بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
أما بعد: فأرحب بكم، وأهلًا وسهلًا في هذا اللقاء الأول من لقاءات الدورة العلمية الأولى، نتباحث فيها بإذن الله -عز وجل- مباحث من علم أصول الفقه من خلال كتاب الورقات للعلامة الجويني.
ما هو علم أصول الفقه؟ ما الفرق بين علم أصول الفقه وعلم الفقه؟
علم الفقه: يُراد به العلم بأحكام العباد العملية، ما حكم صلاتك؟ ما حكم زكاتك؟ ما حكم حَجك؟ ما حكم البيع؟ ما حكم عقد النكاح؟ ما أحكام الجنايات؟ ما أحكام القضاء؟ هذه أحكام عملية، تُبحَث أين؟ في علم الفقه.
بينما علم أصول الفقه يُبحَث فيه أربعة أمور:
الأمر الأول: ما الأدلة؟ وما الذي يصح أن نستدل به؟ وما الذي لا يصح أن نستدل به؟
لو ذكرتُ لك قصة وحكاية حصلت في إحدى الدول، فأخذت منها حكمًا شرعيًّا؛ هل يصح الاستدلالُ بالقصص والحكايات أو لا يصح؟ أين تُبحَث هذه المسألة؟ في علم أصول الفقه.
المنامات، أقوال التابعين وأفعالهم، الكرامات التي حصلت لبعض علماء الأمة أو أوليائها، هل يصح الاستدلال بها أو لا يصح؟ هذا نبحثه في علم الأصول.
هناك مباحث من علم الكتاب، من السنة، ما هي شروط الاستدلال؟ هذه تُبحَث في هذا العلم، علم أصول الفقه.
كذلك كيف نفهم الكتاب والسنة؟ يُسمونها: قواعد الاستنباط، وكيف نأخذ الأحكام من الأدلة؟ إذا قال الله -عز وجل-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ﴾ [المائدة: 6]، ﴿اغْسِلُواْ ﴾ هنا فعل أمر.
والأمر ماذا يفيد؟ الوجوب.
أين نبحث هذه القاعدة؟ نبحثها في هذا العلم، علم أصول الفقه، قاعدة "الأمر يفيد الوجوب".
إذن: القسم الثاني من أقسام هذا العلم: ما يتعلق بقواعد الفهم والاستنباط.
كذلك في علم الأصول نبحث الاجتهاد والتقليد، مَن العالم الذي يستخرج الأحكام من الأدلة؟ ومَن الذي لا يجوز له أن يستخرج الأحكام من الأدلة، ويجب عليه أن يرجع إلى علماء الشريعة؟ هذا نبحثه في هذا العلم.
إذن: علم الأصول: قواعد نستخرج بواسطتها الأحكام الشرعية من الأدلة، وهي بمثابة الآلية التي تُمكِّن الإنسان من استخراج الأحكام من الأدلة.
هذا العلم -علم الأصول- هو الذي يُنتج لنا علماء يطبقون الأدلة الشرعية على الأحكام.
ما فائدة تعلم علم الأصول؟
فوائد تعلم علم الأصول:
- الفائدة الأولى: فهم الكتاب والسنة. إذا عرفت قواعد الاستنباط تتمكن من فهم القرآن، وفهم سُنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، إذا جاءك لفظ، هل هو لفظ عام أو لفظ خاص، كيف نفهم؟ وكيف نعرف أنه لفظ خاص أو عام؟ نعرفه من خلال قواعد علم الأصول.
- الأمر الثاني: معرفة أن هذه الشريعة لا تتناقض؛ لأنه أحيانا تأتي أدلة تُشكِل على أفهام بعض الناس، فيظنون أنها متعارضة متناقضة، لكن إذا فهمت الدليل فهمًا صحيحًا تَبيَّن لك أن هذا الدليل الأول في محل، وأن الدليل الثاني في محل آخر. ومن ثمَّ تعرف أن الشريعة لا يوجد فيها تناقض ولا تعارض.
- الفائدة الثالثة من فوائد تعلم علم الأصول: فهم المصطلحات العلمية، نحن نقرأ في كتب السنة، وفي شروح السنة، وفي كتب تفسير القرآن مصطلحات، لا نفهم هذه المصطلحات إلا بتفسيرها الذي يكون في هذا العلم: علم الأصول.
تجد مرات بعض العلماء يقولون: هذه الآية تدل بطريق التنبيهِ على كذا، ومرات مثلًا يقولون: تحقيق مناط المسألة كذا، تحرير محل النزاع كذا. ما معنى هذه الألفاظ؟ وما دلالتها؟
مرات يقول: هذا حكم واجب، حكم هذه المسألة الوجوب، ما هو الوجوب؟ وما هي الآثار المترتبة عليه؟ تعرفونها في هذا العلم.
يأتيك ويقول: هذه سنة آحادية. ما معنى "سنة آحادية".
والإجماع السكوتي، قياس عكس، هذه نجدها في كتب التفسير، في كتب شروح الحديث، إذا لم تعرف هذه المصطلحات لن تفهم الكتب العلمية في أي فن شرعي.
- الفائدة الرابعة: أن معرفة هذا العلم يؤهلك لاستخراج الأحكام من الأدلة، بحيث تستخرج الحكم من القرآن، من السنة. أي مسألة تعرض لك تقوم باستخراج حكمها من الكتاب والسنة.
- علم الأصول أيضا يفيد في فهم كلام الناس، مثلًا: إذا كان عند جدك وصية، كتب وصيةً، كيف نفهم هذه الوصية من القواعد الأصولية؟ هناك قواعد لتفسير الألفاظ.
