مادة شرح متن البيقونية
لفضيلة الشيخ/ طارق عوض الله
الدرس (5)
إنَّ الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شُرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.
وبعد:
ما زلنا نتناول معًا المنظومة البيقونية في علم مصطلح الحديث.
واليوم -بإذن الله تعالى- سنأتي على بعض الأنواع التي نظمها المؤلفُ في هذه المنظومة المباركة.
من أول هذه الأنواع: ما يُسمَّى عند علماء الحديث بـ(الحديث المُسَلْسَل)، يقول المؤلف:
مُسَلْسَلٌ قُلْ مَا عَلَى وَصْفٍ أَتَى *** مِثْلُ أَمَا وَاللهِ أَنْبَانِي الْفَتَى
كَذَاكَ قَدْ حَدَّثَنِيهِ قَائِما *** أَوْ بَعْدَ أَنْ حَدَّثَنِي تَبَسَّمَا
الحديث المُسَلْسَل: هو حديثٌ من الأحاديث يشترك مع سائر الأحاديث في كونه مرويًّا بإسنادٍ، وأنَّه يتضمن متنًا من قولٍ أو فعلٍ إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ونحن قلنا سابقًا: إنَّ جميع الأحاديث إنَّما تشتمل على جزئين رئيسين: الإسناد والمتن.
لكن هناك بعض الأحاديث التي تنضمُّ إليها أوصافٌ أخرى غير كونها عبارة عن إسنادٍ ومتنٍ، وهذه الأوصاف هي إضافة إلى الإسناد، أو إضافة إلى المتن.
فذكرنا في اللِّقاء الماضي الحديث المرفوع، والحديث الموقوف، والحديث المقطوع.
وذكرنا أنَّ المرفوع: هو المتن المُضاف إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم.
والموقوف: هو المتن المُضاف إلى بعض الصَّحابة الكرام.
والمقطوع: هو المتن المُضاف إلى أحد التابعين.
إذن هذا متنٌ وهذا متنٌ وهذا متنٌ؛ لكن هذا اتَّصف بكونه مرفوعًا، وهذا اتَّصف بكونه موقوفًا، وهذا اتَّصف بكونه مقطوعًا، فهذه الأوصاف هي أوصافٌ تُضاف إلى المتن.
كذلك أيضًا: هناك أوصافٌ أخرى تُضاف إلى السَّند، أي يُوصَف بها الإسناد، منها: التَّسَلْسُل.
إذن عندما نتكلم عن التَّسلسل فنحن نتكلم عن بحثٍ مُتعلِّقٍ بالإسناد أم مُتعلِّقٍ بالمتن؟
بالإسناد، فنحن نتكلم الآن عن قضايا إسناديَّة بحتة، لا تعلُّق لها بالمتن من قريبٍ أو بعيدٍ، وهذه الأوصاف التي يُوصَف بها الإسناد -وهي كثيرة- منها: التَّسلسل الذي نحن بصدده الآن.
ما التَّسلسل؟
التَّسلسل: هو التَّتابع. فنحن نعلم أنَّ الإسناد عبارةٌ عن مراحل وطبقات، فكلُّ راوٍ من رواة الإسناد يُمثِّل طبقةً ومرحلةً من مراحله، فلو جئنا مثلًا إلى حديثٍ يرويه الإمام أحمد بن حنبل عن الإمام الشافعي عن الإمام مالك بن أنس عن نافع مولى عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فكلُّ راوٍ من هؤلاء الرواة يُمثِّل مرحلةً من مراحل نقل الإسناد حتى وصل إلينا، فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- تكلم بالحديث فأخذه عنه الصحابي، ثم أخذه عن الصحابي التابعيُّ، ثم أخذه عن التابعيِّ تابعُ التابعي، وهكذا إلى أن وصل إلى الإمام أحمد بن حنبل -عليه رحمة الله تعالى.
فكلُّ راوٍ من رواة الإسناد يُمثِّل مرحلةً من مراحل رواية هذا الحديث، ويُمثِّل طبقةً من طبقات الرواة، فالصَّحابة طبقةٌ، والتَّابعون طبقةٌ، وتابع التابعين طبقةٌ، وهكذا.
فإذن هذه الطَّبقات مُشتركة في كون كلِّ طبقةٍ منها يُمثلها راوٍ من رواة هذا الحديث، وهؤلاء الرواة قد يشتركون في أوصافٍ أخرى.
نعم كلُّ راوٍ من هؤلاء الرُّواة قد يكون مُتَّصفًا ببعض الأوصاف، فهذا فقيهٌ، وهذا حافظٌ، وهذا لغويٌّ، وهذا من أهل مصر، وهذا من أهل الشام، وهذا من أهل الحجاز، فكلُّ راوٍ مع كونه أحد رواة هذا الحديث قد تكون له أوصافٌ أخرى يختصُّ هو بها، لكن قد يوجد وصفٌ ما يشترك فيه جميعُ رواة هذا الحديث من أوله إلى آخره، فإذا تحقق هذا؛ بمعنى أنَّ كلَّ رواة الحديث قد تحقق فيهم هذا الوصف واشتركوا فيه واحدًا بعد واحدٍ، نقول هنا: هذا الحديث مُسَلْسَل، أي مُسلسل بهذا الوصف الذي اتَّصف به هؤلاء الرواة واشتركوا فيه جميعًا.
فلو أنَّ الإسناد مثلًا يرويه فقيهٌ حافظٌ عن فقيهٍ حافظٍ عن فقيهٍ حافظٍ، وقد يكون الرجلُ فقيهًا وليس موصوفًا بالحفظ، وقد يكون حافظًا وليس موصُوفًا بالفقه، أعني الإمامة في الفقه، لكن يوجد الراوي الذي جمع بين الفقه والحديث، أو بين الفقه وحفظ الحديث؛ لأنَّه قد يكون عنده علمٌ بالحديث، لكن ليس من المُبرزين في علم الحديث، فليس من الحُفَّاظ الكبار الذين عنوا بالحديث عنايةً فائقةً.
فأن يجمع الراوي بين هذين الوصفين فهذا طرازٌ نادرٌ، فكلُّ راوٍ من هؤلاء الرواة الذين رووا هذا الحديثَ بعينه قد اتَّصف كلُّ واحدٍ منهم بهذا الوصف، أو بهذين الوصفين -كونه حافظًا فقيهًا- فهذا وصفٌ عظيمٌ يجعل لهذا الإسناد مزيَّةً على غيره من الأسانيد.
فلأجل هذا نقول: إنَّ هذا الإسناد مُسَلْسَلٌ بالفقهاء الحُفَّاظ، فكلُّ واحدٍ من رواة الإسناد موصُوفٌ بهذين الوصفين -كما في المثال الذي ذكرناه- فالإمام أحمد بن حنبل -عليه رحمة الله تعالى- فقيهٌ حافظٌ، وكذلك الإمام الشافعي، وكذلك الإمام مالك، وكذلك نافع مولى عبد الله بن عمر، وكذلك ابن عمر -رضي الله عنهما.
