مقدمة :
الأستاذ جميل :
السلام عليكم ورحمة الله، أيها الأخوة والأخوات أسعد الله أوقاتكم بكل خير، وأهلاً بكم في لقاء جديد في برنامج: "الإسلام منهج حياة"، ضيف البرنامج هو فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، الداعية الإسلامي ـ حفظه الله ـ أهلاً وسهلاً بكم فضيلة الدكتور.
الدكتور راتب :
بكم أستاذ جميل جزاكم الله خيراً.
الأستاذ جميل :
تحدثنا عن الطب الطبيعي، والطب النفسي، والطب الوقائي، فإذا وقع المرض العضوي فهل من عناية للشرع به أيضاً، وعلى ماذا يبنى الطب العلاجي؟ على أي كلية من كليات الدين؟
انطلاق الطب العلاجي من أن الله عز وجل خلق لكل داء دواء :
الدكتور راتب :
الحقيقة أن الطب العلاجي ينطلق أن الله عز وجل خلق لكل داء دواء، علمه من علمه وجهله من جهله، وأن الله عز وجل ما أنزل داء إلا وأنزل له شفاء، من هذا المنطلق ومن منطلق عقدي هو أن المؤمن عليه أن يأخذ بالأسباب، عليه أن يأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم يتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، فكأن المؤمن الصادق، المستقيم، الواعي، يمشي بطريق عن يمينه واد سحيق، وعن يساره واد سحيق، إن أخذ بالأسباب، وألهها، واعتمد عليها، ونسي الله، وقع في وادي الشرك، وإن لم يأخذ بها، وتواكل على الله تواكلاً ساذجاً، وقع في وادي المعصية، وكأني بالعالم الغربي أخذ بالأسباب بأعلى مستوى، واعتمد عليها، وألهها، ونسي الله، وكأني بالعالم الشرقي لم يأخذ بها أصلاً، فالأول وقع في الشرك، والثاني وقع في المعصية، والبطولة والكمال والمنهج القويم أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء وأن تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، دائماً التطرف سهل، أن تأخذ بالأسباب وحدها القضية سهلة جداً، أو ألا تأخذ بها أسهل، أما حينما تأخذ بها تأدباً مع الله، وطاعة له، حينما تتوكل على الله ثقةً به، مثلاً في سفر راجعت المركبة مراجعة تامة، ومن أعماق أعماق أعماقك تقول: يا رب أنت الحافظ، أنا أخذت بالأسباب بقي أن تحفظني، فهذا الموقف التي تنطلق منه المعالجة، ما دام الله عز وجل لم ينزل داءً إلا وأنزل له شفاء، علمه من علمه وجهله من جهله.
(( تداووا عباد الله))
[أخرجه الحاكم عن أسامة بن شريك مرداس الأسلمي ]
التداوي يرقى إلى مستوى الواجب إلا في حالات نادرة :
التداوي يرقى إلى مستوى الواجب، لكن لئلا نقع في مبالغة لو أن الإنسان توقف دماغه، وصار التخطيط خطاً مستقيماً، لكن يمكن أن يعمل قلبه بآلة، هناك فتوى بإيقاف الآلة أحياناً هناك نفقات فوق طاقة كل من حول المريض، ولا جدوى من حياته، وقد انتهت حياته بموت الدماغ، لكن المرأة التي كانت تصاب بالصرع، وسألت النبي عليه الصلاة والسلام أن يدعو لها فقال لها عليه الصلاة والسلام: "إما أن تصبري وإما أن أدعو لك"، فاستنبط العلماء من هذا أن هناك حالات معينة قد يكون ثمن الدواء فوق طاقة كل من حول المريض، أحياناً زراعة كبد تحتاج إلى ملايين مملينة، إلى عشرة ملايين والأب فقير، في هذه الحالة ليس مكلفاً أن يعطل دخول كل من حوله، هذه حالات أفتى بها العلماء، أما التهاب الزائدة، المعالجة واجبة، السبب أن العملية سهلة، والنفقات مقدور عليها، وأنت ملك أولادك، وملك أهلك، وملك أمتك، إذاً هناك حالات كثيرة جداً بل في معظم الحالات ترقى المعالجة إلى مستوى الواجب، وقد ترقى إلى مستوى الفرض حفاظاً على حياتك، وعلى نشاطك، وعلى أداء عباداتك، وعلى خدمة أمتك.
