شرح متن أصول السنة
لفضيلة الشيخ محمد حسان
الدرس (4)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه نستغفره، ونعوذ بالله -تعالى- من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب70، 71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
حياكم الله جميعًا -أيها الإخوة والأخوات- وطبتم وطاب سعيكم وممشاكم، وتبوأتم من الجنة منزلًا.
وأسأل الله -جل وعلا- الذي جمعنا في هذا البيت العامر على طاعته أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين في جنته ودار مقامته، إنه ولي ذلك ومولاه.
هذا هو لقاؤنا الرابع من لقاءات شرحنا لأصول السنة للإمام المبجل أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى.
يقول الإمام: (أُصُولُ اَلسُّنَّةِ عِنْدَنَا: اَلتَّمَسُّكُ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَاَلْاِقْتِدَاءُ بِهِمْ)، هذا هو الأصل الأول.
(أُصُولُ اَلسُّنَّةِ عِنْدَنَا: اَلتَّمَسُّكُ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَاَلْاِقْتِدَاءُ بِهِمْ وَتَرْكُ اَلْبِدَعِ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ فَهِيَ ضَلَالَةٌ).
هذا هو الأصل الثاني.
قال: (وَتَرْكُ اَلْبِدَعِ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ فَهِيَ ضَلَالَةٌ).
أرجو أن تنتبهوا معي لمحاضرة الليلة فإنها من الأهمية بمكان، وقد ذكرت لكم أني لا أجيد أبدًا أن أفسر هذه الأصول المجملة بكلمات مختصرة جدًّا، لا يليق، بل أعطي الأصل حقَّه على قدر توفيق الله لنا، فإن تبقى -إن شاء الله تعالى- شيء من أصول السنة، بإذن الله سنعلن عن شرحها في درس أسبوعي في هذا الجامع العامر -بإذن الله تعالى.
لكن لا يليق أن أشرح الأصل شرحًا مخلًّا.
يقول الإمام: (أُصُولُ اَلسُّنَّةِ عِنْدَنَا:
ثانيًا -وثانيًا هذه من عندي: وَتَرْكُ اَلْبِدَعِ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ فَهِيَ ضَلَالَةٌ).
اسمحوا لي أن أقدم بمقدمة قرآنية ونبوية في غاية الأهمية بين يدي الحديث عن البدع وأقسام البدع لغة اصطلاحًا، وأنواع البدع الحقيقية والإضافية، والمكفرة وغير المكفرة إلى غير ذلك من الأمور الشائكة في هذا الباب.
لقد أنعم الله -عزَّ وجلَّ- على أمة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- بأعظم وأشرف نعمة، ألا وهي نعمة كمال الدِّين، ألا وهي نعمة إتمام النعمة، قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3].
روى البخاري ومسلم من حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: "من زعم أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- كتم شيئًا مما أنزل الله عليه، فقد أعظم على الله الفرية، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ [المائدة: 67]".
هل وقفتم على هذين الدليلين الجميلين في كمال الدِّين وتمام النعمة؟
﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3]. هذا دليل القرآن.
دليل السنة: في الصحيحين من حديث أم المؤمنين عائشة قالت: "من زعم أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- كتم شيئًا مما أنزل الله عليه، فقد أعظم على الله الفرية قال تعالى -هي تستدل بالآية: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ [المائدة: 67]".
الأدلة القرآنية والنبوية في وجوب الاتباع والتحذير من الابتداع أدلة مستفيضة.
ركزوا معي جيدًا! الأدلة القرآنية والنبوية في وجوب الاتباع وترك الابتداع، أدلة مستفيضة -يعني أدلة كثيرة.
تدبروا معي بعض الأدلة من القرآن والسنة:
قال الله -عزَّ وجلَّ: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي﴾ انظر إلى الأمر الصريح!
﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [آل عمران: 31]. أمر مباشر؛ لأن هناك بعض السفهاء الذين يقولون بأنه يكفينا بأن نأخذ بالقرآن فقط دون السنة ودون اتباع النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذا ما فهم القرآن وما وفق إلى السنة؛ لأن القرآن يأمر فيه ربنا في كثير من آياته الكريمات باتباع النبي -عليه الصلاة والسلام- وامتثال أمره واجتناب نهيه، وعدم التقديم بين يديه، بل إن التقديم بين يديه -صلى الله عليه وسلم- تقديم بين يدي الله -جل وعلا- ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [الحجرات: 1]. قال ابن عباس: "أي لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة".
قال القرطبي: "أي لا تقدموا قولًا ولا فعلًا على قول الله، أو على قول وفعل رسول الله، فإن من قدم قوله أو فعله على قول وفعل رسول الله، فإنما قدمه على الله؛ لأن الرسول لا يأمر إلا بما أُمر به من الله -عزَّ وجلَّ".
قال الشنقيطي في كتابه الماتع أضواء البيان: "ويدخل في الآية دخولًا أوليًّا تشريع ما لم يأذن به الله، فلا حلال إلا ما أحله الله ورسوله، ولا حرامًا إلا ما حرمه الله ورسوله، ولا دين إلا ما شرعه الله على لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم"، ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ﴾ [الحجرات: 7]. الآية.
قال الله -عزَّ وجلَّ: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الحشر: 7].
قال الله -عزَّ وجلَّ- محذرًا الذين يخالفون أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في آية صريحة واضحة: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 63].
قال الحافظ ابن كثير: "أي أن تصيبهم فتنة في قلوبهم من كفر أو نفاق أو بدعة".
أكرر:
﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 63].