إذن كلُّ راوٍ من رواة هذا الإسناد قد اتَّصف بهذين الوصفين، فمن أجل هذا نقول: هذا الإسناد مُسَلْسَلٌ بالأئمَّة الحُفَّاظ.
وقد يكون كلُّ رواة الإسناد من بلدٍ واحدٍ، فقد يروي الإسناد مصريٌّ عن حجازيٍّ عن عراقيٍّ عن شاميٍّ، وهذا واردٌ، وموجودٌ في كثيرٍ من الأحاديث مثل هذا النوع، لكن أن يكون الإسنادُ من أوله إلى آخره رواته من أهل بلدٍ واحدٍ؛ فهذا شيءٌ تتميَّز به بعضُ الأسانيد عن بعضٍ، فالإسناد من أوله إلى آخره من أهل مصر، أو من أوله إلى آخره من أهل الشام، أو من أوله إلى آخره من أهل العراق، أو من أوله إلى آخره من أهل الحجاز، وهكذا.
فنقول: هذا إسنادٌ مُسلسَلٌ بالحجازيين، أو مُسلسلٌ بالمصريين، أو مُسلسلٌ بالعراقيين، أو مُسلسلٌ بالشاميين، وهكذا.
طبعًا كون الإسناد بهذه الصفة يجعل له مزيَّةً من حيث أنَّ الراوي يكون أعلمَ بحديث أهل بلده من غير أهل بلده، فأن يكون كلُّ الرواة من أهل بلدٍ واحدٍ؛ فهذا يجعلنا نطمئن إلى كون الحديث محفوظًا، أو يغلب ذلك على ظننا، أو يكون ذلك من دواعي الحكم على الحديث بكونه محفوظًا ثابتًا، وإن كان لابُدَّ أن تتحقق في كلِّ الرواة بقية الشروط الأخرى التي يجب أن تتوافر في الحديث الصحيح، وهي الشرائط الخمسة التي انتهينا منها عندما تكلَّمنا عن الحديث الصحيح.
فهذا نُسميه حديثٌ مُسلسلٌ.
بعض الرواة عندما يروون الحديثَ يستعملون عباراتٍ نُسميها بـ(ألفاظ الأداء).
فبعضهم يقول مثلًا: عن فلان.
وبعضهم يقول: حدَّثنا فلان.
وبعضهم يقول: أجاز لي فلان.
وبعضهم يقول: سمعتُ فلانًا.
واردٌ هذا في بعض الأحاديث، فتجد كلَّ راوٍ من رواة الإسناد يستعمل عبارةً تختلف عن عبارة الراوي الآخر ممن فوقه أو ممن دونه، وهذه العبارات التي يستعملها علماءُ الحديث تختلف دلالات كلِّ لفظةٍ منها عند علماء الحديث، وبخاصَّة في حقِّ بعض الرواة وهم الموصُوفون بالتَّدليس، والتَّدليس سنتناوله -إن شاء الله تعالى- عندما يأتي في موضعه.
فلفظة "عن" ولفظة "قال" -أي قال فلانٌ كذا- تختلف عن لفظة "سمعتُ" ولفظة "حدَّثنا" مثلًا، فلفظة "سمعتُ" و"حدَّثنا" صريحةٌ في السماع، وصريحةٌ في الاتِّصال، أمَّا لفظة "عن" و"قال" فيستعملها بعضُ الرواة في السماع، والبعض الآخر يستعملها في غير السماع.
إذن صارت تلك العبارات -أعني "عن" أو "قال"- ليست صريحةً في السماع، وهنا تختلف قوةُ بعض الألفاظ عن الأخرى في الدلالة على كون الإسناد مُتَّصلًا، وأنَّ كلَّ راوٍ سمع الحديثَ ممن فوقه ويروي عنه.
فهذه الألفاظ -كما ترون- مُتفاوتة في الدلالة على الاتصال، فعندما تنظر في الإسناد تجد مثلًا كلَّ راوٍ من رواة الإسناد يستعمل لفظًا يدلُّ صراحةً على أنَّه سمع الحديث من شيخه، فمثلًا كلُّ الرواة يقولون "سمعت" -"سمعت فلانًا يقول"- أو "حدَّثنا"، أو "أخبرنا" أيضًا، فهذه الألفاظ صريحةٌ في الاتِّصال والسماع، بخلاف ما إذا قال بعضُهم "سمعت"، وبعضهم قال "عن"، وبعضهم قال "قال"، فهذا الإسناد لا يشترك الرواة فيه في الصِّيغ الصريحة في السماع.
أمَّا إذا اشتركوا في تلك الصِّيغ الدالة صراحةً على السماع؛ فنحن نقول: هذا الإسناد مُسلسل بالتَّصريح بالسماع، فمثل هذا السَّند اتِّصاله لا غبارَ عليه، ولا شكَّ فيه، بخلاف ما إذا قال "عن" فقد نختلف؛ هل سمع أم لم يسمع؟ لأنَّ هذه العبارة تُستعمل تارةً في السماع، وتارةً في غير السماع.
فهنا بين أيدينا إسنادٌ ككل الأسانيد، لكنَّه اتَّصف بأوصافٍ مُعينةٍ أفادت معانٍ مُعينة، وجميع رواة الإسناد اشتركوا في هذه الأوصاف، من أجل هذا قلنا: هذا النوع يُسمَّى بالمُسلسل.
وهناك أيضًا من المُسلسل: أن يشترك الرواةُ في بعض الأقوال، كأن يأتي مثلًا راوٍ فيقول: دخلتُ على فلانٍ في يوم العيد فحدَّثني بالحديث الفلاني. ويأتي الراوي عنه فيقول: دخلتُ على فلانٍ في يوم العبد فحدَّثني بالحديث الفلاني. وهكذا، فكلُّ راوٍ من رواة الإسناد يستعمل هذه العبارة.
أو يقول بعضُهم: حدَّثني فلانٌ وهو أول حديثٍ سمعتُه منه. ثم يقول الراوي عنه: حدَّثني فلانٌ وهو أول حديثٍ سمعته منه. ثم يقول الراوي عنه: حدَّثني فلانٌ وهو أول حديثٍ سمعتُه منه.
فيشترك الرواة في هذا القول من أول الإسناد إلى آخره، فهذا أيضًا نوعٌ من أنواع المُسلسل، لكن ليس بالوصف، وإنَّما هو بالقول.
وهذا ما مثَّل له الناظمُ حيث قال -رحمه الله تعالى:
مُسَلْسَلٌ قُلْ مَا عَلَى وَصْفٍ أَتَى *** مِثْلُ أَمَا وَاللهِ أَنْبَانِي الْفَتَى
يعني: يحلف على أنَّ الشيخ حدَّثه، فكلُّ راوٍ من رواة الإسناد يقول: والله حدَّثنا فلانٌ.
