بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
أما بعد:
فهذا هو اللقاء الثالث من لقاءاتنا في قراءة كتاب الورقات للعلامة الجويني.
وكنا ابتدأنا في اللقاء السابق بالكلام عن الأمر، وذكرنا أن الأمر هو طلب الفعل بالقول على جهة الاستعلاء، ومثلنا له بقوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ [البقرة: 43]، وبقوله -عز وجل-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ﴾ [المائدة: 6]، وبقوله -جل وعلا-: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: 29]، ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ﴾ [الطلاق: 7].
وذكرنا بأن الأمر يفيد الوجوب، وأن الأصل في الأوامر أن تكون مفيدة للوجوب سواء كانت في أبواب الآداب أو في أبواب الأحكام، إذا تجردت عن القرينة فإنها تدل على الوجوب، إلا إذا كان هناك قرينة تصرف الأمر عن الوجوب.
مثال ذلك: قول الله -عز وجل- في البيع: ﴿وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ﴾ [البقرة: 282]، ﴿وَأَشْهِدُوا﴾ فعل أمر، الأصل أن يكون مفيدًا للوجوب، لكن وردنا دليل يدل على أن الأوامر هنا ليست للوجوب، وهو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- باع ولم يُشهد، فدلَّ هذا على أن الإشهاد ليس بواجب؛ إذ لو كان واجبًا لم يتركه النبي -صلى الله عليه وسلم-.
فحينئذ نقول بأن الأمر هنا يفيد الندب ولا يفيد الوجوب؛ لأنه وُجدت معه قرينة.
ومثله قوله -عز وجل-: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾ [المائدة: 2]، ﴿حَلَلْتُمْ﴾ يعني: تركتم الإحرام وانتهيتم من أعمال الإحرام، ﴿فَاصْطَادُوا﴾ الذي هو الصيد؛ لأن المحرم لا يجوز له أن يصيد حال إحرامه، فإذا انتهى من حالة الإحرام فحينئذ يُباح له الصيد.
فقوله -عز وجل-: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾ [المائدة: 2]، ﴿اصطادوا﴾ فعل أمر، صرفناه من الوجوب للإباحة؛ لأن هذا الأمر ورد بعد نهي، والأمر بعد النهي عند الجماهير يُفيد الإباحة.
وبعضهم يقول: يعود على ما كان عليه قبل النهي، كان الصيد قبل النهي مباحًا، فيكون بعد انتهاء وقت النهي للإباحة.
قال المؤلف: (ولا يقتضي التكرار على الصحيح)، فالمراد بالتكرار: فعل الأمر الواجب مرات عديدة، وفعل الأمر إذا كان معه قرينة تدل على التكرار فإنه يُحمل على التكرار، كما في قوله -عز وجل-: ﴿أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾ [الإسراء: 78]، ﴿أَقِمِ﴾ فعل أمر، معناه أنه يتكرر فعل الصلاة بتكرر دلوك الشمس، هنا وُجدت قرينة.
لكن إذا لم توجد قرينة، وُجد فعل أمر ولم توجد معه قرينة، فهل يلزم أن نكرر ما أُمر به مرات عديدة أو نكتفي به مرة واحدة؟ نقول: نكتفي به مرة واحدة.
ولذلك لما قال الله -جل وعلا-: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، هنا صلاة، أمر بالصلاة، لكنه لم يُذكر فيه التكرار، فنحمله على المرة الواحدة، فيُعدّ الإنسان مثلًا لهذه الآية إذا فعل الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- مرة واحدة.
قال: (ولا يقتضي الفور)، المراد بالفور: المبادرة إلى فعل المأمور به، المبادرة إلى فعل المأمور به بمجرد ورود الأمر.
إذا وردنا أمر من الشارع فهل يلزم المبادرة إلى فعله، ونقول: لأن الأمر يقتضي الفور أو لا يقتضي الفور؟ هذا من مواطن الخلاف بين الفقهاء.
تحرير محل النزاع؛ لأنه إذا كان هناك قرينة تدل على أن الأمر للفور أو أن الأمر ليس للفور عُمِلَ بدلالة القرينة، كما لو قال الشارع: افعلوا هذا الفعل مباشرة، فحينئذ نحمله على الفور. لكن إذا لم يوجد مع الأمر دلالة تدل على أنه على الفور، فماذا نقول؟ هل يقتضي الفور أو لا يقتضيه؟
ومن أمثلة ذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من نسي صلاةً؛ فليصلها إذا ذكرها»، فحينئذ رُتِّبَ الأمر هنا على الذكر، وبالتالي نقول: فيه قرينة تدل على وقت فعل المأمور به.
وجماهير أهل العلم على أنَّ الأمر يقتضي الفورية، إذا جاءنا أمر يجب المبادرة إلى امتثاله، واستدلوا على ذلك: بأن العرب يلومون مَن تأخر في امتثال الأمر، لو قال لك والدك: أحضر لي الماء. فتأخرت ولم تحضره إلا بعد ست ساعات أو بعد يوم، ألا يتوجه اللوم هنا عليك؛ لأنك لم تبادر إلى امتثال الأمر؟ فهذا يدل على أن الأمر يقتضي الفور.
قالوا: ولأن الأوقات التي يُفعَل فيها المأمور متفاضلة وليست متماثلة، وأولى هذه الأوقات أن يكون أول الوقت، ولأن الشارع قد أمر بالمسارعة بفعل الطاعات، قال تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [آل عمران: 133]، وقال: ﴿فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ﴾ [البقرة: 148].
