بسم الله الرحمن الرحيم ، القرآن الكريم معجزة النبي الخالدة التي كانت ولا زالت وسوف لا تزال يتحدى الله عز وجل به البشرية كلها على أن القرآن من عند الله عز وجل ، ولقد تحدى الله به فرسان البلاعة ، وأساطين البيان ، وأرباب الفصاحة في مكة ، تحداهم الله أن يأتوا بقرآن مثله فعجزوا فقال جلّ وعلا قل ، قل يا محمد لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بهذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً .
مشاهدينا الكرام في كل مكان مع هذه الحلقة الخاصة ، الحلقة النورانية ، الربانية ، القرآنية ، نلتقي على مأدبة القرآن ، يسعدنا ويشرفنا أن يكون معنا في هذه الحلقة الخاصة كل من فضيلة الأستاذ الدكتور محمد عصام القضاة أستاذ التفسير وعلوم القرآن بكلية الشريعة بجامعة الشارقة ، أهلاً وسهلاً دكتور محمد .
أيضاً يسعدنا ويشرفنا أن يكون معنا فضيلة الدكتور صفوت حجازي الداعية الإسلامي .
أيضاً يسعدنا أن يكون معنا فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد عمر هاشم الرئيس السابق لجامعة الأزهر ، ورئيس اللجنة الدينية لمجلس الشعب المصري .
أيضاً يسعدنا أن يكون معنا فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي أستاذ التفسير وعلوم القرآن .
أيضاً يسعدنا أن يكون معنا فضيلة الأستاذ الدكتور عمر عبد الكافي ، وفي النهاية مشاهدينا الكرام رغبة منه أصرّ أن أذكر اسمه في النهاية معنا فضيلة الشيخ محمد حسان .
مشاهدينا الكرام الحلقة بعنوان على مأدبة القرآن ، دكتور راتب لن تضيع الأمة ما دام فيها القرآن الكريم .
فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه ، القرآن كون ناطق ، الكون قرآن صامت ، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي ، حينما أرسل الله رسوله وقال هذا الرسول الكريم : أنا رسول الله ، هناك من يكذبه فكيف يشهد الله لرسوله أنه رسول ؟ لابدّ من معجزة ، الأنبياء السابقون معجزاتهم حسية كتألق عود الثقاب تألقت وانطفأت وأصبحت خبراً ، لكن لأن النبي عليه الصلاة والسلام لكل الأمم والشعوب ، ولأن كتابه خاتم الكتب لابدّ أن تكون المعجزة مستمرة ، كيف تكون مستمرة ينبغي أن تكون علمية ، من هنا كان الإعجاز العلمي في القرآن الكريم ، شهادة الله للمؤمنين أن كتابه دليله ، حينما أُطلقت مركبة إلى الفضاء ، ولا زال الرائد يقطع الغلاف الجوي (والغلاف الجوي سماكته خمسة وستون ألف كيلو متر لما تجاوز الغلاف الجوي . ذلك لأن الضوء فيه ظاهرة الانتثار ، لأن أشعة الشمس حينما تسلط على الهواء ذرات الهواء تعكس بعض الأشعة على ذرات أخرى ، في الأرض شيء اسمه ضياء ، وشيء اسمه أشعة ، فإذا تجاوزنا الغلاف الجوي تنعدم هذه الظاهرة ، تنعدم كلياً ، فصار الفضاء الخارجي ظلام الدامس )فقال هذا الرائد أصبحنا عمياناً ، نفتح القرآن الكريم ونقرأ قوله تعالى :
الحقيقة في القرآن الكريم آيات تقترب من الألف ، أنا حينما أقرأ آية فيها أمر يقتضي أن ائتمر ، حينما تقرأ في القرآن آية فيها نهي يقتضي أن تنتهي ، آية فيها وصف للجنة تقتضي أن تسعى إليها ، آية فيها وصف للنار وأحوال أهل النار تقتضي أن تفر منها ، آية في هلاك الأمم تقتضي أن تتعظ ، فإذا كان في القرآن الكريم ما يقترب من ألف آية تتحدث عن الكون ماذا تقتضي هذه الآيات ؟
البعوضة بعد اكتشاف المجهر الإلكتروني تبين أن في رأسها مئة عين ، وفي فمها ثمانية وأربعون سناً ، وفي صدرها ثلاثة قلوب ، قلب مركزي ، وقلب لكل جناح ، وفي كل قلب أذينان وبطينان ودسامان ، وزن البعوضة واحد على ألف من الغرام ، والغرام لا وزن له ، وتملك البعوضة جهازاً لا تملكه الطائرات ، تملك جهاز استقبال حراري ، إنها ترى الأشياء لا بأشكالها ، ولا بأحجامها ، ولا بألوانها ، ولكن ترى الأشياء بحرارتها ، وحساسية هذا الجهاز الحراري واحد على ألف من الدرجة المئوية .
