُنتَقص من أجلها، أو يُعتَقد فيه الإقدامُ على المُخالفة، فإنَّ هذا كله خلافُ ما تقتضي رتبته في الدين".
اسمعوا هذه النُّقول الجميلة جدًّا للإمام الذَّهبي في كتابه الماتع القيم "سِير أعلام النبلاء"، ونحن لا نخرج عن منهج مشايخنا، ولا تسمعون إلا كلامَ شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وابن رجب، والشاطبي، وابن حزم، فهؤلاء هم مشايخنا، ولا نقتصر على هؤلاء لكن أنا أتعمَّد أن أنقل من هؤلاء الذين هم أقمار مُضيئة في سماء العلم، ممن يحملون منهجَ السَّلف الصَّالح.
يقول الإمامُ الذَّهبي في "سِير أعلام النبلاء"، المجلد رقم 14، صفحة 374 إلى 376، يقول وهو يتكلَّم عن الإمام ابن خُزيمة ويُترجم له: "ولابن خُزيمة عظمةٌ في النُّفوس".
يا الله! كلمة جميلة جدًّا، هناك عالم أول ما تراه وتجلس بين يديه تستشعر له عظمة في نفسك، والعظمة هذه أنا أُسميها الهيبة، وانتبهوا معي فيما أقوله: بعض أولادنا وأحبابنا من طلبة العلم حين يتعامل مع الناس الطيبين من آبائنا وإخواننا تجده يتعامل بكبرٍ، فإذا سألته قال: أُريد أن أعمل للعلم هيبة.
لا، انتبه! يقول الإمامُ ابنُ الجوزي –وهذا الكلام لشيخنا ابنُ القيم أيضًا: "واعلم أنَّ هيبةَ الخلق لك لا تكون إلا على قدر هيبتك من الخالق". ألم يقل ربُّ العزة: ﴿وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ﴾ [الحج: 18]، أبدًا، مَن أهانه الله لن يُكرِمه الخلقُ ولو اجتمعوا، والله أبدًا، ومَن أكرمه الله لن يُهينه الخلقُ ولو آذوه، فالمشركون آذوا رسولَ الله، فسبُّوه في عرضه، وفي شرفه، وفي عقله، واتَّهموه بالسحر، وبالكهانة، وبالجنون، وشتموه، وضربوه، وخنقوه، ووضعوا النَّجاسة على ظهره، وطردوه، لكن ما نالوا من مكانته، بل رفع الله ذكرَه، وأعلى الله قدرَه ومكانته، وقال: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4].
فمَن أكرمه الله لن يُهينه الخلقُ ولو اجتمعوا على إيذائه والإساءة إليه، ومَن أهانه الله لن يُكرِمه الخلقُ ولو اجتمعوا على إكرامه.
اجْعَلْ بِرَبِّكَ كُلَّ عِزِّكَ
يَسْتَقِرُّ وَيَثْبُتُ
فَإِذَا اعْتَزَزْتَ بِمَنْ يَمُوتُ
فَإِنَّ عِزَّكَ مَيِّتُ
سينتهي العز، فكله سينتهي، فالعزيز مَن أعزَّه الله، والذَّليل مَن أذلَّه الله وأهانه الله، ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ...﴾ [آل عمران: 26]، الآيات.
انظر ماذا يقول الذَّهبي في ابن خزيمة: "ولابن خُزيمة عظمة في النُّفوس، وجلالة في القلوب"، كلامٌ كبيرٌ جدًّا، كلامٌ جليلٌ، كلام علماء العدل والإنصاف، "ثلاثٌ مَن جمعهنَّ فقد جمع الإيمان"، والأثر رواه البخاري من حديث عمار بن ياسر موقوفًا عليه، قال: "ثلاث مَن جمعهنَّ فقد جمعَ الإيمانَ: الإنصاف من نفسك" أنصف يا أخي إخوانَك بالعدل.
قال: "الإنصاف من نفسك، والإنفاق من الإقتار، وبذل السلام للعالم"، الأقوال التي أُكررها انتبهوا لها وسجِّلوها؛ لأنَّها ذات معنى ومغزى.
يقول: "ولابن خُزيمة عظمة في النُّفوس، وجلالة في القلوب؛ لعلمه، ودينه، واتِّباعه السُّنة".