أو: (كَذَاكَ قَدْ حَدَّثَنِيهِ قَائِمَا).
يعني: عندما حدَّثني بهذا الحديث كان قائمًا، وكلُّ راوٍ عندما يروي الحديثَ عن شيخه يقول: حدَّثنيه قائمًا، حدَّثنيه قائمًا، حدَّثنيه قائمًا. فيتسلسل الإسنادُ بهذا الأمر.
(أَوْ بَعْدَ أَنْ حَدَّثَنِي تَبَسَّمَا).
فبعد أن حدَّثني بالحديث تبسَّم، فكلُّ راوٍ يقول هذا القول؛ لأنَّه عندما سمع الحديث من شيخه تبسم شيخُه بعد أن انتهى من تحديثه بالحديث.
طبعًا التَّسلسل بهذا المعنى مُفيدٌ جدًّا، لماذا؟
نحن عرفنا أنَّ التَّسلسل هو: التَّصريح بالسماع، وهذا -كما قلنا- فائدته واضحة، لماذا؟ لأنَّ فيه بيانًا واضحًا أنَّ كلَّ راوٍ سمع الحديثَ من شيخه من غير أن يكون هناك أدنى احتمال أنَّه لم يسمع الحديثَ من شيخه.
كذلك أيضًا عندما يأتي الراوي فيُحدِّث بالحديث، ثم يذكر معه حكايةً أو قصةً، فمن عادة الراوي إذا أتقن حفظَ الحديث فإنَّ من دلائل إتقانه له أنَّه قد يكون مُتذكِّرًا لكلِّ ما كان مُصاحبًا للحديث عندما كان يسمعه من شيخه.
فيقول: حدَّثني فلانٌ بالحديث الفلاني في اليوم الفلاني، أو: كان يتبسم -مثلًا- أو كان قائمًا عندما حدَّثني بهذا الحديث، أو كان في البلد الفلانية مثل: حدَّثني فلانٌ بالحديث الفلاني في بغداد، أو بمكة، فيتذكر هذا، وتذكُّره لهذه الأمور التي تُصاحب الرواية دليلٌ على أنَّه أتقن حفظ الرواية ذاتها؛ لأنَّ إتقانه لما يكون مُلتصقًا بالرواية وليس منها، فمن باب أولى أن يكون قد أتقن حفظ الرواية.
ولهذا يستدلّ العلماءُ بمثل هذه الأشياء على أنَّ الراوي أتقن حفظ الحديث؛ لأنَّه لو لم يُتْقِن حفظ الحديث؛ لاكتفى بأن يذكر اللَّفظ النبوي فقط، لكن أن يذكر الحديث ويذكر ما دار حول الحديث من كلام الراوي للشيخ الذي روى الحديث، أو من أوصافٍ لهذا الشيخ، أو من حالةٍ صاحبت روايته لهذا الحديث؛ فهذا يدلُّ على أنَّه كان مُتْقِنًا للحديث غاية الإتقان لدرجة أنَّه أدرك وقت رواية الحديث ما الوقت الذي سمع الحديث فيه؟ والمناسبة التي صاحبت هذا الحديث عندما تحمَّله من شيخه.
فهذا الذي نُسميه بالحديث المُسلسل.
يأتي نوعٌ آخر بعد ذلك، يقول الناظم -رحمه الله:
عَزِيزُ مَرْوِي اثْنَينِ أَو ثَلَاثَه * * مَشْهُورُ مَرْوِي فَوْقَ مَا ثَلَاثَه
هنا انتقل بنا الناظمُ -رحمه الله تعالى- إلى جانبٍ آخر من جوانب علم الحديث، وهو يتعلَّق بالنظر إلى الحديث باعتبار كيفية وصوله إلينا.
فالعلماء يقولون: إنَّ كلَّ الأخبار سواء كانت عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أو عن غيره:
- إمَّا أن تأتينا عن طرقٍ كثيرةٍ جدًّا، فيرويها رواةٌ كثيرون جدًّا لا حصرَ لهم.
- وإمَّا أن يروي هذه الروايات عددٌ محصورٌ بواحدٍ أو اثنين أو ثلاثة أو أكثر.
فإذا كان الخبرُ الذي جاءنا مَرْوِيًّا من قِبَل رواةٍ كثيرين لا حصرَ لهم، فهذا نُسميه بالحديث المُتواتر، وهذا لم يذكره الناظم.
وهذا مثل القرآن، فالقرآن جاءنا عن طريق التواتر؛ لأنَّ القرآن سمعه من رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- عددٌ كثيرٌ من صحابته الكرام -رضي الله عنهم جميعًا- ثم هؤلاء الصحابة نقلوه إلى مَن بعدهم، فحمل القرآنَ من التابعين عن الصَّحابة عددٌ كثيرٌ وكثيرٌ، والتَّابعون نقلوه إلى مَن بعدهم، وهكذا إلى أن وصل إلينا، فأُمَّة تروي عن أُمَّة تروي عن أُمَّة تروي عن أُمَّة، وهذا ما يُسمَّى عند العلماء بالتَّواتر.
ولهذا كان القرآنُ مقطوعًا بصحَّته، فليس هناك أدنى شكّ فيه، لماذا؟ لأنَّه مُتواتر، والتَّواتر: هو أن ترويه أُمَّةٌ عن أُمَّةٍ، أي عددٌ كثيرٌ جدًّا. والخطأ قد يقع من الواحد، وقد يقع من الاثنين، لكن أن يقع الناسُ جميعًا في الخطأ هذا أمرٌ مُستحيلٌ، فمن المُستحيل أن يتَّفق الناسُ جميعًا على الخطأ.
فكون الناس جميعًا من الصَّحابة، ثم من التَّابعين، ثم من تابعي التابعين إلى يومنا هذا ينقلون القرآنَ بلفظٍ واحدٍ وبآيةٍ واحدةٍ من غير اختلافٍ بينهم يدلُّ على أنَّ هذا كلامُ الله -عز وجل- لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه.
فالأحاديث نُقِلَ بعضُها على نحو ما نُقِلَ القرآنُ، بمعنى أنَّ هناك من الأحاديث ما هي مُتواترة، أو إن شئتَ قلتَ: هناك من الأحاديث ما تواتر من حيث المعنى، يعني المعنى الذي تضمنته واشتملت عليه نقله عددٌ كثيرٌ من الصحابة والتابعين والأئمَّة المتبوعين.
فمثلًا: الأحاديث التي تدلُّ على وجوب الصلاة، هل هي حديثٌ أو حديثان أو ثلاثة أم طائفة كبيرة جدًّا من الأحاديث تناقلها الرواةُ الثِّقات من الصَّحابة والتابعين إلى يومنا هذا؟
فوجوب الصلاة، ووجوب الصيام، والحج، ونحو ذلك من شرائع الإسلام العظيمة مُتواترة، وليس بالضَّرورة أن تتواتر عن طريق اللَّفظ، لكن المعنى مُتواتر، بمعنى أنَّ الأحاديث التي تدلُّ على وجوب الصلاة، وعلى أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يُصلي خمس صلواتٍ في اليوم والليلة، وأنَّ هذا أمر الله -عز وجل- وأمر رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- وأنَّ الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا كذلك والتابعين وهكذا؛ هذا أمرٌ مُتواترٌ.