واستدل الجمهور على أن الأمر يفيد الفورية بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- في صلح الحديبية، لما منع المشركون النبي -صلى الله عليه وسلم- من العمرة، وأمر أصحابة بأن يحلقوا رؤوسهم ويذبحوا هديهم ويتحللوا، فلم يبادروا إلى فعل ذلك، فذهب مُغضبًا حتى دخل على أم سلمة، فكان في نفس النبي -صلى الله عليه وسلم- لأنه دخل عليها مهمومًا. قالوا: لو كان الأمر لا يفيد الفورية لقالوا: لأن الأمر لا يفيد الفورية وبالتالي سنؤخره مدة، لكن لما اهتمَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بعدم مبادرتهم؛ دلَّ هذا على أن الأمر يفيد الفورية.
وذهب الإمام الشافعي إلى أن الأمر لا يقتضي الفورية -وهو الذي اختاره المؤلف هنا- قالوا: لعدم وجود دليل يدل على دلالة الأمر على الفورية والمبادرة.
قول الجمهور أرجح من قول الشافعي في هذه المسألة للأدلة السابقة.
ومن الثمرات المترتبة على هذه المسألة: مسألة وجوب الحج، هل يجب على الفور أو يجوز تأخيره بالنسبة للقادر؟
الجمهور قالوا: بأن الحج يجب على الفور، لأن الأمر يقتضي الفورية. والشافعية يقولون: يجوز تأخير الحج للقادر، وبناء على ترجيحنا السابق نقول: بأن الأصل وجوب المبادرة إلى الحج.
إذن: أخذنا مسألة إفادة الأمر للوجوب، وأخذنا مسألة إفادة الأمر للتكرار، وأخذنا مسألة إفادة الأمر للفورية.
المسألة الرابعة: قال: (والأمر بإيجاد الفعل أمر به وبما لا يتم الفعل إلا به).
هذه يسمونها وسائل الواجب، فإذا أمر الشارع بفعل فإن هذا الفعل له وسائل لا يتحقق إلا بها، فالأمر بالفعل أمر بوسائله.
مثال ذلك: أمرك الشارع بصلاة الجماعة في المسجد، لكنك لا يمكن تصلي الجماعة في المسجد إلا بالذهاب إلى المسجد، فما حكم الذهاب إلى المسجد؟ يكون الذهاب إلى المسجد واجبًا.
يجب عليك استيعاب وجهك عند الغَسل في الوضوء، ولا تتمكن من استيعاب غسل الوجه إلا بغسل الشعرات الأولى من رأسك، فيكون غسل الشعرات الأولى من رأسك عند غسل الوجه من الواجبات.
أمرك الشارع بغسل قدميك، ولا تتمكن من استيعاب القدمين بالغسل في الوضوء إلا بغسل جزء من الساق، فيكون غسل هذا الجزء من الساق من الواجبات.
قال المؤلف -ممثلًا لهذا: (كالأمر بالصلاة أمر بالطهارة). الطهارة شرط للصلاة، لا تصح الصلاة بدون طهارة. ما الدليل؟ قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ»، فإذا جاءنا أمر من الشارع قال: أقيموا الصلاة، فهو أمر بالطهارة؛ لأن الصلاة لا تصح إلا بالطهارة.
نتكلم هنا عن الوسائل المفضية إلى المقاصد، ونقول: بأن المراد هنا: الوسائل المؤدية لفعل الواجب قطعًا، يعني الذهاب إلى المسجد هذا هو الواجب، لكن تذهب على قدميك، تذهب على السيارة، تذهب على دابة؛ هذا ليس متعينًا. لماذا؟ لأنه ليس الوسيلة الوحيدة لتحقيق فعل الأمر الواجب.
المسألة الخامسة: أن الأمر يقتضي الإجزاء بفعل المأمور به، إذا جاء أمر من الشارع فامتثلته، فحينئذ يُعدُّ فعلك مجزئًا مُسقِطًا للقضاء.
مثال ذلك: جاءنا الشارع بالأمر بالصلاة، فإذا فعلت الصلاة بشروطها وأركانها فإنه حينئذ تعد ممتثلًا للأمر، وقد خرجت عن عهدة التكليف، ولا يلحقك عقاب لأنك قد امتثلت، بل تؤجر.
ولكن في بعض المرات قد لا يؤجر العبد بسبب من الأسباب، كما لو صلى العبد ثم بعد ذلك حصل منه مُحبط لأجر الصلاة، ويمثلون له بما ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا أبق البعد؛ لم تُقبَل له صلاة حتى يرجع»، أبق يعني: هرب، والعبد يعني المملوك، يعني المملوك عندما يهرب من سيده فإنه لا تقبل له صلاة حتى يرجع، معنى هذا أنه يؤمر بأداء الصلاة ويخرج من العهدة لكنه لا يؤجر على هذه الصلاة.
ومثل هذا ما فُسّر به، ما ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَن شرب الخمر؛ لم تقبل له صلاة أربعين يومًا»، مع الكلام في إسناد هذا الخبر.
والأوامر والنواهي ليست مقصودة للشارع لذاتها، وإنما هناك غايات وحِكم ومقاصد قصدها الشارع من هذه الأوامر والنواهي، وكذلك قصد الشارع من الأوامر والنواهي اختبار العباد، هل يمتثلون أو لا يمتثلون؟ وكذلك هناك معاني أخرى مقصودة للشارع في هذه التكاليف تعود إلى الله -جل وعلا-، منها: رضى رب العزة والجلال عن الطائعين وفرحه بطاعتهم، ونحو ذلك.