ثم يقول: "وكتابه في التَّوحيد مجلد كبير" أسأل الله أن يُعيننا على شرحه أيضًا، لكن -إن شاء الله- بعد الأصول، وبعد الطَّحاوية -بإذن الله- فأنا طوال عمري شغلي في العقيدة فقط والدَّعوة، أسأل الله أن يتوفَّانا وإيَّاكم على التَّوحيد، يعني من فضل الله شرحنا الطَّحاوية، وشرحنا معارجَ القبول؛ لأنَّ بعض إخواننا يقول ماذا شرح الشيخُ في العقيدة؟
كثير، لكن أنت لا تُتابع، أو أنت تنظر بعين الحسد أو بعين الحقد أو بعين البُغض، فلن ترى شيئًا أبدًا، شرحنا "الطَّحاوية"، وشرحنا "معارجَ القبول"، وشرحنا "التَّدمرية"، وشرحنا -بفضل الله عز وجل- "القواعد المُثلى" لشيخنا الشيخ ابن عثيمين، وشرحنا -بفضل الله- "الواسطيَّة"، وشرحتُ حديثَ جبريل في 286 محاضرة، والكلام هذا كله موجودٌ ومطبوعٌ في أشرطةٍ وفي كتبٍ -بفضل الله- وشرحتُ "الأصول الثلاثة" في مجلدٍ كبيرٍ مطبوعٍ، وشرحنا -بفضل الله- رسالة شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز "رسالة مُهمَّة لعامَّة الأمَّة".
فكلُّ هذا موجود، لكن لأنَّ في قلبك شيئًا فلا ترى شيئًا ولن ترى!
أسأل الله أن يرزقنا الصدقَ والإخلاصَ.
يقول: "ولابن خُزيمة عظمة في النُّفوس، وجلالةٌ في القلوب؛ لعلمه، ودينه، واتِّباعه للسُّنة، وكتابه في التوحيد مجلد كبير، وقد تأوَّل في ذلك حديث الصورة".
«خَلَقَ اللهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ».
قال: "وقد تأوَّل في ذلك حديث الصُّورة".
اسمع الذهبي ماذا يقول؟
يقول: "فليُعذَر".
مَن تأوَّل بعض الصِّفات فليُعذر، وأمَّا السَّلف فما خاضوا في التَّأويل، بل آمنوا وكفُّوا.
اسمع ماذا يقول، وهذا كلامٌ مهمٌّ جدًّا، وحين قلتُه اتُّهمنا، ومن أين أتى بهذا الكلام؟ قلت: والله -يا إخواننا- كلام أئمَّتنا، والله لا آتي بشيءٍ من جيبي ولا من بيتي.
يقول: "ولو أنَّ كلَّ مَن أخطأ في اجتهاده مع صحة إيمانه وتوخِّيه لاتِّباع الحقِّ أهدرناه وبدَّعناه؛ لقلَّ مَن يسلم من الأئمَّة معنا". مَن سيبقى؟!
أقول مرةً ثانيةً: يقول: "ولو أنَّ كلَّ مَن أخطأ في اجتهاده مع صحة إيمانه وتوخِّيه لاتِّباع الحقِّ أهدرناه وبدَّعناه؛ لقلَّ مَن يسلم من الأئمَّة معنا".
ثم قال: "رحم الله الجميعَ بمنِّه وكرمه".
هذا هو التَّواضع والأدب.
أيضًا في المجلد رقم 14 في صفحة 39 و40، وهو يُترجم للإمام الكبير محمد بن نصر المروزي، يقول الذَّهبي وهو يُعلِّق على بعض المسائل التي خالف فيها الإمامُ محمد بن نصر أهلَ السُّنة: "ولو أنَّه كلَّما أخطأ إمامٌ في اجتهاده في آحاد المسائل خطأً مغفورًا له، قمنا عليه وبدَّعناه وهجرناه؛ لَمَا سلِم معنا لا ابن نصر، ولا ابن منده، ولا مَن هو أكبر منهما، والله هو الهادي إلى الحقِّ، وهو أرحم الرَّاحمين، فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة".
هذا كلام شيخنا الإمام الكبير الإمام الذَّهبي.
أقوله مرةً ثانيةً، وهذا الكلام موجود في المجلد رقم 14، صفحة رقم 39 و40، يقول وهو يتكلم في ترجمة محمد بن نصر: "ولو أنَّه كلَّما أخطأ إمامٌ في اجتهاده في آحاد المسائل خطأً مغفورًا له، قمنا عليه -وهذا الواقع الذي نعيشه- وبدَّعناه وهجرناه؛ لَمَا سلِم معنا لا محمد بن نصر، ولا ابن منده، ولا مَن هو أكبر منهما، والله هو الهادي إلى الحقِّ، وهو أرحم الراحمين، فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة".
إذن مَن يهجم على أهل الحقِّ يهجم عليهم بالهوى والفظاظة والغلظة والقسوة.
ويقول أيضًا في "سير أعلام النبلاء" في ترجمة قتادة، المجلد رقم 5، صفحة 271: "ثم إنَّ الكبير من أئمَّة العلم".
هل أنتم معي مُتابعون؟
والله هذا كلامٌ غالٍ، وأنا أعرف أنَّكم تُريدون رقائق، لكن الكلامَ في المنهج كلامٌ مُهمٌّ، وأنا تعمَّدتُ إطالةَ النفس لحاجة أبنائنا الآن وإخواننا إلى هذا التَّأصيل، وهذا ليس كلامي حتى لا يُقال هذا كلام محمد حسان، أنا أنقل لكم كلام الأئمَّة، وأتعمَّد أن أذكر مواضعَ هذه الكلمات المباركة لمَن أراد أن يرجع إليها، وإن شاء الله ربنا يُوفِّقنا ويخرج هذا الشَّرح بهذا التَّفصيل بعدما ننتهي من "شرح أصول السنة"، ويكون بين أيديكم -بإذن الله تعالى- وربنا يرزقنا مَن يطبعه لله ويُوزَّع على إخواننا مجانًا، لا أُريد منه شيئًا.
