مادة شرح متن البيقونية
لفضيلة الشيخ/ طارق عوض الله
الدرس (9)
إنَّ الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شُرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.
وبعد:
ما زلنا -بحمد الله تعالى- نستكمل ما ابتدأناه من شرح المنظومة البيقونية في علم مصطلح الحديث.
في اللِّقاء الماضي تكلَّمنا عن بعض أنواع علوم الحديث، واليوم سنحاول جاهدين -بإذن الله تعالى- أن نأتي على ما تبقى من هذه المنظومة المباركة.
النوع الأول الذي سنتناوله الليلة: هو ما يُسمَّى بـ(الحديث المُدَبَّج)، أو الرواية التي وقع فيها التَّدبيج؛ لأنَّ التَّدبيج هو وصفٌ للراوي أكثر منه وصفًا للرواية.
يقول الناظم:
وَمَا رَوَى كُلُّ قَرِيْنٍ عَنْ أَخِهْ *** مُدَبَّجٌ فَاعْرِفْهُ حَقًّا وَانْتَخِهْ
(انتَخِه): أي اقصده واسعَ إليه.
وقوله: (أخِهِ) هذه لغة في "أخيه".
عندنا نوعٌ من أنواع الحديث يُسمَّى بـ(رواية الأقران)، فعلماء الحديث -رحمهم الله تعالى- عالجوا كلَّ جوانب الرواية، سواء منها ما كان مُتعلِّقًا بالراوي، أو كان مُتعلِّقًا بالرِّواية ذاتها، فما كان منها مُتعلِّقًا بالراوي قلنا أنَّ من ذلك ما يُسمَّى عندهم بـ(علم الجرح والتَّعديل)، لكن هناك أنواعٌ أخرى من أنواع علوم الحديث تتعلَّق بالرُّواة من حيث التَّعيين؛ لأنَّك إذا لم تستطع أن تُعيِّن مَن في الإسناد وأن تعرف مَنْ هذا الشخص، مَنْ هذا المذكور في الإسناد؛ فأنَّى لك أن تعرف أهو من الثِّقات أم من غير الثِّقات.
فهناك بعض الأنواع التي تتعلَّق بالرواة من حيث التَّعيين، منها ما يُسمَّى برواية الأقران، مَن هم الأقران؟
الأقران: جماعةٌ من الرواة اشتركوا في وصفين:
الوصف الأول: التَّقارب في السِّن، أي عاشوا في زمنٍ واحدٍ، وفي عصرٍ واحدٍ، فأسنانهم قريبة بعضها من بعضٍ.
الوصف الثاني: الاشتراك في الأخذ عن الشيوخ، أي أنَّ هؤلاء الأقران -أي هؤلاء الطلبة، أو هؤلاء الرُّواة- الذين هم مُتقاربون في السِّن هم أيضًا اشتركوا في سماع الحديث من شيوخ مُعينين.
إذن لابُدَّ أن يقع التقاربُ في السِّن، ولابُدَّ أيضًا أن يقع الاشتراكُ في السماع من الشيوخ، أمَّا إذا سمع هذا من شيخٍ وهذا من شيخٍ وهذا من شيخٍ ولم يشتركوا في أخذ العلم عن شيوخٍ مُعينين؛ فلا يُسمَّون من هذه الحيثية بأقران، فالقرين لابُدَّ أن يكون مُشتركًا مع قرينه في الأخذ عن شيوخٍ معروفين. فنقول: هؤلاء أقران.
من الطَّبيعي جدًّا أنَّ الراوي إذا ما روى الرواية يرويها عمَّن هو مُتقدِّمٌ عليه في الطَّبقة، فالصَّحابة يروون عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والتَّابعون يروون عن الصحابة، وتابع التابعين يروون عن التابعين، فهذا أمرٌ واضحٌ.
لكن من غير المشهور وغير المعروف بكثرة في استعمال العلماء وفي الرِّوايات أن تجد راوٍ يروي عن قرينٍ له، أي تجد صحابي يروي عن صحابيٍّ، أو تابعي يروي عن تابعيٍّ، فهذا قليلٌ في الوجود ولكنَّه موجودٌ.
ولذلك نتج عن ذلك علمٌ يُسمَّى عند العلماء بـ(علم رواية الأقران)، وهو أن يروي الراوي لا عمَّن هو مُتقدِّم عليه في الطَّبقة؛ بل عن قرينٍ له، أي مُطابِق له، أو مُساوٍ له، أو مُقارِب له في الزَّمان وفي الأخذ عن الشيوخ.
لماذا اهتم العلماءُ بهذا الجانب من العلم؟
حتى لا تتوهم وأنت تنظر إلى سندٍ من هذه الأسانيد أنَّ هناك خطأً في الرواية؛ لأنَّ الغالب أنَّ الراوي يروي عمَّن هو مُتقدِّمٌ عليه، فإذا بك تجد أنَّ راويًا يروي عن مُقارِبٍ له، أو قرينٍ له، أو مُعاصِرٍ له.
فلأجل هذا اهتمَّ العلماءُ ببيان هذا حتى لا تتوهم أنَّ هناك خطأ في الإسناد، أو أنَّ راويًا ذُكِرَ في مكان راوٍ، أو أنَّ بعض الرواة غيَّر اللَّفظ فبدلًا من أن يقول: فلان وفلان عن فلان؛ فإذا به يقول: فلان عن فلان. فتتوهَّم أنَّ هناك أخطاء من أيِّ صفةٍ من الأوصاف، أو بأيِّ شكلٍ من أشكال الأخطاء.
فإذا وجدتَ قرينًا يروي عن قرينٍ فلا تُبادر إلى الحكم بخطأ تلك الرواية، أو تتوهم ذلك؛ بل هذا موجودٌ، فلابُدَّ من معرفة الأقران ورواية الأقران، وترجع إلى الكتب المُتخصِّصة في هذا الجانب؛ لتبيِّن لك ما وقع في تلك الرواية التي وقعت بين يديك هل هو من الصواب أم من الخطأ؟
فمثلًا: حديث «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» -حفظنا إسناده والحمد لله- فيه رواية أقران؛ لأنَّه من رواية يحيى بن سعيد الأنصاري -وهذا تابعي- عن محمد بن إبراهيم التَّيمي -وهذا تابعي- عن علقمة بن وقَّاص اللَّيثي -وهذا تابعي- عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه وهذا صحابي- فهذا الإسناد اشتمل على ثلاثةٍ من التابعين، فكلٌّ منهم يروي عن الآخر، إذن وقعت رواية الأقران أم لا؟
نعم، وجدنا القرينَ يروي عن قرينه، فوجدنا التابعي يروي عن التابعي. فهذا هو ما يُسمَّى عند العلماء بـ(رواية الأقران).
هناك صورة خاصَّة جدًّا داخلة في رواية الأقران، ولكنَّها تتصف بوصفٍ آخر يجعلها أكثر خصوصية من مُطلَق رواية الأقران، وذلك فيما إذا وجدنا الراوي يروي عن قرينه، فهذا يدخل في باب رواية الأقران، ثم وجدنا قرينَه يروي عنه أيضًا، فكلٌّ منهما يروي عن الآخر، فمن الممكن مثلًا أن نجد صحابيًّا يروي عن صحابيٍّ، أو تابعيًّا يروي عن تابعيٍّ، لكن تجد أنَّ كلًّا من التَّابعيين يروي عن الآخر، وكلًّا من الصَّحابيين يروي عن الآخر؛ فهذا إن وقع في الرِّوايات نُسميه (مُدَبَّجًا).