ومثل: تحريم الخمر، وتحريم الزنا، فهذه الأمور التي لا خلافَ فيها بين المسلمين جاءتنا عن طريق التواتر.
لكن هناك طائفةٌ أخرى من الأحاديث جاءتنا عن طريق الآحاد، ما هي أخبار الآحاد؟
بعض الناس حين يسمع الآحاد يقول: خبر الآحاد هو الذي رواه رجلٌ واحدٌ.
لا، فهذا غلطٌ.
فالآحاد: ما ليس مُتواترًا، فكلُّ خبرٍ لم يقع فيه التَّواتر، ولم تتحقق فيه شرائطُ التواتر -لأنَّ التواتر له شرائط غير كثرة العدد- فهو خبرٌ ليس متواترًا ويُسمَّى خبر آحاد، ويُسمَّى خبر واحدٍ.
إذن حين تجد في كتب العلم بعض العلماء يقولون: هذا خبر واحدٍ، أو خبر آحادٍ؛ فلا تتصور أنَّه يقصد أنَّه لم يروه إلا رجلٌ واحدٌ، لا؛ إنَّما يقصد أنَّه لم يروه عددُ التواتر، فلم يقع مُتواترًا، ولم تتحقق فيه شرائط التواتر.
إذن الآحاد: قد يرويه واحدٌ، وقد يرويه اثنان، وقد يرويه ثلاثة، وقد يرويه أكثر، لكنَّه أقلّ من المتواتر.
ولأجل هذا فرَّع العلماءُ وقسَّموا الآحاد إلى أقسامٍ، ولماذا لم يُقسِّموا المتواتر؟
لأنَّ المتواتر كلَّه يقيني مقطوع بصحَّته، ولذلك لا تجد علماء الحديث ينظرون في الأحاديث المتواترة، فقد فُرِغَ منها، وجاوزت القَنْطَرة، فهذه لا خلافَ في صحَّتها، وإنَّما أخبار الآحاد منها الصَّحيح ومنها غير الصحيح.
فالصَّحيح: ما تحققت فيه شرائطُ الصحة التي أشرنا إليها، أو شرائط الحُسن التي أشرنا إليها سابقًا.
أمَّا الضعيف: فهو الذي اختلَّت فيها شرائطُ الحديث الصَّحيح أم الحسن؟
الحسن، نحن قلنا هذا الكلام؛ لأنَّه إذا لم تتحقق فيه شرائط الحُسن فبالضرورة لم تتحقق فيه شرائط الصحة.
يأتي العلماء ويُقسِّمون الآحاد بحسب عدد الرواة الذين رووا الخبر، فما رواه راوٍ واحدٌ يختلف عن الذي رواه اثنان، يختلف عن الذي رواه ثلاثة، وهكذا.
وجعلوا لكلِّ نوعٍ من هذه الأنواع اسمًا يختصُّ به؛ لأنَّ هذه الأحاديث عدد الرواة فيها يُؤثِّر بطبيعة الحال، فنحن قلنا: الخطأ قد يقع فيه الواحد، أمَّا الاثنان فيَبعُد نسبيًّا، ومع الثلاثة يبعد أكثر، ومع الأربعة والخمسة يبعد أكثر وأكثر، فلأجل هذا اهتم العلماءُ -عليهم رحمة الله تعالى- بمعرفة عدد مَن يروي الحديث: كلّ حديثٍ مَن رواه من الرُّواة؟
فلان وفلان، يكون اثنان.
تفرَّد به فلانٌ فقط، يكون واحدًا.
رواه ثلاثة: فلان وفلان وفلان.
فهذا كله يُؤثِّر عند العلماء في حكمهم على الأحاديث، فالأحاديث التي رواها واحدٌ تختلف عن التي رواها اثنان، تختلف عن التي رواها ثلاثة، وليس معنى ذلك أنَّ الحديث الذي رواه واحدٌ لا يكون مقبولًا، كيف وقد قلنا في الحديث الصحيح وكذلك الحديث الحسن: قد يكون الحديثُ صحيحًا وهو من رواية راوٍ واحدٍ، وقد يكون الحديث حسنًا وهو من رواية راوٍ واحدٍ، والحسن والصَّحيح كلاهما من المقبول المُحتجِّ به.
لكن نحن نريد أن نعرف عدد رواة كلِّ حديثٍ؛ لأنَّ نعرف من خلال معرفة هذه الأعداد تفاوت مراتب الأحاديث، بحيث إذا أردنا أن نُرجِّح بين حديثين ظاهرهما تعارض، ولم نستطع بإعمال مناهج علماء الحديث وضوابط علماء الحديث أن نجمع بين الحديثين بوجهٍ من أوجه الجمع المُعتبرة فلجأنا إلى التَّرجيح، فنُرجِّح ما رواه الاثنان على ما رواه الواحد، وما رواه الثلاثة على ما رواه الاثنان، وهكذا.
فهذه من إحدى طرق التَّرجيح عند علماء الحديث -عليهم رحمة الله تبارك وتعالى.
الحديث الغريب سيأتي لاحقًا -إن شاء الله- في النَّظم، لكننا سنتناوله الآن؛ لأنَّ له تعلُّق بهذين النَّوعين: العزيز والمشهور.
عَزِيْزُ مَرْوِي اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَه
الحديث العزيز: حين تسمع العلماء يقولون: هذا حديثٌ عزيزٌ. ماذا تفهم من ذلك؟
تفهم أنَّ هذا الحديثَ رواه من الرواة رجلان أو ثلاثة، هذا رأي لعددٍ كبيرٍ من أهل العلم، مثل الإمام ابن مَنْدَه، والإمام محمد بن طاهر المقدسي، والإمام ابن الصلاح، والنووي، وابن كثير، وغيرهم؛ فهم يرون أنَّ الحديث العزيز ما رواه اثنان أو ثلاثة، فما رواه اثنان يُسمَّى عزيزًا، وما رواه ثلاثة يُسمَّى عزيزًا أيضًا.
ويرى الحافظُ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله تعالى- أنَّ العزيز ما رواه اثنان فقط، أمَّا ما رواه ثلاثة فهو يدخل في المشهور الآتي -إن شاء الله تعالى.
إذن عندنا رأيان في المسألة:
- الرأي الذي اختاره النَّاظم -وهو رأي طائفةٍ كبيرةٍ من أهل العلم- أنَّ العزيز: ما رواه اثنان أو ثلاثة.
- وابن حجر -رحمه الله تعالى- يرى أنَّ الحديث العزيز: ما رواه اثنان فقط.