الوقف الذي عندكم، هناك صك للوقفية، كيف نفهم هذا الصك؟ صكوك الاختلاف وصكوك الحكم والقضاء نعرفها من قواعد هذا العلم.
في أزمنتنا هذه هناك حوادث جديدة تحدث، هذه الجوالات جاءت، ووسائل التواصل الاجتماعي، تحتاج إلى أحكام جديدة في جزئياتها، كيف نعرف هذه الأحكام؟ نعرفها من خلال تطبيق القواعد الأصولية على الكتاب والسنة.
بواسطة هذا العلم يترقى الإنسان إلى درجة الاجتهاد ويصبح من علماء الشريعة.
- كذلك من فوائد تعلم علم الأصول: أن نعرف أن اجتهادات العلماء ليست أمورا اعتباطية أو جاءت جزافًا، لا، اجتهادات الأئمة السابقين مبنية على قواعد وعلى أصول، حتى اختلافاتهم، الاختلافات التي بينهم لم تأتِ اعتباطًا مجرد ذهن فقط، لا، جاء بناء على قواعد، هذا يرى قاعدة وهذا لا يراها.
مثال ذلك: مفهوم المخالفة، علماء الحنفية لا يرون حجيته، والجمهور يرون أن مفهوم المخالفة حجة شرعية يُستدل بها، ومن ثمَّ قد يقول الجمهور بحكم بناءً على مفهوم المخالفة، وفقهاء الحنفية لا يقولون به.
مثال ذلك: عند جمهور علماء الشريعة أنه لا بد من السلام في الصلاة، فالسلام في آخر الصلاة من الواجبات، من أركان الصلاة، لماذا؟ قالوا: لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال عن الصلاة: «وتحليلها السلام»، قالوا: «تحليل» مبتدأ معرفة، لأنه نكرة أُضيفت إلى معرفة، والمبتدأ المُعرَّف ينحصر في الخبر، وبالتالي لا يمكن أن تنهي الصلاة إلا بالسلام.
طيب.. عند الحنفية يقولون: هذا حصر، والحصر من مفهوم المخالفة، وهم لا يرون حجية مفهوم المخالفة، ومن ثمَّ قالوا: بأن التسليم ليس شرطًا، وليس ركنًا في الصلاة، وأن الإنسان يتمكن من إنهاء الصلاة بأي فعل يختاره.
طيب.. ننتقل إلى طرائق العلماء في التأليف في علم الأصول.
- هناك طريقة الحنفية، بأن جعلوا القواعد الأصولية مأخوذة من فروع أئمتهم، ولهم مصطلحات يستقلون بها ويخالفون بها الجمهور.
- والطريقة الثانية: طريقة الجمهور: بأن يأخذوا القواعد من أصولها وأدلتها، ولا يلتفتون إلا للفروع إلا على جهة التفريع والتطبيق، ولذلك لهم أصول مستقلة لهم.
من أمثلة ذلك: عند الجمهور يقسمون الواجب إلى واجب مُوسَّع وواجب مُضيَّق.
الواجب الموسع: الذي لا يتسع الوقت فيه لفعل الواجب إلا مرة واحدة، مثل الصوم، كم يمكن أن تصومَ في اليوم الواحد من مرة؟ عشر مرات؟ مرة واحدة. بخلاف الصلاة، فصلاة الظهر وقتها طويل، تتمكن من أداء صلاة الظهر في مرات متعددة.
الأول يُسمى واجبًا مضيقًا؛ لأنك لا تتمكن من فعله إلا مرة واحدة، والثاني: واجب موسع.
الحنفية يقولون: هذا ظرف وهذا معيار، ما يقولون واجب موسع وواجب مضيق.
إذن: الاختلاف هنا اختلاف في الاصطلاحات، ولا يترتب عليه ثمرة، ولذلك هؤلاء لهم مصطلحات الحنفية، والجمهور لهم مصطلحات أخرى.
علم الأصول موجود في النصوص الشرعية كتابًا وسُنة، مثال ذلك: قاعدة "الأمر بالوجوب" مأخوذ من قوله -عز وجل-: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 63]، وهو مأخوذ من لغة العرب؛ لأن العرب يفهمون من صيغ الأمر أنها للإلزام والإيجاب.
بعد ذلك، كان الصحابة يعرفون هذه القواعد، علماء الشريعة يعرفونها، لما دخلت العُجمة على الناس خفيت عليهم بعض هذه القواعد، ومن ثمَّ احتاجوا إلى التأليف ووضع مؤلفات لضبط هذه القواعد، وكان من أوائل مَن ألَّف الإمام الشافعي، متى توفي الإمام الشافعي؟ سنة 204 أو 205.
طيب.. ثم بعد ذلك وجدت مؤلفات كثيرة. من المؤلفات التي ألِّفت: كتاب الورقات، وقد نُسبَ إلى الجويني، والجويني من علماء الأصول الذين لهم باع عظيم في العلم، وله مؤلفات كثيرة، منها كتاب "التلخيص"، كتاب "التقريب والإرشاد"، كتاب "البرهان"، إلى غير ذلك من الكتب.
كتاب "الورقات" هذا من الكتب التي اهتم بها العلماء، واعتبروها مبدأ لهذا العلم من أزمنة متعددة، ولذلك أُلِّف على هذا الكتاب "الورقات" شروح عديدة كثيرة من العصور الأولى، أكثر من ألف شرح، من أواخرها شرحنا، شرح الورقات في أصول الفقه، وهو شرح لطيف، ونأخذ منه بعض الفوائد.