قصده الناظم بقوله:
وَمَا رَوَى كُلُّ قَرِيْنٍ عَنْ أَخِهْ
أي عن أخيه.
مُدَبَّجٌ...................
مثل أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- وعمر بن الخطاب الفاروق -رضي الله عنه- فقد وُجِدَ أنَّ أبا بكر الصديق روى عن عمر، وعمر روى أيضًا عن أبي بكر الصديق، إذن هنا نوعٌ من أنواع المُدَبَّج.
ويحيى بن سعيد الأنصاري الذي روى حديث: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» روى عن الزُّهري -محمد بن شهاب الزُّهري- والزُّهري أيضًا روى عن يحيى بن سعيد الأنصاري.
ووجدنا رواية البخاري عن الترمذي، ومعلوم أنَّ الترمذي يُكثِر الرواية عن البخاري، فكلٌّ منهما روى عن الآخر؛ فوقع التَّدبيج.
فالمُدَبَّج هو: أن يروي كلٌّ من القرينين عن قرينه، فإذا وقعت رواية القرين عن قرينه فقط تُسمَّى رواية الأقران، أمَّا إذا روى الآخر عن الأول أيضًا فيدخل ذلك في اسم المُدَبَّج.
إذن المُدَبَّج صورة من صور رواية الأقران، ولكنَّها تختصُّ بأنَّ كلًّا من القرينين روى عن الآخر.
يأتي إلى نوعٍ آخر مُتعلِّقٌ أيضًا بتعيين الرُّواة، فيقول:
مُتَّفِقٌ لَفْظًا وَخَطًّا مُتَّفِقْ *** وَضِدُّهُ فِيْمَا ذَكَرْنَا المُفْتَرِقْ
هذا علمٌ آخر يُسمَّى (علم المُتَّفق والمُفْتَرِق)، وهذا علمٌ له أئمَّة مُختصُّون به، وله مُصنَّفات خاصَّة، فالنَّاظم هنا اختصر القضية في بيتٍ، ولكن هذا البيت لكي تتفهَّمه على الحقيقة لابُدَّ أن تكون عندك مكتبةٌ كاملةٌ في هذا العلم، فقد تكلَّم فيه علماء كبار، وألَّفوا فيه المُصنَّفات العظيمة.
ما هو المُتَّفق والمُفْتَرِق؟
هذا مثلما نجده عندنا في السِّجل المدني، أو وأنت داخلٌ للمطار أو خارج منه، ففي المطار يُدخَل جواز السَّفر على الكمبيوتر، فيجد الموظفُ اسمك مُطابقًا لاسم رجلٍ آخر، وقد يكون إرهابيًّا؛ فيُحدِث لك مشكلةً.
يقول لك: هناك تشابه أسماء، ما معنى تشابه أسماء؟
يعني اسمك واسم أبيك، أو اسمك واسم أبيك وجدِّك مُطابِقٌ لاسم رجلٍ آخر واسم أبيه وجدِّه، هذه إشكالية كبيرة جدًّا يمكن أن تُورِّطك.
كذلك أيضًا في علم الحديث موجود هذا، فعندنا الرواة كثيرون جدًّا، فقد نجد راويين يتَّفقان في الاسم واسم الأب واسم الجد، وقد يتَّفقان في الاسم والكُنية، أو في الاسم والنِّسبة، وأنت بين يديك إسنادٌ فيه فلان بن فلان، فلمَّا فتحت كتب التَّراجم وجدتَ عشرةً بهذا الاسم، فمَن المقصود؟ مَن هو المذكور في الإسناد؟ علم المُتَّفق والمُفْتَرق هو الذي يُبيِّن لك ذلك.
ولهذا قال:
مُتَّفِقٌ لَفْظًا وَخَطًّا........
أي نجد اسمين كلّ منهما يشترك مع الآخر في الرسم -أي صورة الاسم في الكتابة- وفي النُّطق، فليس فيه تغييرٌ من أيِّ وجهٍ من الوجوه، فالاسم هو الاسم، ولكن الشَّخص غير الشَّخص، فهذا نُسميه علم المُتَّفِق والمُفْتَرِق.
مثلًا عندنا أنس بن مالك، فكلّنا نعرف سيدنا أنس بن مالك -رضي الله عنه- صح أم لا؟ نعم، عندنا في الرُّواة خمسة، كلٌّ منهم يُسمَّى أنس بن مالك، واليوم لما تجد في الإسناد أنس بن مالك وتفتح كتب الرجال يقول لك: أنس بن مالك بن فلان، وأنس بن مالك بن فلان، وأنس بن مالك بن فلان، طيب، كيف نعرفه؟ مَن هو المذكور في الإسناد؟
العلماء الذين صنَّفوا علم المُتَّفِق والمُفْتَرِق ميَّزوا هؤلاء المُشتبهين وبيَّنوا أنَّك إذا وجدتَ أنس بن مالك في الطبقة الفلانية فهو أنس بن مالك الفلاني، أو يروي عن فلانٍ أو يروي عنه فلانٌ؛ فهو أنس بن مالك الفلاني، ويُميِّزون ذلك تمييزًا واضحًا جدًّا في كتب المُتَّفِق والمُفْتَرِق حتى لا تشتبه عليك أسماءُ الرُّواة، ويكون هناك تشابهٌ في الأسماء مما يؤدي إلى مشكلةٍ.
فحتى في الصَّحابة عندنا اثنان أنس بن مالك، فنحن نعرف أنس بن مالك الأنصاري خادم رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وهو الذي يُكثِر الرِّواية عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- لكن هناك صحابيًّا آخر اسمه أيضًا أنس بن مالك، ولكن هذا الصَّحابي الآخر اسمه أنس بن مالك الكَعْبِي، وليس له عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا حديثٌ واحدٌ، فحين يأتي لك هذا الحديث فهو للكَعْبِي، وغيره من الأحاديث التي يرويها أنس بن مالك هو أنس بن مالك الأنصاري خادم رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم.
وفي التَّابعين أنس بن مالك، هل تعرفون الإمام مالك بن أنس؟ ما اسم جده؟ اسمه مالك، إذن أبوه اسمه أنس بن مالك، وأبوه تابعي، فيكون عندنا والد الإمام مالك اسمه أنس بن مالك، وهو أحد الخمسة المذكورين الذين أشرنا إليهم.
فهؤلاء رواة اشتركوا في الاسم واسم الأب، وقد يشتركان أيضًا في اسم الجد، فعلم المُتَّفق والمُفْتَرق هو الذي يُميِّز لك هؤلاء الرُّواة حيث يردون في الأسانيد.