موضوع التداوي يغلب على الظن أنه واجب، وهناك حالات نادرة جداً قد تكون واحدة بالمليار وهي حالات استثنائية يعفى الإنسان من هذا، أما العلاج يرقى إلى مستوى الواجب لأن الله عز وجل ما أنزل داءً إلا وأنزل له شفاء.
الحديث التالي يحث الأطباء على متابعة البحث ويطمئن المرضى :
النقطة الدقيقة جداً أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما قال:
(( إنَّ لكلِّ دَاء دَوَاءً))
[ أخرجه مسلم عن جابر بن عبد الله ]
إذا سمع هذا الحديث طبيب و كان عنده إنسان مصاب بمرض ليس له دواء يشعر بالتقصير، وكأن هذا الحديث يدفعه للبحث عن دواء، لأن النبي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى،
(( لكلِّ دَاء دَوَاءً ))
أما إذا سمع هذا المريض هذا الحديث يمتلئ ثقةً بالله عز وجل، معنى هذا مرضه له دواء، هذا الحديث يحث الأطباء على متابعة البحث، ويطمئن المرضى، إلا أن هناك استثناء واحداً أن مرض الموت لا شفاء له، يتفاقم، هو بوابة خروج، الإنسان كيف يغادر الدنيا؟ بأحد الأمراض،
(( لكلِّ دَاء دَوَاءً ))
إلا مرض الموت، على كلٍّّ:
إن الــطبيب له علم يدل به إن كان للناس في الآجال تأخير
حتى إذا ما انتهت أيام رحلته حار الطبيب وخانته الــعقاقير
* * *
الشفاء يحتاج إلى الأخذ بالأسباب وإلى الاعتماد على ربّ الأرباب :
(( إنَّ لكلِّ دَاء دَوَاءً، فإذا أُصِيبَ دواءُ الدَّاءِ بَرَأ بإذن الله ))
[ أخرجه مسلم عن جابر بن عبد الله ]
ماذا يعني؟ لا سمح الله ولا قدر مرض الابن تأخذه إلى أفضل طبيب أخذاً بالأسباب، وتشتري له الدواء الجيد، تشرف بنفسك على إعطاء الدواء، أخذت بالأسباب، الآن:
(( بَرَأ بإذن الله ))
توجه بالدعاء إلى الله عز وجل، هذا الكلام دقيق، الشفاء يحتاج إلى الأخذ بالأسباب وإلى الاعتماد على رب الأرباب، فهناك جانب دعائي.
الأستاذ جميل :
دكتور الإيمان بالقضاء والقدر هو تسليم بأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، هل من تعارض بين هذا الإيمان والتسليم وبين البحث عن علاج والسعي إلى الأطباء؟
عدم التعارض بين الإيمان بالله والتسليم بقضائه و قدره :
الدكتور راتب :
بالعكس، حينما تأخذ بالأسباب من قضاء الله وقدره، إنسان عنده غنم، وهناك أرض مجدبة إن رعى الأغنام في هذه الأرض لا شيء عليه، هذا من قضاء الله وقدره، وإن رعاها في الأرض الخصبة أيضاً هذا من قضاء الله وقدره، فنحن إذا قصرنا أو إذا فعلنا كله من قضاء الله وقدره، فليس هناك داع أن نقول: هناك تناقض بين أخذ الدواء والإيمان بالقضاء والقدر، الإيمان بالقضاء والقدر كما قيل يذهب الهم والحزن، أنت حينما تأخذ بكل الأسباب وعندئذ لا تجد النتائج فمعنى هذا قضاء وقدر، آخذ بالأسباب وكأنها كل شيء وأتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، سيدنا عمر حينما كان على مشارف الشام، وسمع أن فيها طاعوناً فلم يدخل، فقال له بعضهم من قضاء الله؟ قال: نعم، أفر من قضاء الله إلى قضاء الله.