انظروا إلى الثمرة المرَّة لمخالفة أمره -عليه الصلاة والسلام-، مخالفة أمره تساوي الفشل، تساوي الهزيمة، تساوي الفتنة، والفتنة كما قال الحافظ ابن كثير: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ﴾ [النور: 63]، أي: "أن تصيبهم فتنة في قلوبهم من كفر أو نفاق أو بدعة".
وأنتم تعلمون أن الصحابة ما هزموا في أحد إلا لمخالفتهم أمره -صلى الله عليه وسلم- حين اختار موضع الرماة وأمَّر عليهم عبد الله بن جبير وأمرهم في كلمات صريحة حاسمة، والحديث في الصحيحين لكن سأذكر لفظ أحمد في المسند بسند صحيح: قال -عليه الصلاة والسلام- للرماة: «احموا ظهورنا، فإن رأيتمونا نُقتل فلا تنصرونا، وإن رأيتمونا نغنم لا تشركونا» أي فلا تشاركونا في جمع الغنائم، هذه كلمات صريحة، فخالف الرماة أمر النبوي بعدما حُسمت المعركة، وبدأ الصحابة في جمع الغنية -كما في رواية البراء بن عازب في صحيح البخاري- قالوا: "الغنيمة الغنيمة، الغنيمة الغنيمة".
فتركوا موقعهم، وخالفوا أمر أميرهم -عبد الله بن جبير- ونزلوا إلى أرض القتال ليجمعوا الغنيمة، فكانت الهزيمة، وكان الفشل بنص القرآن: ﴿حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ... الآيات﴾ [آل عمران: 152].
قال الله -عزَّ وجلَّ: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ [آل عمران 105، 106]، اللهم بيِّض وجهنا في الدنيا والآخرة.
قال: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [آل عمرن 106 – 107].
قال ابن عباس -رضي الله عنهما: "إن الذين ابيضت وجوههم فأهل السنة والجماعة وأولوا العلم. وأما الذين اسودت وجوههم فأهل البدع والضلالة".
انظر لتفسير ابن عباس للآية!
قال: "فأما الذين ابيضت وجوههم فأهل السنة والجماعة وأولوا العلم -اللهم اجعلنا منهم- وأما الذين اسودت وجوههم فأهل البدع والضلالة".
الأدلة في القرآن كثيرة على وجوب الاتباع.
أما السنة فمليئة بالأدلة الصحيحة.
روى البخاري ومسلم من حديث أم المؤمنين عائشة أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ»، وسأبين معنى الإحداث في الدِّين الآن.
قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ».
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة واللفظ لمسلم أنه -صلى الله عليه وسلم- خطب الناس فقال: «أيها الناس، إن الله كتب عليكم الحج فحجُّوا». فقام رجل، قد صرحت بعض الروايات باسمه أنه الأقرع بن حابس، وقال: يا رسول الله أكلَّ عام؟
الشاهد: قال: «لو قلت نعم لوجبت». لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يشرِّع، «قال: لو قلت نعم، لوجبت ولَمَا استطعتم».
ثم قال -بأبي وأمي: «ذروني ما تركتم، فإنما هلك مَن كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم».
الشاهد من الحديث قوله -عليه الصلاة والسلام: «لو قلت نعم، لوجبت».
في روية المقدام بن معد يكرب، والحديث رواه أبو داود والترمذي بسند صحيح أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: «ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه»، ما معناه؟ أي: السنة.
قال: «ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان متكئا على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرِّموه، ألا -وانتبه للحكم- ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع، ولا لقطة المعاهَد -أو المعاهِد- فإنما حرَّم الله كما حرَّم رسوله»، -صلى الله عليه وسلم.
قال -جل وعلا: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم 1-4]، فكلام رسول الله فيما يتعلق بالدِّين والبلاغ عن الله وحي منزل منه -سبحانه وتعالى.
قال -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم ومسند أحمد وعند أصحاب السنن من حديث جابر بن عبد الله: كان إذا خطب حمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي رسول الله -أو هدي محمد صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة»، وفي غير رواية جابر بن عبد الله: «وكل ضلالة في النار»، هذه الزيادة ثابتة أيضًا صحيحة.
وفي رواية أحمد وسنن أبي داوود والترمذي من حديث العرباض بن سارية، قال: وعظنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- موعظة بليغة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: كأنها موعظة مودِّع يا رسول الله، فأوصِنا.
قال: «أوصيكم بتقوى الله -عزَّ وجلَّ- والسمع والطاعة وإن تأمَّر عليكم عبد حبشيّ، فإنه مَن يعِش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا»، صلى الله على مَن لا ينطق عن الهوى.
قال: «فإنه مَن يعِش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء المهديين من بعدي، عضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة».
أما أقوال سلف الأمة -حتى لا أطيل في المقدمة بين يدي التأصيل اللغوي والاصطلاحي لمعنى البدع- أما أقوال سلف الأمة من الصحابة، والتابعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يومنا هذا، فأقوالهم في وجوب الاتباع والتحذير من الابتداع كثيرة.
قال أبو بكر -رضي الله عنه: "إنما أنا متَّبع، ولستُ بمبتدع".
قال عمر -رضي الله عنه- وهو يقبِّل الحجر الأسود: "والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك".
رأيتم الاتباع؟!
قال: "والله إني لأعلم إنك حجر لا تضر ولا تنفع" طيب لماذا تقبِّله يا عمر؟
قال: "ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك"، اتباع.