وهناك نوعٌ آخر هو أدقّ من الأول -وكلّ علوم الحديث دقيقة- وهو يُسمَّى بـ(علم المُؤتَلِف والمُختَلِف)، فالأول اسمه (علم المُتَّفق والمُفْتَرق) يتناول رواة يشتركون في الاسم من حيث الرسم -أي الكتابة- ومن حيث النُّطق، فهذا أنس وهذا أنس، فلم يختلف الرسم أو النُّطق، وكذلك لم يحدث خلافٌ في اسم الأب فهو ابن مالك، هل هناك اختلافٌ في النُّطق أو في الرسم؟ لا، فهما في الكتابة يشتبهان، وفي النُّطق أيضًا يشتبهان.
لكن المُؤْتَلِف والمُخْتَلِف ليسا كذلك، تعالَ نرى، يقول:
مُؤْتَلِفٌ مُتَّفِقُ الخَطِّ فَقَطْ *** وَضِدُّهُ مُخْتَلِفٌ فَاخْشَ الْغَلَطْ
فالمُؤْتَلِف والمُختلف يتناول رواة يشتبهون في الرسم، أي في الكتابة، فقد يشتبه الراوي مع غيره في صورة الاسم -شكل الاسم- لكن يختلف في النُّطق، أمَّا المُتَّفِق والمُفْتَرِق فيتَّفقان في الرسم وفي النُّطق، لكن هذان يتَّفقان فقط في الرسم -أي في الكتابة- لكن يختلفان في النُّطق. مثل ماذا؟ مثلًا عندنا "أنس"، وعندنا "أتش"، فهناك راوٍ اسمه "أتش" من صنعاء من اليمن، وطبعًا كانت أغلب كتاباتهم في القديم خالية من النَّقط والتَّشكيل.
فالرسم واحد في "أنس" و"أتش"، فمَن لا يعرف الفرق بين "أنس" و"أتش" سيجعل الكلّ "أنس"، ويقول: "كلّه عند العرب صابون"، فيقع الخلط والغلط، ولذلك يقع في التَّصحيف والتَّحريف، ولذلك عندنا كتب مُؤلَّفة اسمها كتب التَّصحيف والتَّحريف، فكلّ التَّصحيفات والتَّحريفات التي أخطأ فيها الرُّواة في الأسانيد أو في المتون؛ بيَّنها العلماءُ ووضَّحوها.
انظر كيف حفظ الله سُنَّة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم؟ فما من قضيةٍ ولا جزئيةٍ تمسُّ الأحاديث والرِّوايات إلا وقد أتى عليها العلماءُ -عليهم رحمة الله- بالبيان والتَّوضيح والشَّرح.
فهنا أنس وأتش، فيأتي العلماءُ فيقولون: إذا وجدت هذا الرسم (أنس) فانظر في شيخه والراوي عنه، أو انظر إلى بلده، أو انظر إلى الزمان والطَّبقة التي وُجِدَ فيها؛ لتعرف هل هو "أنس" أم "أتش"؟
عندنا "أحمد" كثير، لكن عندنا "أجمد"، فهناك راوٍ اسمه "أجمد" -والده سماه هكذا- فالرسم هو الرسم، لكن النُّطق يختلف.
وعندنا "عُبَيْدَة"، و"عَبِيدَة" مثل: عَبِيدَة السَّلماني، فهذا راوٍ وهذا راوٍ، فهناك راوٍ بالفتح، وراوٍ بالضم، إذن لابُدَّ أن أُميِّز، ولا ينفع الخلط في مثل هذه الأشياء، وإلا أصير أُضْحُوكة، فأيّ واحدٍ لا يستطيع أن يذكر أسماءَ الرواة وأسماء العلماء على الوجه الصحيح يكون هذا دليلًا على أنَّه لم يفتح كتابًا، ولم يقرأ كتابًا، ولم يسمع عن هذا العلم بالمرة.
إذن عندنا "عُبَيْدَة"، وعندنا "عَبِيدَة".
وعندنا أيضًا: "حِبَّان" و"حَيَّان" و"حنان"، فكلُّ هذه أسماء رواة، وكلها في الرسم واحد، وفي النُّطق تختلف، وعندنا في الأنساب أيضًا مثلًا: "الشَّيباني" و"السِّيناني".
وعندنا: "الشَّامي" و"السَّامي"، فهذا بالشِّين، وهذا بالسِّين.
وعندنا: "المصري"، و"البصري"، فهنا تشابه في الشكل، فبعض الرواة يمكن أن يغلط، فيجعل الباء ميمًا، أو الميم باءً، فلو كبرت الباءُ قليلًا ستكون ميمًا، ولو صغرت الميمُ ستكون باءً.
وعندنا: "المَخْرَمِي"، و"المُخَرِّمي" فالأنساب أيضًا يقع فيها الخلطُ.
فالعلماء تناولوا هذه الأشياء كلها وبيَّنوها بيانًا واضحًا مُفصَّلًا في كتبٍ أفردوها لذلك، ومن أفضلها طبعًا كتاب "الإكمال" لابن ماكُولا، وهو كتاب موسوعة علميَّة، فكلُّ الأسماء هذه بيَّنوها -عليهم رحمة الله تعالى- فهذا اسمه (علم المُؤتَلِف والمُخْتَلِف).
إذن في المُتَّفِق والمُفْتَرِق تشترك أسماء الرواة في الرسم والنُّطق.
أمَّا في المُؤْتَلِف والمُخْتَلِف فتشترك الأسماءُ في الرسم دون النُّطق.
قال الناظم:
وَالمُنْكَرُ الْفَرْدُ بِهِ رَاوٍ غَدَا *** تَعْدِيْلُهُ لَا يَحْمِلُ التَّفَرُّدَا
يتكلم هنا عن (الحديث المنكر)، يقول: إنَّ الحديث المُنكَر هو الذي رواه راوٍ حاله وعدالته وضبطه وحفظه لا يحتمل منه أن يأتي بمثل هذا المُنكَر، فهو راوٍ ضعيفٌ فهل يُحتمَل منه التَّفرُّد بالحديث؟ لا، فيكون مُنكَرًا.
إذن نفهم من هذا أنَّ الحديث الذي يرويه الراوي الضَّعيف مُتفرِّدًا به، أي لا يُوافقه عليه أحدٌ، ولا يُتابعه عليه أحدٌ، فليس له مُتَابِع، ولا شاهد، ما معنى شاهد؟ أي حديث آخر يدلُّ على مثل معنى الحديث الذي رواه، فلا وجدنا أحدًا وافقه على روايته، ولا وجدنا حديثًا آخر يُوافِق الحديث الذي جاء به، فنقول هنا: هذا الحديث الذي رواه ذلك الراوي حديثٌ مُنكَرٌ.
إذن هنا الإمام يرى أنَّ المُنكَر هو الحديث الذي يتفرَّد به الراوي الضَّعيف، طبعًا إذا خالف فأشدّ في النَّكارة، ونحن قلنا قبل ذلك أنَّ الأخطاء في الرِّوايات يُستدلّ عليها إمَّا بالتَّفرُّد الذي لا يُحتمَل، أو بالاختلاف بين الرواة، فطبعًا لو خالف ثقة الأوثق أو الأشهر أو الأكثر عددًا؛ فإننا نحكم على حديثه بأنَّه شاذٌّ.
