السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد الله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي المتقين، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله إمام الغر الميامين، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد:
فحياكم الله جميعًا أيها الأخوة الفضلاء الأعزاء، وطبتم وطاب سعيكم ممشاكم، وتبوأتم من الجنة منزلًا، واسأل الله -جل وعلا- الذي جمعنا في هذا المجلس الطيب على طاعته أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين في جنته ودار مقامته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
هذا هو اللقاء السادس والأخير من لقاءات هذه الأكاديمية الإسلامية المفتوحة المباركة، ومع الدرس السابع من الدروس المهمة لعامة الأمة لسماحة الوالد الشيخ العلامة عبد العزيز عبد الله ابن باز -رحمه الله تعالى.
والدرس السابع يتحدث فيه شيخنا -رحمه الله- عن أركان الصلاة فيقول:
(أركان الصلاة وهي أربعة عشر:
- القيام مع القدرة.
- وتكبيرة الإحرام.
- وقراءة الفاتحة.
- والركوع.
- والاعتدال بعد الركوع.
- والسجود على الأعضاء السبعة.
- والرفع منه.
- والجلسة بين السجدتين.
- والطمأنينة في جميع الأفعال.
- والترتيب بين الأركان.
- والتشهد الأخير.
- والجلوس له.
- والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم.
- والتسليمتان).
هذا هو الدرس السابع من الدروس المهمة، لا أستطيع أن أقرأ المتن دون أن أقف مع الشرح، وإلا فأتصور أن الإفادة ستكون قليلة، فباختصار شديد أقول -مستعينا بالله -تبارك وتعالى.
الركن لغة: هو جانب الشيء الأقوى.
والركن اصطلاحًا: هو ما تتركب منه العبادة، ولا تصح بدونه، فإذا تخلف ركن واحد من هذه الأركان لم تتحقق صلاة، ولا يعتد بها شرعًا، بل ونسيان الركن لا يُجبر بسجود السهو.
أركان الصلاة التي ذكرها شيخنا -رحمه الله تعالى- أربعة عشرة ركنًا.
الأول -باختصار: القيام مع القدرة، قال الله -تعالى: ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ [البقرة: 238]، والأمر هنا للوجوب إذ لم تأت قرينة تصرف الأمر من الوجوب إلى الندب أو الاستحسان، ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾.
وفي صحيح البخاري أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لعمران بن حصين: «صلِّ قائمًا» فعل أمر «فإن لم تستطع؛ فقاعدًا، فإن لم تستطع؛ فعلى جنب»، وقد أجمع العلماء على أن القيام ركنٌ في صلاة الفرض لمن يقدر على ذلك.
وقد أجمع العلماء على أن القيام ركن من أركان الصلاة في صلاة الفرض لمن يقدر على ذلك، وأجمعوا أيضا -من رحمة الله سبحانه- على أن المريض يسقط عنه القيام إذا لم يستطع ذلك.
فمن المعلوم عند علماء الأصول: أن الواجب يسقط بالعذر عنه، فقد أجمعوا أن القيام -وهو ركنٌ وليس واجبًا- يسقط أيضًا عند المريض الذي لا يقدر على القيام.
أما صلاة النافلة: فيجوز للمسلم أن يصليها جالسًا ولو من غير عذر، وله نصف الأجر على تفصيل لا يتسع الوقت لذكره الآن.
الركن الثاني -باختصار: تكبيرة الإحرام. وهي ركن من أركان الصلاة باتفاق، وليس شيء من تكبيرات الصلاة -انتبه- وليس شيءٌ من تكبيرات الصلاة ركنًا سوى تكبيرة الإحرام، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- للمسيء في صلاته: «استقبل القبلة وكبر»، وفي صحيح مسلم من حديث عائشة «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستفتح الصلاة بالتكبير».
الركن الثالث -بإيجاز شديد: قراءة الفاتحة في كل ركعة. وهذا ركن باتفاق من أركان الصلاة، سواء أكانت الصلاة فريضة أم نافلة، ففي الصحيحين من حديث عبادة ابن الصامت -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب».
في صحيح مسلم وغيره من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج خداج خداج، غير تمام».
خداج: أي ناقصة.
الركن الرابع: الركوع والطمأنينة فيه.
وقد ذكر الإمام ابن حزم -رحمه الله- في مراتب الإجماع: أن العلماء أجمعوا على أن الركوع في كل ركعة ركن من أركان الصلاة، إجماع، قال -تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الحج: 77].
ولقوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث المسيء في صلاته: «ثم اركع حتى تطمئن راكعًا»، ولأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يفعله في كل ركعة من ركعات الصلاة، وهو القائل -بأبي وأمي وروحي: «صلوا كما رأيتموني أصلي».
أما الطمأنينة فيه فتحقق بأن يسكن كل عضو من أعضاء البدن ويسترخي، أو وتسترخي معه مفاصل البدن، هذه هي الطمأنينة، أو هذا هو حد الطمأنينة: أن يسكن كل عضو من الأعضاء، وأن تسترخي مفاصل البدن. هذا هو حد الطمأنينة.
وفي الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تجزأ صلاة رجلٍ لا يقيم فيها صلبه في الركوع والسجود». إذن الطمأنينة ركن أيضًا من أركان الصلاة.
الاعتدال بعد الركوع، الركن الخامس، لقوله -صلى الله عليه وسلم- للمسيء في صلاته: «ثم ارفع حتى تطمئن رافعا»، ثم ارفع أي بعد الركوع حتى تطمئن رافعا.
وفي صحيح البخاري في صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- «فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فِقَارٍ مكانه»، يعتدل بعد الرفع من الركوع وهو القائل -بأبي وأمي وروحي: «صلوا كما رأيتموني أصلي».
الركن السادس: السجود على الأعضاء السبعة.
والسجود في كل ركعة من ركعات صلاة الفرائض والنوافل مرتين في كل ركعة إجماعًا، ودليل ذلك قوله -تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا﴾ [الحج: 77].
وقوله -صلى الله عليه وسلم- للمسيء في صلاته: «ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا»، وفي الحديث الصحيح أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تجزأ صلاة رجلٍ لا يقيم فيها صلبه -في لفظ:- في الركوع والسجود»، ولا بد أن يكون السجود على سبعة أعضاء: الكفان، والركبتان، والقدمان، والجبهة مع الأنف.