قال المؤلف: (بيان مَن يدخل في الأوامر ومَن لا يدخل).
يعني إذا جاءنا أمر من الشارع، مَن الذي يدخل؟ مَن الذي يكون مكلفًا؟
لفظة "التكليف" سبق أن ذكرنا أنه يُراد بها معنيان:
- الأول: العقل.
- والثاني: البلوغ.
ما هما؟
العقل والبلوغ.
قال المؤلف: (يدخل في خطاب الله تعالى المؤمنون).
إذا قال الله -عز وجل-: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾، فإن المؤمن يدخل.
كذلك يدخل الساهي، لكنه لا يُطالب بما سها عنه في وقت السهو، إنما يُطالب به بعد التذكر، وذلك لقول النبي -صلى الله عليه وسلم: «مَن نام عن صلاة أو نسيها؛ فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك».
من المراد بالساهي؟ الغافل الذي غفل عن الأمر الشرعي.
القسم الثالث: الصبي، مَن هو الصبي؟ صغير السن. الصبي يُطلق على ثلاثة أنواع:
النوع الأول: الصبي الذي لا يفهم شيئًا، كابن سنة، وابن سنتين، هذا لا يفهم أي شيء، هذا لا يدخل في الخطاب مطلقًا لعدم وجود العقل عنده.
النوع الثاني: الصبي الذي عنده نوع فهم، لكنه لم يبلغ التمييز. ابن أربع سنوات لو قلت له: أحضر لي ماءً، فَهِم، لكنه ليس لديه التمييز، فهذا إذن غير مُكلَّف بالاتفاق؛ وذلك لأن هذا الصبي لا يميِّز كلام الشارع. لكن لو أتلف مالًا لغيره، قلنا: يجب الضمان عليه في ماله إن كان عند هذا الصبي مال.
القسم الثالث: الصبي المميِّز.
والتمييز بعضهم يقول: إنه ببلوغ ست سنوات، وبعضهم يقول: بسبع، وبعضهم يقول: بكون الصبي يقدر على فهم الخطاب ويرد الجواب.
هذا المميِّز، الصبي المميِّز هل هو مكلَّف أو لا؟ نقول: ليس مكلَّف بالواجبات والمحرمات، لكنه مكلَّف بالمندوبات، ولذلك يُندب لفعل الصلاة، ويُندب لفعل الصيام، لكنها ليست واجبة عليه، ولو تركها فإنه لا يأثم بذلك.
طيب.. إذن: الصبي غير داخل في الخطاب.
المجنون هل هو داخل في الخطاب؟ المراد بالمجنون: مَن ذهب عقله بدون فعل منه، السكران ما يُقال له مجنون.
المجنون مرفوع عنه التكليف، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم: «رفع القلم عن ثلاثة»، وذكر منه «المجنون حتى يفيق»، فلو قُدِّر أن المجنون يُجنُّ بعض الوقت ويصحى بعض الوقت، فحينئذٍ في وقت الصحو هو مكلَّف تتوجه له الأوامر، وفي وقت الجنون هو غير مكلَّف، وبالتالي لا تتوجه له الأوامر.
نبقى في الكفار، هل يُخاطبون أو لا؟ فنقول: الكفار يُخاطبون بأصل دين الإسلام. ما هو أصل دين الإسلام؟ الشهادتان، شهادة التوحيد لله، وشهادة الرسالة للنبي -صلى الله عليه وسلم-.
والكفار بالنسبة للمخاطبة بأصل الإسلام هم مخاطبون بالإجماع، لكن هل يُخاطب الكفار بفروع دين الإسلام مثل الصلاة والصيام، ونحوها من الأعمال، أو لا يُخاطبون بذلك؟
جماهير أهل العلم قالوا: الكفار مخاطبون بفروع الإسلام، وذلك لعدد من الأدلة:
- الدليل الأول: قول الله -عز وجل-: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾ [آل عمران: 97]، فقال هنا: ﴿عَلَى النَّاسِ﴾ فشمل الكفار.
ولأن الله -عز وجل- قال: ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ﴾ [المدثر43،42]، ثم بعد ذلك بيَّن أنهم كفار، فدلَّ هذا على أنهم يُخاطبون بالصلاة.
بعض الأشاعرة قال: الكفار غير مخاطبين بفروع الإسلام وبعض المرجئة، بنوه على أي شيء؟ بنوه على قولهم بأن الكُفر على رتبة واحدة، فإذا كَفر بترك الشهادتين فحينئذ لا يُعاقب زيادة عقوبة لتركه بقية شرائع الإسلام، وبنوا هذا على أن الكفر على رتبة واحدة، لا يزيد ولا ينقص. والصواب: أن الكفر يزيد وينقص، كما نقول ذلك في الإيمان: يزيد وينقص.
ويدل على أن الكفر يزيد وينقص عدد من النصوص:
منها قول الله -عز وجل-: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا﴾ [النساء: 137].
ومنها قول الله -عز وجل-: ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ﴾ [التوبة: 37].
ويدل على هذا: أن النار ليست على رتبة واحدة، بل هي على رتب متفاوتة، ولذا قال الله -عز وجل-: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾ [النساء: 145].