وتملك جهاز تحليل دم ، فما كل دم يناسبها ، تفحص الدم ثم تمتص الدم ، لذلك ينام أخوان على فراش واحد يستيقظ الأول وقد ملئ بلسع البعوض ويستيقظ الثاني ولا أثر للسع البعوض على جبينه ، ومعها جهاز تمييع ، لأن دم الإنسان أحياناً سمج لا يسري في خرطومها تميعه كي تمتصه ، تملك جهاز للتخدير لئلا تقتل أثناء الامتصاص تخدر ثم تمتص الدم وتطير في سماء الغرفة ، لما ينتهي مفعول التخدير يشعر الإنسان باللسع فيضرب يده هي تضحك عليه ، فمن جهاز تمييع إلى جهاز تخدير إلى جهاز تحليل ، معها أيضاً جهاز استقبال حراري(رادار)، برأسها مئة عين ، في فمها ثمانية وأربعون سناً ، في صدرها ثلاثة قلوب ، أما خرطومها ففيه ست سكاكين أربع سكاكين لإحداث جرح مربع وسكينان يلتئمان على شكل أنبوب لامتصاص الدم ، وفي أرجل البعوضة مخالب إذا وقفت على سطح خشن ومحاجم إذا وقفت على سطح أملس ، الآن نقرأ قوله تعالى :
إعجاز القرآن الكريم شهادة الله للمؤمنين أن هذا القرآن كلامه ، كما شهد للأنبياء السابقين معجزات حسية ، لكن الأنبياء السابقون لأقوامهم فقط ، أما النبي عليه الصلاة والسلام لكل البشر أجمعين .
الإعجاز العلمي أقوى مادة لإقناع الطرف الآخر بالإسلام :
الإعجاز العلمي الآن أقوى مادة تقنع الطرف الآخر ، العصر عصر العلم حينما يرى حقيقة علمية اكتشفت حديثاً ، والقرآن قبل ألف وأربعمئة عام أشار إليها لا يملك إلا أن يخضع ، وكبار العلماء الكبار أسلموا عن طريق الإعجاز العلمي .
نريهم السين للاستقبال ، أي القرآن الكريم نزل في وقت والآيات ظهرت بعد ألف عام ، طبعاً الحديث عن الإعجاز يطول .
هناك مئات الموضوعات الدقيقة جداً مثلاً : في الطائرة كل شيء يدعو للرفاه والمقعد يكون سريراً كاملاً ، تنام ساعات طويلة نوماً عميقاً وأنت في أطباق الجو ، وتفتح القرآن الكريم لتقرأ قوله تعالى :
الطائرة دخلت ، والقطار دخل ، والمركبة دخلت ، والسيارة دخلت ، فحينما ندقق في آيات الإعجاز لا يسعنا إلا أن نؤمن أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن .
برج العقرب هذا برج عظيم ، فيه نجم صغير متألق ، أحمر اللون ، اسمه قلب العقرب ، الآن قلب العقرب النجم الصغير الأحمر المتألق الذي في برج العقرب يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما ، بين الأرض والشمس مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر ، و الشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة ، برج العقرب هذا برج فيه نجم صغير متألق أحمر اللون اسمه قلب العقرب يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما ، هذا الإله العظيم يعصى ، ألا يخطب وده ؟ ألا ترجى جنته ؟ ألا تخشى ناره ؟ والآيات كثيرة .