هذه هي الأعضاء السبعة، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما: «أمرنا أن نسجد على سبعة أعظم، على الجبهة -وأشار بيده إلى أنفه- واليدين، والكفين، والركبتين»، واليدين في لفظ، وفي لفظ الكفين، «والركبتين وأطراف القدمين». هذه هي الأعضاء السبعة.
الركن السابع: الرفع منه. لقول النبي -صلى الله عليه وسلم: «ثم ارفع حتى تطمئن جالسا». الرفع منه: أي من السجود.
الركن الثامن: الجلسة بين السجدتين. وفي حديث مسلم من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا رفع رأسه من السجدة -أي من السجدة الأولى- لم يسجد حتى يستوي جالسًا».
وسنتحدث -إن شاء الله تعالى- في سنن الصلاة عن الذكر الذي كان يقوله -صلى الله عليه وسلم- بين السجدتين.
الركن التاسع: الطمأنينة في جميع الأفعال.
وقد ذكرت قبل ذلك بأن الطمأنينة هي السكون حتى تسترخي فيه الأعضاء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: في كل ركنٍ لفظة «حتى تطمئن»، «حتى تطمئن راكعا»، «حتى تطمئن قائمًا»، «حتى تطمئن ساجدًا»، وهكذا..
الركن العاشر: الترتيب بين الأركان.
قيام، ثم ركوع، ثم رفع من الركوع، ثم سجود، ثم جلوس أو قعود، ثم سجود. وهكذا... هذا الترتيب ركن من أركان الصلاة، لا يصح أن تبدأ صلاتك بالسجود مثلًا، أو بالركوع مثلًا، وإنما بهذا الترتيب الذي علمنا إياه نبينا -صلى الله عليه وسلم- الذي صلى أمام الصحابة وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي».
الركن الحادي عشر: التشهد الأخير.
والتشهد الأخير -وليس الأوسط- ركن من أركان الصلاة، تبطل الصلاة بتركه عمدًا أو سهوًا، لأننا اتفقنا أن الركن لا يجبر بسجود السهو، فالتشهد الأخير ركن من أركان الصلاة، تبطل الصلاة بتركه عمدًا أو سهوًا، للحديث الذي رواه النسائي والبيهقي، وأصل الحديث في الصحيحين عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد -تدبر لفظة يفرض- كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد السلام على الله، السلام على جبريل، السلام على ميكائيل، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: «لا تقولوا: السلام على الله، لكن قولوا: التحيات لله والطيبات»، إلى آخره كما سأذكره في درس مستقل الآن -إن شاء الله تعالى.
إذن: الدليل قول ابن عباس «كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد»، فدل على أنه فرض بعد أن لم يكن قبل ذلك فرضًا أو مفروضًا.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يداوم عليه -أي على التشهد الأخير- وهو القائل: «صلوا كما رأيتموني أصلي».
وأصح صيغ التشهد، وإلا فهي كثيرة: عن عبد الله بن مسعود، وعن ابن عباس، وعن أبي هريرة، وعن غيرهم من أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام.
أصح صيغ التشهد: ما رواه البخاري عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: «علمني»، عبد الله بن مسعود يقول: «علمني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو علمني النبي هكذا اللفظ - علمني النبي -صلى الله عليه وسلم- التشهُّد كفي بين كفيه»؛ يعني أخذ النبي كفَّ عبد الله بن مسعود وأمسكها بكفيه -عليه الصلاة والسلام-، وعلمه التشهد، «علمني النبي -صلى الله عليه وسلم- التشهُّد وكفي -أو كفي- بين كفيه كما يعلمني السورة من القرآن: التحيات لله، والصلوات لله، والطيبات»، لفظ الجلالة هنا هذه الزيادة ثابتة في صحيح مسلم.
«التحيات لله، والصلوات والطيبات» هذا لفظ البخاري.
لفظ مسلم: «التحيات لله، والصلوات لله، والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله». هذه أصح صيغ التشهد، وإن كان علماؤنا قد أجازوا أية صيغة ثابتة صحيحة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وربما أعرج على هذا في الدرس المقبل -إن شاء الله.
الركن الثاني عشر من أركان الصلاة: والجلوس له -أي للتشهد.
فالجلوس للتشهد، انتبه معي لأن البعض يتصور أن الركن هو التشهد فقط، لا، بل وكذلك الجلوس للتشهد، لأنه لا يصح أبدًا أن تسجد السجدتين في آخر ركعة في الثالثة من المغرب مثلًا، أو الرابعة من العشاء، ثم تقوم لتقرأ التشهد قائمًا، هذا لا يصح. فالجلوس له -أي للتشهد- ركن من أركان الصلاة.
الركن الثالث عشر: والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- في التشهد الأخير.
ودليل ذلك أن الصحابة -رضي الله عنهم- سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقالوا: يا رسول الله علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ فقال -عليه الصلاة والسلام: «قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم»، كما سأذكر -إن شاء الله تعالى- في الدرس القادم من دروس الشيخ، والأمر يقتضي الوجوب، «قولوا».
طيب.. لكن شيخنا ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- رجح أن التشهد الأخير سُنّة وليس ركنًا ولا واجبًا، سُنّة التشهد الأخير رجح أنه سنة وليس ركنًا ولا واجبًا، وقال بأن قوله -عليه الصلاة والسلام: «قولوا»، مع أنه فعل أمر، الشيخ يرى -رحمه الله- أنه ليس للوجوب، وإنما هو للإرشاد والتعليم، قل كذا، قل كذا، قد يحتمل هذا الأمر الوجوب، ويحتمل غير الوجوب، فهذا ما رجحه الشيخ.
وشيخنا -الشيخ عبد العزيز -رحمه الله- يراه واجبًا، أودُّ أن أبين لكم أن الاختلاف في مسائل الأحكام أكثر من أن ينضبط.
كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولو كان كلما اختلف مسلمان في شيء من مسائل الأحكام تهاجرا؛ لم يبقَ بين المسلمين عصمة ولا أخوة".