وطبعًا هذا ليس اختلافًا جوهريًّا، وإنَّما هو اختلافٌ في الاصطلاح، وقد قلنا في أول لقاءٍ بيننا: هناك اختلافاتٌ بين أهل العلم تكون في الجانب الاصطلاحي، وهناك اختلافاتٌ أخرى تكون في الجانب الحكمي.
والاختلافات المُؤثرة: هي التي تتعلَّق بالحكم.
أمَّا الاختلاف في الاصطلاح فهو مسألة اختلافٍ في الأسماء والعبارات، لكن المعنى واضحٌ عند العلماء.
فهذا هو الحديث العزيز، فمن العلماء مَن يرى أنَّه ما رواه اثنان أو ثلاثة -وهذا رأي الناظم- ومن العلماء -وهو رأي ابن حجر العسقلاني رحمه الله وتبعته على ذلك طائفةٌ ممن جاؤوا بعده- مَن يرى أنَّ الحديث العزيز ما رواه اثنان فقط.
طيب المشهور:
يقول الناظمُ:
مَشْهُوْرُ مَرْوِي فَوقَ مَا ثَلَاثَه
الحديث الذي يرويه أكثر من ثلاثة يُسمَّى مشهورًا؛ لأنَّه أصلًا جعل الثلاثة من صور العزيز.
فالمشهور: ما رواه أكثرُ من ثلاثةٍ، مثل ما رواه أربعة، أو خمسة، أو ستة؛ فبهذا العدد يدخل الحديثُ حينئذٍ في قسم الحديث المشهور.
أمَّا عند الحافظ ابن حجر العسقلاني -بناءً على قوله في العزيز فإنَّه يرى أنَّه ما رواه اثنان- فالمشهور عنده ما رواه ثلاثةٌ فأكثر.
إذن الثلاثة هي موضع الخلاف، فمن العلماء مَن يجعل ما رواه ثلاثةٌ من العزيز، ومنهم مَن يجعل ما رواه ثلاثةٌ من المشهور. وكما قلنا: هذا اختلافٌ في الاصطلاح، ولا مُشَاحَةَ في الاصطلاح.
فالحديث الغريب -ويُسمَّى أيضًا بالحديث الفرد- هو ما رواه راوٍ واحدٌ، وسيأتي -إن شاء الله- في النَّظم لاحقًا.
إذن نحن عندنا ثلاث مراتب:
- المرتبة الأولى: الحديث الغريب أو الفرد، وهو ما رواه راوٍ واحدٌ.
- المرتبة الثانية: الحديث العزيز: وهو ما رواه اثنان أو ثلاثة، أو اثنان فقط.
- المرتبة الثالثة: الحديث المشهور: وهو ما رواه ثلاثةٌ فصاعدًا، أو أكثر من ثلاثةٍ.
يأتي العلماءُ ويقولون: هذه الأقسام هي الأقسام الاصطلاحية، أي التي جرى عليها اصطلاحُ أهل العلم، بحيث إنَّك إذا وجدتَ إمامًا من الأئمَّة يقول: هذا حديثٌ عزيزٌ، هذا حديثٌ غريبٌ، هذا حديثٌ مشهورٌ؛ فاعلم أنَّه يقصد تلك المعاني التي قمنا بتوضيحها.
لكن أحيانًا تُطلَق بعض هذه الاصطلاحات بمعناها اللُّغوي بعيدًا عن الجانب الاصطلاحي، فيقولون مثلًا: هذا حديثٌ مشهورٌ. ولا يقصدون أنَّه رواه ثلاثةٌ أو أكثر من ثلاثةٍ، فقد لا يكون مرويًّا إلا من جهة راوٍ واحدٍ؛ بل قد لا يكون له إسنادٌ بالمرة، وإنَّما يقصدون المعنى اللُّغوي، ومعنى هذا أنَّه مشهورٌ على ألسنة الناس، فالشُّهرة هنا بالمعنى اللُّغوي، أي أنَّه اشتُهر على ألسنة الناس حتى وإن لم يُوجَد في كتابٍ من كتب الحديث، حتى وإن لم يُروَ بإسنادٍ أصلًا.
مثل ماذا؟
عندنا حديث: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»، فهذا حديثٌ مشهورٌ أم غير مشهورٍ؟
مشهورٌ بالمعنى اللُّغوي، أي أنَّه مشهورٌ على ألسنة الناس؛ لأنَّ كلَّ الناس تعرفه، الصغير والكبير، والرجل والمرأة، والعالم وغير العالم؛ فكلُّ هؤلاء يعرفون أنَّ النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»، أليس كذلك؟
لكن حين نأتي في الجانب الاصطلاحي يقولون: هذا حديثٌ غريبٌ، لماذا؟ لأنَّه لم يروه إلا واحدٌ عن واحدٍ عن واحدٍ عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- فيرويه يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التَّيمي عن علقمة بن وقَّاص الليثي عن عمر بن الخطاب عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا يصحّ إلا بهذا الإسناد المروي عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام.
إذن هذا حديثٌ من الجانب الاصطلاحي نُسميه غريبًا، لكن من الناحية اللُّغوية نُسميه مشهورًا؛ لأنَّه اشتهر على ألسنة الناس.
وهذا مشهورٌ وهو أيضًا صحيحٌ؛ لأنَّ هذا وإن كان له إسنادٌ واحدٌ لكنَّه إسنادٌ صحيحٌ، ونحن قلنا: هذا من أصح الأحاديث، وقد اتَّفق البخاري ومسلم؛ بل اتَّفقت الأُمَّة جمعاء على صحَّة هذا الحديث وتلقيه بالقبول، فهو غريبٌ وصحيحٌ.
ونفهم أنَّ كلمة (غريب) ليس معناها الضَّعف، فقد يتوهم البعضُ ذلك فيقول: غريبٌ يعني ضعيف. لا، قد يكون الغريبُ صحيحًا، فالغريب منه الصحيح ومنه غير الصحيح، والعزيز منه الصَّحيح ومنه غير الصَّحيح، والمشهور منه الصحيح ومنه غير الصحيح.
إذن هذه الألقاب -الغريب والعزيز والمشهور- إنَّما هي ألقابٌ مُتعلِّقةٌ بعدد مَن روى الحديث، ولا تعلُّق لها بكون الحديث صحيحًا أو غير صحيحٍ، فمنها الصحيح ومنها غير الصحيح.
لكن لما يأتي حديثٌ يقول لك: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «حُبُّ الْوَطَنِ مِنَ الإِيمَانِ». فهذا مشهورٌ أيضًا، فكلُّ الناس تعرفه، لكنَّه لا يُروى حتى بسندٍ واحدٍ، فليس له إسنادٌ في الدنيا، ولا يُروى في كتب الحديث أصلًا، فلو فتحت كلَّ كتب الأحاديث التي تروي الأحاديث بالأسانيد لن تجد إسنادًا ولو من رواية الكذَّابين يقول: قال رسول الله: «حُبُّ الْوَطَنِ مِنَ الإِيمَانِ». فليس له سندٌ أصلًا، لكنَّه مشهورٌ بمعناه اللُّغوي، أي مشهورٌ على ألسنة الناس.