الإنسان حينما يزداد وعيه يتحسن الوضع العام للأمة :
هناك نقطة مهمة جداً أن النبي عليه الصلاة والسلام لأنه لا ينطق عن الهوى أول من ذكر أن هناك من يحمل المرض، فإذا كنتم في بلد فيها طاعون فلا تخرجوا منها، هناك من يحمل هذا المرض وليس مريضاً، وهذا إذا انتقل إلى بلد آخر ينقل المرض، أما حينما قال النبي عليه الصلاة والسلام: "لا عدوى" ، لا عدوى حينما يتفهم الجاهل أن هذا الإنسان أصابه المرض، لا هو مرض بقضاء الله وقدره، حتى لا تنشأ أحقاد، لا عدوى من حيث أن الله سمح لهذا الجرثوم أن ينتقل من فلان إلى فلان، لكن في النهاية هو الذي أشار إلى أن هناك إنسان يحمل هذا المرض ولا يمرض.
نحن عندنا مثل بسيط، مرض اسمه التليسيميا، فإذا كان الإنسان يحمل هذا المرض وتزوج امرأة لا تحمل هذا المرض، يعيش حياة سليمة رائعة لا شيء فيها، أما إذا كان إنساناً يحمل هذا المرض، وتزوج امرأة تحمل هذا المرض حتماً عنده ابن مصاب بهذا المرض، أضرب لك مثلاً بسيطاً، بلد يقدر عدد سكانه بعشرين مليوناً، هناك ألفا حالة، هذه الحالات تقتضي تبديل دم كل أسبوعين، كلفة معالجة الابن المصاب بهذا المرض قريباً من مئة وستين ملياراً وينتهي بالموت، في بلد سبعون مليوناً هناك أربع حالات فقط، قضية وعي، نحن بحاجة إلى وعي، لو أن الإنسان قبل أن يزوج ابنته طلب تقريراً طبياً، كأن الناس يستحون بهذا التقرير، فإذا كانت البنت مصابة كزوجها هناك مشكلة كبيرة، لذلك الإنسان حينما يزداد وعيه يتحسن الوضع العام للأمة، أنا أرى أن الدول النامية فوق أنها نامية وفوق أنها فقيرة عندها ضعف بالوعي كبير جداً، هذا الذي يسبب أن معظم الأمراض تتفاقم عندهم.
مرة كنت في أمريكا زرت طبيباً فوجدت أن العيادة ممتلئة، توهمت أنهم مرضى، لا، إنهم يجرون تحليلات دورية، الإنسان مع ازدياد الوعي يعمل تحليلات مستمرة، لأن أي مرض حينما يظهر في وقت مبكر جداً يسهل علاجه.
على الإنسان أن يأخذ بالأسباب و يهيئ الظروف :
أنا أقول: الطب العلاجي أساسه الأخذ بالأسباب،والتوكل على رب الأرباب، عليكم بالكيس، خذ بالأسباب، وهيئ الظروف.
(( عليكم بالكيس، فإذا غلبك أمر فقل حسبي الله ونعم الوكيل ))
[ أبو داود وأحمد عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ ]
لأن الإنسان حينما يأخذ بالأسباب قد تحقق هذه الأسباب النتائج، أما إذا كان لله مشيئة خاصة مع أنه أخذ بها النتائج لم تحقق، هذا قضاء وقدر، عندئذ هو يرضى بالقضاء والقدر.
الأستاذ جميل :
دكتور في عجالة من الذي يتصدى لعلاج الناس؟ وهل يقبل شرعاً أن يتقول أحد في الطب من غير علم ودراية؟
من طبب من غير علم و دراية فهو ضامن وسيدفع الثمن باهظاً :
الدكتور راتب :
والله حديث مذهل:
(( مَنْ تَطَبَّبَ ولا يُعْلَمُ منه طِبّ، فهو ضامِن ))
[أخرجه أبو داود والنسائي عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]
مسؤول وسيدفع الثمن باهظاً، وسيدفع التعويض.
في انتهاء هذه الحلقة الأخيرة من المحطة السابعة محطة الصحة، نكون قد أنهينا هذا البرنامج الذي انطلق من أن الإسلام منهج حياة، انطلق من محطات كثيرة وانتهينا بمحطة الصحة، وأرجو الله عز وجل للأخوة المشاهدين تمام الصحة والعافية.
خاتمة و توديع :
الأستاذ جميل :
فضيلة الدكتور نشكر لكم جهودكم، شكراً لكم أيها الأخوة على حسن المتابعة، نترككم بأمان الله وحفظه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
والحمد لله رب العالمين
http://nabulsi.com/blue/ar/print.php?art=2615