يقول الإمامُ الذَّهبي في ترجمته لقتادة: "ثم إنَّ الكبير من أئمَّة العلم إذا كثُرَ صوابُه، وعُلِمَ تحرِّيه للحقِّ، واتَّسع علمُه، وظهر ذكاؤُه، وعُرِف صلاحُه وورعه واتِّباعه؛ يُغفَر له زللـه، ولا نُضلله، ولا نطرحه وننسى محاسنه، ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التَّوبةَ من ذلك".
أختم بهذا القول لشيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- في "مجموع الفتاوى"، المجلد رقم 11، صفحة 15، 16، يقول شيخُ الإسلام: "ثم الناس في الحبِّ والبُغض والمُوالاة والمُعاداة هم أيضًا مجتهدون، يُصيبون تارةً، ويُخطئون تارةً، وكثيرٌ من الناس إذا علم من الرجل ما يُحبه أحبَّ الرجلَ مُطلقًا وأعرض عن سيِّئاته، وإذا علم منه ما يبغضه أبغضه مُطلقًا وأعرض عن حسناته، وهذا من أقوال أهل البدع والخوارج، والمُعتزلة، والمُرجئة، وأهل السُّنة والجماعة يقولون ما دلَّ عليه الكتابُ والسُّنة والإجماع".
وأنا أُريد الحقيقة أن أكمل في هذا الضَّابط أقوال أئمَّتنا وسادتنا من أهل العلم، وسأكمل ذلك -إن شاء الله- لكن أعتذر عن عدم الحضور غدًا، فسألتقي بكم يوم السبت على خيرٍ -إن شاء الله تعالى- وسنكتفي بخطبة الجمعة -بإذن الله.
لي نصيحةٌ لإخواني من طلبة العلم:
ما يحدث بعد المحاضرة لا يليق بأبنائي من طلبة العلم أبدًا، وأُشهِد الله في عليائه أنني أكره هذا من كلِّ قلبي، ولا أُحبُّ هذا، بل هي فتنةٌ لك وفتنةٌ لي، فأرجو من إخواني الذين يندفعون ويجرون ويُريدون أن يُحطِّموا عظامَ الشيخ تحطيمًا من الحب، فمن الحب ما قتل.
أقول: رفقًا بي، والله لا أقدر على هذا، ظروفي الصحيَّة لا تسمح بهذا، ثم أنتم تتعاملون معي كأني لا زلتُ في العشرينات من عمري.
يا إخواننا، أنا مُقبلٌ على الستين، فأرجو من إخواننا برقي وباحترام وبأدب طلاب العلم ألا أرى هذا المشهدَ أبدًا، ومَن أراد أن يُصافح فبأدبٍ جمٍّ وباحترامٍ، لكن بتحطيم العظام وبالقذف هذا لا يليق أبدًا لا بالشيخ ولا بطلاب العلم من أبنائنا!
ثم أُشهِد الله أنني أكره ذلك، ولكم نصحتُ طلابَ العلم بعدم فعل ذلك، وأسأل الله -عز وجل- أن يرزقنا وإيَّاكم الصدقَ والإخلاصَ، وأن يُحلينا وإيَّاكم بالأدب.
ثم لا يجوز لك أن تقوم إلا إذا قام شيخُك، أنا لم أقم -أنا أو غيري- فالشيخ جالس إذن تظل جالسًا، أنا أكلم إخواني من طلاب العلم، فحين يقوم الشيخُ تقوم.
وينبغي أن تظل جالسًا حتى ينتهي المؤذنُ من إقامة الصلاة، ثم تقوم بسكينةٍ وأدبٍ ووقارٍ واحترامٍ، وفي مكانك، فلا تأخذ مكانَ أخيك، ولا تتخطَّى رقابًا، نُريد أدبًا، فإذا لم يُعلمنا هذا العلمُ الخشية ولم يُورثنا الأدبَ؛ فلا خيرَ فيه.
هذه نصيحةٌ من مُحبٍّ لكم، ووالله العظيم شرفٌ لي أن أُصافح أيَّ واحدٍ منكم، ليس استعلاءً ولا استكبارًا -حاشا لله- لكن من باب الرَّحمة والشَّفقة؛ لأني والله لا أقدر على ذلك.
وأسأل الله -عز وجل- أن يرزقنا وإيَّاكم الاتِّباع، وأن يُجنبنا وإيَّاكم الابتداعَ، وأسأل الله أن يتقبَّل منا ومنكم جميعًا صالح الأعمال.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
http://islamacademy.net/media_as_home.php?parentid=61