بسم الله الرحمن الرحيم..
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد -أيها الإخوة والأخوات: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد، وأن يجمع كلمتنا على الحق والدين، وأن يوحد صفوفنا، إنه -جل وعلا- جواد كريم.
لازلنا -أيها الإخوة- في هذه المجالس المباركة التي نتحدث فيها عن هذه المادة العظيمة، وهي ثلاثة الأصول، هذا الكتاب المبارك الذي جمع وحوى بين دفَّتيه أهمَّ الأصول التي يجب على كل مسلم ومسلمة معرفتها، يُسأل عنها العبد في حياته وفي قبره وفي آخرته، فأسأل الله أن يختم لنا ولكم بخاتمة السعادة.
بلغ بنا الحديث عند قول المؤلف -رحمه الله- يعني نحن مضطرون اليوم وغدًا أن نختم الكتاب، لأن اليوم الأخير سيكون في ختام هذه الدورة المباركة التي أسأل الله -عز وجل- أن يجعلها في ميزان حسناتنا جميعًا.
قال المؤلف -رحمه الله: (وَمَعْنَى شَهَادَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم: طَاعَتُهُ فِيمَا أَمَرَ، وَتَصْدِيقُهُ فِيمَا أَخْبَرَ، واجْتِنَابُ مَا عَنْهُ نَهَى وَزَجَرَ وأَلا يُعْبَدَ اللهُ إِلا بِمَا شَرَعَه رسول الله)، صلى الله عليه وسلم.
إذا قال لك أي شخص: ما معنى شهادة أن محمدًا رسول الله؟
تقول له: طََاعَتُهُ فِيمَا أَمَرَ، وَتَصْدِيقُهُ فِيمَا أَخْبَرَ، واجْتِنَابُ مَا عَنْهُ نَهَى وَزَجَرَ وأَلا يُعْبَدَ اللهُ إِلا بِمَا شَرَعَه رسول الله.
طََاعَتُهُ فِيمَا أَمَرَ: طاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- -كما تقدم- واجبة، وهي طاعة مستقلة، بحيث لو أتانا الأمر في السنة ولم يأتِ في القرآن؛ فيجب علينا طاعة النبي -صلى الله عليه وسلم.
وقد تحدثت معكم عن الطائفة القرآنية الذين يقولون: لا نقبل السنة؛ وإنما نقبل القرآن.
وهذا أيضًا نرد عليهم بقول النبي -صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن قد أوتيت القرآن ومثله معه».
وأيضًا قول الله -سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم 3، 4].
ثم يُقال لهم: أنتم تصلون وتصومون، تصلون خمس صلوات بطريقة معينة، تقولون في الركوع: سبحان ربي العظيم، وفي السجود: سبحان رب الأعلى. وهذه كلها لم ترد في القرآن، وإنما وردت في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم.
ومما يقال هنا: إن السنة -سنة النبي صلى الله عليه وسلم- يُحتجُّ بها في العقائد كما يُحتجُّ بها في الأحكام، ويُحتجُّ بالمتواتر منها كما يُحتج بالآحاد، فإذا صحَّ النقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فإننا نقبل به ونقول: سمعنا وأطعنا.
وَتَصْدِيقُهُ فِيمَا أَخْبَرَ: ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- من أمور سابقة أو أمور لاحقة؛ فإنما الواجب علينا أن نقول: سمعنا وأطعنا، ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ [الأحزاب: 36].
قال: (واجْتِنَابُ مَا عَنْهُ نَهَى وَزَجَرَ)، من الكتب العظيمة التي أوصيكم بحفظها وقراءة شرحها: كتاب "الأربعين النووية" للإمام النووي -رحمه الله تعالى.
هذا الكتاب العظيم حوى أربعين حديثًا عليها مدار الإسلام، من بين هذه الأحاديث حديث أبو رافع الخشني، وهو تفسير عملي لقول الله -جل وعلا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ [الأنفال: 24]، فالاستجابة وطاعة الله ورسوله هي حياة للقلوب.
يقول -عليه الصلاة والسلام- في حديث أبي رافع الخشني: «إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحرَّم حرمات فلا تنتهكوها، وحدَّ حدودًا فلا تعتدوها»، هذه الأمور الثلاثة مَن أتى بها فقد حقق أمر الله وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم.
قال: (وأَلا يُعْبَدَ اللهُ إِلا بِمَا شَرَعَه رسول الله)، صلوات ربي وسلامه عليه.