لكن حال الضَّعيف أصلًا لا يسمح له بالتَّفرُّد، فمجرد تفرُّده يُعَدُّ مُنكَرًا. فكيف إذا خالف؟! فبمجرد أن يتفرَّد ولا يُوافقه أحدٌ ولا يُخالفه أحدٌ؛ يكون حديثُه مُنكَرًا، فإذا انضاف إلى تفرُّده أن يُخالفه غيرُه؛ فهذا يكون أشدَّ في النَّكارة.
ثم تكلَّم عن نوعٍ آخر، وهو (الحديث المَتْرُوك) فقال:
مَتْرُوكُهُ مَا وَاحِدٌ بِهِ انْفَرَدْ *** وَأَجْمَعُوا لِضَعْفِهِ فَهْوَ كَرَدْ
أي "فهو كردٍّ" أي كالمردود، من باب إطلاق المصدر على اسم المفعول، كقول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»، أي مردودٌ في وجه صاحبه.
فهنا نتكلم عن الحديث المتروك، يقول: إنَّ الحديث المتروك هو الذي انفرد به راوٍ أجمعوا على ضعفه.
إذن الضَّعف مراتب: فالراوي الذي هو ضعيفٌ -حتى وإن كان هناك خلافٌ في ضعفه لكن ترجَّح لدى العلماء أنَّه ضعيفٌ- إن تفرَّد فحديثٌ مُنكَرٌ.
أمَّا إذا كان مُتوغِّلًا في الضَّعف، غارقًا في الضَّعف، اتَّفق العلماءُ على ضعفه ولم يختلفوا فيه؛ فهذا يُقال في حديثه: هذا حديثٌ متروك.
إذن نفهم من هذا أنَّ كلَّ متروكٍ مُنكَر، وليس كلُّ مُنكَر متروكًا، بحسب التَّقسيمات التي رآها المؤلف، لكن العلماء -عليهم رحمة الله تعالى- عندهم ليُونة في التعامل مع المصطلحات، وليس عندهم جفاء في التَّعامل مع المصطلح، بمعنى أنَّ الحديث المُنكَر والحديث المتروك، بل والشَّاذ أيضًا؛ هي الأحاديث التي ترجَّح لدى العلماء أنَّها أخطاء، وكيفية إثبات هذا الخطأ قد تختلف من حديثٍ إلى حديثٍ، لكن ما دام أنَّه ترجَّح لدينا أنَّه خطأ، أو ثبت لدينا أنَّه خطأ؛ فإن شئتَ سمِّه شاذًّا، وإن شئتَ سمِّه متروكًا، وإن شئتَ سمِّه مُنكرًا، ففي النِّهاية هو من قسم المردود المُتوغِّل الضَّعف الذي لا يُحتجُّ به ولا يُستَشْهَد به.
ولذلك قال الإمامُ مسلم بن الحجاج -رحمه الله تعالى- في مقدمة كتابه "الصحيح": "وَعَلَامَةُ المُنْكَرِ" يتكلم عن العلامة التي يُستدلُّ بها على كون الحديث مُنكرًا، أي السَّبيل التي بها نعرف أنَّ الحديث من قبيل الأحاديث المُنكَرة -أي المردودة أو الأخطاء- قال: "وَعَلَامَةُ المُنْكَرِ فِي حَدِيثِ المُحَدِّثِ: إِذَا مَا عُرِضَتْ رِوَايَتُهُ عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْحِفْظِ وَالرِّضَا خَالَفَتْ رِوَايَتُهُ رِوَايَتَهُمْ". إذن المُنكَر يُستدلُّ عليه بالمُخالفة.
"أَوْ لَمْ تَكَدْ تُوَافِقُهَا"، فهنا أيضًا يُستدلُّ عليه بعدم المُوافقة الذي هو التَّفرُّد، فهناك فرقٌ بين الاختلاف وعدم المُوافقة، وهذه مُهمةٌ جدًّا، فليس معنى عدم المُوافقة الاختلاف، ولا معنى الاختلاف عدم المُوافقة. لماذا؟
لأنَّ الراوي إذا روى حديثًا لا يُوافقه أحدٌ، ولا يُخالفه أحدٌ؛ فهل هذا مُخالِف لأحدٍ؟ هل هذا يُعَدُّ اختلافًا؟ لا، لم يُخالفه أحدٌ، لكنَّه تفرَّد فلم يُوافَق، والراوي إذا لم يكن حافظًا كبيرًا أهلًا للتَّفرُّد لا يُقبَل منه الحديث إذا ما تفرَّد به، فلابُدَّ أن يُوافَق، فعدم مُوافقة غيره له دليلٌ على خطئه في الرواية.
نقول مرةً أخرى: هناك فرقٌ بين الاختلاف وعدم المُوافقة، فعندما نقول أنَّ فلانًا لم يُخالَف، هل معنى ذلك أنَّه وُفِقَ؟ هل معنى ذلك أنَّ هناك مَن وافقه؟ لا، وليس كلُّ الرواة يُحتمَل منهم التفرُّد؛ لأنَّ عدم الموافقة وعدم الاختلاف معناهما أنَّه تفرَّد، فجاء بشيءٍ لم يأتِ به غيرُه، ولم يُتابعه عليه أحدٌ، كما لم يُخالِفه عليه أحدٌ.
فهذا التَّفرُّد هل يُقبَل من كلِّ أحدٍ؟
لا، ليس كلُّ راوٍ يُقبَل منه التَّفرُّد؛ إنَّما يُقبَل التَّفرُّد من الحُفَّاظ الثِّقات الكبار، كالزُّهري، ومالك بن أنس، وشعبة بن الحجاج، وسفيان الثَّوري، وسفيان بن عُيينة، وأمثال هؤلاء الأئمَّة الفطاحل، فإذا جاء واحدٌ من هؤلاء بالحديث مُتفرِّدًا به فعلى العين والرأس.
لكنَّ راويًا دون هؤلاء وقد جُرِّبَ عليه الخطأ في كثيرٍ من الرِّوايات، فإن تفرَّد بشيءٍ لم يُوافقه عليه أحدٌ، كما لم يُخالفه فيه أحدٌ؛ فنقول: هذا تفرُّد، فمعنى أنَّه تفرد أنَّه لم يُوافَق، فهنا لا يُحتمَل منه ذلك التَّفرُّد، وبعض العلماء يُسمِّي ذلك مُنْكَرًا، وبعضهم يُسميه شاذًّا، وهذا اختلافٌ في اللَّفظ، فكله يؤول إلى كونه مردودًا عند العلماء -عليهم رحمة الله تعالى.
ولذلك يقول الإمامُ مسلم: "وَعَلَامَةُ المُنْكَرِ" إذن هو يتكلَّم عن المُنْكَر، "وَعَلَامَةُ المُنْكَرِ فِي حَدِيثِ المُحَدِّثِ: إِذَا مَا عُرِضَتْ رِوَايَتُهُ لِلْحَدِيثِ عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْحِفْظِ وَالرِّضَا خَالَفَتْ رِوَايَتُهُ رِوَايَتَهُمْ، أَوْ لَمْ تَكَدْ تُوَافِقُهَا".