قال علي -رضي الله عنه: " لو كان الدِّين بالرأي، لكان المسح على باطن الخفِّ أولى من المسح على أعلاه"، اتباع، ما فيه فذلكة، ما في تقديم للعقل على صحيح النقل، أنا لا أقلل من شأن العقل حتى لا نُتَهم، لا أقلل من شأن العقل، بل وقد ألَّف شيخ الإسلام ابن تيمية -طيب الله ثراه- سِفرًا رائعًا في درء تعرض العقل والنقل.
وقال شيخي ابن القيم في أبياته الرائعة:
لا يستقل العقل دون هداية
بالوحي تأصيلاً ولا تفصيلاً
الله! بيت رائع جدًا.
لا يـسـتـقل العقل دون هداية
بـالـوحي تأصيلاً ولا تفصيلاً
كالطرف دون النور ليس بمدرك
حـتـى يـراه بـكرة وأصيلاً
نور النبوة مثل نور الشمس
للعـيـن الـبصيرة فأتخذه دليلاً
فإذا النبوة لم ينلك ضياؤها
فالعقل لا يهديك قط سبيلاً
طرق الهدى محدودة إلا
على من أم هذا الوحي والتنزيلاً
فإذا عدلت عن الطريق تعمدًا
فاعلم بأنك ما أردت وصولاً
يا طالباً درك الهدى بالعقل
دون النقل لن تلقى لذاك دليلاً
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "نور الوحي لا يطمس نور العقل" فالعقل مناط التكليف، فكيف نتجاهل العقل؟! وكيف ننكر العقل أو نقلل من شأن العقل؟! والقرآن الكريم فيه آيات كثيرة للتعقل والتدبر.
الشاهد: أننا لا نحاكم صحيح النقل بالعقل، بل نعمل العقل في فهم صريح وصحيح النقل.
صريح النقل: يعني القرآن.
وصحيح النقل: يعني السنة.
فعلي -رضي الله عنه- يقول: "لو كان الدِّين بالرأي -يعني بدون اتباع، وكل واحد يعمل عقله ورأيه- لكان المسح على باطن الخف -أي الذي تطأ به الأرض- أولى من المسح على أعلاه"، لكنك متَّبع، مسح -صلى الله عليه وسلم- على خفيه هكذا، فنحن نتَّبع رسول الله ونمسح مثلما فعل، «صلوا كما رأيتموني أصلي»، «خذوا عني مناسككم» -عليه الصلاة والسلام.
وقال عبد الله بن عمر -وانتبهوا إلى هذه القوال البديعة: "كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة".
وفي سنن الترمذي -وانتبها إلى هذه الرواية الرائعة- في سنن الترمذي ومستدرك الحاكم بسندٍ حسن أن عبد الله بن عمر...، وعبد الله بن عمر -رضوان الله عليه وعلى أبيه- كان شديد الاتباع للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وكان شديد المحبة -أنا أذكر هذا حتى لا يُساء الظن بعد سماع هذه الرواية-، كان ابن عمر شديد الحب وشديد الاتباع للنبي -عليه الصلاة والسلام- ، بل لقد كان يركب راحلته ويطوف بها في شوارع المدينة النبوية المطهرة المنورة المباركة، يركب راحلته ويطوف بها في الشوارع وهو يقول: "لعلَّ خفًّا يقع على خفٍّ"، يعني: لعلَّ خفَّ راحلة عبد الله بن عمر يقع على خفِّ راحلة رسول الله، فما ظنك بحاله مع رسول الله نفسه إذا كان حاله هذا مع الراحلة التي يركبها النبي -عليه الصلاة والسلام؟!
مع هذا الحب كان شديد الاتباع، اسمع: سمع عبد الله بن عمر رجلًا عطس، فقال الرجل بعد أن عطس: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
كلام جميل، كلام حلو، الرجل لم يغلط، حمد الله، ثم زاد: والصلاة والسلام على رسول الله.
أتنكر الصلاة على النبي! أنتم هكذا يا سُنيَّة لا تحبون النبي ولا تحبون الصلاة على النبي! -صلى الله عليه وسلم.
الرجل لم يغلط، عطس ، فقال: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
فماذا قال المحب المتَّبع عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما؟
قال: "ما هكذا علَّمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بل قال: «إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله»، ولم يقل: وليصلِّ على رسول الله"، فتقتصر على ما علمه لك رسول الله.
أرأيت الاتباع؟! أرأيت دقة الاتباع مع عظيم الحب؟!
اليوم قد يُسيء الظن بنا بعض أحبابنا من آبائنا وإخواننا إن قلنا له ذلك.
لا يا والدي الغالي، يا والدي الحبيب، بل حبك لحبيبك أن تتبعه، وألا تزيد على هديه ولا شرعه، أو أن تنقص منه، هذا كمال حبك.
من يدّعي حب النبي ولم يفد
من هديه فسفاهة وهراء
فالحب أول شرطه وفروضه
إن كان صدقًا طاعة ووفاء
هذا هو الحب الصادق بدون جدال، بدون فذلكة، بدون إعمال عقل، فيه نص، انتهى الأمر.
لأن فيه اليوم -والعياذ بالله-نزعة خطيرة جدًّا، يقول لك: لقد بلغت البشرية الآن أعلى مراحل النضج، فلقد صنعت القنبلة النووية وفجَّرت الذرة، وغاصت في أعماق البحار، وانطلقت في أجواء الفضاء، وصنعت الفضائيات التي حولت العالم كله إلى قرية صغيرة، بل وتقدمت في وسائل الاتصالات الحديث والمواصلات المذهلة عبر الطائرات وعبر الصواريخ، وعبر مركبات الفضاء، طيب ماذا تريدون؟
قالوا: لا يجوز على الإطلاق أن نحاكم وأن نحكم البشرية بنص، وإنما يجب أن نترك للبشرية الأمر لتختار لنفسها من المناهج والقوانين والأوضاع ما تشاء، فلا قيد على العقل البشري الجبار بنصٍّ ولو كان قرآنًا أو سنَّة.