ويبقى الأدب بين العلماء، العلماء إن اختلفوا يُطرح خلافهم في بوتقة الخلاف بالدليل، ويظلل خلافهم بأدب الاختلاف، لا ترى عالمًا أبدًا يختلف مع عالمٍ فيسب ويلعن ويطعن، أبدًا، وإنما كما قال الغزالي أبو حامد وغيره: "لو سكت من لا يعلم، لسقط الخلاف"، مكمن الإشكال أن الذي يوسع دائرة الخلاف هم الجهلاء الذين لا يعرفون الدليل، ومراتب الدليل، ومناطات الدليل، إلى غير ذلك.
ثم يوسع الخلاف أيضًا بغير دليل: الهوى، وأنا أقول دائمًا: الهوى لا يُدفع بالدليل أبدًا، لو خالفتك بهوى لن أقتنع بالدليل ولو كان واضحًا كالشمس في ضحاها والنهار إذا جلَّاها.
ولذلك: احفظوا مني هذه العبارة: أن الهوى لا يدفع بالدليل، ولكن بتقوى الملك الجليل -سبحانه وتعالى.
الركن الرابع عشر: التسليمتان.
والجمهور على أن التسليم ركن من أركان الصلاة، لقول عائشة -رضي الله عنها- في صحيح مسلم: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يختم الصلاة بالتسليم»، وداوم عليه -صلى الله عليه وسلم- في الصلوات، وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، هذا باختصار شديد جدًّا في أركان الصلاة.
الدرس الثامن: واجبات الصلاة، حتى ننهي أكبر قدر.
واجبات الصلاة، وذكر الشيخ -رحمه الله تعالى- ثمانية من الواجبات.
أريد أولًا أُفرق بين الركن والواجب.
الركن -كما ذكرت: لا يسقط بالسهو، ولا يجبره سجود السهو.
الواجب: يسقط بالسهو، ويجبره سجود السهو.
هذا هو الفرق بين الركن والواجب، بمعنى: لو نسي المصلي ركنًا من أركان الصلاة؛ بطلت صلات، لا تصح صلاته.
ولو نسي المصلي واجبًا من واجبات الصلاة؛ يجزئه عن هذا الواجب سجود السهو، فلو نسيَ التشهد الأوسط أو الأول مثلًا وسجد للسهو، يجزئه.
أما الركن، فلا يجزئه أبدًا سجود السهو.
الواجب الأول، يقول الشيخ -رحمه الله تعالى: (جميع التكبيرات غير تكبيرة الإحرام) نحن قلنا إنها ماذا؟ ركن من أركان الصلاة، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في شأن الإمام «وإذا كبر فكبروا».
إذن: الواجب الأول من واجبات الصلاة: جميع تكبيرات الصلاة باستثناء تكبيرة الإحرام.
ولحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- في الصحيحين: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قام إلى الصلاة يُكبّر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع»، ولقوله: «صلوا كما رأيتموني أصلي».
الواجب الثاني: (وقول: "سمع الله لمن حمده" للإمام والمنفرد)، لو كنت تصلي إمامًا، ولو كنت تصلي منفردًا. "سمع الله لمن حمده"، لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- في الصحيحين أيضًا «ثم يكبر حين يركع، ثم يقول: سمع الله لمن حمده، حين يرفع صلبه من الركوع».
ثم يقوله وهو قائم -وهذا هو الواجب الثالث- ثم يقول وهو قائم: «ربنا لك الحمد»، أو «ربنا ولك الحمد»، أو «اللهم ربنا لك الحمد»، أو «اللهم ربنا ولك الحمد».
إذن: الأربع صيغ كلها ثابتة صحيحة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، «ربنا لك الحمد»، وأضف الواو «ربنا ولك الحمد»، لأن هذا يُحدث خلافًا بين بعض أبنائنا وإخواننا، هذا ثابت وهذا ثابت.
أو «اللهم ربنا لك الحمد»، أو «اللهم ربنا ولك الحمد»، كل هذه الصيغ ثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصحيح.
الواجب الرابع: قول "سبحان ربي العظيم" في الركوع، نحن قلنا الركوع ماذا؟ ركن. إنما قول "سبحان ربي العظيم" الذكر الذي يُقال في الركوع، هذا واجب، "سبحان ربي العظيم"، لما ثبت في صحيح مسلم من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ألا وإني نُهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا، فأما الركوع: فعظِّموا فيه الربَّ -عز وجل- وأما السجود: فاجتهدوا في الدعاء، فقمنٌ أن يُستجاب لكم»، وفي لفظ: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء».
إذن: قول المصلي "سبحان ربي العظيم" هذا واجب من واجبات الصلاة.
ولحديث عقبة بن عامر، حديث جميل جدًّا، والحديث رواه الإمام أحمد في مسنده، وأبو داوود في سننه، وابن ماجة، ومن باب الأمانة العلمية -نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الأمانة- في سنده لِين، لكنه يتقوَّى بالحديث الذي ذكرته آنفًا في الصحيحين، أنه «لما نزل قول الله -تعالى: ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ﴾ [الواقعة: 74]، قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول عقبة: قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم: اجعلوها في ركوعكم. فلما نزل ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى﴾ [الأعلى: 1]، قال: جعلوها في سجودكم»، عليه الصلاة والسلام.
طيب.. قول "سبحان ربي الأعلى"، والدليل ذكرته آنفًا، هذا هو الواجب الخامس.
الواجب السادس: قوله بين السجدتين "رب اغفر لي"، للحديث الذي رواه أبو داوود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة من حديث حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- «كان يقول حين يجلس بين السجدتين، يقول: رب اغفر لي، رب اغفر لي، رب اغفر لي»، وفيه أدعية أخرى مأثورة أيضًا في سنن أبي داوود والترمذي وغيرهما بسند صحيح، «أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: رب اغفر لي، وارحمني، واهدني، واجبرني، وعافني، واعف عني»، كل هذا ثابت عنه -صلى الله عليه وسلم- بين السجدتين.
التشهد الأول والجلوس له: الواجب السابع والثامن.
التشهد الأول هذا واجب، التشهد الأول، والجلوس له، وقد بيَّنت الأدلة وأنا أتحدث عن التشهد.
وذكر الشيخ هنالك أنه ركن من أركان الصلاة.