إذن حصل اختلافٌ أو حصل تفرُّدٌ، وهو ليس أهلًا للتَّفرُّد. هذه هي العلامة.
فهنا ذكر في المُنكَر: أن يتفرَّد الراوي وهو ليس أهلًا للتَّفرُّد.
ثم قال: "فَإِذَا كَانَ الأَغْلَبُ مِنْ حَدِيثِهِ كَذَلِكَ" أي أنَّ الراوي لم يغلط مرةً أو اثنين أو ثلاثة؛ بل دائمًا يفعل هذا، "فَإِذَا كَانَ الأَغْلَبُ مِنْ حَدِيثِهِ كَذَلِكَ؛ كَانَ -أي الراوي- مَهْجُورَ الحَدِيثِ، غَيْرَ مَقْبُولِهِ، وَلَا مُسْتَعْمَلِهِ". أي متروك، فالراوي نفسه متروك.
ولهذا نقول: إنَّ وصف الحديث بالمتروك قليل، إنَّما أغلب ما يأتي لفظ (المتروك) وصفًا للراوي لا وصفًا للرِّواية، فتجد في كتب الرجال مَن يقول: فلان متروك الحديث، وفلان تركه الناس، وتركه فلان.
فإذن كلمة "متروك" تُطلَق على الراوي أكثر من إطلاقها على الرواية.
إذن نخلُص من هذا إلى أنَّ هذا المُنكَر إذا جاء من راوٍ، وقد وجدنا أنَّ هذا الراوي كثيرًا ما يأتي بتلك المناكير؛ فهذا الراوي نفسه يُحكَم بكونه متروكَ الحديث.
ثم انتقل إلى (الحديث الموضوع) فقال:
وَالْكَذِبُ المُخْتَلَقُ المَصْنُوعُ *** عَلَى النَّبِيْ فَذَلِكَ المَوْضُوعُ
فالحديث الموضوع هو المَكْذُوب على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ما معنى مكذوب؟
الكذب: هو الإخبار بخلاف الواقع.
انتبه: الكذب هو: الإخبار بخلاف الواقع، أي أن تُخبر بشيءٍ مُخالِفٍ للحقيقة، ولذلك يقول أبو العتاهية: "والصدق ما كانت له حقيقة، والكذب بعكسه". فالكذب هو أن تُخبر بشيءٍ خلاف الحقيقة، بصرف النَّظر أوقِعٌ ذلك الإخبار منك عن تعمُّدٍ أو عن غير تعمُّدٍ؟ أي أنَّك إذا تعمَّدت أن تُخبر بخلاف الحقيقة فهل هذا كذبٌ أم لا؟ كذبٌ وتأثُّمٌ؛ لأنَّك وقعت في أمرٍ منهيٍّ عنه؛ بل هو من أكبر الكبائر، وهو الكذب، لكن إذا أخبرتَ بخلاف الحقيقة عن غير قصدٍ، أي وقع ذلك خطأ منك، هل عدم قصدك يجعل الخبرَ ليس كذبًا؟ هو كذبٌ أيضًا؛ لأنَّك أخبرت بما لم يقع، أو بما وقع خلافه، فأنت أخبرت بالكذب لكنَّك لا تأثَمُ.
إذن قضية النِّية مُرتبطة بعلاقة العبد بربه، لكننا لا تشغلنا النِّية، فنحن لا نتعامل مع نيَّة الراوي؛ إنَّما نتعامل مع ما رواه بالفعل، هل ما رواه مُطابِقٌ للواقع فيكون صدقًا، أم مُخالِفٌ للواقع فيكون كذبًا؟ أمَّا أنَّه قصد أن يفعل ذلك أو لم يقصد فهذه قضية لا تشغلنا، فهذه علاقة بين العبد وربِّه.
ولذلك فإنَّ علماء الحديث قد يحكمون على الحديث بأنَّه كذبٌ، وبأنَّه موضوعٌ، مع اعتقادهم أنَّ الراوي لم يقصد ذلك ولم يتعمَّده، ما معنى ذلك؟
يقولون: إنَّ الراوي شُبِّه عليه، أو أُدخِلَ عليه الحديث، أو أخطأ عن غير قصدٍ، لكنَّه في النِّهاية آل به الأمرُ إلى أنَّه أخبر بخلاف الواقع.
مثل القتل العمد والقتل غير العمد، فلو قتل واحدٌ عمدًا فهل هذا قاتلٌ أم ليس بقاتلٍ؟
{قاتل}.
طيب، قتل عن غير عمدٍ، ألكونه لم يقصد لا يُسمَّى قاتلًا؟ هو قاتل، فالوصف مُرتبطٌ به حتى وإن لم يقصد ذلك؛ لأنَّ المقتول في النِّهاية قد مات، فالنِّهاية واحدة، إن تعمَّد قتله فقد مات الرجل، وإن لم يتعمَّد قتله فهو أيضًا قد مات، فالنَّتيجة واحدة.
كذلك أيضًا في الحديث إن تعمَّد الكذبَ فقد أخبر بخلاف الواقع، وإن لم يتعمَّد فقد أخبر أيضًا بخلاف الواقع، فالنتيجة واحدة أنَّ هذا ليس حديثًا عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم.
فلابُدَّ أن يكون عندنا فهمٌ لهذه القضية؛ لأنَّ بعض الناس لا يحكم على الحديث بأنَّه موضوعٌ إلا إذا تأكَّد أنَّ الراوي ممن يتعمَّد الكذب! لا، ليس بالضَّرورة.
مثل ماذا؟
طبعًا إذا روى الكذَّابُ الحديثَ مُتفرِّدًا به عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فنحن نجزم بأنَّه موضوعٌ.
انتبه: ماذا قلنا؟
إذا روى الكذَّابُ الحديثَ مُتفرِّدًا به، لكن لو روى الكذَّابُ ما رواه الثِّقات هل سيكون كذَّابًا؟ لن يكون كذَّابًا، فقد يكون كاذبًا في ادِّعاء أنَّ هذا الحديث من أحاديثه، هو الذي سمَّيناه من قبل بالسَّارق الذي يدَّعي سماع ما لم يسمع، لكنَّه لم يختَلِق متنًا، ولم يُركِّب إسنادًا؛ إنَّما ادَّعى ما لم يسمعه فقط، فهذا كاذبٌ أيضًا، ولكنَّه كاذبٌ في جزءٍ من الرِّواية في كونه سمع وهو لم يسمع، لكن هل هو كذب على رسول الله؟ لا.
وهذا يدخل تحت باب: «صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ»، هذا جاء وصفًا لمَن؟ للشيطان، فالرسول -عليه الصلاة والسلام- أخبر أبا هريرة في قصَّة آية الكرسي أنَّه صدقك هذه المرَّة، وإن كان الشيطانُ من شأنه وعادته ودَيْدَنِه الكذب.
فإذا وجدنا الكاذبَ يُخبر بما رواه الثِّقات فإننا نقول: هذه المرة صدق في إخباره عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- لكن طبعًا هذا الصِّدق لا ينفعه؛ لأنَّ العمدة على رواية الثِّقات، لا على رواية الكذَّابين.