هذه نزعة خطيرة الآن جدًّا!
لا أريد أن أبتعد عن الموضوع، فعليه رد كبير، لكن ليس هذا هو الموضوع الآن.
قال عبد الله بن عمر: "ما هكذا علَّمنا رسول الله، بل قال: «إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله»، ولم يقل: فليقل الحمد لله، وليصلِّ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم".
قال حذيفة بن اليمان: "كل عبادة لم يتعبَّد بها أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا تتعبدوا بها، فإن الأول لم يدع للآخر مقالًا".
قال: "كل عبادة لم يتعبَّد بها أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا تتعبدوا بها، فإن الأول -يعني الصحابة- لم يدع للآخر مقالًا".
الأمور واضحة، أمور العقائد والعبادات واضحة، لكن أمور المعاملات الأمر فيها على السعة على الإباحة كما قال ابن تيمية وهو يؤصل فقه الإمام أحمد: "توقيف في العبادات، وسعة في المعاملات".
وقال سفيان الثوري أيضًا: "البدعة أحب إلى الشيطان من المعصية - يا الله!-؛ لأن المعصية يُتاب منها، والبدعة لا يُتاب منا".
صاحب المعصية يعلم أنه على معصية، وإن ذُكِّر بالله تذكر وتاب وأناب، أما المبتدع فهو يعتقد أنه على الحق وعلى الطاعة على قرب من الله ومن رسوله -صلى الله عليه وسلم.
قال الإمام الشافعي: "من استحسن فقد شرَّع".
ومن روائع ما قاله الإمام مالك إمام دار الهجرة، قال: "من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدًا خان الرسالة"، هذا كلام إمام دار الهجرة مالك ابن أنس، قال: "من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- خان الرسالة؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3]".
ولذلك جاءه رجل -وانتبه للأثر البديع هذا- جاء الإمام مالكَ رجلٌ يقول له: يا إمام، من أين أُحرم للحج؟
قال: من ذي الحليفة.
هو يسأله في المدينة، فالسائل يقول له: من أين أُحرِم؟
فقال الإمام مالك: من ذي الحليفة حيث أحرم رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
فقال هذا السائل: ولكني أريد أن أُحرم من المسجد النبوي من عند القبر الشريف -صلى الله على ساكن القبر.
يا خير من دفنت في الترب أعظمه
فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه
فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أشرف مكان -وانتبه لما أقوله حتى لو اتهمتني بأني "درويش" سأقوله أيضًا- أشرف مكان على وجه الأرض: القبر الشريف بالجثمان طبعًا، أشرف من الكعبة، القبر بالجثمان أشرف مكان على وجه الأرض -صلى الله على ساكنه.
قد تحتاج دليلا، النبي نظر يومًا إلى الكعبة وقال: «ما أعظك وأعظم حرمتك، ولكن حرمة المؤمن أعظم عند الله منكِ»، فكيف بحرمة سيد المؤمنين؟!
وهذا خلاف جميل ذكره القاضي عياض، وأطال فيه النفس أيضًا شيخنا ابن القيم وغيرهما من أهل العلم.
المهم: فالرجل يقول للإمام مالك: أنا لن أحرم من ذي الحليفة -التي تسمى الآن بأبيار علي- سأحرم من عند القبر الشريف.
اسمع الأئمة، الله أكبر!
قال مالك بن أنس: "لا تفعل، فإني أخشى عليك الفتنة"، أي فتنة؟! الرجل نفسه تعجب وقال: وأي فتنة يا إمام، إنما هي أميال أزيدها، بدل أن أرجع إلى ذي الحليفة، أنا سأخرج خارج الميقات وأحرم من المسجد من عند القبر، إنما هي أميال أزيدها، أيُّ فتنة؟!
اسمع ماذا قال الإمام، فقال له: وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصَّر عنها رسول الله؟! فإني سمعت الله يقول: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 63].
انظروا يا إخواني! والله العظيم كلام يُكتب بالذهب؛ لأننا اليوم بعض آبائنا الطيبين لما نتكلم يتهموننا بأننا لا نحب حبيبنا -صلى الله عليه وسلم-، لا ورب الكعبة، اللهم ارزقنا حبَّك وحبَّ نبيك وحبَّ كل من يحبك.
حب النبي اتباع حقيقي، من يتغنى بحب النبي يُقدم الدليل قولًا وعملًا وحالًا -أي وقلبًا- ما كان حب النبي ادعاءً قط، وافتراءً أبدًا.
الشاهد: الأدلة في هذا الباب أيضًا من أقوال سلف الأمة كثيرة، فالابتداع قولٌ على الله بغير علم، واتهام واضح لمقام النبوة، بل ولمقام الصحبة، وفساد في الدِّين والقلب، لذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله: "إن الشرائع أغذية القلوب، فمتى تغذت القلوب بالبدع لم يبقَ فيها فضل للسنن، وكانت بمنزلة من تغذى بالطعام الخبيث".
قلوب أهل السنة منيرة.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله: "إن الشرائع أغذية القلوب" الطعام أغذية للبطون والأجسام، كذلك القلوب لها غذاء، غذاؤها الشرع.