الدرس التاسع يتحدث فيه الشيخ عن بيان التشهد.
وهو أن يقول المصلي: (التحيات لله، والصلوات، والطيبات) وذكرنا لفظ "والصلوات لله" هذا ثابت في صحيح مسلم
(التحيات لله، والصلوات، والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. ثم يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- ويبارك عليه)، هكذا يقول الشيخ.
فيقول: (اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد).
هذه هي صيغة الصلاة الإبراهيمية التي علمها لنا النبي -صلى الله عليه وسلم.
(ثم يستعيذ بالله في التشهد الأخير من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال) والحديث رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عباس وغيره، كان -صلى الله عليه وسلم- يعلم الصحابة -رضي الله عنهم- هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن، هكذا يقول ابن عباس أيضًا: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال»، هكذا كان يعلم النبي -صلى الله عليه وسلم- الصحابة هذا الدعاء قبل السلام.
(ثم يتخير من الدعاء ما شاء بين التشهد والتسليم)، يعني إن وجد سعة ودعا الله -تبارك وتعالى- أيضًا بأي دعاء مأثور عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا حرج في ذلك.
ويفضل أن يكون الدعاء مأثورًا عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، فخير الدعاء ما دعا به أعرف الخلق بربه ربَّه -سبحانه وتعالى.
كان -صلى الله عليه وسلم- يقول: «اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك»، وكان أيضًا يقول: «اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم». والحديث رواه البخاري ومسلم، وكان يقول: «اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت»، والحديث رواه مسلم.
قال الشيخ -رحمه الله: (أما في التشهد الأول فيقوم بعد الشهادتين)، يعني بعد ما يقول: «وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله» يقوم. (إلى الثالثة في الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وإن صلى على النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو أفضل، لعموم الأحاديث في ذلك، ثم يقوم إلى الثالثة)، يعني لو قرأ التشهد كاملًا بالصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- كان أفضل، ولو قام بعد قوله: «وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله»، فهذا أيضًا ثابت، بل هو قول جمهور أهل العلم.
وددت أن وقفت مع صيغ التشهد كلها، لكن يعني فيه صيغة ثابتة عن عبد الله بن مسعود، وعن عائشة، وعن عبد الله بن عمر، وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وعن أبي موسى الأشعري وغيرهم، لكن لا يتسع الوقت.
إن شاء الله ترجعوا -إن أردتم- إلى هذه الصيغ في كتب الفقه.
ثم أفرد الشيخ -رحمه الله تعالى- الدرس العاشر للحديث عن سنن الصلاة.
وسنن الصلاة: أقوال وأفعال يستحب الإتيان بها، ويثاب فاعلها، ولا تبطل الصلاة بتركها.
عرفنا السنن؟
السنن: أقوال وأفعال، لأنها نوعان:
- سنن قولية.
- وسنن فعلية.
أقوال وأفعال يستحب الإتيان بها، ويثاب فاعلها، ولا تبطل الصلاة بتركها، وهذا باب واسع جدًّا، وفيه خلاف كثير جدًّا وكبير جدًّا بين أهل العلم.
السنة الأولى التي ذكر الشيخ: الاستفتاح.
ومن أهل العلم من ذكر أن الاستفتاح في الصلاة واجب من واجبات الصلاة، لكن الشيخ -رحمه الله- عدَّه هنا وذكره هنا من سنن الصلاة، والأصل في دعاء الاستفتاح أن يقال سرًّا؛ لأن النبي لم يجهر به -عليه الصلاة والسلام-، وعليه عامة أهل العلم، وإن كان يجوز للإمام أحيانًا أن يجهر به من باب التعليم، أن يعلمه لمن خلفه، كما فعل ذلك عمر، يعني نحن لا نقول هذا اجتهادًا، وإنما نقول ذلك تأسيًا بفعل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وقد أمرنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- بقوله: «اقتدوا باللذينِ من بعدي، أبي بكر وعمر».
ومن صيغ دعاء الاستفتاح الثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا استفتح الصلاة سكت هُنيْهَة قبل أن يقرأ، فقلت: يا رسول الله، -أبو هريرة الذي يسأل- قلت: يا رسول الله -بأبي أنت وأمي- أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة، ما تقول؟» لما تكبر للدخول في الصلاة تسكت هنيهة، ثم تقرأ الفاتحة، هذا السكوت ماذا تقول فيه يا رسول الله؟ انظر إلى أدب طالب العلم، «بأبي أنت وأمي، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة، ما تقول؟» انظروا إلى الأدب «فقال: أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي»، هذا دعاء جميل من أدعية الاستفتاح ربما لا يذكرها كثير من المسلمين، «اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقِّني من خطايا كما يُنقَّى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد»، هذا دعاء استفتاح جميل.
أيضًا ثبت في صحيح مسلم وغيره عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: «بينما نحن نصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ قال رجل من القوم»، وهذا دليل على أنه الأفضل أن يكون الدعاء مأثورًا، لكن لا حرج على الإطلاق أن يدعو الإنسان بما منَّ الله -تبارك وتعالى- به عليه شريطة ألا يخالف الأصول والقواعد.
يقول عبد الله بن عمر: «بينما نحن نصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ قال رجل من القوم: الله أكبر كبيرًا في دعاء الاستفتاح»، الرجل يقول هكذا -الصحابي- «الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا»، دعاء من عند الصحابي، «الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: عجبت لها، فُتحت لها أبواب السماء»، الحديث في صحيح مسلم. قال ابن عمر -وانظر إلى الحرص: «فما تركتهن منذ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول ذلك».
أقوله مرة ثانية حتى لا تتركها كما فعل عبد الله بن عمر: «الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا»، دعاء جميل، لم ينكر عليه النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل زكَّاه، وقال في حقه قولةً جميلة، قال: «عجبت لها، فُتحت لها أبواب السماء».
وفي الحديث الذي رواه أبو داوود، والترمذي، وغيرهما بسند حسن بمجموع طرقه من حديث أم المؤمنين عائشة وغيرها -رضي الله عنهن- أنه -صلى الله عليه وسلم- كان إذا افتتح الصلاة قال: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك»، أظن هذا الحديث، هذا الاستفتاح محفوظ لنا جميعًا «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك».