المذيع :
دكتور عمر جاء في خاطري الآن ، التوراة التي أنزلت على سيدنا موسى من عند الله ، والإنجيل الذي نزل على سيدنا عيسى من عند الله ، والزبور الذي نزل على سيدنا داود من عند الله ، والقرآن الذي نزل على سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام من عند الله ، هنا السؤال ما الفرق بين القرآن الكريم والكتب السماوية ؟
الفرق بين القرآن الكريم والكتب السماوية :
الدكتور عمر :
أشهد أن لا إله إلا اله ولي الصالحين ، وأن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه ، وبعد :
القرآن نزل منجماً مفرقاً على قلب الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ، من بداية اقرأ إلى أن انتهى القرآن الكريم ، ثم أمر الله جبريل أن يبلغ نبيه صلى الله عليه وسلم أن يرتب القرآن كما هو بين أيدينا ليس كما نزل ، وإنما الفاتحة ، البقرة ، آل عمران ، إلى سورة الناس ، إذا تدبرنا في كتاب الله عز وجل بعد هذا الترتيب وجدنا أن القرآن وحدة واحدة ، تقدم كل سورة للسورة التي تليها ، فإذا قرأت ودعوت الله في آخر الفاتحة اهدنا الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعمت عليهم ، غير المغضوب عليهم ولا الضالين ، لما تستعيذ من هذين الصنفين ؟ لأن كل واحد منهما لعب في الكتاب ، وغير في الكتلوج ، وامتدت يده بالتحريف والتزييف ، عندئذ إذا دعوت رب العباد أن يقيك شرّ هؤلاء ، وألا تكون وفق هاتين الطائفتين عندئذ يطمئنك رب العباد سبحانه وتعالى ليقول لك :
لا تخف فقد استجيب دعاؤك أنت لا من الضالين ولا من المغضوب عليهم ، لأن هؤلاء استحفظوا كتاب الله عز وجل ، فلما ذهب الرعيل الأول الصالح ثم جاء الذين يبيعون كتاب الله عز وجل فحرفوا وبدلوا وغيروا ، وهذا كتاب لا يستطيع الإنسان أن يتدخل فيه لأنه محفوظ من قبل رب العباد سبحانه وتعالى .
نصر الله آت إذا اقتنعت أن لك ديناً خاصاً بك ولغيرك دين آخر قد حرف وزيف :
تتضح الصورة أكثر إذا أردنا في هذه القضية في الست سور الأخيرة مثلاً كمثال ، سورة الكافرون ، سورة النصر ، سورة المسد ، ثم الإخلاص ، ثم المعوذتين ، تجد في آخر سورة الكافرون لما عرض الكفار يا محمد تعال لنعبد ربك مدة معينة أو يوماً وأنت تعبد آلهتنا قال تعالى :
فإذا وصلت يا أيها القارئ ، يا من أنزل عليك القرآن أن لكم دينكم ولي دين ، قد تكون ما تسميها آية المفاصلة ، فإذا وضحت لك الصورة واستبانت لك العقيدة ، واستبان لك هذا اليقين فاعلم أن نصر الله آت ، ولم يأتِ نصر الله عز وجل إلا إذا وضحت لك الصورة أن لك ديناً خاصاً بك ، ولغيرك دين آخر قد حرف وزيف ، هنا إذا جاء نصر الله والفتح ثم تأتي آخر سورة النصر للتكلم عن التوبة ، إنه كان تواباً .
التوحيد نجاة الإنسان من عذاب الله عز وجل :
تتساءل هل التوبة لكل إنسان ؟ قيل لا ، لأن عم النبي عليه الصلاة والسلام أبى أن يسلك الطريق ، فقال له ربه وأنزل على نبيه كلاماً له ولنا :
ومن الذي يعيني على مسألة التوحيد أن تستعيذ بالله من المعوذتين ، ثم تكتشف أن آخر سورة الناس من الواجب أن يكون على السين سكون لأن نهاية القرآن ، لكن لا من الجنة والناس فإذا أعاذك الله عز وجل من شرور الجنة ومن شرور الناس تقل :
إذاً القرآن وحدة واحدة ، فيجب أن تؤمن وأنت تقرأ في كتاب الله أن : إذا كان القرآن وحدة واحدة فيجب أن نكون كمسلمين في مشرق الأرض ومغربها وحدة واحدة ، لأن القرآن واحد ، ولأن الله واحد ، ولأن قبلتنا واحدة ، عندئذ يستبين الفرق بين القرآن الكريم وبين الكتب المنزلة من قبل ، الله عز وجل جعل من إعجاز هذا القرآن أنه لا يخلق على كثرة الرد وجهابذة العلم واللغة رجل كابن عباس يقول : ما كنت أدري معنى كلمة فاطر ، فلما مررت بأعرابيين يتنازعان في بئر يقول الأول أنا الذي فطرتها ، ويقول الآخر أنا الذي فطرتها ، علمت أن فطر هو مبدع ومنشئ وخالق ، إذاً هذا المنطق .