لكن إذا تفرَّد بالحديث ولم نجد للحديث ما يُؤيده في روايات الثِّقات؛ فنحن نجزم بأنَّه حديثٌ موضوعٌ، فإذا وجدنا ما رواه مخالفًا لما رواه الثِّقات، ومُخالفًا للقرآن، ومُخالفًا للأحاديث الصَّحيحة عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ومُخالفًا لإجماع الأُمَّة، ومُخالفًا لمُقتضيات العقل، ومُخالفًا لما استُفِيضَ من سُنَّة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فهنا نقطع قطعًا جازمًا بأنَّ هذا كذبٌ وافتراءٌ على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم.
لكن قد يقع الكذبُ أيضًا عن غير قصدٍ، مثل قصة موسى بن ثابت الزَّاهد، فهذا رجلٌ زاهدٌ، فهل الزاهد يتعمَّد الكذب؟ لا، ولكنَّه مع زهده لم يكن من أحلاس الحديث -يعني من فطاحل الحديث- ولا من طلبة الحديث، ولا من علماء الحديث، ومثل هذا قد تدخل عليه الأحاديثُ بحُسن نيَّةٍ.
يحكون قصَّة أنَّ موسى بن ثابت الزَّاهد هذا كان جالسًا في مجلس شريك بن عبد الله القاضي النَّخعي، فشريك روى حديثًا -فكان يروي في المجلس أحاديث- عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، فلما انتهى سيدنا شريك من هذا الإسناد ووقف عند "أبي هريرة عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام" انتظر حتى يكتب الناسُ ولم يذكر متنَ الحديث، وأثناء انتظاره لمح في المجلس موسى بن ثابت الزَّاهد وعليه نورُ العبادة من زهده وقيام الليل، فنظر إليه مُخاطبًا إيَّاه فقال له: "مَن كَثُرَت صلاتُه باللَّيل ابيضَّ وجهُه بالنَّهار"، يريد أن يمدحه، فمن زهد موسى بن ثابت الزَّاهد أنَّه لم يتصور أنَّ أحدًا يمدحه، وهذا دليلٌ على أنَّه زاهد، فتصوَّر أنَّ هذا هو الحديث الذي يرويه شريك بالإسناد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، فخرج من المجلس وقال: "حدَّثنا شريك عن أبي صالح عن أبي هريرة أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: مَن كَثُرت صلاتُه باللَّيل ابيضَّ وجهُه بالنهار".
فهذا كلام شريك القاضي مُخاطبًا به موسى بن ثابت الزَّاهد لكنَّه غلط وتوهَّم أنَّه حديثٌ عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فصار يرويه، وصار بعد ذلك حديثًا يُروى في الكتب، ولكن العلماء يقولون: هذا خطأ. ويحكُون هذه القصَّة في بيان خطأ هذا الحديث.
فهل هذا الحديث موضوعٌ أم ليس بموضوعٍ؟ موضوع، لكن هل عن عمدٍ أم عن غير عمدٍ؟ عن غير عمدٍ.
إذن الموضوع هو: الكذب الذي لا يُطابق الحقيقة، وهذا الحديث غير مُطابِقٍ للحقيقة؛ لأنَّه ليس من كلام رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ولكنَّه لم يقع عن قصدٍ من الراوي، وإنَّما عن خطأ غير مقصودٍ، وهذا يدخل في مثل قول النبي -عليه الصلاة والسلام: «كَذَبَ أَبُو السَّنَابِل»، وأبو السَّنابل صحابيٌّ جليلٌ فكيف يصفه النبيُّ -عليه الصلاة والسلام- بأنَّه كذب؟!
هذا مثل: «كَذَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ»، وكما قال ابنُ عباس: "كذب أبو محمد"، فالكذب هنا بمعنى الخطأ.
وإذا فتحت كتب اللُّغة تعرف أنَّ هذه الكلمة -الكذب- في اللُّغة وفي الاصطلاح أيضًا تُطلَق بمعنى الخطأ، وهي لا تُطلَق بمعنى الخطأ تحديدًا؛ وإنَّما تُطلَق بمعنى الإخبار بخلاف الواقع، بصرف النظر عن كون ذلك عن تعمُّدٍ أو عن غير تعمُّدٍ، فكلُّ خبرٍ كان مُخالفًا للواقع فهو يُسمَّى كذبًا بصرف النظر عن قصد صاحبه، هل قصد الإخبار بخلاف الواقع أم لم يقصد إلى ذلك؟
فهذا كله يُسمَّى (حديث موضوع).
الحمد لله أتينا على آخر المنظومة، وقد اختتمها المؤلفُ بقوله:
وَقَدْ أَتَتْ كَالجَوْهَرِ المَكْنُونِ *** سَمَّيْتُهَا مَنْظُومَةَ الْبَيْقُونِي
فَوْقَ الثَّلَاثِيْنَ بِأَرْبَعٍ أَتَتْ *** أَبْيَاتُهَا ثُمَّ بِخَيْرٍ خُتِمَتْ
والحمد لله ربِّ العالمين، وندع ما تبقى من وقت الحلقة لمَن أراد أن يسأل.
{أليس يُشترط في المُنكَر أن يُخالِف الضَّعيفُ، ولا يكفي مجرد تفرُّده؟}
أخونا يقول: أليس يُشترط في المنكر أن يكون الراوي مُخالفًا للثِّقة أو للصَّدوق لا أن يتفرَّد فقط؟
نحن قلنا: العلماء يستدلُّون على خطأ الرواية بأدلةٍ:
- فتارةً يستدلُّون على خطأ الرواية بكون الراوي خالف فيها مَنْ هو أحفظ منه، أو مَنْ هو أوثق منه، أو مَنْ هم أكثر عددًا منه.
- وتارةً يستدلُّون على خطأ الرِّواية بأنَّ الراوي تفرَّد بالرواية، نعم لم يُوافَق ولم يُخالَف، لكنَّه تفرَّد وهو ليس أهلًا للتَّفرُّد. هل تفهم معنى: ليس أهلًا للتَّفرُّد؟
سأقول لك: مثلًا واحد معروف عنه أنَّه مليونير كبير، فعندما يركب سيارةً فارهةً فهذا أمرٌ طبيعي، وهو أمرٌ لا يُستَبْعَد، بل هو أمرٌ منطقي.
لكن حين تجد واحدًا أصلًا يعمل موظَّفًا في مصلحةٍ حكوميةٍ ثم تُفاجأ بأنَّه يركب سيارةً فارهةً، فهذا أمرٌ غير مُحتَمَلٍ، من أين لك هذا؟ أكيد من الرَّشاوي، هذا هو عدم الاحتمال.
- كذلك أيضًا عندنا في الرواة راوٍ ضعيف الحفظ، فكونه يأتي بشيءٍ لا يعرفه الحُفَّاظ الكبار هل هذا أمرٌ يُحتمَل؟! سنقول له: من أين لك هذا؟ كراوٍ لم يتوسَّع في طلب العلم، ولم يُكثِر من سماع الحديث، بل إنَّه فقط حضر مجلسين أو ثلاثة طوال حياته، فمثل هذا أيُتصوَّر منه أو يُحتمَل منه أن يأتي بشيءٍ لا يعرفه غيرُه؟ صعب جدًّا، وهو أمرٌ بعيد المنال.