وكان عمر -رضي الله عنه- يستفتح بهذا الدهاء، يستفتح صلاته بهذا الدعاء.
وقد صحَّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يعني صيغ أخرى، لمن أراد أن يتوسع.
ثانيًا: (جعل كف اليد اليمنى على اليسرى فوق الصدر حين القيام، قبل الركوع وبعده)، هكذا يرى الشيخ -رحمه الله تعالى- على خلاف تعرفونه أيضًا بين أهل الفضل والعلم في مسألة وضع اليد على الصدر بعد الرفع من الركوع.
يعني الشيخ الألباني -سبحان الله- يراها بدعة، والشيخ عبد العزيز يراها سُنّة، وظل الخلاف بين الشيخين في هذه المسألة وفي غيرها مظللًا بأدب الخلاف، يُجلُّ كلُّ واحدٍ منهما الآخر، فما أحوجنا الآن والله إلى أن نتعلم أدب الخلاف من أهل الفضل والعلم، واسأل الله أن يحفظ ألسنتنا، وأن يحفظ قلوبنا، وأن يرزقنا الاتباع، العالم له سمت وله سيمة، لا يمكن أبدًا أن يتطاول العالم أو أن يسب، أو أن يخرج عن حدود الأدب ومقام الأدب، فنحن إلى قليل من الأدب أحوج منا إلى كثير من العلم، ما قيمة العلم إن لم يورّثنا الأدب؟! ما قيمة العلم إن لم يورثنا الخشية؟! ما قيمة العلم إن لم يورثنا الخلق؟! نسأل الله أن يرزقنا الأدب وحسن الخلق.
أثقل شيء في الميزان حسن الخلق، ولقد جاء رجل إلى أبي الدرداء يسبُّه ويُفرط في سبِّه -وهو صحابي جليل-، فالتفت إليه أبو الدرداء وقال: "يا أخي، لا تفرط في سبِّنا، ودع للصلح موضعًا، فإنا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه"، واسأل الله أن يؤدبني أنا بهذا الأدب، وألا أكافئ من عصى الله فيَّ بأكثر من أن أطيع الله فيه، ولن أخرج أبدًا -إن شاء الله- عن حدود الأدب، لعل الله أن يرحمنا برحمته في الدنيا والآخرة.
(جعل كف اليد اليمنى على اليسرى فوق الصدر حين القيام، قبل الركوع وبعده)، ففي الحديث الذي رواه البخاري ومالك في الموطأ عن سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: «كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى»، هذا ثابت أيضًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- «في الصلاة»، هذا يستدل به شيخنا على وضع اليد على الصدر قبل وبعد، وهنا الخلاف وارد من أين؟ من اختلاف علمائنا ومشايخنا في فهم الدليل، قد يستدل الشيخان بدليل واحد في المسألة، لكن سبب الخلاف بينهما في الاختلاف في فهم الدليل.
وفي رواية ابن خزيمة بسند صحيح من حديث وائل بن حُجر -رضي الله عنه- قال: «صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ووضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره»، أما وضعها كذلك بعد الرفع من الركوع ففيه الخلاف الذي أشرت إليه، ولا يتسع الوقت لذكر أدلة كل فريق من الفريقين، وإن كنت أرى أن الأدلة التي يستدل بها كل فريق قد تكون واحدة أو متقاربة، لكن الخلاف ناشئ عن اختلاف علمائنا ومشايخنا في فهم الدليل، وهذا لا حرج فيه، ولا عيب فيه، وقد اختلف الصحابة لهذا السبب ومعلمهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ففي دليل صريح جدًّا واضح جدًّا قال: «لا يُصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة»، فاختلف الصحابة مع أن الدليل واضح وهم أهل لغة وأهل بيان وأهل فصاحة، لكنهم اختلفوا في فهمهم لهذا الدليل.
ففريق صلى العصر حين حان وقتها في الطريق، وفريق قال: لا، وأخر الصلاة حتى خرج وقتها، ولم يصلِّ إلا حين وصلوا بني قريظة.
الجميل أنه -صلى الله عليه وسلم- ما عاب صنيع فريقٍ من الفريقين، وما أمر فريقًا بإعادة الصلاة، وإنما -وهذا ما أقصده- وإنما جمع الفريقين معًا في صف واحد وقاتل بهما بني قريظة.
ما أحوجنا إلى تعلم هذا الدرس، إلى أن نجتمع جميعًا الآن في صفٍ واحد لنواجه الأخطار المحدقة بديننا، ثم ببلدنا، الوقت أبدًا لا يحتمل خلافًا، أبدًا، ولا يحتمل تمزيقًا للصف، ولا تشتيتًا للشمل، حتى ولو كنت أخالف هذا الذي أخالفه، الوقت لا يحتمل، ليس معنى ذلك أن نكتم الحق أبدًا، حاشا وكلا ورب الكعبة، بل بيِّن الحق بدليله، لكن ليس معنى أن تبين الحق بدليله أن تنال من الآخرين بلا أدب ولا خلق ولا دين، فهذا ليس خلافًا في الدين، والخلاف المعتبر خلافٌ سائغ، كل فريق له أدلته، وأسباب الخلاف كثيرة منها: الاختلاف في فهم الدليل، أو عدم بلوغ الدليل، أو عدم تحقيق مناط الدليل.
فالصحابة اختلفوا في فهم الأدلة، واختلفوا أيضًا لعدم ثبوت الأدلة عند بعضهم، وكلكم يحفظ أيضًا حديث الطاعون، غاب الحديث عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، هذا كلام غريب جدًّا، غاب عن عمر! نعم غاب عن عمر.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "من ظنَّ أن كل حديث صحيح قد بلغ كل واحد من الصحابة فقد أخطأ خطأً فاحشًا"، لا تظن ذلك، غاب الحديث عن عمر بن الخطاب، وغاب الحديث عن أبي عبيدة بن الجراح، وغاب الحديث عن كل الصحابة مع عمر، وعن كل الصحابة مع أبي عبيدة حين اختلفوا -رضي الله عنهم- في قضية دخول الشام بعد نزول الطاعون بها، حتى جاء عبد الرحمن بن عوف وقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إذا سمعتم بالطاعون في أرض ولم تدخلوها فلا تدخلوها، وإذا وقع الطاعون في أرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه»، فحسم الخلاف بين الفريقين لبلوغه أو لوقوفه على الدليل.