ومثلًا: «اسْعَ يا عبد وأنا أَسْعَى معك»، هذا لا وجودَ له في الكتب أصلًا، إنَّما هو مشهورٌ على ألسنة الناس.
وكذلك: «اعمل لدُنياك كأنَّك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنَّك تموتُ غدًا»، مثله، فلا سندَ له.
إذن قد يكون الحديثُ مشهورًا بمعناه اللُّغوي، فإذا وجدت أحد الأئمَّة يقول: هذا مشهورٌ. فإنَّما يقصد بقوله "مشهور" أي على ألسنة الناس، فلا تفهم أنَّه يقصد المعنى الاصطلاحي الذي درسناه من أنَّه ما رواه ثلاثة أو أكثر من ثلاثة. فهذا الاستعمال اللغوي موجودٌ، وأغلب الكتب التي صُنِّفت في الأحاديث المشهورة -يعني التي تخصَّصت في هذا الجانب من الأحاديث- مثل: "المقاصد الحسنة" للإمام السَّخاوي؛ يقصدون بها الأحاديث المشهورة بهذا المعنى، أي مشهورة على ألسنة الناس، ومشهورة عند الخطباء، وعند الوُعَّاظ، ومشهورة في بعض الكتب في الزُّهد والرَّقائق ونحو ذلك، فهي مشهورة نعم، وموجودة نعم في بعض الكتب مثل "إحياء علوم الدين" ونحو ذلك، لكنَّها ليست بالضَّرورة صحيحةً، أو مشهورةً بالمعنى الاصطلاحي الذي عرفناه.
يأتي نوعٌ آخر من أنواع علوم الحديث، وهو الحديث المُعَنْعَن:
مُعَنْعَنٌ كَعَنْ سَعِيْدٍ عَنْ كَرَمْ *** وَمُبْهَمٌ مَا فِيْهِ رَاوٍ لَمْ يُسَمْ
إذن هذا البيت اشتمل على نوعين من أنواع علوم الحديث، فقال الناظم:
مُعَنْعَنٌ كَعَنْ سَعِيْدٍ عَنْ كَرَمْ
فهو عرَّف بالمثال، تقول: فلانٌ عن فلانٍ عن فلانٍ، فهذا نُسميه حديث مُعَنْعَن، كأنَّه يقول: الحديث المُعنعن: هو الذي رُوِيَ بالعنعنة، يقول لك: "فسَّر الماءَ بعدَ الجهدِ بالماءِ"، فالمُعنعن: هو الذي رُوي بالعنعنة، طيب ما معنى العنعنة؟
العنعنة: قول الراوي "عن فلان". فيأتي كلُّ راوٍ يقول: عن فلانٍ عن فلانٍ. فنُسمِّي هذا حديثٌ مُعنعن.
لكن -أُريد أن أُوضح لك الصورة- لو أنَّ كلَّ حديثٍ رُوي بـ"عن" جعلناه نوعًا مُستقلًّا، وسمَّيناه بالحديث المعنعن؛ فهذا معناه أنَّ 99% من الأحاديث داخلةٌ تحت هذا النوع؛ لأنَّ 99% من الأحاديث مروية بـ"عن".
إذن الواقع الذي يدلُّ عليه صنيع أهل العلم: أنَّه ليس المُعنعن نوعًا مُستقلًّا من أنواع علوم الحديث، بينما المُعنعن قد يكون من نوع الصَّحيح، وقد يكون من نوع الحسن، وقد يكون من نوع الضعيف، وقد يكون من نوع المرفوع، أو الموقوف، أو المقطوع، وقد يكون من الغريب، أو العزيز، أو المشهور. فالعنعنة تدخل في كلِّ هذه الأنواع، لكن المُعنعن في الواقع هو نوعٌ أفرده بعضُ العلماء، والغرض مسألةٌ مُعينةٌ من الأحاديث التي رُوِيَت بالعنعنة.
ما هذه المسألة؟
هي مسألة تُسمَّى عند علماء الحديث بـ(عنعنة المُعاصِر)، ما معنى عنعنة المعاصر؟
عنعنة المعاصر معناها أن يأتي راوٍ عاصر شيخه، وقد ثبت تاريخيًّا أنَّه كان يعيش في الزمان الذي كان يعيش فيه شيخه، إذن تحققت بينهما المُعاصرة، لكن لم يأتِ دليلٌ -انتبه- في روايةٍ من الروايات أنَّه التقى بشيخه هذا، أو أنَّه سمع منه حديثًا، فهذه الصورة من الروايات وقع فيها خلافٌ بين أهل العلم.
نقول الصورة مرةً ثانيةً: نحن نعلم أنَّ الرجل قد يعيش في زمان الرجل ولا يلتقي به، فهذا واردٌ، فهل نحن التقينا بكلِّ علماء الأرض ونحن نعيش معهم في هذا الزمان؟ لا.
إذن مجرد وجود الاشتراك في الزمن، أو في العصر؛ لا يستلزم اللِّقاء ولا السَّماع، أليس كذلك؟ وكذلك حصول اللِّقاء بين الراوي والشيخ لا يستلزم السماع، فأنا من الممكن أن ألتقي بك وتلتقي بي ولا يحدث بيننا أيُّ تناولٍ لأيِّ قضيةٍ علميةٍ، كأن أُصلي في مسجدٍ فأُفاجأ بأنَّ العالم الفلاني يُصلي إمامًا بالناس في هذا المسجد، وبعد الصلاة جلس الشيخُ ليُعطي درسَه وأنا انصرفتُ لحاجتي.
إذن حصل لقاءٌ، لكن هل حصل تحمُّل علم وسماع؟ لا.
إذن المُعاصرة لا تستلزم اللِّقاء، واللِّقاء لا يستلزم السَّماع، فكلُّ مرحلةٍ من هذه المراحل تحتاج إلى إثباتٍ، لهذا نجد العلماء في كتب الحديث والرجال يقولون:" فلانٌ رأى فلانًا ولم يسمع منه". فتجد هذه العبارة موجودة بكثرة في كتب الرجال: "رأى فلانًا ولم يسمع منه" كيف؟
مثلما قالوا في إبراهيم بن يزيد النَّخعي، حيث قالوا: دخل على عائشة ولم يسمع منها. لماذا؟
لأنَّه كان صغيرًا جدًّا وقت دخوله على عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- فدخل عليها كما يدخل الصِّبيان على النِّساء، ولم يكن وقتئذٍ عنده إدراكٌ للعلم، فالتقى بها لكنَّه لم يحمل عنها علمًا، ولا سمع منها حديثًا عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم.