وكواحدٍ لا يُعرَف أنَّه جالس الشيخ الفلاني، ولا كان من تلامذته المُختصِّين به، ولا من المُعتنين بحديثه ولا روايته ولا علمه، ثم نجده يأتي بأشياء عن هذا العالم، أو عن هذا الإمام، أو عن هذا الشيخ لا يعرفها المُختصُّون بعلم هذا العالم، والمُشتغلون به، والمُعتنون به، والمُلازِمُون له ليلَ نهار، وصباح مساء، فهل هذا أمرٌ يُحتمَل؟!
إذن قضية الاحتمال ترجع إلى معرفة العلماء بحال الراوي، وحال مَنْ روى عنه، وحال الرواية التي رواها.
فهذه كلها أخطاء، فطرق إثبات الأخطاء متنوعة، لكن في النِّهاية النتيجة واحدة، وهي أنَّه خطأ.
لكن تأتي عبارات للعلماء في التَّعبير عن هذا الخطأ، فقد يرى بعضُ العلماء أنَّ الخطأ الذي نستدلُّ عليه بالتَّفرُّد نُسميه باسمٍ مُعينٍ، والخطأ المُستدلُّ عليه بالاختلاف نُسميه باسمٍ آخر، فهذا الاختلاف في التَّسمية، لكن في النِّهاية الحكم كله مردودٌ؛ لأنَّ النتيجة أنَّ هذا خطأ، فبعض العلماء مثلًا يقول: الحديث الشَّاذ: هو ما يرويه الثِّقةُ مُخالفًا للأوثق، أو للأكثر عددًا.
أمَّا إذا كان الثِّقةُ مُخالفًا للأوثق فلا نُسميه مُنكرًا، بل نُسميه شاذًّا.
وعالم آخر يقول: ما المانع أن نُسمِّي ذلك أيضًا مُنكَرًا؟ فيُطلَق المُنكَر على ما أخطأ فيه الثِّقة.
وبعضهم يقول: الثِّقة إذا تفرَّد لا نحكم بشذوذ روايته.
وبعضهم يقول: لا، الثِّقات مراتب وأنواع، فمنهم مَن يُحتمَل منه التَّفرُّد، ومنهم مَن لا يُحتمَل منه التَّفرُّد، فإذا كان الثِّقةُ ليس أهلًا للتَّفرُّد -لأنَّه ليس معنى أنَّه ثقة أنَّه يعرف كلَّ شيءٍ- وروى ما لا يُحتمَل من مثله؛ فحينئذٍ نقول: هذا شاذٌّ، وهذا مُنكَرٌ.
وبعضهم يقول: الخطأ المُستدلُّ عليه بالتَّفرُّد نُسميه شاذًّا ومُنكرًا، والخطأ المُستدلُّ عليه بالاختلاف نُسميه معلولًا، وبعضهم يقول: لا، كلُّ هذا يُسمَّى شاذًّا، وكله يُسمَّى مُنكرًا، وكله يُسمَّى معلولًا.
إذن هذه الاختلافات في التَّسمية، لكن في النتيجة كلهم يعتقدون أنَّ ذلك خطأ، وأنَّه من قسم المردود، وأنَّه لا يُحتجُّ به، واختلاف التَّسمية لا يُؤثِّر؛ لأنَّه راجعٌ إلى جانبٍ اصطلاحيٍّ، والقاعدة عندنا تقول: "لا مُشاحَةَ في الاصطلاح"، أي لا يعب أحدٌ على أحدٍ في اصطلاحٍ اصطلحه ما دام أنَّه قد بيَّن اصطلاحه، أو استعمله غيرُه من أهل العلم.
{إذا كان الاضطراب هو الاختلاف، والمقلوب أيضًا يُعرَف بالاختلاف، وكذلك الشَّاذ أيضًا يُعرَف بالاختلاف، فكيف تتم التَّفرقة بينهم؟}
سؤال جميلٌ جدًّا، ولكي أشرح لك هذا السُّؤال فهذا يحتاج إلى كلامٍ طويلٍ، وسأحاول أن أختصره، وأرجو من الله أن أُوفَّق إلى توضيح هذه المسألة:
عندما نتكلم عن علم (علل الأحاديث) فنحن ذكرنا سابقًا أننا نتكلم عن علمٍ كبيرٍ، وهذا العلم تندرج تحته أبوابٌ، فيدخل تحته الشَّاذ، والمُنكَر، والموضوع، والمَقْلُوب، والمُدْرَج، والمُضْطَرِب، والتَّصحيف، والتَّحريف، إلى غير ذلك من الأنواع.
فكيف نفهم هذه الأنواع في ضوء دخولها تحت هذا الباب العظيم؟
فكما أنَّ الأحاديث تعتريها العِلل فكذلك الأبدان والأجسام تعتريها العِلل، وحتى تفهم العِلَّة في الرِّوايات حاول أن تجد لها شبهًا في العِلل التي تعتري الأبدان؛ وستفهم مباشرةً. كيف؟
أنا اليوم شعرتُ بارتفاعٍ في درجة الحرارة، فارتفاع درجة الحرارة هل هو المرض أم علامة على المرض؟ هو علامة على المرض، وهو الذي يُسمُّونه العَرَض.
إذن ارتفاع درجة الحرارة ليس هو المرض، فلا أحد يسألك: ماذا بك؟ فتقول: عندي ارتفاعٌ في درجة الحرارة! ليس هذا جوابًا، وإنَّما ارتفاع درجة الحرارة دليلٌ على أنَّ البدن مُصابٌ بعِلَّةٍ –بمرض والله أعلم- فتذهب للطبيب وتقول له: يا دكتور، أنا أشعر بارتفاعٍ في درجة الحرارة. وارتفاع درجة الحرارة علامة على أمراضٍ كثيرةٍ جدًّا من أعراضها ارتفاع درجة الحرارة.
فالدكتور يبحث في أعراضٍ أخرى حتى يُشخِّص المرضَ، فيقول لك مثلًا بعد الكشف عليك: أنت عندك المرض الفلاني -أسأل الله أن يُعافينا جميعًا من الأمراض- كأن يكون مثلًا عندك الكبد الوبائي -نسأل الله أن يُعافينا جميعًا.
إذن المرض ليس هو العَرَض، والعَرَض علامة على المرض، لكن المرض نفسه هو الذي ذكره الطبيبُ باسمه المعروف عند أهل الطب، مثلًا كبد وبائي أو نحو ذلك.
فيسألك الدكتور: أين أكلت اليوم؟ هل أكلتَ في محل من محلات اللُّحوم الفاسدة؟ فتقول له: نعم يا دكتور، كنتُ جائعًا وكنتُ مع أصحابي فأكلنا. فيقول لك: هذا هو السَّبب. إذن الدكتور شخَّص لك المرض، وذكر لك سبب المرض، إذن نحن بين ثلاثة عناصر:
العنصر الأول: العلامة على المرض، وهو ما نُسميه بالعَرَض.
العنصر الثاني: وهو المرض نفسه.
العنصر الثالث: هو أسباب الأمراض.