السؤال: أغاب هذا الدليل عن عمر ومن معه؟ نعم، وغاب هذا الدليل عن أبي عبيدة ومن معه؟ نعم.
فلا تتصور أن كل حديث قاله -صلى الله عليه وسلم- قد بلغ كل واحد من أصحاب رسول الله، اسأل الله أن يرزقنا أدب الخلاف.
ثالثًا: (رفع اليدين) انتبه! (رفع اليدين مضمومتي الأصابع) هكذا (رفع اليدين مضمومتي الأصابع ممدودة) هكذا (حذو المنكبين) هذه صورة، (أو الأذنين عند التكبيرة الأولى) انتبه!، (عند التكبيرة الأولى، وعند الركوع، وعند الرفع من الركوع)، انتبه، لأن فيه ناس ترفع اليدين في كل المواطن، لا (رفع اليدين مضمومتي الأصابع، ممدودة حذو المنكبين) هكذا، (أو الأذنين عند التكبيرة الأولى، وعند الركوع، وعند الرفع من الركوع، وعند القيام من التشهد الأول إلى الركعة الثالثة) من المغرب، أو الثالثة من الظهر والعصر والعشاء. واضح؟
أقول مرة أخرى؟ طيب..
ففي الصحيحين من حديث ابن عمر، عن نافع عن ابن عمر: «كان إذا دخل في الصلاة كبَّر -صلى الله عليه وسلم- ورفع يديه»، إذن هذا هو أول موضوع، «إذا دخل في الصلاة كبر ورفع يديه، وإذا ركع رفع يديه، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، رفع يديه، وإذا قام من ركعتين رفع يديه» ورفع ذلك -أي ابن عمر- إلى النبي -صلى الله عليه وسلم.
رابعًا: (ما زاد عن واحدة في تسبيح الركوع والسجود)، وذكرنا أن التسبيح في الركوع هو قول: "سبحان ربي العظيم"، وفي السجود هو قول: "سبحان ربي الأعلى".
بيَّنا قبل ذلك في واجبات الصلاة من حديث عقبة بن عامر، ومن حديث عبد الله بن عباس، أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يقول في الركوع: سبحان ربي العظيم. وكان يقول في السجود: سبحان ربي الأعلى.
وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أن ما زاد عن التسبيح في الركوع، أو عن واحدة في التسبيح في الركوع والسجود سنة وليس بواجب، ولذلك الشيخ -رحمه الله- قيَّد هنا بأن السنة منه ما زاد عن التسبيحة الأولى، فرَّق بين الواجب وبين السنة.
إن: الواجب أن تسبح على الأقل مرة واحدة، أما ما زاد عن المرة الواحدة سنة.
خامسًا: من سنن الصلاة أيضًا: (ما زاد على قول: "ربنا لك الحمد" أو قول "ربنا ولك الحمد) كما بيَّنت.
كان يقول -صلى الله عليه وسلم- بعد القيام من الركوع: «ربنا لك الحمد»، أو «ربنا ولك الحمد»، إلى آخره.
ما زاد عن ذلك فهو سنة، أما هذا الذي ذكرناه فهو واجب، لكن الذي يزيد عن هذا الواجب يندرج تحت سنن الصلاة، فقد ثبت في صحيح البخاري مثلًا وغيره أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: «ربنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه»، كل الزيادة هذه ماذا؟ سُنة، من فضل الله تبارك وتعالى.
سادسًا: (جعل الرأس حيال الظهر في الركوع)، لحديث أبي حميد الساعدي في صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفيه: «وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هصر ظهره»، العرب يقولون: هصر الغصنَ أي أماله إليه، هصر الغصنَ، أو هصر الغصنُ، أي مال الغصن، «ثم هصر ظهره»، أي جعل الرأي، يعني أمال ظهره، واعتدل ظهره، وجعل الرأس حيال الظهر.
سابعًا: (مجافاة اليدين عن الجنبين، والبطن عن الفخذين، والفخذين عن الساقين في السجود)، هذه أيضًا من السنن، لحديث أبي حميد الساعدي في صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، «وكان إذا سجد أمكن أنفه وجبهته من الأرض، ونحَّى يديه عن جنبيه، ووضع كفيه حذو منكبيه».
وقد ذهب فريق من أهل العلم إلى أن المرأة تخالف في السجود، فريق، ذهب فريق من أهل العلم إلى أن المرأة تخالف في هيئة الركوع والسجود الرجل، فلا تجافي، ولكنني لم أقف أبدًا على دليل يُفرِّق بين الرجل والمرأة في هيئة الركوع أو هيئة السجود أو في الصلاة، لم أقف على دليل يفرق بين الرجل والمرأة في كيفية الصلاة، والله أعلم.
ثامنًا: (رفع الذراعين عن الأرض حين السجود)، يعني لا يضع الذراعين على الأرض كحال السبع وغيره، وإنما رفع الذراعين عن الأرض حين السجود لقول النبي -عليه الصلاة والسلام: «إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك».
تاسعًا: (جلوس المصلي على رجله اليسرى مفروشة، ونصب اليمنى في التشهد الأول وبين السجدتين)، وهذا يسمى ماذا؟ الافتراش، للحديث الذي رواه مسلم من حديث عائشة، قالت: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يفرش رجله اليسرى، وينصب رجله اليمنى».
ويجوز كذلك بين السجدتين -هذه إضافة قد تكون جديدة عند بعض إخواننا، وبعض من يشاهدوننا- يجوز كذلك بين السجدتين أن ينصب قدميه، وأن يقعد على العقبين أحيانًا بين السجدتين، وهذا ما يسميه علماؤنا بالإقعاء، هذا ما يسمى بالإقعاء، أن ينصب القدمين وأن يجلس بمقعدته عليهما من الخلف، بين السجدتين وليس في جلسة التشهد الأول أو التشهد الأخير، فالتشهد الأول فيه الافتراش، والتشهد الأخير فيه التورك، فهذه الجلسة تسمى بالإقعاء، لحديث طاووس، قلنا لابن عباس في الإقعاء على القدمين: إنا لنراه جفاء بالرجل، فقال ابن عباس -رضي الله عنهما: "بل هي سنة نبيك"، والحديث رواه مسلم وأبو داوود وغيرهما.