علم الأصول: هناك دعايات لبعض الناس يحاولون تزهيد الطلاب في دراسة علم الأصول، لماذا؟ نأخذ بعض هذه الدعايات المغرضة تجاه علم الأصول.
- الدعاية الأولى: قالوا: علم الأصول علم مبتَدع، علم فيه مؤلفون ليست عقائدهم صافية، علم أهل البدع.
طيب.. نقول: مَن أول مَن ألف في هذا العلم؟ الإمام الشافعي. ما عقيدته؟ سني سلفي، إمام من أئمة السنة، هل يمكن نصفه ببدعة؟
إذن: هو الأصل، غاية هذا العلم بيد هذا الإمام، وهذا العلم مأخوذ من القرآن والسنة، مأخوذ من لغة العرب التي جاء القرآن والسنة بها، فحينئذ هل يمكن أن نتهم هذه القواعد المأخوذة من الكتاب والسنة بأنها قواعد ابتداع أو قواعد مبتدعة؟
طيب.. كون بعض المبتدعة ألَّف في هذا العلم لا يعني أن هذا العلم علم بِدْعي، وجد هناك من المبتدعة من ألف في تفسير القرآن، هل يكون تفسير القرآن علما بدعيًّا؟! وجد في شرح الأحاديث من كتب فيها وهو من أهل البدع، نقول: هذه علوم بدعة؟! إذن هذه الدعاية غير مقبولة.
طيب.. يأتينا بعض الناس ويقول: علم الأصول مبني على علم الكلام.
علم الكلام، ما هو علم الكلام؟
علم الكلام يُطلق على معنيين:
- الأول: علم العقيدة.
- والثاني: بناء المعتقد على القواعد المأخوذة من الأمم الأخرى، من اليونانيين وغيرهم.
إذن: هذه قواعد، عقائد، ليس هذا العلم هو نفس ذلك العلم، هذا علم مغاير، علم الأصول.
- يقول بعض الناس: هذا العلم علم ليس فيه شيء جديد، بل هو علم مأخوذ من بقية العلوم، بعضهم يقول: من لغة العرب وقواعد النحو، وبعضه مأخوذ من البلاغة، وبعضه مأخوذ من المصطلح، ثم يزهدون الناس بمثل هذه الدعايات.
فنقول: نظرة الأصولي تخالف نظرة أولئك؛ لأن الأصولي ينظر في هذه القواعد، بين عينيه أخذ الأحكام الشرعية من الأدلة، عندما نتكلم عن الحقيقة والمجاز، بحثنا فيها نحن يا أهل الأصول يُغاير بحث أهل البلاغة، أهل البلاغة لهم مقاصد، إثبات بلاغة الكلام، بينما نحن نبحث في الحقيقة والمجاز من أجل التمهيد لاستخراج الأحكام من الأدلة.
- بعضهم يقول: هذا العلم مبني على علم المنطق، وقد زهد العلماء في علم المنطق.
نقول: علم المنطق فيه مصطلحات يستفيد منها الباحث في أي علم، وقد يُراد به قواعد يستخرج بها معرفة الأشياء مجردة، أو معرفة النسبة بينها، وهذه القواعد ليست جزءًا من علم الأصول.
بعض الناس يقول: علم الأصول هذا علم صعب، وعلم معقد، وكلام الأصوليين غير سهل الفهم، ولا يَتبين المراد به إلا بعد تمحيص وتدقيق وتقليب نظر، ونحتاج فيه إلى أزمان طويلة حتى نفهمه، وبالتالي نبحث في العلوم الأخرى التي ليس فيها هذه الصعوبة.
فنقول: الصعوبة هذه في مؤلفات متأخرة، ليست الصعوبة في القرآن ولا السنة، ولا في المؤلفات المتقدمة، وإنما من أجل الاختصار أصبح فيه نوع صعوبة، وبالتالي لا يصح أن نقدح في العلم كله من أجل بعض المؤلفات الموجودة في هذا العلم. فإذا كان بعض الكتب فيها صعوبة فتوجه إلى كتب أخرى ليس فيها صعوبة.
طيب.. قدرنا أن هذا علم صعب، لكنه مهم ومفيد -كما تقدم-، وبالتالي لا بد أن ندرسه حتى ولو كان صعبًا، بل العلم الصعب أولى بالعناية من العلم السهل؛ لأن هذا العم الصعب تحتاج إلى فهمه ومعرفته بخلاف العلم السهل فيكفي منه الوقت اليسير، بل العلم الصعب تحتاج فيه إلى مُعَلم، ومن ثَمَّ لا بد تأتي إلى مثل هذه الحلقات وتضع ركبتك برُكَب أهل العلم حتى تعرف هذا العلم، بخلاف العلم السهل المبني على هذا العلم.
هذا العلم لا يمكن أن تعرفه إلا بدراسته، لكن المسائل الفقهية إذا عرفت الأصول -علم القواعد الأصولية- وعرفت الأدلة الشرعية يمكن أن تستخرج الأحكام من الأدلة بواسطة هذه القواعد، ومن ثمَّ لا تحتاج إلى قراءة كتب كثيرة في المسائل الفقهية؛ لأن هذا العلم بمثابة القاعدة التي تؤسس عليها.