والرجل الذي صلى خلف أبي حنيفة وصحح لأبي حنيفة ، والسارق والسارقة ، أخطأ أبو حنيفة وهو يقرأ والله غفور رحيم ، قال الله عزيز حكيم ، قال أتحفظ السورة ؟ قال أبداً أول مرة أسمعها ، قال وما الذي أدراك أن نهاية الآية عزيز حكيم وليس غفور رحيم ؟ قال لو كان غفوراً رحيماً لما حكم على السارق بقطع اليد ، لكن لما عزّ في عليائه حكم على السارق بقطع اليد ، ففهمها الأعرابي بفطرته فصحح للإمام ما أخطأ فيه .
المذيع :
سبحان الله دكتور عمر يعني ننتقل إلى فضيلة الشيخ محمد حسان في مسألة لو تدبرنا آيات القرآن الكريم لوحدنا ربنا .
القرآن الكريم طريق الإنسان للوصول إلى السعادة في الدنيا والآخرة :
الشيخ محمد حسان :
الحمد لله ، وصلى الله وبارك على نبينا محمد ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وبعد :
فما أجمل هذا اللقاء ، وأستطيع أن أزيد هذا الكلام الجميل جمالاً بآيات من القرآن وبكلمات لمن أنزل الله عليه القرآن ، فالقرآن كنز معان ، وبحر حقائق ، ونهر دقائق ، ومصدرية القرآن دليل إعجازه ، فهو كلام الله تبارك وتعالى ، وهذا يكفي لإعجازه على كل كلام ، فإن العلوم وإن تباينت أصولها ، وتعددت ، وتنوعت أبوابها ، وشرقت وغربت فصولها ، لا نقلل من قدرها ، ولا من شأنها ، إلا أن أعلاها قدراً ، وأغلاها مهراً ، وأقومها قيلاً ، وأوضحها سبيلاً ، وأصحها دليلاً ، كلام ربنا جلّ وعلا ، فهو معدن كل فضيلة ، ومنبع كل حكمة ، وهو أصل الأصول ، وطريق الوصول إلى السعادة في الدنيا والآخرة بصحبة الحبيب الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا سعادة ، ولا كرامة لهذه الأمة إلا إذا عادت من جديد إلى القرآن ، والعودة إلى القرآن ليست نافلة ، ولا تطوعاً ، ولا اختياراً ، بل إن الأمة أمام شرط الإسلام ، وحدّ الإيمان قال تعالى :
القرآن الكريم حوّل الناس من رعاة للإبل والغنم إلى سادة وقادة للدول والأمم :
لقد حوّل الله عز وجل بهذا القرآن الجيل القرآني الفريد الأول من رعاة للإبل والغنم إلى سادة وقادة للدول والأمم ، يوم حول هذا الجيل القرآني القرآن في حياته إلى واقع عملي ، وإلى منهج حياة ، لأن الله جلّ وعلا ما أنزل القرآن لتزين به الجدران ، أو يقرأ على الأموات ، وما أنزل القرآن لتحلي النساء بالقرآن صدورهن بالمصاحف الذهبية ، أو الفضية ، أو ليوضع في علب القطيفة الفخمة الضخمة ليهدى لسادة القوم ، وعلية الناس في المناسبات والأعياد ، وإنما قال تعالى في القرآن :
أي ما أنزل الله عليك القرآن يا محمد صلى الله عليه وسلم لتشقى به ، أو لتشقى بأوامره ، أو نواهيه ، أو بحدوده ، أو لتشقى به أمتك من بعدك ، بل ما أنزل الله عليك القرآن إلا لتقيم به أمة ، ولتنشئ به دولة ، ولتزكي به الأنفس ، وتزكي به العقول ، وتهذب به الضمائر والأخلاق ، ثم في قول الله عز وجل :
يقول ابن القيم هجر القرآن أنواع ، هجر السماع ، وهجر التلاوة ، وهجر التدبر ، وهجر العمل بالقرآن ، وهجر التداوي بالقرآن .