عاشرًا: (التورك في التشهد الأخير في الرباعية والثلاثية) في المغرب في التشهد الأخير، وفي الرباعية من الظهر والعصر والعشاء.
(وهو: الجلوس على المقعدة وجعل رجله اليسرى تحت اليمنى ونصب الرجل اليمنى)، معروف التورك، يجلس على مقعدته ويجعل رجله اليسرى تحت رجله اليمنى، وينصب رجله اليمنى، كما في حديث أبي حميد الساعدي -رضي الله عنه- في صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم.
الحادي عشر: (الإشارة بالسبابة في التشهد الأول والثاني من حين جلوسه) هكذا يقول الشيخ (من حين جلوسه إلى نهاية التشهد وتحريكها عند الدعاء)، لحديث عبد الله بن عمر في صحيح مسلم: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه، ورفع أصبعه اليمنى»، و"أصبعه" فيها خمسة أوجه، «ورفع أصبعه اليمنى التي تلي الإبهام»، السبابة يعني، «فدعا بها، ويده اليسرى بسطها على ركبته اليسرى»، «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه، ورفع أصبعه اليمنى التي تلي الإبهام فدعا بها، ويده اليسرى بسطها على ركبته اليسرى»، أو «ويده اليسرى بسطها على ركبته اليسرى».
لا تجوز الإشارة بغير السبابة اليمنى، فعن سعد بن أبي وقاص قال: «مرَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنا أدعو بإصبعي»، عليه الصلاة والسلام- مرَّ وسعد يدعو بأصبعين اثنين، «بإصبعي، فقال: أحِّد أحِّد، وأشار بالسبابة»، رواه أبو داوود والنسائي بسند حسن.
وفيه خلاف -كما تعرفون- في الإشارة بالسبابة، هل يحركها أم يشير فقط؟ فيه قولان للمسألة لأهل العلم:
- منهم من قال يحركها، واستدلوا على ذلك بما رواه البيهقي بسند صحيح عن وائل بم حُجر -رضي الله عنه- وفيه -في الحديث- «ثم رفع -صلى الله عليه وسلم- أصبعه، فرأيته -وائل يقول -رضي الله عنه- فرأيته يحركها، يدعو بها»، إذن هذه رواية تثبت التحريك.
وقد علَّق -انظر الفهم للدليل، من هنا يأتي الخلاف بسبب الاختلاف في فهم الدليل- الإمام البيهقي الذي روى الحديث بسند صحيح عن وائل بن حُجر هو يعلق ويقول: "يحتمل أن يكون المراد بالتحريك: الإشارة لا أن يكرر التحريك"، إذن هذا هو فهمه للدليل، وائل بن حُجر يقول: «فرأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فرفع أصبعه، فرأيته يحركها ويدعو بها»، هو وضع يده هكذا على ركبته، ثم رفع السبابة، أشار بها، ففهم البيهقي يقول: "يحتمل أن يكون المراد بالتحريك: الإشارة"، فالإشارة في حدِّ ذاتها حركة، الإشارة حركة، ففهم أن المراد بالتحريك: الإشارة، وليس المراد بالتحريك أن يكرر تحريك الأصبع.
واستدلوا برواية عبد الله بن الزبير -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- «كان يشير بأصبعه إذا دعا»، انتبه، هو يقول: «لا يحركها»، هذا الدليل الذي يستدل به الفريق الآخر، والحديث رواه أبو داوود بإسناد صحيح عن عبد الله بن الزبير قال: «كان يشير بأصبعه إذا دعا، لا يحركها».
وأما الحديث الذي يستدل به بعض إخواننا بعض الطلاب، عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «تحريك الأصبع في الصلاة مذعرة للشيطان»، فهذا حديث ليس صحيحًا، رواه البيهقي، وتفرد به الواقدي وهو ضعيف كما تعلمون، لا يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم.
هذا بالنسبة للإشارة في التشهد الأول، والتشهد الأخير.
الثاني عشر: (الدعاء في التشهد الأخير)، وقد ذكرت بعضه آنفًا، كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن، «اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال»، وفي لفظ «من شر فتنة المسيح الدجال».
الثالث عشر: (الجهر بالقراءة في صلاة الفجر- في الركعتين الأوليين طبعًا- وفي الركعتين الأوليين من صلاة المغرب، وكذلك من صلاة العشاء، والجهر في صلاة الجمعة، وفي صلاة العيدين، وفي صلاة الاستسقاء).
الرابع عشر: (الإسرار بالقراءة في الظهر، والعصر، وفي الركعة الثالثة من صلاة المغرب، وفي الركعتين الأخيرتين من صلاة العشاء).
الخامس عشر: (قراءة ما زاد عن الفاتحة -باختصار- من القرآن)، كما في الصحيحين عن أبي قتادة -رضي الله عنه- قال: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب، ويُسمعنا الآية أحيانًا، ويقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب»، أي بدون السورة.
ثم قال الشيخ -رحمه الله تعالى: (يستحب ترتيل القرآن وتدبره لقوله -تعالى: ﴿وَرَتِّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً﴾ [المزمل: 4]).
ثم قال الشيخ -رحمه الله تعالى: (مع مراعاة بقية ما ورد من السنن في الصلاة سوى ما ذكرنا، ومن ذلك:)، ذكر الذكر في الركوع، وذكر أيضًا ما زاد عن الذكر الذي ذكرناه في السجود.
ومن السنن أيضًا: اتخاذ السترة، ومن أهل العلم من يرى أن اتخاذ السترة أيضًا واجبًا وليس سنة، وهكذا..
أكتفي بهذا القدر لأن الوقت مضى، ولم يتسع الوقت للحديث أيضًا عن مبطلات الصلاة، فضلًا عن الوضوء وما يتعلق به، و-إن شاء الله تعالى- أحيلكم إلى موقع الأكاديمية بفضل الله -تبارك وتعالى- فقد شرحت هذه الدروس أيضًا بفضل الله باستفاضة.