علم الأصول وعلم الفقه مثل علم الطب والصيدلة، الصيدلي عنده أدوية لكنه ما يعرف ما هو الدواء المناسب لهذا المريض، بخلاف الطبيب يعرف الدواء المناسب، لكن قد يكون الدواء غير موجود عنده، لكنه يرشده إليه، وبالتالي إذا جاء الطبيب للصيدلية يتمكن من استخراج الدواء المناسب للمريض، بخلاف الصيدلي إذا جاء لعيادة ليتمكن من كتاب وصفة للمريض. هكذا بالنسبة لعلم الأصول والفقه.
لعلنا نقرأ هذا الكتاب، وابتدأ المؤلف بحمد الله -عز وجل- والصلاة والسلام على نبيه، قال:
(وبعد:
هذه ورقات تشتمل على معرفة فصول من أصول الفقه).
واضح المقدمة التي تقدمنا بها؟ الآن يبدأ المؤلف في تعريف كلمة: "أصول الفقه".
كلمة "أصول الفقه" مبنية من كلمتين: "أصول" و"فقه".
"أصول" ما معناها؟
الأصل في اللغة: الأساس، يُقال: أصول البنيان أساسه، نقول: فلان ما له أصل ولا فصل. ما معنى "أصل"؟ ليس له أباء لهم شرف وعمل طيب.
ولا فصل ما معناها؟ ليس له لسان فصيح يتكلم به، هذا معنى قولهم لا أصل له ولا فصل.
هذا معنى "أصل" في اللغة.
و"الأصل" في اصطلاح العلماء: مرة يُطلق على القواعد، ومرة يُطلق على الأدلة، ومرة يُراد بكلمة "الأصل" ما يُقاس عليه، وهناك إطلاقات أخرى لـ"الأصل" في الاصطلاح.
أما "الفقه" فيُراد به، "الفقه" في اللغة: الفهم الدقيق، ولذلك قال الله -عز وجل-، قال الله -جل وعلا- مبينًا: ﴿وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [الإسراء: 44]، يعني لا تفهمونه ولا تعرفونه، في تسبح الحيوانات.
إذا تقرر هذا، فالفقه في الاصطلاح يُراد به عدد من المعاني:
- المعنى الأول: أن يُراد بالفقه: جميع أحكام الدين، يُقال لها فقه، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من يرد الله به خيرًا؛ يفقهه في الدين»، ما معنى يفقه في الدين؟ العلم في جميع الفنون، ليس في العلم الاصطلاحي، الفقه الاصطلاحي فقط، ما يأتينا واحد يقول: هذا الحديث لا يُراد به علم السنة، أو لا يراد به علم تفسير القرآن، لا؛ هذا يشمل الجميع.
ومنه قوله -عز وجل-: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ﴾ [التوبة: 122]، ما معنى ﴿لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ﴾؟ هل هو علم الفقه بحسب الاصطلاح المتأخر؟ نقول: لا، جميع أحكام الشريعة، يدخل فيه تفسير القرآن، يدخل فيه علم السُّنة، يدخل فيه القواعد الأصولية، وهذا هو المراد، لما قالوا: أصول الفقه، ليس المراد به العلم الخاص، بينما المراد بأصول الفقه: أي أدلة الشريعة ويشمل جميع العلوم.
ولذلك من قواعد علم الأصول ما نستفيد منه في العقائد، وما نستفيد منه في تفسير القرآن، وفي الحكم على الأحاديث، وفي شرح سُنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي معرفة أحكام النوازل والوقائع الفقهية، وغير ذلك.
- قد يُراد بكلمة الفقه: معرفة الأحكام العملية، سواء كانت قطعية أو كانت ظنية.
- وقد يُراد بالفقه: القدرة على فهم الأحكام، يعني يسمونها المَلَكَة التي توجد عند الإنسان، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «تجدون خيار الناس في الإسلام خيارهم في الجاهلية إذا فقهوا»، يعني إذا كان عندهم مَلَكَة يتمكنون بها من استخراج الأحكام من الأدلة.
جاء المؤلف بتعريف الأصل فقال:
(ما ينبني عليه غيره).
هذا أحد التعريفات اللغوية لكمة "الأصل"، وإن كان بعضهم لا يرتضي هذا التعريف، يقول: سقف مبني على الجدار، ومع ذلك، لا يقال: الجدار أصل للسقف، مع أن الجدار يُبنى عليه غيره.
الأصل: ما يبنى عليه غيره.
طيب..كذا قال:
(والفرع ما يبنى على غيره).
قلنا: أن الصواب أن الأصل: هو في اللغة: الأساس.
ثم عرَّف الفقه بحسب الاصطلاح المتأخر، ولم يعرفه بحسب الاصطلاح الشرعي، فقال:
(الفقه: معرفة الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد).
هذا التعريف للجويني -رحمه الله- يستقلُّ به عن أكثر علماء الشريعة، حيث قَصَرَ الفقه على الأحكام الاجتهادية فقط، بينما أكثر علماء الشريعة يرون أن الفقه يشمل الأحكام العملية، ولذلك أي كتاب فقهي تجده في مؤلف الفقه، تجد فيه أحكام قطعية، يذكرون وجوب الصلاة، وجوب الصلاة اجتهادي أم قطعي؟ قطعي، ومع ذلك يذكرونه في علم الفقه.
ومن ثمَّ قوله: (التي طريقها الاجتهاد) فيه ما فيه.
طيب.. قال المؤلف:
(أنواع الأحكام الشرعية).
الحكم في لغة العرب: يُراد به المنع، ومن هنا يقال للحبس قد يسمونه حُكمًا، يعني يحبس ويمنع من دخل فيه من الخروج.