هذا يجعلنا نتحدث عن نقيض السنة وهي البدعة.
يقول -صلى الله عليه وسلم- في البخاري ومسلم عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد».
ما المراد بقوله «في أمرنا»؟ في ديننا.
وفي رواية لمسلم: «مَن عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ».
والنبي -صلى الله عليه وسلم- حذرنا من البدع، فقال: «عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار».
أتى رجل رآه الإمام سعيد بن المسيب -تأمل هذا الموقف، يبيِّن لك كيف يحاسب الإنسان على البدعة- رأى سعيد بن المسيب -رحمه الله- رجلًا يصلي قبل صلاة الفجر ركعتين يطيل فيهما -في ركوعها وسجودها- ما السنة في هاتين الركعتين؟ التخفيف.
فسعيد بن المسيب نهاه، قال: لا تفعل هذا الأمر.
قال سبحان الله! أو يحاسبني الله ويعذبني لأنني صليت ركعتين؟
قال: لا، إن الله لا يحاسبك لأنك صليت ركعتين، لكنه يحاسبك أنك خالفت سنة النبي -صلى الله عليه وسلم.
قد يفعل الإنسان عملا، ويقول: أتقرب بهذا العمل إلى الله.
نقول له: ما الدليل؟ إذا لم يكن له دليل، فإنه لا يُقبل منه.
لو أتى إلينا إنسان الآن وقال: أنا أحب الصلاة، سأصلي صلاة الظهر خمس ركعات، والعصر سبع ركعات.
نقول له صلاتك صحيحة أم باطلة؟ باطلة.
طيب، هو يريد الخير أو يردي الشر؟ الخير.
طيب، لماذا صلاته لا تصح؟ لأنه خالف سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
أتى أحد الصحابة إلى ابن مسعود -رضي الله عنه- وقال: يا ابن مسعود، إن ها هنا أناس يقومون بذكر الله، يقولون: مئة. ويذكرون مئة، ثم ذكر آخر.
فقال: وماذا قلت لهم؟
قال: لم أقل لهم شيئًا، انتظر رأيك -وهكذا طالب العلم ينتظر رأي علمائه.
فذهب ابن مسعود إليهم، قال: ما تفعلون؟
قالوا: نفعل كذا وكذا.
قال: إن هذا الأمر لا يجوز.
قالوا: يا ابن مسعود، والله ما أردنا إلا الخير.
قال: كم من مريد للخير لم يبلغه.
أبو الدرداء -رضي الله عنه- يسمى بماذا؟ حكيم هذه الأمة. أوصيكم بالاطلاع على وصايا أبي الدرداء، فيه رسالة طُبعت أخيرًا اسمها وصايا أبي الدرداء، من أجمل الوصايا، وهنا وصاية ابن أم عبد وهو ابن مسعود -رضي الله عنه-، ووصايا الحسن البصري، هذه الثلاث عضُّوا عليها بالنواجذ، تجدها كلمات قصيرة لكنها تحمل معانٍ عظيمة.
قال أبو الدرداء -رضي الله عنه: "يا حبذا نوم الأكياس وإفطارهم، كيف يغبنون سهر الحمقى وصومهم، وربَّ صلاةٍ مع برٍّ وإيمان خير من أمثال الجبال من صلاة المغتربين".
يقول: كونك تصلي صلاة، وهذه الصلاة تسير فيها على سنة النبي حتى ولو كانت قليلة؛ لكن أجرها عند الله عظيم.
ولذا قال: "يا حبذا نوم الأكياس وإفطارهم"، هم ينامون ويفطرون، لكن لهم من الأجور أعظم من غيرهم، لأنهم يطلبون سنة النبي -صلى الله عليه وسلم.
ما المراد بالبدعة؟ ما معنى البدعة؟
هي: إحداث أمر في دين الله -عز وجل.
سجلوا هذا التعريف، أفضل تعاريف البدع هو ما عرفها به الإمام الشاطبي -رحمه الله- في كتابه الاعتصام، الإمام الشاطبي من المحققين، قال: "البدعة: طريقة مخترعة تضاهي الشريعة، يُقصد من السير عليها المبتغى في التعبد".
يعني النية خير، لكنها ليست على سنة النبي -صلى الله عليه وسلم.
قال -رحمه الله: (وَدَلِيلُ الصَّلاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَتَفْسِيرُ التَّوْحِيدِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [البينة:5]).