هذه المسألة إذن -مسألة تكليف الكفار بفروع الشريعة- مسألة مبنية على أصل عقدي، وهو معتقد الإرجاء، ولا يترتب عليها ثمرات فقهية، ومَن رتَّب عليها ثمرات فقهية نجد أنها لا تعم جميع الكفار، بل تكون إما للمرتد، أو تكون للكافر الحربي، أو تكون للذمي، لكن لا يوجد ثمرة تشمل جميع أنواع الكفار.
قال: (وبما لا تصح إلا به)، يعني أن الكفار يخاطبون بأصل دين الإسلام الذي لا تصح العبادات والفروع إلا به وهو الإسلام، فالمؤلف اختار قول الجماهير في هذه المسألة، ولم يسر على قول الأشاعرة فيها.
من الأمور المتعلقة بثمرات الأمر: أن الأمر بالشيء نهي عن ضده، ما المراد بالضد؟ الضدان: ما لا يجتمعان.
مثال ذلك: في الألوان مثلًا، هنا هذا لون أحمر، يمكن أن تكون النقطة الواحدة حمراء وفي نفس الوقت تكون سوداء؟ لا يمكن، لماذا؟ لأنهما ضدان، فالضدان: ما لا يجتمعان في محل واحد.
نريد أحدكم أن يقوم ويكون واقفًا وفي نفس الوقت يكون جالسًا، ممكن يفعل ذلك؟ نقول: لا يمكن. لماذا؟ لأنهما ضدان، والضدان لا يمكن أن يجتمعا في وقت واحد.
إذن: عرفنا معنى كلمة (عن ضده) يعني عما لا يجتمع معه.
إذا أمرك الشارع بأداء الصلاة فحينئذ هذا نهي عن جميع الأفعال التي لا تجتمع مع الصلاة، مَن يُمثّل لنا بأفعال لا تجتمع مع الصلاة؟ مَن يُمثّل؟
{الأكل}.
الشيخ:
الأكل، الذهاب.
{الضحك}.
الشيخ:
الضحك. طيب..
إذن: لا تفهم من كلمة (عن ضده) يعني عن نواقضه، مثال ذلك، نمثِّل بمثال آخر: أمر الشارع المكلف بالذهاب للحج، معناه: نهيه عن الجلوس في بلده، لأنهما ضدان، معناه نهي عن سفره إلى بلد آخر، هل يمكن أن يكون حاجًا وفي نفس الوقت جالسًا في بلده؟ لا يمكن، وبالتالي الأمر بالحج نهي عن البقاء في البلد، ونهي عن السفر في ذلك الوقت إلى بلد آخر، لأن الأمر بالشيء نهي عن ضده من جهة المعنى، ولذلك الأمر بالعفاف لمن لا يتمكن من العفاف إلا بالزواج، يدل على الأمر بالزواج، ويدل على النهي عن العزوبة.
إذن: الأمر بالعفاف نهي عن العزوبة لمن كان لا يتمكن من العفاف إلا بالزواج.
بعكس هذه، لو كان هناك نهي عن أحد الأفعال فهو نهي عن.. النهي عن الشيء أمر بأحد أضداده.
مثال ذلك: قول النبي -صلى الله عليه وسلم: «قم إلى الصلاة»، وقوله ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾، "قم" هنا أمر بالقيام، نهي عن الأضداد هي الجلوس والاضطجاع، لكن لو جاءنا نهي من الشارع عن الاضطجاع فهو أمر بأحد الأضداد، إما أن تجلس وإما أن تقوم.
إذن: الأمر بالشيء نهي عن جميع أضداده، والنهي عن الشيء أم بأحد أضداده. يقابل الأمرَ النهي، ما المراد بالنهي؟ طلب ترك الفعل على جهة الاستعلاء.
مثال ذلك: "لا تتكلموا" هذا نهي؛ لأنه طلب لترك الفعل على جهة الاستعلاء.
من يمثل بالنهي في النصوص الشرعية؟
﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ [الجن: 18]، "لا تدعوا"، ﴿لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى﴾ [النساء: 43]، "لا تأكلوا أموال الناس بالباطل"، إذن هذه أداوت النهي.
النهي: فعل مضارع مسبوق بـ"لا"، هذه الصيغة الأصلية.
طيب.. قال: (استدعاء الترك بالقول)، لأنه لا يكون نهيًا إلا إذا كان قولًا، وتقدم معنا أن الصواب أن "القول" إنما يُراد به الأصوات والحروف.
(ممن هو دونه على سبيل الوجوب)، يعني على سبيل تحتم الترك، ما هو مُفاد النهي؟ إذا جاءنا نهي فإنه يفيد التحريم، ﴿فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ [الجن: 18]، تفيد تحريم توجيه الدعاء إلى غير الله -عز وجل، ﴿وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ﴾ [البقرة: 188]، يفيد التحريم، ﴿وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى﴾ [الإسراء: 32]، تفيد التحريم.
طيب.. إذن: ما الدليل على أن النهي يفيد التحريم؟
قول الله -جل وعلا-: ﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: 7]، ولأن العرب تفهم من النهي التحريم.
كذلك النهي يدل على الفساد، لو أدينا شيء على صفة منهي عنها فإنه يكون فاسدًا، ما معنى كونه فاسدًا؟ لا تترتب عليه آثاره.
مثال ذلك: نكاح الشغار، ما هو نكاح الشغار؟ نكاح البدل، زوجني أختك وأنا أزوجك أختي، هذا نكاح الشغار، نهى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، إذا كان هناك نكاح شغار، فإنه حينئذ يكون نكاحًا فاسدًا؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد نهى عنه.