وكما قالوا في أيوب بن أبي تميمة السَّختياني، ماذا قالوا؟ رأى أنسًا -يعني أنس بن مالك- رؤيةً فقط، كأن يكون مثلًا رآه في مجلسٍ، أو صلى خلفه صلاةً من الصلوات، ولم يسمع منه شيئًا، لا قليلًا ولا كثيرًا.
إذن نفهم من هذا: أنَّه ليس دائمًا اللِّقاء يستلزم المُعاصرة، وكذلك المُعاصرة -كما قلنا- فقد يعيش الرجلُ في زمان الرجل، لكن هذا من بلدٍ وهذا من بلدٍ. فالآن رغم سهولة لقاء الناس بعضهم ببعضٍ إلا أنَّه مع ذلك ليس بالضَّرورة أن يكون كلُّ الناس التقى بعضهم ببعضٍ، فكيف بالزمان الأول؟ فواحدٌ من العراق، وواحدٌ من الشام، وواحدٌ من مصر، وواحدٌ من اليمن، فبُعْد البلدان قد يكون عائقًا لبعض الناس أن يكون قد التقى ببعض علماء العصر الذي عاش فيه، لاسيَّما إذا لم يكن التلميذُ معروفًا بالرحلة في طلب الحديث، أي أنَّه كان يطلب الحديثَ عن أهل بلده فقط، ولم يخرج من بلده ليسمع العلم من علماء الأمصار.
إذن هنا تتفاوت هذه المراتب بحسب معرفتنا لتاريخ كلِّ راوٍ تحديدًا من رواة الحديث، والعلماء كان عندهم ملفٌ لكلِّ راوٍ، فيعرفون كلَّ راوٍ متى وُلِد؟ ومتى توفي؟ ومتى طلب العلم؟ وعلى مَن سمع العلم؟ ومتى خرج من بلده ليسمع من العلماء الآخرين الذين هم من غير أهل بلده؟ وأيّ البلاد دخلها؟ هل دخل البلد الفلانية أم البلد الفلانية؟ ومتى دخل البلد الفلانية؟ وكم مرة دخل البلد الفلانية في عمره؟ فكلُّ هذا مكتوبٌ في تراجم الرواة.
فهنا مسألةٌ وهي: لو عاصر راوٍ شيخه معاصرةً فقط، ولم يأتِ دليلٌ من الأدلة في روايةٍ من الروايات أنَّه التقى به أو تحمَّل عنه أو سمع منه، فهل إذا ما روى عنه نحكم للحديث بالاتِّصال أم لا؟
هذه مسألةٌ وقع فيها خلافٌ بين أهل العلم -عليهم رحمة الله تعالى- فبعضُهم يشترط أن يكون الراوي قد ثبت لدينا أنَّه التقى بهذا الشيخ ولو مرةً في حياته، فإن ثبت لنا لقاؤه به ولو مرةً في حياته؛ نحكم حينئذٍ باتِّصال باقي ما يرويه عن شيخه هذا.
وهناك علماءٌ آخرون يقولون: لا، مجرد المُعاصرة تكفي في ذلك. وهذا قولٌ ضعيفٌ جدًّا.
لكن الرأي الصواب هو رأي الإمام مسلم الذي ينبغي أن يُنسَب إليه، لا الرأي الذي يقول: إنَّ مسلمًا يكتفي بمجرد المعاصرة.
وهو أنَّ الراوي إذا عاصر شيخه وكانا من أهل بلدٍ واحدٍ ففي الغالب يُحكَم على ذلك بالاتِّصال، لاسيَّما إذا كان التلميذُ طَلَّابةً للعلم، ومن المعروفين باهتمامه بالعلم، واهتمامه بلقاء الشيوخ والأخذ عنهم، ويصعب جدًّا ألا يكون قد سمع من شيخٍ في بلده رغم أنَّه رحل إلى البلدان وسمع من القريب والبعيد، فلا يمكن أن يكون هناك عالمٌ معروفٌ مُبرَّزٌ مشهورٌ من أهل بلده ولا يلتقي به؛ فهذا أمرٌ في غاية البعد.
فحينئذٍ إن روى عن شيخٍ معروفٍ من أهل بلده نحمل ذلك على الاتِّصال، بخلاف ما إذا كان الشيخُ الذي يروي عنه ليس من أهل بلده.
والمسألة فيها تفصيلٌ أكثر، لكن هذه خلاصة الأقوال التي قِيلت فيها.
وَمُبْهَمٌ مَا فِيْهِ رَاوٍ لَمْ يُسَمْ
نحن نعرف أنَّه يُقال في الحديث: حدَّثنا فلانٌ بن فلان عن فلان بن فلان عن فلان بن فلان، كما قلنا: أحمد بن حنبل عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فكلُّ راوٍ من رواة الإسناد ذُكِرَ باسمه، بحيث يمكننا أن نعرف شخصه، ثم نعرف بعد ذلك حاله، وإلا كيف تعرف حاله وأنت لا تعرف شخصه؟!
أحيانًا يأتي الراوي في بعض الأحاديث فيقول: حدَّثني شخصٌ، حدَّثني رجلٌ، حدَّثتني امرأةٌ، حدَّثني شيخٌ، ولا يذكر اسمَه. فهذا نُسميه "مُبْهَم"، فالراوي لم يُذكَر اسمه، كما لو أنَّه لو يُذكَر أصلًا؛ لأنَّه إذا لم يُذكَر اسمه فوجوده وعدمه سواء.
تقول مثلًا: حدَّثني شخصٌ، حدَّثني رجلٌ. ولا تُسمي هذا الرجل ولا تذكره، أو تقول: حدَّثني بعضُ أهل الحي. فالله أعلم مَن هذا! فهذا نُسميه "حديث مُبْهَم" أو "إسنادٌ مُبْهَم" أو "راوٍ مُبْهَم".
والإبهام هذا سببٌ من أسباب رفض الحديث وعدم قبوله؛ لأنَّ الإبهام جزءٌ من الجهالة، كما أنَّك لو رويتَ عن رجلٍ مجهولٍ، بل إنَّ الإبهامَ توغَّل في الجهالة؛ لأنَّ المجهولَ قد نعرف اسمه واسم أبيه، ولكن لا نعرف أهو من الثِّقات أم من غير الثِّقات؟ أمَّا هذا فلا نعرف أصلًا اسمه، ولا نعرف شخصه، وكما قالوا: "ثبِّت العرشَ ثم انقُش"، فالإبهام لأجل هذا كان عند كثيرٍ من العلماء -لاسيَّما العلماء القُدامى- هو نوعٌ من الانقطاع، مثل الحديث الذي لم يُذكَر فيه الراوي أصلًا، كالحديث المُرْسَل والحديث المُنْقَطِع أو الحديث المُعْضَل، فالراوي لم يُذكَر أصلًا، فهذا نُسميه غير مُتَّصلٍ.
فالإبهام نوعٌ من عدم الاتِّصال؛ لأنَّك إذا قلت: حدَّثني رجلٌ -ولم تذكر اسمه- عن فلانٍ. كما لو قلت: عن فلانٍ -من غير أن تذكر بينهما راوٍ- لأنَّك إذا رويتَ عن فلانٍ ونحن نعلم أنَّك لم تسمع منه؛ فنحن نعلم بالضَّرورة أنَّ بينكما رجلًا.
وقولك: "حدَّثني رجلٌ" من غير أن تُسميه، لن يُفيد شيئًا جديدًا؛ لأننا نعلم أنَّ بينك وبين مَن تروي عنه رجلًا، فإذا قلت: "حدَّثني رجلٌ" ولم تُسمه، هل جئتَ بجديدٍ؟ لا، فلأجل هذا كان الإبهامُ نوعًا من عدم الاتِّصال في الحديث.
نكتفي بهذا القدر وننظر في الأسئلة، سواء منها ما يطلبه الإخوة الحضور أو ما جاء عن طريق موقع الأكاديمية.
تفضَّل يا أخي.
{إذا روى راوٍ عن شيخه بالعنعنة، فهل يُحكَم باتِّصاله أم لا؟}
نحن قلنا أنَّ هذا فيه خلافٌ بين أهل العلم، فمن العلماء مَن ينظر إلى الراوي، فإذا كان الراوي معروفًا بالسماع من الشيخ في غير هذا الحديث؛ فالعنعنة هنا لا تضر أبدًا ويُحْكَم بالسماع.
أمَّا إذا لم يكن معروفًا بالسماع من الشيخ ولا باللِّقاء به؛ فمن العلماء مَن يقول: إذا ثبتت المعاصرةُ فهذا يكفي. وهذا قولٌ ضعيفٌ.
ومنهم مَن يقول: إذا ثبتت المُعاصرةُ وكون الراوي والشيخ من أهل بلدٍ واحدٍ فلا بأس، بمعنى أن ينضم إلى هذه المعاصرة معنى آخر أو قرينة أخرى تجعلنا نميل إلى رجحان أنَّ الراوي التقى بهذا الشيخ، وهذا كله في غير الراوي المُدَلِّس؛ لأنَّ المُدَلِّس قد يقول "عن" وهو لم يسمع، رغم أنَّه من الممكن أن يكون قد سمع أحاديث أخرى، والتَّدليس سيأتي تفصيله -إن شاء الله تعالى- عندما نأتي إلى شرحه.
{هل يُشترط في الحديث الصَّحيح أن يكون عزيزًا أو مشهورًا؟}
لا، لا يُشترط، فالحديث قد يكون صحيحًا وهو غريبٌ، وقد يكون صحيحًا وهو عزيزٌ، وقد يكون صحيحًا وهو مشهورٌ.
إذن الحديث الصَّحيح منه العزيز، ومنه الغريب، ومنه المشهور.
والمشهور منه الصَّحيح ومنه الضَّعيف، والعزيز منه الصحيح ومنه الضعيف، والغريب منه الصحيح ومنه الضعيف، وهذا أشرنا إليه في المجلس، بمعنى أنَّ وصف الحديث بكونه غريبًا لا يضره، وحديث: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» أليس غريبًا؟ ومع ذلك هو من أصح الأحاديث. نعم رواه راوٍ واحد لكنَّه راوٍ ثقة رواه عن ثقة عن ثقة عن ثقة.
فرغم أنَّه ليس له إلا إسنادٌ واحدٌ، لكنَّه حديثٌ صحيحٌ؛ لأنَّه تحققت فيه شرائط صحَّة الحديث.
وهنا سؤالٌ شبيهٌ بهذا السؤال من إخواني الذين يُراسلوننا عن طريق الإيميل، فهو نفس السؤال تقريبًا.
{إذا كان الشخصُ الذي أخبر بالخبر صادقًا -أي ثقة- عند الناس، وأخبر بالحديث عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- هل لا نُصدقه؛ لأنَّه رجلٌ واحدٌ؟}
لا، طبعًا هذه طريقة أهل البدع والأهواء الذين يقولون: إنَّ أخبار الآحاد لا تُقبَل في العقائد أو نحو ذلك، لا، نحن أهل السُّنة والجماعة نقبل ما رواه الواحد وما رواه الاثنان وما رواه الثلاثة، سواء ما كان منها في العقائد، أو ما كان منها في الأحكام، أو في جميع فروع الدين، وذلك إذا تحققت فيها شرائط القبول الخمسة التي ذكرناها في الحديث الصَّحيح والحديث الحسن.
{هل رأي شيخٍ واحدٍ يُضعِّف الراوي؟ يعني لو تكلم عالمٌ واحدٌ في راوٍ، هل يُضعَّف الراوي؟}
بارك الله فيك، يريد أن يقول: لو أنَّ مثلًا ابن نعيم -رحمه الله- أو الإمام أحمد بن حنبل أو البخاري سُئِلَ عن راوٍ، فقال: هو ضعيفٌ. هل هذا يكفي في تضعيف هذا الراوي أم لابُدَّ أن يُضَعِّفه اثنان أو ثلاثة أو أكثر؟
الذي عليه جمهورُ أهل العلم أنَّ العالم الواحد الذي يعرف أسبابَ الجرح وأسباب التَّعديل؛ إذا جرَّح الراوي أو عدَّله -أي قال: هو ضعيفٌ، أو قال: هو ثقة- فإنَّ ذلك يُقبَل منه، بشرط أن يكون هذا المُجرِّح أو المُعَدِّل من علماء الجرح والتَّعديل، ولا يكون واحدًا عاديًّا، فينبغي أن يكون من علماء الجرح والتعديل الذين عندهم أهلية ومعرفة تامَّة بقواعد الجرح والتعديل، ومعرفة تامَّة بأسباب الجرح والتعديل، كالأئمَّة الكبار الذين نعرفهم، هذا من جهةٍ.
طيب، ماذا نفعل إذا حدث تعارض؟ فعندنا إمام قال في راوٍ: ثقة. وإمامٌ قال فيه: ضعيف. وهذا إمامٌ وهذا إمامٌ، كأن يقول أحمد بن حنبل مثلًا عن راوٍ أنَّه ثقة، ويقول يحيى بن معين فيه: ضعيف.
هنا يبحث العلماءُ عن مُرجِّحٍ آخر، والتَّرجيحات عند العلماء كثيرةٌ جدًّا.
أو ينظرون فإذا كان جرحُ المُجرِّح مُفسَّرًا؛ فهو مُقدَّمٌ على التَّعديل غير المُفَسَّر، أو العكس.
وهذه مسائل من مسائل الجرح والتَّعديل يتوسَّع فيها العلماءُ كثيرًا، ونحن في شرحنا للمنظومة البيقونية نحاول بقدر الإمكان ألا نخرج كثيرًا عن نطاق المنظومة.
نسأل الله تعالى أن يُوفِّقنا، وأن يُسدد خُطانا، إنَّه ولي ذلك والقادر عليه.
سبحانك اللَّهم وبحمدك، أشهد ألا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
http://islamacademy.net/cats3.php