هنا جمع بين الصلاة والزكاة وتفسير كلمة التوحيد "لا إله إلا الله" قال: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ﴾[البينة:5]، هذا الإثبات.
﴿مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ﴾[البينة:5]، الصلاة والزكاة من أركان الإسلام، شرعها الله -عز وجل.
ومن الأمور العجيبة أن الله -جل وعلا- دائمًا ما يقرن بين الصلاة والزكاة. ما الحكمة في ذلك؟
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيره للقرآن، قال: "والحكمة -والله أعلم: أن سعادة العبد في الدنيا لا تتم إلا بأمرين:
- أن يصلح ما بينه وبين الله، وأعظم ذلك بعد التوحيد الصلاة.
- وأن يصلح ما بينه وبين الخلق، وأعظم ذلك: الزكاة التي افترضها الله -جل وعلا".
قال: (ودَلِيلُ الصِّيَامِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾. [البقرة: 183]).
الصيام فرضه الله -جل وعلا- على الأمة، وفريضة الصيام مرت بمراحل، فكان الصيام الواجب هو صيام عاشوراء، كان صيام يوم عاشوراء واجبًا، ثم أتى التخيير بين الصيام والإطعام، ثم لما نزلت هذه الآية في السنة الثانية، أوجب الله -جل وعلا- الصيام على الأمة، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ﴾ أي فرض ﴿كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾[البقرة: 183].
ما المراد بالصيام؟
الصيام في لغة العرب: هو الإمساك، يقال: خيل صيام، وخيل غير صائمة، فمعناه الإمساك، ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا﴾ [مريم: 26]، أي إمساكًا عن الكلام.
وفي الاصطلاح: هو إمساك مخصوص و بنية مخصوصة، في وقت مخصوص.
الله -عز وجل- في هذه الآية حينما فرض الصيام، قال: ﴿كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾. [البقرة: 183].
الصيام كغيره من العبادات دليل إلى تقوى الله -جل وعلا.
ما معنى التقوى؟
التقوى عُرِّفت تعاريف كثيرة، لكن من أجمع تعاريفها، وأحسن تعاريفها ما أورده الإمام القيم ابن قيم -رحمه الله- في كتابه "الرسالة التبوكية" حيث قال: "وأحسن تعريف التقوى تعريف طلق بن حبيب -اسمع ماذا قال- قال: لما سُئل عن تقوى الله قال: أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله".
يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله: "وهذا من أجمع التعاريف، لأنه اشتمل على أمرين، إذا تحققا في أي عبادة؛ فقد تحققت التقوى فيها، المبدأ والغاية.
المبدأ: ما الذي دفعك إلى هذا العمل؟
قال: أنك تعمل بطاعة الله، أنك تريد الله -عز وجل- وأنت مخلص لله -عز وجل.
والغاية: أنك ترجو ثواب الله.
يقول -رحمه الله: "وهذا كثير في السنة".
طيب، ما الدليل؟
اسمع! قال -صلى الله عليه وسلم- في البخاري: «مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا».
إيمانًا: إشارة إلى المبدأ.
واحتسابًا: إشارة إلى الغاية.
وقال -صلى الله عليه وسلم: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا»، وقال -صلى الله عليه وسلم: «مَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا»، فكل عمل إذا أردت أن تقيس نفسك هل اتقيت الله فيه؛ فانظر إلى هذين الأمرين، انظر إلى المبدأ، وانظر إلى الغاية.
قال -رحمه الله: (ودَلِيلُ الْحَجِّ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾. [آل عمران: 97]).
فرض الله -جل وعلا- الحج على أمة محمد في السنة التاسعة -اللهم صلِّ على رسول الله- ولم يحج النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل أرسل عليا بن أبي طالب -رضي الله عنه وأرضاه- فأذَّن في الناس ألا يطوف بهذا البيت مشرك، وألا يطوف بهذا البيت عريانً، ولا يحج بعد العام مشرك.
ثم حج النبي -صلى الله عليه وسلم- في السنة التي تليها.
والحج ركن من أركان الإسلام، والصحيح من أقوال العلماء أن الحج يجب على الفور لا على التراخي، فمن وجد الراحلة والزاد وهو المقصود بقول الله ﴿مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾، فيجب عليه أن يبادر إلى الحج.
يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه: "مَن كانت لديه جدة ولم يحج؛ فليس عليه أن يموت يهوديًّا ولا نصرانيًّا".