ماذا يترتب عليه؟ لا تجب فيه نفقة، لا يجوز الوطء فيه، لا تترتب عليه أي آثار من آثار عقد النكاح الصحيح.
طيب.. قال: (وترد صيغة الأمر)، يعني هناك في بعض المواطن تكون صيغة الأمر معها قرينة فنصرفها عن الوجوب إلى معنًى آخر، فتكون مرة للإباحة، كما مثلنا بقوله: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾ [المائدة: 2].
قال: (وترد صيغة النهي والمراد به الإباحة أو صيغة الأمر) ترد صيغة الأمر والمراد به الإباحة أو التهديد.
مثال ذلك في قوله: ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [فصلت: 40]، هذا تهديد، «إذا لم تستح؛ فاصنع ما شئت»، هذا تهديد.
كذلك في مرات تأتي صيغة الأمر ويُراد بها التسوية، يعني أن فعل المأمور وعدم فعل المأمور سواء، مثل قوله -عز وجل- عن أهل النار: ﴿اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ﴾ [الطور: 16].
وكذلك قد ترد صيغة الأمر ويُراد بها التكوين، يعني الخلق. مثال ذلك: قوله -عز وجل: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس: 82]، هنا ﴿كُنْ﴾ فعل أمر، لكنه لا يُراد بها طلب الفعل، إنما يُراد بها التكوين.
ننتقل بعد ذلك إلى الكلام عن العام والخاص، قال المؤلف: (وأما العام)، نعم.. في تعريف العام، عندكم سؤال في الأوامر والنواهي؟
{يا شيخ: أحسن الله إليك، هل كل فعل مضارع على الإطلاق إذا سُبِقَ بـ"لا" الناهية يعتبر من النهي؟}.
الشيخ:
نعم، كل فعل مضارع مسبوق بـ"لا" الناهية فإنه يكون نهيًا.
{طيب.. يقول الله تعالى ﴿لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [القيامة: 1]، هل هنا النهي عن قسم بيوم القيامة}.
الشيخ:
هل هذه "لا" ناهية أم "لا" نافية؟ "لا" الناهية تجزم الفعل المضارع، و"لا" النافية لا تجزم الفعل المضارع.
{إذن هنا نافية}.
الشيخ:
هنا "لا" النافية، إذن تفرقون بين "لا" الناهية، و"لا" النافية.
نعم، سؤال؟ أعطه اللاقط.
{أحسن الله إليك يا شيخ. الفعل إذا دلَّ على الأمر هل يقتضي الوجوب؟}.
الشيخ:
فعل الأمر يدل على الوجوب كما تقدم.
{لكن تعريف الشيخ يقول: (بالقول)}.
الشيخ:
نعم بالقول، الفعل فعل الأمر الذي هو..، الكلام ثلاثة أنواع: حروف وأفعال وأسماء.
الأفعال منها: فعل ماضي وفعل مضارع وفعل أمر. فعل الأمر الذي هو نوع من أنواع الكلام هذا يفيد الوجوب.
فعل الإنسان هذا لا يدخل معنا، نحن نتكلم عن الكلام، أقسام الكلام قلنا أنه ثلاثة أقسام، وأما ما يفعله الإنسان هذا ليس كلامًا، ولذلك لا نتحدث عنه.
طيب.. قال المؤلف: (العام والخاص)، المراد بالعام: هناك ألفاظ تصدق على فرد واحد، مثال ذلك: " زيد - عبد الحكيم"، هذا فرد واحد.
وهناك ألفاظ تدل على مجموعة لكنها لا تستغرق، مثال ذلك: "طلاب" يدل على مجموعة لكنه لا يستغرق جميع الطلاب.
وهناك ألفاظ تكون مستغرقة لجميع الأفراد، مثل لفظة: "الطلاب - الناس"، فتشمل جميع الأفراد بدون استثناء.
إذن: عندنا ألفاظ تشمل فردًا واحدًا، يقال لها: خاص.
وهناك ألفاظ تشمل مجموعة لكنها غير محصورة، ويسمونها "المطلق". ماذا تسمى؟ "المطلق"، مثل: رجال.
وهناك ألفاظ مستغرقة لجميع أفرادها، مثل لفظة: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ [النساء: 34]، فهذا ماذا؟ لفظ مستغرق، هذا لفظ مستغرق، وهو الذي نسميه "العام".
إذن: "العام" لفظ مستغرق لجمع أفراد الجنس، عرفه المؤلف، قال: (أما العام: فهو ما عمَّ شيئين فصاعدًا)، هذا في تفسيره في اللغة.
(من قولهم: عممت زيدًا وعمرو بالعطايا، وعممت جميع الناس بالعطايا)، فهذا تعريف لغوي لكمة "عامة".
وأما تعريف "العموم" في الاصطلاح، فالمراد به: اللفظ المستغرق لجميع أفراده.
(وألفاظه أربعة)
اللفظ الأول: الاسم، إذن ألفاظ ماذا؟ ألفاظ العموم. ما معنى العموم؟ المستغرق لجميع أفراد الجنس.
مثال ذلك: لو قال شخص: هناك رجال قد خالفوا أمر الله، فحينئذٍ نقول: هذا كلام صحيح، لأنه مطلق، "رجال"، لكن لو قلت: جميع الرجال قد خالفوا أمر الله. نقول: هذا لا يصح؛ لأنه حكم على العموم، وبالتالي لا يصح أن تحكم بالعموم لأمر لم يفعله إلا البعض، وبالتالي نفرق بين العام والمطلق.