والحكم في الاصطلاح العام: إثبات أمر لآخر، إذا قلت: أنتم جالسون، نسبت الجلوس إليكم فهذا يُسمى حكمًا.
طيب.. أنتم غير فاهمين، هذا حكم أم ليس بحكم؟ لماذا؟ ارفع الصوت.. أو غير مقتنعين به.
مقتنعون بأنكم غير فاهمين، طيب فهمتم ما ذكرنا سابقًا أم لم تفهموا؟! واضح؟
طيب.. الحكم إذن: إثبات أمر لآخر أو نفيه عنه، عندما تقول: فلان طويل. هذا حكم، عندما تقول: فلان صادق، هذا حكم.
في الاصطلاح الأصوليين يُراد بالحكم: خطاب الشارع المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع.
تعريف الحكم الشريعي:
هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع.
حتى نفسره كلمة واحدة، كلمة كلمة.
خطاب: معروف كلمة خطاب، يلزم على ذلك أن يكون هناك مُخاطِب، وهو الله -جل وعلا-، وأن يكون هناك مُخاطَب يتوجه إليه الخطاب وهو المكلَّف، أنتم مخاطَبون أم لا؟ إن كنتم عقلاء فأنتم مخاطَبون.
الشرط الثالث: لا بد أن يكون هذا الخطاب متعلق بأفعال المكلفين، قصص الأنبياء وما ذكر من خلق الله -عز وجل- للكون، هذا لا يُسمى حكمًا شرعيًّا.
﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: 1]، هذا من صفات الله -عز وجل-، ليس من أفعال المكلفين، ومن ثَمَّ لا يسمى حكمًا شرعيًّا، هذا حكم معتقد.
طيب.. لا بد أن يكون هذا الفعل من أفعال المكلفين، أفعال الحيوانات لا تدخل معنا، أفعال المجانين لا تدخل معنا، أفعال الصبيان لا تدخل معنا، ليست من الأحكام الشرعية، لكن ما يتعلق بالمكلف كما لو كان للمجنون ولي، يجب عليه القيام على شئون المجنون، يجب عليه ضمان ما أتلفه المجنون من مال المجنون، هذا تعلق بفعل ولي، والولي حينئذ من المكلفين.
قال:
(بالاقتضاء).
الاقتضاء المراد به: الطلب: كلمة "الاقتضاء" الطلب، سواء طلب فعل أو طلب ترك.
﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ﴾ [الانفطار: 13]، حكم شرعي؟
خطاب الشارع المتعلق بأفعال المكلفين، أليس الأبرار مكلفين؟ إذن هو حكم شرعي لكن ليس بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع، وبالتالي لا يكون من الأحكام الشرعية.
إذن: الخلاصة: أن الحكم الشرعي عند الأصوليين: هو ذات خطاب الشارع المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع.
الأحكام الشرعية تنقسم إلى قسمين:
- أحكام تكليفية: وهي التي فيها الطلب.
- وأحكام وضعية: وهي التي فيها ربط حكم بآخر.
مثال ذلك: قال الله -عز وجل-: ﴿أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾ [الإسراء: 78]، ﴿ أَقِم ﴾ هذا طلب، هذا حكم تكليفي.
﴿لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾ هنا جعلنا دلوك الشمس وهو زوال الشمس وانتقالها من وسط السماء إلى جهة المغرب، هذا يسمى الزوال، الدلوك، هو سبب وجوب صلاة الظهر، فكونه سببًا هذا يسمى حكم وضعي.
قال المؤلف:
(والأحكام سبعة).
يعني قسَّم الأحكام الشرعية إلى سبعة أقسام:
القسم الأول: الواجب، مثاله:
{الصلاة}.
الصلاة! غلط. نقول ماذا؟ الصلوات الخمس، يعني الصلاة يشمل صلاة الليل، ويشمل السنن الرواتب، إذن إجابتك بـ"الصلاة" هذا ما يصح، فإذن نقول ماذا؟ الصلوات الخمس هي الواجبة متعينة.
وهناك مندوب، مثل ماذا؟ المندوب هو السنن، ما جئت بشيء جديد، الصلوات الرواتب، صلوات السنن الرواتب، فهذا هو المندوب.
الثالث: المباح، وهو الذي يجوز فعله ويجوز تركه.
إذن: الواجب لا بد من فعله، ومَن فعله فإنه يؤجر متى نوى التقرُّب لله -عز وجل-، ومتى تركه فإنه يستحق العقوبة ويأثم، مثل صيام شهر لرمضان لمن وجدت عنده شروط الصيام.
وأما المندوب: فإنه طلبه الشارع، لكن طلب غير جازم، وبالتالي من فعله فإنه مأجور، ومن تركه فإنه لا يعاقب.
طيب.. القسم الثالث: المباح، وهو الذي يجوز فعله ويجوز تركه، ولا مدح ولا ذم لا في فعله ولا في تركه. أنا الآن جالس على الكرسي بهذه الطريقة، هذا الجلوس ما حكمه؟ مباح، ليس فيه طلب للفعل ولا طلب للترك، فيكون مباحًا.
ما حكم الذهاب؟ ما حكم الجلوس؟ كل هذه نقول: لا يوجد فيها طلب لا للفعل ولا للترك، فيكون مباحًا.
القسم الثالث: المحظور، وهو ما طلب الشارع تركه.