فمَن استطاع أن يحج البيت فليبادر إليه سريعًا، وهي وصية -نسأل الله أن يمن علينا وعليكم بحج بيته الحرام.
قال -رحمه الله: (الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ).
نحن ذكرنا أن الإسلام كم مرتبة؟ حتى نكون متسلسلين: المصنف تحدث عن الأصول الثلاثة، انتهينا من الحديث عن الأصل الأول وهو معرفة العبد ربه، ثم تحدثنا عن الأصل الثاني وهو معرفة العبد دينه، وقلنا إن الإسلام ثلاث مراتب، تحدثنا عن المرتبة الأولى وهي الإسلام.
الآن نتحدث عن المرتبة الثانية.
قال -رحمه الله: (الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ: الإِيمَانُ).
ما معنى الإيمان؟
الإيمان في اللغة: هو التصديق. وبعض أهل اللغة يقول: التصديق الجازم.
وبعضهم -وهذا الصحيح- يقول: هو الإقرار.
وهذا له أثر في المعنى الشرعي. كيف ذلك؟
هناك بعض المصطلحات التي لها مفهوم لغوي، وبعض المصطلحات لها مفهوم شرعي.
مثال: حينما تأتي إلى العرب قبل مبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- وتقول لهم: الصلاة.
إلى أين ينصرف أذهانهم؟ إلى الدعاء، هذا معنى الصلاة في اللغة، فهم يعرفون أن الصلاة في اللغة هي الدعاء.
لما بُعث النبي -صلى الله عليه وسلم- أصبح للصلاة معنًى شرعي، بيَّنه لنا النبي -عليه الصلاة والسلام- ومن ذلك: الإيمان.
الإيمان في اللغة: إما هو التصديق، أو التصديق الجازم، أو الإقرار.
قال الله -عز وجل: ﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ﴾ [العنكبوت: 26]، وقال -عز وجل: ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ﴾ [يوسف: 17]، هنا يأتي أيضًا بمعنى التصديق.
وقال -عز وجل: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ﴾ [البقرة: 177].
طيب، ما معنى الإيمان في الشرع؟
نعم، الإيمان في الشرع تعددت أقوال العلماء فيه، لكن المعنى واحد. وهذه فائدة، إذا قرأت في كتب المفسرين، تقرأ تفسير آية، يقول: قال ابن عباس كذا، وقال مجاهد كذا، وقال سفيان كذا، فيظن البعض أن هذه أقوال متناقضة.
نقول: الاختلاف في التفسير على نوعين:
- اختلاف تنوع.
- واختلاف تضاد.
اختلاف التنوع: أن يكون المعنى متعددا، فهذا يقول كذا، وهذا يقول كذا، يأتون بأمثلة على الآية، لكنها كلها بمعنى واحد، فليس هناك اختلاف.
- الآخر هو اختلاف التضاد: هو الذي يقول: القول الأول كذا، والقول الثاني كذا.
واختلاف التنوع في التفسير أكثر بكثير من اختلاف التضاد.
كذلك الاختلاف في تفسير العلماء لمعنى الإيمان، العلماء يقولون: الإيمان هو ما اشتمل علة خمس نونات (ن) فيقولون: هو قول باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالأركان، يزيد بطاعة الرحمن، وينقص بطاعة الشيطان.
هو: هو قول باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالأركان، يزيد بطاعة الرحمن، وينقص بطاعة الشيطان.
هذا التعريف اشتمل على ماذا؟ اشتمل على أن الإيمان قولٌ باللسان، وأن الإيمان أيضًا عمل، وأن الإيمان تصديق بالقلب، فلابد من هذه المعاني الثلاث.
بعض العلماء يقول: الإيمان هو قولٌ وعملٌ واعتقادٌ.
هل هذا يناقض التعريف الأول؟ لا، اشتمل على القول وعلى عمل الأركان وعلى عمل القلب.
بعض العلماء يقول: هو قول وعمل. فقط.
نقول هو معناه صحيح؟ صحيح. لماذا؟
لأن المراد بالقول: قول اللسان وقول القلب.
قول اللسان واضح، ما المراد بقول القلب؟ نيته وتصديقه.
قال: وعمل. وهذه واضحة.
وبعض العلماء يقول: هو قولٌ وعملٌ ونيَّة. وكلها تدل على معنًى واحد.
إذن الإيمان حتى يكون مقبولًا لابد أن يشتمل على هذه الأركان الثلاثة، وأهل السنة والجماعة وسط بين فرقتين، بين المرجئة وبين الخوارج.