قال: "إن الشرائع أغذية القلوب فمتى تغذت القلوب بالبدع لم يبقَ فيها فضل -أي مكان- للسنن، وكانت بمنزلة من تغذت بالطعام الخبيث".
طيب، انتبه للسؤال المهم جدًّا: ما هي البدعة لغةً وشرعًا؟ لأن كثيرًا من شبابنا يخلط في هذا الباب.
ما هي البدعة لغةً وشرعًا؟
البدعة لغةً لها معنيان، وسنقف على معنى البدعة الاصطلاحي من أقوال الأئمة.
البدعة لغة لها معنيان:
الأول: البدعة: مصدر بَدَع، ومعناه الابتداء والإنشاء والإحداث والاختراع.
الأول: البدعة: مصدر بَدَع، ومعناه البدء أو الابتداء والإنشاء والإحداث والاختراع.
فالبدعة إذن بهذا التأصيل اللغوي: هي الشيء المُحدَث أو المُخترع على غير مثال سابق، كما في قول ربنا -جل وعلا- لنبينا -صلى الله عليه وسلم: ﴿قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ﴾ [الأحقاف: 9]، أي: قل: ما كنت أول المرسلين، فقد أرسل قبلي رسل كثير.
وكما في قوله تعالى: ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [البقرة: 117]، أي الذي أبدع السماوات والأرض على غير مثال سابق.
إذن، هذا هو المعنى الأول لمعنى البدعة في لغة العرب.
المعنى الثاني -باختصار- للبدعة: التعب، والكلل، والانقطاع.
العرب تقول: أبدعت الراحلة. ما معناها؟ أبدعت الراحلة أي كلَّت وتعبت وتوقفت وانقطعت عن المسير، فكأنهم يرون توقف الراحلة إحداثًا على غير العادة، فسموا هذا الإحداث: بدعة، أبدعت الراحلة.
ومنه ما ثبت في صحيح مسلم من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث رجلًا بست عشرة بدنة، وأمرَّه -صلى الله عليه وسلم- فيها، فمضى الرجل، ثم رجع فقال: يا رسول الله، كيف أصنع -وانتبه للغة الجميلة- كيف أصنع فيما أُبْدِعَ عليَّ منها؟ أي كيف أصنع بالراحلة التي انقطعت عن المسير وتعبت وكلَّت وتوقفت؟
فقال -عليه الصلاة والسلام: «انحرها»، اذبحها وكُلْ منها أنت وأصحابك.
الشاهد: قول الصحابي: "كيف أصنع فيما أُبْدِعَ عليَّ منها؟".
إذن، البدعة في لغة العرب لها معنيان:
المعنى الأول: البدء، الإنشاء، الإحداث، الاختراع.
المعنى الثاني: الكلل، والتعب، والانقطاع، والتوقف.
أما البدعة اصطلاحًا وشرعًا -وانتبه!: فهي كل أمر محدث في الدِّين. لابد أن تقول: في الدِّين؛ لأن الميكرفون هذا بدعة، لكنه في الدنيا، فهو أمر مُحدَث، مخترع، جديد، لكنه في الدنيا، النجفة هذه، الموكيت الذي تجلس عليه أو السجاد، المسجد بهذا البنيان، السيارة، الطائرة.
لأن فيه خلط! سبحان الله! واحد ذهب بدراجة لواحد ثانٍ دعاه للغداء، فلما وجده وضع الأكل على السفرة، انفعل وكسر الدنيا وقال له: هذه بدعة. قال لها: لماذا؟
قال: النبي كان لا يأكل على سفرة.
فخرج وكسر له الدراجة وقال له: النبي لم يركب دراجة، إرجع ماشيًا -عليه الصلاة والسلام.
ربنا يرزقنا وإياكم الفهم.
كنت جالس في المزدلفة مرة في موسم من مواسم الحج بعد النفرة من عرفة، وصليت المغرب والعشاء بمجموعة معي من إخواني من طلبة العلم والأحبة، ثم جلست أردد أذكار الصلاة، فاقترب مني أخ فاضل بسمت السنة وسلم عليَّ، ثم قال: يعز عليَّ أن أراك جالسا على بدعة أنت ومن معك.
قلت: أعوذ بالله، أستغفر الله، أنظر في لبس الإحرام، ما في شيء، فقلت له: علمني يا أخي -جزاك الله خيرًا- ما هي البدعة؟
فقال: ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- كان لا يسبح في السفر.
قلت: سامحك الله.
قال: حديث صحيح.
قلت: سامحك الله، هلَّا سألتني! «كان لا يسبح في السفر»، يعني لا يصلي النافلة، وليس أنه لا يردد أذكار الصلاة، المعنى بعيد تمامًا، فهو القائل -بأبي وأمي: «لو كنت مسبحًا لأتممت»، إلا ما دلَّ عليه الدليل من فعله -عليه الصلاة والسلام.
فالأمر يحتاج إلى فهم قبل التعجل بإصدار أحكام على الناس بالتبديع والتفسيق والتكفير؛ لأنها قضية خطيرة ومسئولية عظيمة، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الأدب والاتباع والرحمة والحكمة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
البدعة: هي كل أمر محدث في الدِّين، وليس في الدنيا.
أما في الحديث الصحيح الذي ذكرته آنفًا من حديث العرباض، وفيه قال: «وإياكم محدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة»، وفي غير رواية: «وكل ضلالة في النار».
الإمام الشافعي -رحمه الله- يقول: "والمحدثات من الأمور نوعان:
أحدها: ما أُحدث يُخالف كتابًا أو سنة أو إجماعًا أو أثرًا، فهذه البدعة الضلالة.