واسأل الله -سبحانه وتعالى- بعد هذه الجولة المباركة، مع هذه الرسالة اللطيفة الكريمة، الدروس المهمة لعامة الأمة لسماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله تعالى-، أسأل الله -عز وجل- أن يتقبلها منَّا، وأن يجعلها خالصة لوجهه، وأن يرزقنا الإخلاص في الأقوال والأعمال والأحوال.
وأكرر شكري لربي -تبارك وتعالى- أن يُقرن اسمي باسم شيخي، وأن يتفضل عليَّ بشرح رسالة وكتاب للشيخ، فهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، ولكن أردد ما رددته في أول لقاء، وأقول:
أسير خلف ركب القوم ذا عرج
مؤملا جبر ما لاقيت من عرج
فإن لحقت بهم من بعد ما سبقوا
فكم لرب الورى في الناس من فرج
وإن ضللت بقفر الأرض منقطعاً
فما على أعرج في ذاك من حرج
وأسأل الله أن يسترنا وإياكم في الدنيا والآخرة، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها مما بطن، وأن يرزقنا الإخلاص في الأقوال والأعمال والأحوال، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ولا أنسى أن أتقدم بخالص الشكر لإخواننا الأفاضل ومشايخنا الأجلاء، وعلمائنا الفضلاء بالأكاديمية الإسلامية المفتوحة بمدينة الرياض العامرة في بلاد الحرمين -أدام الله عليها أمنها وأمانها ورخاءها واستقرارها- وجزى الله علماءنا في بلاد الحرمين وفي مصر وفي جميع بلاد المسلمين خير الجزاء، اسأل الله أن يحفظهم وأن يبارك فيهم وأن يزكيهم، وألا يحرم المسلمين من علمهم ومن عطائهم، وأن يُبارك في أولادهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
عدد الطلاب الملتحقين بالأكاديمية بفضل الله -تبارك وتعالى- بفضل الله 25 ألف طالب وطالبة ينتسبون إلى 82 دولة، هذا من فضل الله.
الموقع الخاص بالأكاديمية جمع كل الحلقات فيديو وصوت وتم تفريغ جميع الدروس، كما تم وضع واجبات لجميع الدروس، كما سيكون هناك شهادات تُمنح لجميع الطلاب والطالبات الذي شاركونا الدورة من الأكاديمية، علمًا أن سماحة المفتي العام للمكلة -حفظه الله تعالى- فضيلة الشيخ عبد العزيز زكَّى الأكاديمية وأنشطتها، وستكون الاختبارات -بإذن الله تعالى- عن طريق الإنترنت، وموعد الاختبارات محدد على الموقع الخاص بالأكاديمية على شبكة الإنترنت.
إضافة إلى جوائز نقدية قيمة للفائزين في مسابقة الدورة، إن شاء الله سأدخل معكم الامتحانات، لعلنا نُرزق.
أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يرزقنا وإياكم الفوز في الآخرة، وأن يجعلنا وإياكم من سعداء الدنيا والآخرة.
ووصيتي لي ولأبنائي ولإخواني وأحبابي: أن تواصلوا طلب العلم، وأن تحققوا ما استطعتم تقوى الله -عز وجل-، وأن تفتشوا عن الخشية بعد طلبكم للعلم في كل مجلس، فإن لم تجد نفسك قد حصَّلت خشية الله -تارك وتعالى- فعاود البدء من جديد، فإنما العلم خشية الله.
كما قال إمام أهل السنة: "ليس العلم بكثرة الرواية والدراية، وإنما العلم خشية الله، ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ﴾ [فاطر: 28] ".
أسأل الله أن يرزقنا وإياكم خشيته في السر والعلانية، وأن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال.
ولا أنسى أن أتقدم بخالص الشكر لقناة الرحمة المباركة المسددة، وأبشركم بإذن الله تعالى أن قناة الرحمة سوف تعقد أيضًا دورة علمية مكثفة في كل أيام الأسبوع ما عدا الجمعة، وفي كل يوم بين المغرب والعشاء، في مثل هذا المكان، وفي مثل هذا المجلس المبارك.
وسيتقدم مجموعة من علمائكم المعروفين البارزين الموفقين لشرح كتب كاملة بإذن الله -تبارك وتعالى- سوف تعلن قناة الرحمة عن هذه الدورة العلمية -إن شاء الله تعالى- المكثفة.
وإن شاء الله تعالى سأقوم -بإذن الله- بشرح كتاب العقيدة الطحاوية مرة أخرى، وقد شرحتها قبل ذلك منذ أكثر من خمسة عشر عامًا في جامع التوحيد بمدينة المنصورة، لكن -إن شاء الله- سأعاود شرح العقيدة الطحاوية أيضًا شرحًا مختصرًا في هذه الدورة العلمية المكثفة، وسيُشرح الحديث، وسنقدم أيضًا أصول الفقه، والفقه.
وأيضًا سأحاول أن أقدم لكم أيضًا درسًا في اللغة العربية، ويُشرفنا أن يكون معنا في هذه الدروس -دروس اللغة العربية- يُشرفنا أن يكون معنا أستاذي وأستاذنا جميعًا في اللغة العربية أستاذنا الدكتور فتحي جمعة، فأنا أتعلم منه ولا زلت أتعلم منه.
وإن شاء الله تعالى سترون نخبة من أهل الفضل والعلم في هذه الأكاديمية، وهذه الدورة العلمية التي ستعلن عنها قناة الرحمة، واسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجعلها رحمة على الأمة.
وإن وجدتم خللًا سددونا وصوبونا، وخاطبوا القناة، وقدموا النُّصح، واعلموا يقينًا أننا ورب الكعبة لا نتكبر عن الحق أبدًا، ولا نستعلي عليه أبدًا، قد نخطئ، أخطأْنا ونخطئ وسنخطئ، فكل بني آدم خطاء والخير الخطائين التوابون، لكننا لن نتكبر أبدًا، وإنما سنذعن للحق في حياتنا، ونعترف به -إن شاء الله تعالى- بعد مماتنا كذلك، في حياتنا وبعد مماتنا نقر به.
ونسأل الله أن يختم لنا ولكم بخاتمة الإيمان، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
http://islamacademy.net/cats3.php