المرجئة: الذين يُخرجون العمل عن مسمى الإيمان، فيقولون: العمل هو شرط كمال، لا شرط صحة.
فيه تفاصيل كثيرة، لكن الصحيح أن العمل من الإيمان، لأن الله -عز وجل- قال عن الصلاة وسماها إيمان. ما الدليل؟ قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ [البقرة: 143]، المراد بـ ﴿إِيمَانَكُمْ﴾؟ صلاتكم إلى بيت المقدس حينما حولت القِبلة.
ومن المسائل التي في التعريف أنه قال: يزيد بطاعة الرحمن، وينقص بطاعة الشيطان.
الإيمان يزيد وينقص، وهنا أهل السنة والجماعة أيضًا وسط، فبعضهم يقول: من قال "لا إله إلا الله" فهو مؤمن حتى لو لم يصل ولم يصم ولم يقم بأي عمل.
وبين مَن قال: أن مَن قال "لا إله إلا الله" وأتى بمعصية فهو يخرج من الإسلام.
قال لك أهل السنة والجماعة: لا، الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
ما الدليل على زيادته ونقصانه؟
قوله: ﴿وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا﴾ [المدثر: 31]، والشيء الذي يزيد ينقص.
والله -عز وجل- قال: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾ [محمد: 17].
قال -رحمه الله: (الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ: الإِيمَانُ.
وَهُوَ: بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً).
أريدكم أن تركزوا مع الحديث، وأريد أحدكم يستنبط الحكم الذي نطلبه.
يقول: (وَهُوَ: بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، فَأَعْلاهَا قَوْلُ لا إله إِلا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الإِيمَانِ).
دلَّ هذا الحديث على أن الإيمان قول وعمل واعتقاد. كيف؟ ما وجه الشاهد؟
القول: (فَأَعْلاهَا قَوْلُ لا إله إِلا اللهُ).
والعمل: (إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ).
وعمل القلب: (وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الإِيمَانِ).
ما شاء الله، بارك الله فيكم.
فهذا دليل على أن الإيمان يتجزَّأ، هو قال: (الإِيمَان بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً).
من الناس مَن يكون -كما ذكرنا في الولاء والبراء- نواليه على ما لديه من إيمان، ونعاديه على ما لديه من معصية، وهذا ما يسمى بالفاسق الملِّي.
قال -رحمه الله: (وَأَرْكَانُهُ سِتَّةٌ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ).
هذه أركان الإيمان دل عليها حديث مَن؟ حديث جبريل -عليه السلام- وهو حديث أم السنة.
قال أول هذه الأركان: أن تؤمن بالله.
الإيمان بالله يشتمل على الإيمان بأربعة أمور:
- أولًا: الإيمان بوجود الله.
- ثانيًا: الإيمان بربوبية الله.
- ثالثًا: الإيمان بألوهيته.
- رابعًا: الإيمان بالأسماء والصفات.
وهذه سبق الحديث عنها.
قال: الركن الثاني: الإيمان بالملائكة.
كل ركن من أركان الإيمان، الإيمان فيها على نوعين:
- إيمان مجمل: يجب علينا جميعًا أن نعلمه.
- وإيمان مفصل.
ما هو الإيمان المجمل؟
الإيمان المجمل هو: أن تؤمن بان هناك ملائكة لله، خلقهم الله -جل وعلا- لطاعته، يعبدون الله -عز وجل- ويطيعونه ولا يعصون أمره، وأن هؤلاء الملائكة مختلفة أعمالهم. فهذا ما يسمى بالإيمان الإجمالي.
الإيمان التفصيلي درجة أعلى: وهو الإيمان بأن الله -عز وجل- خلقهم من نور، قال -صلى الله عليه وسلم: «خلق الله -جل وعلا- الملائكة من نور، وخلق الشياطين من نار، وخلق آدم مما ذُكر لكم»، وهو من تراب.
الملائكة أعمالهم متفاوتة:
- منهم الموكل بالوحي، وهو أعظمهم وهو جبريل -عليه السلام- أو جبرائيل -عليه الصلاة والسلام- ﴿قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ﴾ [البقرة: 97]، فيجب محبة هذا الملك الكريم -عليه الصلاة والسلام.
- ومن الملائكة مَن هو موكَّل بالقطر والإنبات، وهو ميكائيل.
- ومن الملائكة مَن هو موكَّل بالنفخ في الصور، وهو إسرافيل.