النوع الثاني: ما أحدث من الخير ولم يُخالف شيئًا من هذا"، يعني لم يُخالف القرآن والسنة والإجماع والآثار الصحيحة الثابتة.
قال الحافظ ابن حجر: "والمحدثات جمع محدثة، والمراد بها: ما أُحدِثَ وليس له أصل في الشرع، ويسمى في عرف الشرع: بدعة. وما كان له أصل في الشرع فليس ببدعة، فالبدعة في عرف الشرع مذمومة بخلاف البدعة في عرف اللغة"، انتبهوا لأن هذا الكلام مهم جدًّا.
قال الإمام النووي: "البدعة في الشرع هي: إحداث ما لم يكن على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم".
قال الإمام العز بن عبد السلام: "البدعة: هي فعل ما لم يُعهَد في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم".
قال الإمام ابن حزم: "البدعة: هي كل ما لم يأتِ في القرآن ولا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "البدعة: هي كل ما لم يشرعه الله في الدِّين، فكل من دان بشيء لم يشرعه الله فهو بدعة وإن كان متأولًا فيه".
وقال الشاطبي -وهذا من أجمل التعريفات للبدعة- في كتاب الاعتصام -كتاب ماتع في هذا الباب- قال الشاطبي: "البدعة عبارة عن طريقة في الدِّين مخترعة، تضاهي الشرعية يُقصد بها المبالغة في التعبد لله -سبحانه وتعالى".
أكرر: قال الشاطبي: "البدعة عبارة عن طريقة في الدِّين مُخترعة، تضاهي الشرعية يُقصد بها المبالغة في التعبد لله -سبحانه وتعالى".
هذا التأصيل اللغوي والاصطلاحي لمعنى البدعة، أرجو أن أنبه بوضوح إلى أن البدعة بمعناها اللغوي أعم وأشمل من البدعة بمعناها الشرعي والاصطلاحي، انتبهوا لأنها مسألة مهمة جدًّا.
البدعة في اللغة: هي كل ما أُحدِثَ على غير مثال سابق. هكذا على الإطلاق.
أما البدعة في الشرع: هي كل ما أحدث في الدِّين على غير مثال سابق.
فرق كبير، فقد يكون الفعل بدعة لغة، ولا يكون بدعة شرعًا، بدليل قول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حينما جمع الصحابة -رضي الله عنهم- على أبي بن كعب في صلاة التراويح، وخرج يومًا فرآهم جميعًا يصلون خلف إمامٍ واحد فقال: "نعم البدعة هذه".
وانتبه! لأنهم استدلوا بهذا الدليل على أن البدعة تنقسم إلى قسمين: إلى بدعة حسنة، وبدعة مذمومة. وهذا خطأ كبير.
الحديث صحيح رواه البخاري وغيره، "أن عمر بن الخطاب خرج يومًا إلى المسجد النبوي ليلة من ليالي رمضان، فإذا الناس أوزاع -يعني متفرقون في المسجد النبوي- يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي الرهط بصلاته"، يعني واحد يصلي وحده، وجماعة هنا، وجماعة هنا، فقال عمر -رضي الله عنه: "إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد، لكان أمثل، ثم عزم على فعل ذلك فجمعهم على أبي بن كعب.
ثم خرج مرة أخرى ورأى الناس يصلون خلف أبي بن كعب، فقال عمر قولته الجميلة المشهورة: "نعم البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون -يريد آخر الليل- وكان الناس يقومون في أول الليل".
احتج البعض بقول عمر على تقسيم البدعة إلى حسنة وإلى مذمومة.
قال الحافظ ابن رجب: "وأما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع، فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية، ومن ذلك قول عمر: نعم البدعة هذه".
وقال الحافظ ابن كثير: "البدعة قسمان:
بدعة شرعية: كقوله -صلى الله عليه وسلم: «فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة».
وبدعة لغوية: كقول أمير المؤمنين عمر حين جمع الصحابة على إمام واحد: "نعم البدعة هذه".
إذن، قول عمر من جنس البدع الشرعية أو اللغوية؟
أيعقل يا ناس أن يقصد عمر -رضي الله عنه- بقوله "نعم البدعة هذه" البدعة الشرعية، ورسول الله يأمرنا في حديث العرباض بقوله «فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ»، وفي رواية: «اقتدوا باللذين من بعدي، أبي بكر وعمر» رضي الله عنهما.
فقول عمر "نعم البدعة هذه يراد بها البدعة اللغوية، ولا يراد بها أبدًا البدعة الشرعية، فكيف يدعي عاقل أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يريد الابتداع في الدِّين؟!
ثم فعل عمر له أصل في الشرع، فقد صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بالصحابة التراويح جماعة ثلاث ليالٍ، فلما كان اليوم الرابع عجز المسجد عن أهله من شدة الزحام، فلم يخرج إليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أذَّن الفجر، فخرج إلى الصلاة، فلما قضى صلاته أقبل على الناس فحمد الله، وتشهَّد وأثنى عليه، ثم قال: «أما بعد، فإنه لم يخفَ عليَّ مكانكم»، أنا أعرف أنكم مجتمعين في المسجد طوال الليل، قال: «فإنه لم يخفَ عليَّ مكانكم، ولكني خشيتُ أن أخرج إليكم فتفرض عليكم فتعجزوا عنها»، -عليه الصلاة والسلام- رحمة منه -عليه الصلاة والسلام.
إذن، أصل فعل عمر فعله رسول الله، أو فعل عمر له أصل في الشرع من فعله -عليه الصلاة والسلام.