الحكم الرابع: ما طلب الشارع تركه على سبيل الإلزام، هذا المحظور، وبالتالي من فعله..، فمن فعله عالمًا به فإنه آثم يستحق العقوبة، ومن تركه تقربًا لله -عز وجل- فإنه يُؤجر.
مثال ذلك: الزنا، مثال ذلك: النظر الحرام، من فعله فإنه يُعاقب، من تركه، إن تركه لله فهو مأجور، تركه لغير الله لا يُؤجر.
طيب.. القسم الخامس: المكروه، وهو ما نهى عنه الشارع نهيًا غير جازم، ففاعله تقربًا لله له أجر -كان لازم يختلف اللفظ حتى تنتبهوا- إذن: المكروه فاعله لا يأثم، وتاركه تقربًا لله يؤجر، من يمثل له؟
الشرب قائمًا، من تركه لله -عز وجل- فإنه يؤجر عليه، من فعله فإنه لا عقاب عليه ولا ثواب له.
مثال آخر.. موطن خلاف.
طيب.. قال المؤلف:
(الحكم السادس: الصحيح).
ما هو الحكم السادس؟ الصحيح، الصحيح هو: الحكم الذي تترتب عليه آثاره، إذا كان هناك فعل تترتب عليه آثاره فإنه يُعد صحيحًا.
مثال ذلك: ما هي الآثار الشرعية المترتبة على البيع؟ انتقال الملك بين البائع والمشتري في الثمن والمبيع، لو لم يحصل انتقال للبيع فهذا دليل على أن البيع لم يصح.
مثال ذلك: هذه العمارة الكبيرة التي بجوار المسجد بعتها على زميلك بثلاثمائة ريال، هذا البيع صحيح أم ليس بصحيح؟
هل ينتقل الملك وتصبح مالكًا للعمارة؟ نقول: أصلًا البائع لم يملك العمارة، فمن ثمَّ هذا بيع فاسد، بيع باطل، ومن ثمَّ لا تترتب عليه آثاره فلا ينتقل الملك، ولا يملك المشتري هذه العمارة.
إذن عرفنا أن الصحيح: هو ما يثمر الآثار المترتبة عليه، وأن الباطل: ما لا يثمر الآثار المترتبة عليه.
هناك أحكام أخرى لم يذكرها المؤلف مثل: الشرط.
الطهارة شرط للصلاة، لو صلى بدون طهارة.. لماذا؟ لأنه لم يوجد أحد الشروط وهو الطهارة.
وهناك: موانع.
مثال ذلك: صلى وفي أثناء الصلاة قهقه ورفع صوته بالضحك عاليًا، نقول: تبطل صلاته، لماذا؟ وجد عنده مانع من موانع صحة الصلاة وهو القهقهة.
وهناك: سبب.
مثل ما مثلنا قبل قليل بزوال الشمس سبب لوجوب صلاة الظهر.
وهناك أيضًا: أداء.
وهو فعل العبادة في وقتها، لما صليت الظهر في وقتها، قيل هذا أداء.
وهناك إعادة.
كما لو وجدت جماعة بعد ذلك فكررت الصلاة معهم، تسمى إعادة.
لو قُدِّر أنك لما خرج وقت الظهر تبين أنك لم تصلِّ وأنت على طهارة، نقول لك: أعِدِ الصلاة، إعادة الصلاة هذه إعادة، وفي نفس الوقت تسمى قضاء.
إذن القضاء: فعل الشيء بعد خروج وقته المقدر شرعًا.
قال المؤلف:
(أقسام الحكم التكليفي).
القسم الأول: الواجب، عرفنا الواجب فقلنا: هو ما طلبه الشارع طلبًا جازمًا.
والواجب له صيغ، من أمثلة هذه الصيغ: لو قال الشارع "واجب"، لو قال: "حتم عليكم"، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ [البقرة: 183]، ﴿ كُتِبَ ﴾ يعني فُرِضَ وأصبح واجبًا.
قال: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ﴾ [آل عمران: 97]، إذن هذه الصيغة من صيغ الوجوب، دالة على الواجب.
مثل أيضًا فعل الأمر: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ﴾ [النحل: 90]، هذا للوجوب.
أيضًا صيغة افعل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ [المائدة: 6]، ﴿ اغْسِلُوا ﴾ هذا فعل أمر يدل على الوجوب.
إذن هناك صيغ خاصة تدل على الوجوب، من الذي يعرف الصيغ الدالة على الوجوب؟ هم علماء الشريعة، وهناك قواعد معينة.
مثال ذلك: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: 29] (يطوفوا) فعل مضارع مسبوق بلام الأمر يفيد الوجوب.
﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: 185]، (يصم) فعل مضارع مسبوق بلام الأمر فيفيد الوجوب.
إذن هناك قواعد معروفة عند العلماء.
إذا كان الفعل واجبًا ماذا يترتب عليه؟ يُثاب الإنسان على فعله بشرط أن ينوي التقرب لله، وينوي الأجر الأخروي لو أنه صلى رياءً وسمعة، قال: طيب.. أنا فعلت الواجب، وأنتم تقولون: ما فعله يُثاب، نقول لك: أنك لم تفعله تقربًا لله -عز وجل.
وكذلك لا يثاب عليه إلا إذا وجدت شروطه وانتفت موانعه.
قال: أنا الحمد لله صليت، أستحق الأجر، قلنا: لا، أنت صليت وأنت على جنابة عامدًا، بل أنت آثم بهذه الصلاة.