العموم الذي يستغرق جميع الأفراد له ألفاظ خاصة، لا نجعل اللفظ دالًا على جميع الأفراد إلا إذا كان من هذه الألفاظ.
قال: (وألفاظه أربعة:
الأول: الاسم الواحد المعرف بالألف واللام).
الألف واللام "أل" التي تكون في الأول، إذا كان هناك لفظ مفرد مُعرَّف بـ"أل" فإنه يفيد العموم.
مثال ذلك: إذا قلت: ﴿إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ [العصر: 2]، "إنسان" مفرد، عُرِّف بـ"أل"، فحينئذ نقول: يفيد العموم.
مثال ذلك: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ﴾ [المائدة: 38]، "السارق" مفرد معرف بـ"أل" فيفيد العموم. نعم..
{﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ﴾}.
الشيخ:
"الرجال" هذا ليس من القسم الأول، لأن "الرجال" جمع مُعرَّف بـ"أل"، لأننا نتكلم في القسم الأول: المفرد المُعرَّف بـ"أل" بشرط أن تكون هذه الـ"أل" للاستغراق.
النوع الثاني: اسم الجمع المُعرَّف بـ"أل"، الذي تذكره، جامع إذا عُرِّف بـ"أل"؛ فإنه يفيد العموم.
مثال ذلك: قوله -عز وجل-: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ﴾ [الأحزاب: 35]، "المسلمين" جمع مُعرَّف بـ"أل" فيفيد العموم.
﴿لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران: 28]، "المؤمنون" جمع معرف بـ"أل"، و"الكافرين" جمع معرف بـ"أل"، فيفيد العموم.
النوع الثالث من الألفاظ المفيدة للعموم: الأسماء المبهمة التي لا تدل على معنى بنفسها، لا بد أن تكون أسماء، وأن تكون مبهمة.
مثال ذلك: قوله -جل وعلا-: ﴿لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ﴾ [البقرة: 284]، ﴿لِلَّهِ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ﴾ [يونس: 66]،
يعني البعض أم الجميع؟ الجميع، لأنه من ألفاظ العموم، سواء كانت منها "من" فيمن يعقل، سواء كانت اسم موصول ﴿لِلَّهِ مَن فِي السَّمَاوَاتِ﴾، أو كانت للاستفهام ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [البقرة: 255]، لذلك استثنى، أو كانت شرطية، ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: 7].
وهكذا أيضًا لفظة "ما" إذا جاءت على كونها اسمًا فإنها تفيد العموم، تستغرق جميع الأفراد، كقوله: ﴿لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ﴾ [البقرة: 284].
لكن إذا كانت "ما" حرفًا للنفي، فهذه لا تفيد العموم، مثل: ﴿مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ﴾ [يس: 30]، هنا "ما" حرف، ليست باسم، وبالتالي لا تفيد العموم.
وقال: (وأي)، أن لفظة "أي" تفيد العموم، قال: (في الجميع)، يعني فيمن يعقل وفيمن لا يعقل؛ لأن الأصل في "من" أن تكون للعقلاء، و"ما" تكون لغير العقلاء. أما "أي" فتكون للجميع، قال تعالى: ﴿أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى﴾ [الإسراء: 110]، فهنا "أي" أفادت العموم.
بعض أهل العلم قال بأن "أي" لا تفيد العموم وإنما تفيد الإطلاق، ولكنها تكون مفيدة للعموم إذا كانت في سياق النفي.
أيضًا من الأسماء المبهمة: "أين" في المكان، ومثل قوله: ﴿فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ﴾ [التكوير: 26]، ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ﴾ [النساء: 78]، هنا هذا في بعض الأماكن دون بعض أو في جميع الأماكن؟ في جميع الأماكن، لأنها للعموم.
هكذا أيضًا "متى"، فإنه تفيد العموم في الزمان: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [يونس: 48].
ومثله: ﴿حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ﴾ [البقرة: 214].
قال: ("ما" في الاستفهام)، يعني إذا كانت للاستفهام والسؤال، (أو للشرط) الذي سماه الجزاء، (أو كانت موصولة) فإنها تفيد العموم.
كم عندنا من صيغة الآن تفيد العموم؟
- الصيغة الأولى: الاسم المفرد المعرف بـ"أل".
- الصيغة الثانية: الجمع المعرف بـ"أل".
- الثالثة: الأسماء المبهمة.
- الرابعة: النكرة في سياق النفي، ولذلك قال: (ولا في النكرة)، إذا جاءتنا نكرة في سياق النفي فإنها تفيد العموم.
مثال ذلك: "لا إله إلا الله"، "إله" نكرة جاءت في سياق النفي فتكون مفيدة للعموم.
﴿مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ﴾ [يس: 30]، "رسول" نكرة في سياق النفي "ما" فتكون مفيدة للعموم.
مَن يُمثِّل لها بمثال آخر؟ ﴿مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ﴾ [المجادلة: 7]، "ثلاثة" نكرة في سياق النفي فتفيد العموم.
من يأتي أيضًا؟
مثل النفي النهي فإنه يفيد العموم، إذا كان نكرة في سياق النهي فتفيد العموم، ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ [الجن: 18]، ﴿أَحَدًا﴾ هنا نكرة في سياق النهي فتكون مفيدة للعموم، تشمل الملائكة والصالحين والأنبياء، وتشمل غيرهم.
﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)﴾ [سورة الصمد]، "أحد" نكرة في سياق النفي فتفيد العموم، نعم..
{حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا كذب إلا في ثلاث»}.
الشيخ:
«لا كذب إلا في ثلاث»، نعم..
{"كذب" نكرة}.
الشيخ:
"كذب" نكرة في سياق النفي تكون مفيدة للعموم، لأنه لا يجوز الكذب في جميع المواطن إلا ما ورد استثناؤه بعد ذلك.
قال: (والعموم من صفات النطق)، هذا رد على مسألته قبل قليل. العموم هذا مما يتعلق بالألفاظ، لا يتعلق بالأفعال، ما يقال: هذا فعل عام، وإنما يقال: هذا فعل..، وإنما يقال: الأفعال لا توصف بالعموم، وإنما العموم من صفات الألفاظ، من صفات النطق.
(ولا تجوز دعوى العموم)، يعني لا يصح أن تصف الأفعال بأنها عامة، (ولا تجوز دعوى العموم في غيره من الفعل وما يجري مجراه).
طيب.. لعلنا نستعرض عددًا من الأسئلة الواردة في الموقع، ونترك ما يتعلق بالخاص في لقائنا القادم.
يقول: الحكم التكليفي متعلق بشرب الخمر -كما تقدم معنا- فالتحريم هذا حكم تكليفي، أما النجاسة فهذا ليس حُكمًا تكليفيًا، قد يتعلق بالذوات، فالنجاسة هذا حكم وضعي، والأحكام الوضعية قد تكون في الذوات، فنجاسة الخمر هذا حكم يكون لذات الخمر، وليس متعلقًا بأفعالنا.
ولذلك يختلف حُكم الخمر التكليفي باختلاف ظروفه، لو غَصَّ ولم يجد ما يسيغ به الغصَّة إلا الخمر قلنا: أصبحت الخمر في هذه الحال مباحة أو واجبة، لماذا؟ لأن الحكم التكليفي ليس متعلقًا بذات الخمر.
طيب.. السؤال الثاني: هل نستطيع أن نقول: الأمر بالصلاة نهي عن تركها؟
نقول: هنا لا إشكال فيه، الأمر بالصلاة نهي عن المناقض لها.
طيب.. يقول: ما هي المصطلحات التي يُعبر عنها كل إمام من الأئمة الأربعة عن الأحكام التكليفية؟
الأئمة الثلاثة: الإمام مالك والإمام الشافعي والإمام أحمد يقسمون الأحكام التكليفية إلى هذه الأقسام الخمسة: الواجب والحرام والمندوب والمكروه والمباح.
الإمام أبو حنيفة يزيد حكمين لا نريد أن ندخل في هذا الخلاف الفقهي، خصوصًا أنه لا يترتب عليه كبير ثمرة، ومن ثمَّ نحن في المرحلة الأولى نقتصر على قول واحد.
قول: في تعريف النهي قال المؤلف: (ممن هو دونه)، لو قلتَ "اللهم لا تعذبني" هنا صيغة نهي، لكنها ليست نهيًا، إنما هو دعاء، لماذا؟ لأنك حينئذ تطلب من الله -عز وجل-، فلم يوجد صفة: ممن هو دونه.
وهكذا إذا قُلتَ لأحد من الناس على جهة النصيحة: "لا تفعل هذا الأمر" فهذا التماس ونصيحة وليس نهيًا يترتب عليه الإيجاب.
نحن تكلمنا عن الاصطلاح الأصولي.
يقول: ما هو مفهوم الواجب عند الأصوليين؟
الجواب: الواجب هو: ما طلب الشارع فعله على سبيل الجزم، مثال ذلك: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾، المراد بها الصلوات الخمس.
إذا كان الصبي المميِّز يكلف بالنوافل وهو ابن سبع، فهل تحتجب المرأة من الصبي؟
هذه مسألة فقهية لا علاقة لنا بها في الأصول، وبالتالي لا ندخل العلوم بعضها في بعض، ولسنا هنا حلقة فتوى، وإنما هنا حلقة تعليم وبالتالي نقتصر على تعليم هذا الكتاب الذي بين أيدينا.
سؤال: ما معنى النهي، ما معنى كون النهي عن الشيء أمرًا بضده؟
لا يمكن أن يترك الإنسان المنهي عنه إلا بفعل أحد أضداده، وبالتالي نقول: إذا نُهي عن شيء فلا بد أن تفعل أحد الأضداد.
إذا نُهت عن الاضطجاع فغما أن تجلس وإما أن تقف، لا يمكن أن تترك الاضطجاع المنهي عنه ولا تفعل أحد أضداد ذلك الاضطجاع.
هل كل نهي ورد في الكتاب والسنة يفيد التحريم؟
الجواب: بأن الأصل هو أن هذه النواهي تفيد التحريم، لا يُصرف عن التحريم إلا لدليل.
تفضل يا أخ سليمان من تبوك. استمع إلينا مباشرة بدون.. وأغلق صوت الجهاز، تفضل يا سليمان..
{السلام عليكم}.
الشيخ:
وعليكم السلام، حياك الله.
{شيخ عندي سؤال عند المجنون في اليقظة، هو ما يدرك الخطاب، لكن هل يقضي ما فته من الصلوات؟}.