فكل ما أجمع عليه الصحابة فهو سنة، «فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين والمهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ».
وقد يحتج البعض أيضًا على تقسيم البدعة إلى حسنة ومذمومة بكلام لعبد الله مسعود -رضي الله عنه-وهو يصح موقوفًا عليه في مستدرك الحاكم وغيره: "ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، و ما رآه المسلمون سيئا فهو عند الله سيء".
احتج البعض بهذا الأثر أيضًا على تقسيم البدع إلى مذموم وحسن، لكن في رواية الحاكم فيه زيادة لأثر عبد الله بن مسعود قال فيها: "وما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون سيئًا فهو عند لله سيء، وقد رأى الصحابة أن يستخلفوا أبا بكر"، هذه زيادة مهمة، فهذه الجملة تبين مراد عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه.
ويحتج البعض أيضًا بحديث: «مَن سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سنَّ في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر مَن عمل بها إلى يوم القيامة».
قالوا: إن الحديث يُبيِّن أن فيه سنة حسن وفيه سنة سيئة.
والحديث حديث صحيح رواه مسلم وغيره من حديث جرير بن عبد الله البجلي، لكن بكل أسف لا يُذكر الحديث بكاملة، فالذي يذكر هذا الجزء من الحديث كالذي يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ﴾ [النساء: 43]، ويقف.
أو كالذي يقرأ قوله تعالى: ﴿فَوَيلٌ لّلْمُصَلِّينَ﴾ [الماعون: 4] ويقف.
أكمل الآيتين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى﴾ [النساء: 43]، ﴿فَوَيلٌ لّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ [الماعون 4، 5]، الآيات.
الحديث رواه مسلم من حديث جرير بن عبد الله البجلي، قال: كنا في صدر النهار عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجاءه قوم عراة، مجتابي النمار -والنمار جمع نمرة، وهي ثياب من صوف مخطط كان يأتزر بها العرب، يلبسونها كإزار- متقلدي السيوف، عامتهم من مضر -بل كلهم من مضر- فتمعَّر وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما رأى بهم من الفاقة -أي من الفقر والحاجة- فدخل ثم خرج، فأمر بلالًا فأذَّن وأقام، فصلى، ثم خطب -عليه الصلاة والسلام- فقرأ قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ...﴾ [النساء: 1] الآية.
وقرأ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ...﴾ [الحشر: 18] الآية.
ثم حثَّ النبي الناس على الصدقة، فقال: تصدق رجل من درهمه، من ثوبه، من متاعه، من تمره، من بُرِّه، حتى قال: «ولو بشقِّ تمرة»، فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت عنها، ثم تتابع الناس حتى رأيت كومتين من طعام وثياب، يقول: حتى رأيت وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تهلل كأنه مذهبة من شدة الفرح والسرور -عليه الصلاة والسلام-، فقال حينئذٍ: «مَن سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سنَّ في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة».
فالسنة الحسنة، كل ما فعله الصحابي الجليل أنه ابتدأ الصدقة، فقلده وتبعه الصحابة -رضي الله عنهم.
فالسنة الحسنة: هي إحياء فعل له أصل في الشرع لكنه هُجِر بين الناس، فيأتي مَن يُحيي هذه السنة، كإحياء سنة العقيقة مثلًا في قرية لا تحيي سنة العقيقة، أو كصلاة العيدين في الخلاء، وقد كثرت في الآونة الآخرة -ولله الحمد والمنة- إلى غير ذلك.
لكنني اختصارًا في دقائق السريعة: لا يجوز أن نقسم البدع إلى الأقسام الخمسة المعروفة: بدعة واجبة، وبدعة مندوبة، وبدعة مباحة، وبدعة محرمة، وبدعة مكروهة.
هذا التقسيم لا يصح، وقد نقل هذا التقسيم الإمام القرافي في الفروق عن شيخه العز بن عبد السلام -رحمه الله الجميع- وهو تقسيم لا دليل عليه أبدًا من الشرع، فلو كان الأمر واجبًا أو لم تأتِ قرينة تصرف الأمر من الوجوب إلى الندب أو إلى الإحسان، يبقى واجبًا إن كان واجبًا، ويبقى مباحًا أو مندوبًا أو مكروهًا أو محرَّمًا إذا دلَّ الدليل عليه، لكن لا يقال: بدعة واجبة، لا يقال: بدعة مندوبة. لا يقال: بدعة محرمة. لا يقال: بدعة مكروهة، أبدًا، فلا دليل على ذلك.
كيف تكون البدعة الواجبة إذن أو مندوبة أو مباحة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة»؟
لكن هذا لا يعني -يا إخواني- أن أقول -وهذا كلام مهم جدًّا- إن البدع تتفاوت في أنواعها وأحكامها.
فهناك بدعة حقيقية، وهناك بدعة إضافية.
انتبهوا من هذا الكلام وأختم به المحاضرة: فيه بدع حقيقية، وفيه بدع إضافية.
البدعة الحقيقية: هي التي لا يدل عليها دليل شرعي من كتاب أو سنة أو إجماع، كإحداث عبادة ليس لها أصل في الشرع، وسأبيِّن الآن.
أما البدعة الإضافية: فالدليل عليها من جهة الأصل في الشرع موجود -وسأبين لك الآن ويزول الإشكال- ولكنها لا تتفق مع الشرع من جهة التفاصيل في: الزمان، والمكان، والكيفية، والقدر، والسبب، والجنس.
هي لها دليل من حيث الأصل -وسأبيِّن- لكنها لا تتفق مع الشرع في التفاصيل، في: الزمان، والمكان، والكيفية، والقدر، والسبب، والجنس.
مثال:
أولًا: الزمان.
لو أن رجلًا قال: أنا سأسافر غدًا لأقف بعرفة وأحج. هل حجه صحيح حتى لو وقف؟ لا؛ لأنه خالف الزمان، مع أن الوقوف بعرفة له أصل. واضحة؟
إذن، البدعة الإضافية لها أصل في الشرع -وهو الوقوف بعرفة- لكن هذا ابتدع فوقف بعرفة في غير الوقت الذي حدَّده رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جميل.
لو أن رجلًا ضحَّى في أول يوم من أيام ذي الحجة. يصح؟ هل تقبل أضحيته أم أنها صدقة من الصدقات ولحم؟ صدقة، لكن ليست أضحية؛ لأن وقت الذبح في الأضحية بعد صلاة العيد.
إذن، خالف في الزمان، مع أن الأضحية فيها أحاديث كثيرة جدًّا في فضلها.
يأتي واحد يقول لك: يا رجل! هو ضحِّى، هو عمل معصية؟ حرام عليك يا شيخ!
الأصل موجود لكنه خالف في الزمان.
ثانيًا: في المكان.
لو أن رجلًا في الحج وأراد أن يطوف ببيت الله الحرام ورأى أن الطواف مزدحمًا جدًّا، فلم يستطع أن يطوف لا من داخل البيت حول الكعبة ولا حتى في الأدوار العليا، فقال: سأطوف خارج الحرم حول البيت كله.
هل يصح طوافه؟ لا يصح طوافه لقول الله -عزَّ وجلَّ: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: 29]، مع أن الطواف له أصل بنص القرآن والسنة، لكنه ابتدع إذ خالف هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في المكان.
ثالثًا: الكيفية.
لو أن رجل أراد الآن يصلي العشاء، فبدأ بالسجود، قال: الله أكبر. وسجد، ثم قام فركع، ثم رفع من الركوع فقرأ.
هل تصح صلاته؟ لا، مع أن الصلاة لها أصل في القرآن والسنة، لكنه خالف هدي النبي في الصلاة في الكيفية.
رابعًا: القدر.
لو إنسان تأثر اليوم بالمحاضرة وتحرك في قلبه حب النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: والله لأصلينَّ العشاء الليلة ست ركعات.
هل تصح صلاته، لا تصح صلته؛ لأنه خالف هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في قدر العبادة.
خامسًا: السبب.
إذا تعبَّد الإنسان بعبادة ليس لها سبب شرعي، فلا تصح عبادته، لو أن الناس اتفقوا أن يخصصوا ليلة من كل أسبوع يجتمعوا فيها الناس لصلاة التهجد في بيت من بيوت الله، الصلاة لها أصل، وصلاة التهجد لها أصل ولها فضل، لكن هذا ابتداع، وهذه بدعة إضافيَّة وليست حقيقيَّة؛ لأنه خالف هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في السبب.
لكن لو اجتمعوا قدرًا مجموعة من شبابنا وأولادنا الآن في المسجد، وجلسوا وقالوا: أخ يقوم يصلي بنا ركعتين أو أربعًا. لا حرج.
لكن نحن في اليوم الفلاني في الساعة الفلانية سنلتقي كل أسبوع، هذه الصلاة لها سبب، وهذا السبب لا أصل له في دين محمد -صلى الله عليه وسلم.
سادسًا: الجنس.
بمعنى أن تكون العبادة موافقة للشرع في الأصل، لكنها تخالف الشرع في الجنس.
يعني رجل أراد أن يضحي، فضحى بأرنب مثلًا، أو بفرس، لا تصح أضحيته؛ لأن الأضحية لا تكون إلا من بهيمة الأنعام -الإبل والبقر والغنم- مع أن الأصل صحيح في الشرع -وهو الأضحية- لكنه خالف الهدي النبوي في الجنس.
الشاهد -أيها الأفاضل: لا تتعجلوا فالبدع نوعان:
- بدع حقيقية.
-وبدع إضافية.
قد تكون البدعة بالفعل أو بالترك، أي بترك ما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بفعله.
وقد تكون البدعة أيضًا مكفِّرة، إذا أنكر الإنسان معلومًا من الدِّين بالضرورة.
وقد تكون البدعة مفسِّقة، فلا ينبغي أن يتعجل طالب العلم الذي لا يفرق بين الدليل ومراتب الدليل ومناطات الدليل، ولا يفرق بين المجمل والمبيَّن، والعام والخاص، والناسخ والمنسوخ، ولا يفرق بين البدعة الحقيقية والبدعة الإضافية، ولا يفرق بين البدعة المكفِّرة والبدعة المفسِّقة، لا يحل له أبدًا أن يتعجَّل بإصدار الأحكام على الناس بالتَّبديع والتَّفسيق، وإنما يجب عليه أن يرجع إلى العلماء الربانيين وشيوخه الصادقين ليتعرف على هذا القول أو على هذا الفعل تركًا أو فعلًا أهو من السنة أو من البدعة.
أرجو الله -عزَّ وجلَّ- أن أكون قد وُفِّقت الليلة في شرح هذا الأصل الثاني من أصول السنة وترك البدع، وكل بدعة فهي ضلالة.
رزقنا الله وإياكم الاتباع، وجنبنا وإياكم الابتداع، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آل وصحبه وسلم، وأقم الصلاة.
http://islamacademy.net/media_as_home.php?parentid=61