ولذلك قد يفعل الإنسان الفعل ولا يُؤجر عليه، بل مرات يفعل الفعل بشروطه وأركانه ثم يحبط أجره وثوابه كما لو ارتدَّ أو أتى بمبطل من مبطلات العمل.
تارك الواجب قد بعفو الله -عز وجل- عنه، قال: (ويعاقب على تركه)، يعني أن من ترك الواجب فعليه عقوبة، مستحق للعقوبة، قد يعفو الله -عز وجل- عن تارك الواجب فضلًا منه -جل وعلا.
قلت من الواجبات -قبل قليل- صلاة الجماعة، لو كان تاركًا لهذا الواجب قلنا: هو مستحق للعقوبة، إذا تاب؛ تاب الله عليه، لو قُدِّر أنه مات قبل أن يتوب، نقول: هو تحت المشيئة، إن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له ورحمه.
قد يترك الإنسان الواجب نسيانًا فلا يُعاقب عليه، لأن الله قد عفا لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان.
الحكم الثاني قال: المندوب، مثلت للمندوب بأي شيء؟ سنن الرواتب، صلاة الليل، صلاة التراويح، صلاة الوتر عند الجمهور، صلاة الضحى.
في الصيام: صيام الاثنين، صيام الخميس، هذا مندوب.
ما معنى مندوب؟ طلبه الشارع طلبًا غير جازم.
ماذا يترتب عليه؟ أن فاعله تقربًا لله مأجور، مثاب، ومن تركه فإنه لا يعاقب على تركه.
وتلاحظون أنه لا بد من أن ينوي الإنسان بعمله وجه الله والدار الآخرة، لو نوى بعمله غير وجه الله فهذا رياء وسمعة.
بعض الناس قد يفعل العمل لوجه الله لكن يريد به الدنيا، مثال ذلك: بعض الطلاب يُصلي ويحافظ على صلاة الليل من أجل أن يوفقه الله في دروسه الدنيوية، فنقول: هذا لا يُؤجر، لأنه لم يقصد بصلاته هذه الأجر الأخروي، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» هذا ما نوى أجر الآخرة، ما يكون له أجر الآخرة، ولكن ليس عليه عقوبة، لأنه قصد بعمله وجه الله.
مثال ذلك: في صلاة الاستسقاء، لماذا صليت؟ قال: لله، لينيلني الأجر الأخروي، هذا مأجور مثاب.
الثاني قال: صليت حتى يشاهدونني في الجماعة، رياء وسمعة، شرك أصغر، يستحق عليه العقوبة، يأثم.
الثالث قال: صليت صلاة الاستسقاء لله لينزل لنا المطر، نقول: ليس له أجر في الآخرة، لماذا لم ينوِ أجر الآخرة، لكنه ليس عليه عقوبة.
طيب.. المندوب، قد يسمى مرة باسم السنة، يسمى المستحب، يسمى المُرغَّب فيه، وله أسماء أخرى، وله صيغ تدل عليه.
من أمثلة ذلك: ما لو رتب الشارع الأجر والثواب على عمل فهذا يدل على أنه مطلوب وأنه مندوب، مَن يُمثِّل لذلك؟
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من صام رمضان، ثم أتبعه ستًا من شوال، فكأنما صام الدهر»، صيام رمضان ورد في الدليل الآخر أنه واجب في قوله ﴿فَلْيَصُمْهُ﴾، صيام الست لم يرد دليل بإيجابه، ومن ثمَّ نقول: هذا مندوب؛ لأن الشارع قد رتب عليه الأجر والثواب.
الحكم الثالث، قال: المباح، ما لا يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه، إذن المباح لا ثواب فيه لذاته، ولا عقوبة فيه، لا بالفعل ولا بالترك.
المباح قد يوجد من بعض الناس، من يمثل للمباح؟ النوم، تحبون النوم؟ نعم، الجلوس.
طيب.. بعض الناس.. الأكل، يأكل أرز، يأكل فاكهة، هذا مباح، بعض الناس قد ينوي التقرب بأكله؛ لأنه يتقوى به على طاعة الله -عز وجل- فيؤجر عليه، لا؛ لأنه مباح؛ وإنما لأنه انتقل من كونه مباحًا إلى كونه مندوبًا، تلاحظون أن الأحكام الشرعية تكون على الأفعال، ولا تكون على الذوات، واضح لكم؟ الأكل هذا فعل، لك الأرز، ما تقول: حكم الأرز، وإنما يقال: ما حكم أكل الأرز؟ ما حكم بيع الأرز؟
إذن: الذوات ليس عليها أحكام، الأحكام إنما تكون على الأفعال.
طيب.. الأفعال قد يختلف حكمها بالنسب، من شخص إلى شخص، ومن ظرف إلى آخر.
مثال ذلك: صلاة النافلة المطلقة ركعتين ما حكمها؟ صلاة ركعتين ليست واجبة، ما حكمها؟ نقول: إذا كانت في أوقات النهي فهي حرام، وإذا كانت في غير أوقات النهي فهي مستحبة.
إذن: الفعل الواحد قد يختلف باختلاف بالظروف المحيطة به.
الصلاة، الصلوات الخمس بالنسبة للمغمى عليه ليست واجبة، بالنسبة للمرأة الحائض ما حكمها؟ حرام، لو صلت المرأة الحائض الصلوات الخمس فإن صلاتها حرام، إذن تختلف الأحكام باختلاف النسب. هذا بالنسبة للأحكام الشرعية.
المباح قد يُسمى جائزًا، ويسمى حلالًا، ويقال عنه: لا جناح فيه. وله في الأدلة الشرعية عدد من الصيغ، ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُم﴾ [البقرة: 198] هذه في التجارة في الحج، نفي الجناح هذا يدل على الإباحة.
ما جاء فيه التخيير، الأمر بعد النهي يدل على الإباحة.
لعلنا ننهي الأحكام الخمسة ثم نسمع لسؤالك، أو في المباح.. تفضل.
{المرأة الحائض ... آثمة ... هل فيه تقسيمات ....}.
نعم.. المرأة الحائض مكلفة، من قال بأنها غير مكلفة؟! مكلفة، لكنها لا تكلف بهذا الفعل وهو الصلاة، المكلف هو من وجد فيه صفتان: العقل والبلوغ. المرأة الحائض عاقلة أم ليست بعاقلة؟ بالغة أم ليست ببالغة؟ إذن هي مكلفة.
الصبي فعله بالنسبة للصلاة مستحب، فدلك هذا على أن الحكم يختلف وليس له على طريق، يختلف باختلاف شروطه وضوابطه وما يقترن به.
الحكم الرابع: المحظور، وهو ما نهى عنه الشارع نهيًا جازمًا، مثل ماذا؟ مَن يمثل؟ أكل الربا، شرب الخمر.
طيب.. الخمر حرام أم ليست بحرام؟ لا، نقول: الخمر ذات، وإنما نقول: شرب الخمر حرام، إتلاف الخمر واجب، وهكذا، إذن عرفنا أن الحكم يكون على الأفعال.
طيب.. المحظور يُثاب على تركه متى ما نوى به التقرب لله -عز وجل-، من ترك شرب الخمر لله فهو مأجور، من ترك شرب الخمر خوفًا على صحته أو لأنه لا يريد أن يدفع المال فهذا ليس له أجر؛ لأنه لم يتركه لله ولا للدار الآخرة.
المحظور من فعله، فإنه مُستحق للعقوبة.
القسم الخامس: المكروه، والمراد به: ما نهى عنه الشارع نهيًا غير جازم، ويترتب عليه أن من فعله فلا عقوبة عليه ولا ثواب له، ومن تركه لله فإنه يُؤجر، من يمثل لنا بالمكروه؟
{الأكل مضجعا}.
الأكل مضجعا.
طيب.. قال: نقيض المستحب قد يكون مكروهًا، ونقيض المكروه يكون مستحبًّا، هل يمكن أن يكون في الفعل الواحد تحريم ووجوب؟ أجيبوا.
مثال ذلك: الفعل الواحد قد يكون بالعين، هذا الفعل الذي وقع في الساعة الفلانية من زيد، هذا لا يمكن أن يكون حلالًا، لا يجتمع فيه حكمان، إما حرام أو واجب أو مباح، لا يمكن أن يكون له حكمان في وقت واحد، لكن الفعل الواحد بالنوع باختلاف الأشخاص أو باختلاف الأزمان أو باختلاف النسب يمكن أن يكون بعضه حلالًا وبعضه حرامًا.
مثال ذلك: السجود، ما حكمه؟ السجود لله منه ما هو واجب، ومنه ما هو مندوب، والسجود للصنم ما حكمه؟ شرك، حرام تحريمًا قطعيًّا، خروج من دين الإسلام.
إذن هذا الفعل الواحد بالنوع، يمكن أن يكون بعض أفراده من الحرام، وبعضه من الحلال، وبعضه من الواجب، لكن هذا فعل واحد بالنوع، عندك سؤال؟ نعم، اسأل.
{أحسن الله إليك، إذا اتفق واجبان في وقت واحد، فما الذي يقدم؟}
نعم، إذا وُجد واجب، وتعارض واجبان في وقت واحد هناك قواعد في الشريعة تسمى "قواعد التعارض" نأخذها إن شاء الله في أواخر المباحث، بحيث يقدم الأوجب.
يقول: نجاسة لحم الخنزير، نقول: النجاسة هذه ليست حكمًا تكليفيًا، النجاسة هذا حكم شرعي، لكنه ليس حكما تكليفيًّا، الأحكام التكليفية لا تتعلق إلا بالذوات، أما النجاسة هذا ليس حكمًا تكليفيًا من الأحكام الخمسة، ومن ثم قد يتعلق بالذوات، النجاسة، الطهارة، هذه قد تتعلق بالذوات، لكن الأحكام التكليفية لا، لا تتعلق.
يقول: ما الفرق بين أن ينوي العمل لله وأن ينويه للدار الآخرة؟
مرات قد ينوي الإنسان العمل لله من أجل أن يأجره في الدار الآخرة، وقد ينوي بعمله الدنيا.
أسأل الله -جل وعلا- أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح.
إن شاء الله انتهينا من الأحكام التكليفية، نتدارس في اللقاء الآتي الأحكام الوضعية، أسأل الله -جل وعلا- أن يجعلنا وإياكم ممن فهم كتابه وعمل به، وسار على سنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.
اللهم أعِدِ الأمة إلى دينك عودًا حميدًا، هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، لقاؤنا إن شاء الله بعد يومين في الدرس الثاني نراكم إن شاء الله على خير.
أيها المشاهدون الكرام اسأل الله -جل وعلا- أن يوفقكم للخير، وأن يملأ قلوبكم من التقوى والإيمان والعلم النافع، كما أسأله -جل وعلا- أن يحقن دماء المسلمين وأن يؤمنهم في بُلدانهم، وأن يكون عونًا للمظلومين، هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
http://islamacademy.net/cats3.php