- وهناك ملك الموت، ما اسمه؟ عزرائيل، لم يرد في السنة تسميته بعزرائيل، لكن ورد في الكتب السابقة تسميته بهذا الأمر.
أيضًا من الإيمان بالملائكة: الإيمان بخلقهم، النبي -صلى الله عليه وسلم- بيَّن لنا أنه رأى جبريل على صورته التي خلقه الله عليها كم مرة؟ مرتان:
المرة الأولى: حينما نزل عليه في الغار.
والمرة الثانية: حينما عُرِج به إلى السماء ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى﴾ [النجم: 13].
ما صفة جبريل -عليه السلام؟
يقول سيدي -صلى الله عليه وسلم: «رأيت جبريل على هيئته التي خلقه الله عليها له ستمائة جناح، كل جناح -الجناح الواحد- قد سدَّ الأفق».
في البداية والنهاية لابن كثير قال: "يخرج منه التهاويل كالدر، وهي الألوان المختلفة".
بطرف جناحه -حتى يعرف الإنسان حجم نفسه- بطرف جناحه -عليه السلام- لما أمره الله أن يجعل قرية قوم لوط عاليها سافلها؛ رفعهم بطرف جناحه حتى صعد بهم إلى السماء، فسمع أهل السماء نباح كلابه وصياح ديكتهم، ثم جعل عاليها سافلها.
نسأل الله -عز وجل- أن يمنَّ علينا وعليكم بعفوه.
النبي -عليه الصلاة والسلام- أخبرنا، قال: «أُذِنَ لي أن أتحدَّث عن ملكِ من ملائكة الله ما بيت شحمة أذنه وعاتقه مسيرة سبعمائة سنة»، يعني أكبر من المسافة التي بين السماء والأرض، لأنه ورد في الحديث أنه «بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة».
كم عدد الملائكة؟
تعرفون الكعبة، إذا وقفت أمام الكعبة بمحاذاتها مباشرة في السماء السابعة هناك البيت المعمور، كعبة الملائكة، يطوف عليه كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه أبدًا.
إذن؛ كم عدد الملائكة؟ ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ﴾ [المدثر: 31].
قال -جل وعلا: (وَكُتُبِهِ).
هذا الركن الثالث من أركان الإيمان: الإيمان بكتبه.
أيضًا الإيمان فيها إيمان إجمالي وتفصيلي.
الإيمان الإجمالي أن نؤمن بأن الله -عز وجل- أنزل كتبًا على أنبيائه -عليهم الصلاة والسلام-، وأن خاتم هذه الكتب هو القرآن العظيم.
الإيمان التفصيلي: أن نؤمن بالكتب التي سماها الله، الله -عز وجل- سمى لنا الزبور لداود -عليه السلام-، والتوراة لموسى -عليه السلام-، والإنجيل لعيسى -عليه السلام.
ثم أخبرنا الله -عز وجل- أنه أنزل القرآن على فؤاد النبي -صلى الله عليه وسلم.
كانت الكتب السابقة يستودع الله حفظها لمن؟ للعلماء، للأحبار والرهبان، ولذا حدث فيها الخلل، وحدث فيها التحريف، قال الله -عز وجل- ﴿بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ﴾ [المائدة: 44]، بينما القرآن تكفَّل الله بحفظه، ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9].
في تاريخ بغداد يقول المصنف -رحمه الله- أنه التقى بورَّاق -يبيع الورق والكتب- يهودي، فسأله فقال: أسلمت.
قال: ما سبب إسلامك؟
قال: أنا أبيع الكتب، فكنت كل كتاب يأتيني من أجل أن يزيد ثمنه؛ أُدخِل فيه صفحة، صفحتين، أزيد فيه ثلاث، أربع، حتى يكبر حجم الكتاب ويغلو ثمنه.
يقول: فعلتها مع التوراة، وفعلتها مع الإنجيل، يهودي! يعني الآن يكتسب من هذا الأمر.
يقول: فأتاني نسخة من القرآن فزدتُّ فيها صفحة واحدة، فقدمتها للمسلم الذي اشتراها، فعاد إليَّ بعد قليل، قال: لا أريد هذا.
قلت: لماذا؟
قال: هذا محرف.
قلت: سبحان الله! والله إن الذي أتى بك لهو الذي أتى بهذا القرآن العظيم، أشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله.
هو متعمد يغش ويبيع ويكذب، لكن فضحه الله -جل وعلا- والحمد لله على إسلامه.