نعم، واضح السؤال. الجواب: المجنون لا يقضي ما فاته من الصلوات بإجماع أهل العلم.
{نعم؟}.
الشيخ:
سؤالك الثاني.
{السؤال الثاني يا شيخ: هل المخدر الذي يقولون عليه "التخدير" يخدر ثم يقضي ما فاته من الصلوات بعد ما يفيق من التخدير مثل العمليات الجراحية؟}.
الشيخ:
حياك الله أخ سليمان، سؤالك واضح.
{شكرًا لك يا شيخ، السلام عليكم}.
الشيخ:
وعليكم السلام ورحمة الله.
المغمى عليه، هل يُطالب بقضاء الصلوات التي فاتته وقت الإغماء أو لا يُطالب بذلك؟
للعلماء في هذه المسألة ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن المغمى عليه يُطالب بقضاء الصلوات، وهذا مذهب الحنابلة، يقولون: لأنه بمثابة النائم، والنائم يؤمر بقضاء الصلوات، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها».
والمالكية والشافعية يقولون: لا يقضي هذه الصلوات، المغمى عليه لا يقضي ما فاته من الصلوات، وألحقوه بالمجنون، قالوا: المجنون لا يقضي الصلوات فهكذا المغمى عليه.
وذهب الحنفية إلى أن المغمى عليه إذا كانت مدة إغمائه خمس صلوات فأقلّ فإنه يقضي الصلوات التي فاتته، وإذا كانت أكثر من ذلك فإنه لا يقضي، لأن النوم لا يكون إلا بمقدار، في الغالب لا يزيد عن يوم وليلة، بخلاف الجنون فإنه يزيد.
ولعل مذهب الحنفية في هذه المسألة أرجح، فإذا كان الإغماء أقل من يوم وليلة فإنه يقضي -المغمى عليه-، وإذا كان الإغماء أكثر من ذلك فإنه لا يُطالب بقضاء هذه الصلوات.
تفضل يا أخ شكري، من ألمانيا.
{السلام عليكم ورحمة الله}.
الشيخ:
وعليكم السلام ورحمة الله.
{أحسن الله إليكم يا شيخ. سؤالي مكوَّن من شقين:
الشق الأول: تكلمتم عن المكلف، فمتى يصبح الإنسان مكلفًا، هل هذا يكون يعني السن، وكذلك علامات البلوغ أو هناك ضوابط أخرى.
والشق الثاني من السؤال: أيضًا تكلمتم عن أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة على قولين، فالقول الذين قالوا بأنهم ليسوا مخاطبون بفروع الشريعة، كيف فهموا قول الله -جل وعلا: ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ﴾ [المدثر: 42]، إلى آخر الآية؟}.
الشيخ:
أما بالنسبة للسؤال الأول: علامات البلوغ هذه تذكر في مباحث الفقه، فقهاء الحنابلة يذكرونها في باب الحَجْر، ويذكرون أنها ثلاث علامات:
- السن: خمسة عشر.
- الاحتلام والإنزال.
- الإنبات.
- وتزيد المرأة بنزول الحيض.
وأما بالنسبة للجواب عن أدلة المخالفين، فنحن هنا نريد أن نوضح المسألة توضيحًا أوليًا، أما تفاصيل الخلاف والأقوال والردود فإنه يخرج عما نحن فيه الآن.
هل يكون النهي للكراهة في بعض الأحيان؟
الجواب: الأصل في النواهي أن تكون للتحريم، ولا يُصرف لغير التحريم إلا لدليل.
سؤال الأخ سوني زكريا من بوركينافاسو، يقول: ما الحكمة في خطاب الكفار بفروع الدين مع أن الأصول إذا لم تستقم لا ينبني عليها الفروع؟
نقول: الصلاة لا تصح إلا بوضوء، ومع ذلك يُخاطب المكلف بالصلاة ولو لم يكن متوضئًا، فهكذا أيضًا في فروع الدين، يخاطب بفروع الدين ويخاطب بأصولها، وإن كانت الفروع لا تصح إلا بأصل الدين.
حسن عبد الكريم داملو من السنغال: هل الأمر بالشيء نهي عن ضده؟
نقول: نعم، الأمر بالشيء نهي عند ضده -كما تقدم-؛ لأنه لا يمكن اجتماع الأمرين.
طيب.. إذن الأخ يقول: وضح معنى القرينة.
قلنا: الأوامر تفيد الوجوب إلا إذا كان معها قرينة، القرينة: دليل يدل على صرف اللفظ عن أصل المراد به، مثَّلنا لذلك بفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قال تعالى ﴿وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ﴾، ثم وُجد ما يدل على أن هذا الأمر ليس للوجوب؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- باع ولم يشهد، فهنا فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يعتبر قرينة صارفة عن الوجوب.
وبهذا نقف في درسنا هذا اليوم.
أسأل الله -جل وعلا- أن يرزقكم العلم النافع والعمل الصالح، اللهم يا حي يا قيوم ارزق من شاهدنا تقوًى وإيمانًا وعلمًا وفضلًا، كما يسر له أمر دنياه وأمر آخرته.
اللهم أصلح أحوال الأمة، وردهم إلى دينك ردًا جميلًا، اللهم احقن دماء المسلمين في كل مكان، اللهم اجمع كلمتهم على الحق برحمتك يا أرحم الراحمين.
هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليمًا كثيرًا.
نلتقي في لقائنا القادم، هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.
http://islamacademy.net/cats3.php