ألا ترى أن كثيراً من الناس قد وقعوا في ألوان الهجر ، وأنا مع أستاذنا الدكتور عمر بأنني ممن يعتقدون اعتقاداً جازماً أن الأمة بفضل الله تعالى ما ضيعت القرآن ، وما تركت القرآن ، بدليل ما نراه الآن بفضل الله عز وجل ، إلا أننا في أمس الحاجة إلى أن نحول القرآن الكريم من جديد في حياتنا إلى واقع .
الأمة الإسلامية أمة بلاغ وأمة دعوة :
أقول : أنا أتألم غاية الألم أن أرى البشرية الآن قد تجاوزت المليارات السبعة ومع ذلك لم تسمع جلّ هذه المليارات آية من كتاب الله عز وجل ، من يتحمل مسؤولية هؤلاء الذين لم يصلهم هذا النور ، أقول الأمة أمة بلاغ وأمة دعوة ، إن الحق معنا وإن الباطل مع غيرنا ، لكننا وبكل أسف لم نحسن إلى الآن أن نشهد لهذا الحق شهادة عملية خلقية على أرض الواقع ، ولم نحسن أن نُبلغ هذا الحق لأهل الأرض بحق ، وإن الباطل مع غيرنا ، ولكنه يحسن أن يصل بالباطل إلى حيث ينبغي أن يصل الحق ، ويحسن أن يلبس الباطل ثوب الحق ، وهنا ينزوي حقنا ويضعف كأنه مغلوب ، وينتفخ الباطل وينتفش كأنه غالب ، ونتألم لهذا الحق الذي ضعف وانزوى وللباطل الذي انتفخ وانتفش كأنه غالب ، ونعبر عن ألمنا بصورة من صورتين لا ثالث لهما إما أن يكون تعبيرنا سلبياً ساكناً لنزداد هزيمة نفسية على هزيمتنا ، وانعزالاً عن المجتمع والعالم ، وإما أن يكون تعبيرنا صاخباً متشنجاً ، وأحياناً دموياً ، وهنا سنخسر الحق حتى ونحن في طريقنا للذود والدفاع عن هذا الحق ، لأن أهل الأرض سيزدادون بغضاً للحق الذي معنا ، وإصراراً على الباطل الذي معهم ، فأنا أتألم أشد الألم وأنا حريص على هذه البشرية والله التي تهوي كالسكران ، وتضحك كالمجنون ، وتجري كالمطارد ، تئن من الألم ، تبحث على الأمن والأمان على الرغم من الوسائل الأمنية لمحاربة الجريمة ، وهي وسائل مبنية على التخطيط العلمي الحديث ، ومع ذلك فقدت نعمة الأمن والأمان .
ردّ الهجمة الشرسة على الأمة الإسلامية واجب على كل مسلم :
أرى البشرية الآن تبحث عن أي شيء مع أنها في الحقيقة تملك كل شيء ، ولكنها عندما ابتعدت عن مصدر النور ، وعن أصل العزة والكرامة عن القرآن الكريم ، فقدت كل شيء ، فأنا حريص على هدي البشرية وأتمنى أن تسمع البشرية القرآن ، أن تسمع عن الله ، وأن تعي مراد الله عز وجل ، وأن تعي مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من يسمع البشرية القرآن إلا أمة القرآن ، فواجب على أمة القرآن الآن أمام هذه الهجمة الشرسة التي ذكرها أستاذنا واجب على الأمة أن ترد رداً عملياً ، كفانا صراخاً وعويلاً ، يجب علينا إن أردنا أن نرد هذه الهجمة الشرسة أن نعاهد ربنا على أن يخرج من كل بيت من بيوت المسلمين حافظاً لكتاب الله ، أو حافظة لكتاب الله ، وعلى أن نحول هذا القرآن في بيوتنا ، ومصانعنا ، ومدارسنا ، ومزارعنا ، وإعلامنا ، وتعليمنا ، بل وعلى شواطئ بحارنا يجب علينا نحن المسلمين ، نحن الموحدين ، أن نحول هذا القرآن من جديد إلى واقع عملي ، وإلى منهج حياة :
(( اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه ))
[ مسلم عن أبي أمامة ]
(( يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمه سورة البقرة وآل عمران وضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أمثال ما نسيتهن بعد قال كأنهما غمامتان أو ظلتان سوداوان بينهما شرق أو كأنهما حزقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما ))
[ مسلم عن النواس بن سمعان ]
هذا غيض من فيض أيها الأحبة ، هذا فضل القرآن ، وفي كلام النبي عليه الصلاة والسلام .