الركن الرابع، قال: الإيمان برسله.
الإيمان بالرسل ركن من أركان الإيمان، والإيمان فيه إيمان إجمالي، وإيمان تفصيلي.
الإيمان الإجمالي: وهو الذي يجب علينا جميعًا أن نؤمن بأن الله -عز وجل- أرسل الرسل مبشرين ومنذرين، وأن خاتمهم هو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يجوز أن ندين بدين غير دين محمد -صلى الله عليه وسلم.
هل هناك فرق بين الرسول والنبي؟ نعم هناك فرق. لماذا؟
لأن الله -عز وجل- فرَّق بينهم، قال -عز وجل: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾ [الحج: 52]، إذن هناك فرق بين النبي والرسول.
أيضًا مما يدل على الفرق: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سُئل عن عدد الرسل، فقال -صلى الله عليه وسلم: «عدد الأنبياء مائة وأربعة وعشرون ألفًا، الرسل منهم ثلاثمائة وخمسة عشر جمًّا غفيرًا».
إذن عدد الأنبياء أكثر من عدد الرسل.
قال -صلى الله عليه وسلم- حينما سُئل عن عدد الأنبياء، قال: «عدد الأنبياء مائة وأربعة وعشرون ألفًا، الرسل منهم ثلاثمائة وخمسة عشر جمًّا غفيرًا».
فهذا الفرق بين عدد الأنبياء وعدد الرسل.
طيب، إذا كان هناك فرق؛ فما الفرق بين النبي والرسول؟
الكلمة المتداولة تقول: النبي هو ما أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه، والرسول مَن أوحي إليه بشرع وأُمر بتبليغه. وهذا فيه نظر! كيف يوحى إليه بشرع ولا يؤمر بتبليغه؟!
هم يقولون إن آدم -عليه السلام- نبي، وأن نوح -عليه الصلاة والسلام- رسول.
الصحيح أن الفرق بين النبي والرسول كالتالي:
النبي: هو مَن أوحي إليه بشرع وأُمِرَ بتبليغه إلى قومٍ موافقين.
كان أنبياء بني إسرائيل يتتابعون عليهم، يأتي نبي ثم يقتلونه، فيرسل الله نبيًّا آخر بنفس الشرع الذي سبقه، فهم قوم موافقون له.
قال: النبي: هو مَن أوحي إليه بشرع وأُمر بتبليغه إلى قومٍ موافقين.
والرسول: هو مَن أوحي إليه بشرعٍ وأُمرَ بتبليغه إلى قومٍ مخالفين.
الإيمان الإجمالي للأنبياء والرسل: هو أن تؤمن بأن الله أرسل الرسل، وأنزل الكتب، وأن خاتمهم محمد -صلى الله عليه وسلم.
الإيمان التفصيلي: الإيمان بعددهم، الإيمان بمَن سمى الله -عز وجل- منهم، لأن الله في القرآن ذكر لنا خبر ثمانية وعشرين نبيًّا، ثم قال: ﴿مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ﴾ [غافر: 78]، فيجب الأيمان بالأنبياء جميعًا عليهم أفضل الصلاة وأتم السلام.
الركن الخامس، قال: والإيمان باليوم الآخر.
الإيمان باليوم الآخر يشمل عدة أمور:
- أولًا: يشمل الإيمان بالبعث.
قال الله -عز وجل: ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ﴾ [الأنبياء: 104].
كيف يبعث الله الناس؟
استمعوا إلى قول النبي -صلى الله عليه وسلم: «إن الله يُنزل من السماء ماء يوم القيامة فينبت الناس به كما تنبت البقل، وإنه كل شيء من الإنسان يبلى إلا عجب الذنب، فمنه يُركَّب»، ثم تعود الحياة مرة أخرى للناس.
أيضًا من الإيمان باليوم الآخر:
- الإيمان بالحساب والجزاء، ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة 7، 8].
الناس يوم القيامة في هذا الأمر على ثلاثة أقسام:
الأول: منهم مَن لا يُناقَش: قال -صلى الله عليه وسلم- عن أمته: «رُفِعَ لي سواد عظيم، فقيل لي: هذه أمتك، ومعهم سبعون ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب -من هم؟- الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون»، اللهم اجعلنا منهم.
والثاني: هم مَن يحاسب حاسبًا يسيرًا، ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا﴾ [الإنشقاق 7، 8].
الثالث: مَن يُناقش، ومَن نوقش الحساب عُذِّب.
ومن الإيمان باليوم الآخر:
- الإيمان بالجنة والنار، وأنهما مخلوقتان الآن، قال -جل وعلا: ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا﴾ [النبأ 31، 32].
ومن الإيمان كذلك:
- الإيمان بفتنة القبر وعذابه: يسأل العبد في قبره عن ربه، ودينه، ونبيه.
يقول -صلى الله عليه وسلم: «إن للقبر ضمة، لو نجا منه أحد لنجا منها سعد بن معاذ»، الذي اهتزَّ عرش الرحمن لموته.
لكن هل ضمة المسلم كضمة الكافر؟
قال العلماء: ضمة القبر للمؤمن كضمة الحبيب لحبيبه، وضمته للكافر تختلف معها أضلاعه -والعياذ بالله.
قال -رحمه الله: (وَالإِيمَانِ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ).
هذا هو الركن السادس من أركان الإيمان.
الإيمان بالقدر دلَّ عليه حديث جبريل -عليه السلام- حينما سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإيمان فقال: أن تؤمن بالله وملائكته...، قال: وتؤمن بالقدر خيره وشره.
ودلَّ عليه القرآن، قال -عز وجل: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر: 49].
الإيمان بالقدر لا يتم إلا بأربعة أمور:
الأمر الأول: الإيمان بالعلم، علم الله -عز وجل- للأمور قبل وقوعها، فالله يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن وما هو كائن إلى يوم الدين، علم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون. وعلم الله -سبحانه وتعالى- من الأمور التي اتفق عليها أهل الإسلام.
طبعًا الفلاسفة يقولون: الله يعلم الكليات؛ لكنه لا يعلم الجزئيات. بئس ما قالوا، وبئس هذا القول قولهم.
الركن الثاني من أركان الإيمان بالقضاء والقدر: الإيمان بالكتابة في اللوح المحفوظ، قال -صلى الله عليه وسلم: «إن الله -عز وجل- قدَّر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء».
الركن الثالث: هو الإيمان بالمشيئة، فما شاء الله كان، ولما لم يشأ لم يكن، ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ [الإنسان: 30].
طيب، بعض الناس يقو لك: يا أخي، إذا كان لا يوجد شيء في الكون إلا بمشيئة الله، الكون فيه الكفر، وفيه أمور حسنة، وفيه أمور قبيحة، كيف شاءها الله؟
نقول: إن مشيئة الله على نوعين -وهذه من أحسن الأدلة في الرد على مَن يستدل بهذا القول:
الأولى: المشيئة الكونية.
والثانية: المشيئة الشرعية.
المشيئة الشرعية وهي التي تتصل بمحبة الله، وهي التي يتعلق بها المحبة.
والمشيئة أو الإرادة الكونية هي التي تتعلق بها مشيئة الله -عز وجل-، فلا يخرج شيء من هذا الكون إلا بمشيئة الله -عز وجل.
قال: الإرادة على نوعين:
- إرادة كونية.
- وإرادة شرعية.
الإرادة الكونية لله: هي التي تتعلق بالمشيئة، ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ [الإنسان: 30].
والإرادة الشرعية: هي التي تتعلق بالمحبة كالصلاة والزكاة، وطاعة الطائع، ومحبة المحب لله -جل وعلا.
الرابع من أركان الإيمان بالقضاء والقدر: هو الخلق.
فالله -عز وجل- هو خالق كل شيء -سبحانه وتعالى- ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر: 49].
هناك بيت شعر يجمع لك هذه الأركان الأربعة، وهو:
علمٌ كتابة مولانا مشيئته
خلقه وهو أيجادٌ وتكوين
واستدل على هذه الأركان -وبه نختم المجلس- بقول الله -عز وجل: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ﴾ [البقرة: 177].
وقول الله -عز وجل: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر: 49].
بإذن الله -عز وجل- نحاول جاهدين غدًا أن نختم هذه الدروس المباركة، والتي نسأل الله -عز وجل- بمنِّه وكرمه أن يجعلنا وإياكم من الهداة المهتدين.
هذه الدروس من أعظم اللحظات التي يعيشها الإنسان؛ لأنه يعيش في روضة من رياض الجنان، فنسأل الله أن يجمعنا وإياكم في دار كرامته ومستقر رحمته في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.
﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الصافات 180- 182].
http://islamacademy.net/media_as_home.php?parentid=60