تعالَ في الحديث: عندنا راوٍ روى حديثًا، فيأتي العالم ويقول: الحديث هذا فيه غلط، ما هو؟ يقول: لا أعلم هذا الغلط، لكن فيه غلط. كيف؟ نعم؛ لأنَّ الراوي هذا تفرَّد، والراوي هذا ليس أهلًا للتَّفرُّد، فتفرد مثل هذا علامة على أنَّه غلط وقع في الرِّواية.
إذن التَّفرُّد هذا علامة، وليس هو العِلَّة نفسها، فهو علامة على أنَّ في الحديث علَّةً، أليس كذلك؟
هذا الراوي روى حديثًا، لكن الحديثَ هذا مُخالِفٌ لما رواه فلان وفلان وفلان، فهذا الاختلاف يجعلك تستشعر أنَّ خطأً وقع في تلك الرِّواية، فالاختلاف علامة على وجود خطأ، وإن لم تهتدِ بعدُ إلى الخطأ، أليس كذلك؟
إذن علامة خطأ الراوي في الرِّواية -أي علامة العِلَّة في الرِّواية:
- إمَّا أن تكون تفرُّدًا من راوٍ وهو ليس أهلًا للتَّفرُّد.
- وإمَّا أن يكون هذا الراوي قد خالف في روايته الثِّقات الحُفَّاظ.
إذن هذا كلّه علامة على العِلَّة التي اعترت الرِّواية.
يأتي العالم الكبير المُتخصص المُتوسِّع في العلم فيقول لك: هذا الحديث وقع فيه إدراجٌ، أو وقع فيه قلبٌ، ما معنى القلب؟ أبدل راوٍ براوٍ، أو أبدل إسنادًا بإسنادٍ، أو أبدل كلمةً بكلمةٍ، أو أبدل جملةً بجملةٍ، أو قدَّم أو أخَّر في الرِّواية، وقد قلنا هذا الكلام من قبل.
فيقول العالمُ: فيه خطأ فعلًا، والخطأ هذا يندرج تحت نوع القلب؛ لأنَّ الراوي الذي روى هذه الرِّواية قد أخطأ فيها؛ وإنَّما كان خطؤه من قبيل القلب في الرِّوايات.
إذن المرض الذي اعترى الرواية هو القلب، وليس القلب هو مرض القلب الذي يعتري البدن، لكن هذا من باب الاشتراك اللَّفظي.
عالمٌ ثانٍ يقول لك: الحديث هذا غلط فعلًا، فهو مُدْرَج، ما معنى مُدْرَج؟
أي أنَّ الراوي جعل كلام الصحابي من جملة كلام النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أو جعل كلام التابعي من جملة كلام الصحابي أو من كلام النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- إذن هل هذا خطأ؟ نعم خطأ، ولكن هذا العالم النِّحرير بيَّن لك نوعَ الخطأ الذي وقع في تلك الرواية، وأنَّها من قبيل الإدراج في الرِّوايات.
إذن عرفنا علامات الخطأ في الرِّوايات، وعرفنا أنواع الخطأ في الرِّوايات.
يأتي العالم الكبير فيقول لك: الراوي هذا غلط؛ لأنَّه اعتمد على حفظه، فخانه حفظُه. إذن: سبب المرض وسبب العِلَّة الاعتماد على الذَّاكرة، أو أنَّ هذا الراوي أخطأ لأنَّه روى الحديث بالمعنى، ولم يروه باللَّفظ الذي تحمَّله وسمعه به من شيخه، فلما روى الحديث بالمعنى الذي فهمه -وهو لم يُحسِن فهم الحديث- إذا به يجيء بالحديث بألفاظٍ غير الألفاظ الحقيقية؛ فأفسد معنى الحديث وغيَّر المراد منه.
إذن من أسباب الخطأ في الحديث والعِلَّة: الرِّواية بالمعنى.
ومن أسباب الخطأ في الحديث أنَّه اعتمد على كتابٍ، إذن هو لم يعتمد على حفظه، لكن الكتاب نفسه فيه تصحيفات وتحريفات، وفيه أخطاء، وفيه سقط، وفيه إِقْحَام، وفيه زيادات، وفيه نقصان، فلِكَوْن كتابه غير مُتقَن وفيه من الأخطاء ما فيه؛ نتج عن ذلك أنَّه عندما روى أخطأ؛ لأنَّه يروي من هذا الكتاب الذي فيه تلك الأخطاء.
إذن من أسباب الخطأ في الرِّوايات أيضًا: التَّصحيف والتَّحريف.
إذن نفهم التَّقسيمة: التَّفرُّد والاختلاف قلنا هذه علامات العِلَّة، فنُسمِّي الحديث شاذًّا ومُنكَرًا، فإذا وجدت عالمًا يصف حديثًا بأنَّه شاذٌّ، والحديث نفسه يقول فيه عالمٌ آخر أنَّه مُدرَجٌ؛ فلا خلاف.
فالعالم الذي قال: "إنَّه شاذٌّ" أراد أنَّه خطأ.
والعالم الذي قال: "إنَّه مُدْرَج" أراد أنَّ هذا الخطأ من قبيل الإدراج في الرِّوايات، فبيَّن لك نوع الخطأ.
والذي قال: "مُنكَر" أصاب؛ لكونه ذكر أنَّ الحديث وقع فيه خطأ.
والذي قال: "إنَّه مقلوبٌ" أصاب أيضًا؛ لأنَّه بيَّن لك وجه الخطأ ونوع الخطأ الذي وقع في الرِّواية.
والذي قال: "إنَّ هذا من التَّصحيف والتَّحريف" أصاب أيضًا؛ لأنَّه ذكر الحديث وذكر السبب الذي من أجله وقع الراوي في الخطأ في هذه الرِّواية، فنتج عن ذلك قلب، أو نتج عن ذلك إدراجٌ.
إذن هي كلها أقسام يخدم بعضُها بعضًا، وليس بينها أيُّ تعارضٍ، فإذا وجدتَ عالمًا قال في حديثٍ: هذا مُدرَج، وفي نفس الحديث قال عالم آخر: هذا مُنكَر. لا تقل: هناك اختلافٌ بين العلماء، لا، ليس هناك اختلافٌ.
فالذي قال: "مُنكَر" حكم بأنَّ الحديث خطأ، ولم يُبيِّن نوع الخطأ.
والذي قال: "إنَّه مُدْرَج" بيَّن لك نوعَ الخطأ الذي وقع في نفس الحديث.
نكتفي بهذا القدر، ونسأل الله تعالى أن يُبارك لنا في هذا العلم، وأن يرزقنا العملَ به، إنَّه ولي ذلك والقادر عليه.
ونشكر أيضًا إخواننا القائمين على هذه الدَّورة، جزاهم الله خيرًا أن هيَّؤوا لنا ووفَّرا هذه الفرصة لكي نُعلِّم إخواننا، وأن نتعلم أيضًا منهم هذا العلم الشريف، نسأل الله تعالى أن يجعل ذلك في ميزان حسناتهم، وأن يجزيهم خير الجزاء على ما قدَّموا للإسلام والمسلمين، إنَّه ولي ذلك والقادر عليه.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
http://islamacademy.net/cats3.php