نجاة الأمة الإسلامية لا يكون إلا بالعودة إلى القرآن و امتثال أوامره و اجتناب نواهيه :
أؤكد وأختم بهذه الكلمات لا زال عطاء القرآن في عصر الفضائيات ، وفي عصر الذرة ، وفي عصر كما تفضل الدكتور النابلسي مازال عطاء القرآن الكريم متجدداً بفضل الله عز وجل ، و الأدلة في هذا الباب كثيرة وكثيرة ، هذا يملأ قلوبنا يقيناً في أن القرآن كلام ربنا ، لكن لا ينبغي أن نقف عند هذا التنظير السالب ، وعند هذه المتعة الثقافية الذهنية الباردة الباهتة ، وإنما يجب علينا أن نرتل ، وأن نعي القرآن الكريم في صدورنا ، وأن نحول القرآن في حياتنا إلى واقع ، وإلا فلا عزة لنا ولا كرامة ، الأمة حينما ابتعدت عن القرآن هانت ، وظنت أنها قد ركبت قوارب النجاة ، ولا نجاة والله إلا إذا عادت إلى القرآن الكريم ، فامتثلت أمره ، واجتنبت نهيه ، ووقفت عند حدوده ، وحينئذ تردد مع السابقين الصادقين قولتهم الخالدة :
عدم ضياع الأمة الإسلامية مادام القرآن الكريم فيها :
المذيع :
في النهاية مشاهدينا الكرام لم و لن تضيع الأمة ما دام فيها القرآن الكريم ، تبقى كلمة كلما رأيت شيئاً جميلاً قلت : الله ، كلما شاهدت وجهاً حسناً قلت : الله ، كلما سمعت كلاماً طيباً قلت : الله ، كلما سمعت صوت البلابل ونطق السنابل بين الجداول قلت : الله ، كلما تنسمت الحدائق والزنابق ، كلما شاهدت تفتح الأزهار وتدفق الأنهار قلت : الله ، كلما تأملت في ملكوت السماوات والأرض قلت: الله ، كلما تأملت صنع الله قلت : الله ، لفظ الجمال والجلال والكمال ، أصل الوجود ، سرّ الخلود ، معنى الحياة ، خاتم الحسن على الحسن ، وخاتم الجمال على الجمال ، فاحرص أن تصنع في هذا الكون الجميل كل جميل ، حتى ينطق الوجود كله في صوت واحد الله ، فتكون بذلك قد زرعت شجرة الجمال في قلب الكون ، وجعلت الكل يسبح دون إرادة ويقول الله الله الله .
خاتمة و توديع :
مشاهدينا الكرام في النهاية نتوجه بخالص الشكر والتقدير لمشايخنا وعلمائنا الذين شرفونا في حلقة اليوم ؛ فضيلة الأستاذ الدكتور محمد عصام القضاة ، أيضاً الدكتور صفوت حجازي ، أيضاً فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد عمر هاشم ، أيضاً دكتور عربي شكراً جزيلاً ، الدكتور محمد راتب النابلسي ، أيضاً الدكتور عمر عبد الكافي ، والشيخ محمد حسان شكراً جزيلاً ، وفي النهاية مشاهدينا الكرام نتقدم بخالص الشكر والتقدير لجمعية " واعتصموا " للأعمال الخيرية التي هي سهلت لنا هذا اللقاء بتلك الصورة الجميلة ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .