الحقوق محفوظة لأصحابها

محمد راتب النابلسي
مقدمة :

الأستاذ جميل :

السلام عليكم ورحمة الله، أيها الأخوة والأخوات أسعد الله أوقاتكم بكل خير، وأهلاً بكم في لقاء جديد في برنامج: "الإسلام منهج حياة"، ضيف البرنامج هو فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، الداعية الإسلامي ـ حفظه الله ـ أهلاً وسهلاً بكم فضيلة الدكتور.

الدكتور راتب :

بكم أستاذ جميل جزاكم الله خيراً .

الأستاذ جميل :

دكتور الوقاية من المرض خير ألف مرة من علاج هذا المرض، لذا شرعنا بالحديث عن الطب الوقائي ما هو وما فائدته؟

الطب الوقائي سيد الطب لأن قوة الأمة بقوة أبنائها :

الدكتور راتب :

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، أستاذ جميل أحب أن أذكر الأخوة المشاهدين أنا في المحطة السابعة؛ محطة الصحة، وقد تحدثنا عن الطب الطبيعي، والطب النفسي، والطب الوقائي، موضوع هذه الحلقة، الحقيقة الطب الوقائي سيد الطب كله، لأنه كما يقول العوام: درهم وقاية خير من قنطار علاج، فلذلك الطب الوقائي سيد الطب كله، في الحقيقة أن تتلافى المشكلة أفضل بكثير من أن تحلها، يروى أن أحد الخلفاء سأل رجلاً من دهاة العرب قال له: ما بلغ من دهائك ؟ قال : والله ما دخلت مدخلاً إلا أحسنت الخروج منه، فقال له: يا عمرو لست بداهية ، أما أنا والله ما دخلت مدخلاً أحتاج أن أخرج منه.

إذاً الطب الوقائي سيد الطب كله، فالأمة قوتها بقوة أبنائها، قوتها بدخلهم، فإذا كان معظم الناس في أمراض كثيرة هم عاطلون عن العمل، هم عالة على غيرهم، وأن الأموال الطائلة التي يمكن أن تنفق بالمعالجة قد تعيق تقدم الأمة، عرفنا ما دور الطب الوقائي في نهضة الأمة.

الأستاذ جميل :

دكتور صور الطب الوقائي كثيرة، لعل منها عناية الشرع بالطهارة، أي النظافة بمفهومها العام، فكيف هو النظر في الطب الوقائي لهذه العبادة؟

العالم الإسلامي بسبب الأوامر الشرعية التي تحض على النظافة معافى من الأمراض :

الدكتور راتب :

أنا مرة قرأت: إن هناك ثلاثمئة مليون مريض في العالم بسبب القذارة، وإن العالم الإسلامي بسبب الأوامر الشرعية الكثيرة التي تحض على النظافة معافى من هذه الأمراض في مجملها، يسمى العالم الإسلامي في هذه الموضوعات الشريط الأخضر، لأن هناك وضوء، وطهارة، وإلحاح على النظافة، ويكفي أن الله عز وجل يقول:

﴿ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾

[ سورة البقرة الآية : 222 ]

الحقيقة لبعض العلماء الكبار فهم دقيق لهذه الآية، هذا الفهم الدقيق أربعة أنواع، أول فهم: تطهير الظاهر عن الأحداث والأخباث، أي النظافة المادية، جسم نظيف، اغتسال، وضوء، طهارة.

المعنى الثاني: تطهير الجوارح عن المعاصي والآثام، أيضاً هذه طهارة.

والمعنى الثالث: تطهير النفس عن الأخلاق المذمومة، والرذائل الممقوتة.

والمعنى الرابع: تطهير القلب عما سوى الله، فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين، لكن من بعض التوجيهات الخاصة توجيه:

(( بركة الطعام الوُضُوء قبلَه ، والوضوء بعدَه ))

[ أبو داود و الترمذي عن سلمان الفارسي ]

أي غسل اليدين هو وضوء الطعام، هذه اليد قد أمسكت بحذاء، قد أمسكت بمسكة ملوثة، قبل أن تأكل اغسل يديك:

(( بركة الطعام الوُضُوء قبلَه ، والوضوء بعدَه ))

[ أبو داود و الترمذي عن سلمان الفارسي ]

النظافة فرض لأول عبادة في الإسلام :

الآن حق الله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوماً، هذا في شح المياه، الأولى أن يغتسل كل يوم، حقّ الله على كل مسلم كحد أدنى أن يغتسل في كل سبعة أيام يوماً يغسل فيه رأسه وجسمه، لذلك جعلت النظافة فرضاً لأول عبادة في الإسلام:

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ﴾

[ سور المائدة الآية : 6]

الحقيقة هذا الدين العظيم الذي يحض على النظافة، والمقولة الشهيرة: "النظافة من الإيمان"، والمطلق على إطلاقه نظافة الجسم، نظافة الجوارح، نظافة النفس، نظافة القلب.

الأستاذ جميل :

أستاذنا الكريم إذا ذكرنا الطهارة يتطهر المسلم لأداء عبادة مثلاً الصلاة، هل شعيرة الصلاة أيضاً من ملامح وقائية علاوة على كونها عبادة خالصة لله؟

الأوامر الإلهية لها أهداف لا تعد ولا تحصى :

الدكتور راتب :

كلنا يعلم أن هناك ما يسمى بالرياضة السويدية، تمرينات رياضية تحرك كل العضلات، الشيء الذي يلفت النظر أن هناك تدريبات من اختراع السويديين تصلح لكل الناس صغاراً وكباراً، شيوخاً وأطفالاً، نساءً ورجالاً، مقيمين ومسافرين، هذه التمرينات الرياضية حينما درست دراسة موضوعية فوجئ الدارس أنها مطابقة لحركات الصلاة تماماً، وكأن الصلاة رياضة يومية، يقوم بها المسلم في اليوم خمس مرات، يقف، يركع، يسجد، لو أحصينا العضلات التي تتحرك من خلال حركات الصلاة لوجدنا أن هذه الحركات تطابق التدريبات الرياضية التي وضعها الخبراء، وقد قلت في لقاء سابق: إن الأوامر الإلهية لها أهداف لا تعد ولا تحصى.

بالمناسبة الصلاة عبادة، والذي يصلي من أجل صحة جسمه لا يصلي، لا تسمى هذه صلاة إطلاقاً، نقول: أنت حينما تؤدي فريضة وتصلي هناك نتائج جانبية تنتفع بها، فهي رياضة متوازنة معتدلة، صالحة لكل الأعمار والأجناس، والأقاليم والبيئات، وما شاكل ذلك، لذلك هناك نقطة دقيقة؛ انخفاض الرأس في السجود والركوع يؤدي إلى هجوم الدم إلى أوعية الدماغ، ومع رفع الرأس يعود إلى ما كان عليه، من ازدياد ضغط الدم في الأوعية ونقص هذا الضغط عند الرفع ينشأ من هذا ما يسمى بمرونة أوعية الدماغ، وهذه الأوعية حينما تكون مرنة قد تتحمل الضغط المرتفع، بينما الذي لا يصلي الأوعية غير مرنة، فلو ارتفع الضغط فجأة ربما كان هناك انفجاراً في بعض الأوعية يسبب خثرة في الدماغ، هذا بحث طبي قرأته أن حركة الصلاة؛ ركوع سجود رفع، أي من ازدياد الضغط ونقص الضغط بشكل مستمر هذا يحقق مرونة بالوعاء، هذه المرونة تقي انفجار الأوعية عند ارتفاع الضغط أو تقي من خثرات الدماغ.

الأستاذ جميل :

أستاذنا الكريم الإسراف وأثره السلبي على الصحة.

الإسراف وأثره السلبي على الصحة :

الدكتور راتب :

الحقيقة الآية الكريمة:

﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ﴾

[ سورة الأعراف الآية : 31 ]

قد يقول قائل: لمَ لم تكن لا تسرفوا في الطعام والشراب؟ أراد الله أن ينهانا عن أن نسرف في الطعام والشراب، لكن نهانا عن كل أنواع الإسراف في كل المباحات، أقول: المباحات، المؤمن مستقيم حتى في المباحات ينبغي ألا يسرف، لأن هناك مقولة لطيفة: إن عشر ما نأكله يكفي لبقائنا أحياء، وتسعة أعشار ما نأكله يكفي لبقاء الأطباء أحياء، الاعتدال في الطعام والشراب صحة، لكن طبيعة الحياة، الضغوط الشديدة، ضعف الرياضة، عدم المشي، يؤدي إلى أمراض كثيرة، فلابدّ من حركة يومية، لابدّ من تدريبات رياضية، هذا كله له آثار إيجابية في صحة الجسم، على كلٍّ قال تعالى :

﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ﴾

[ سورة الأعراف الآية : 31 ]

في الحديث الصحيح:

(( ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطنه ، حسب ابن آدم ثلاث أكلات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث طعام، وثلث شراب، وثلث لنفسه ))

[ أخرجه الحاكم عن المقدام بن معد يكرب ]

لذلك طبيب في دمشق من ثلاثين عاماً يؤمن أنه: اشرب متى تشاء، واشرب بالقدر الذي تشاء، ولو مع الطعام، وكان يخالف كل زملائه في كلية الطب، اعتماداً على هذا الحديث قبل سنتين أو ثلاثة ظهرت دراسة عميقة جداً تبيح للإنسان أن يشرب ما يشاء، ثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه.

الاعتدال في الطعام والشراب أحد أكبر أسباب نجاح الطب الوقائي :

إذاً: أيضاً موضوع الاعتدال في الطعام والشراب أحد أكبر أسباب نجاح الطب الوقائي، هناك كلام دقيق، نعم الإدام الجوع، إذا سمعت كلمة نعم الإدام فتظن أن نعم الإدام اللحم ، الخضار، الفواكه، نعم الإدام الجوع، حالة الآكل إذا كان جائعاً ينتفع بالطعام، أما حينما يأكل يدخل الطعام على الطعام، عندئذ ليس هناك جوع، إذاً الهضم غير كامل، أي عدم تناول الطعام بين الوجبات، هذا من أنواع الاعتدال في تناول الطعام والشراب، نحن قوم لا نأكل حتى نجوع ، وإذا أكلنا لا نشبع.

الحقيقة موضوع التوجيهات الصحية دقيق جداً، وما دمنا في الطب الوقائي هناك ملاحظة دقيقة، في بعض المدن الإسلامية خمسمئة ألف مريض سكري، وهذه الأمراض تتطور إلى فشل كلوي، وإلى فقد بصر، وإلى شلل، أما في البلاد التي فيها وعي طبي، وعي وقائي، أربعة بالمئة تتطور هذه الأمراض عندهم إلى فشل كلوي، وإلى شلل، وإلى فقد بصر، وفي بعض البلاد النامية أربعة وخمسون بالمئة تتطور هذه الأمراض عندهم إلى فشل كلوي، وإلى شلل، وإلى فقد بصر، فلذلك الوعي مهم جداً جداً جداً في الوقاية من الأمراض، وعلى ذلك فقس، هناك بحث طويل جداً عن الأمراض التي يمكن أن يتلافاها الإنسان لو كان واعياً لشؤون صحته.

خاتمة و توديع :

الأستاذ جميل :

شكراً لكم فضيلة الدكتور، أحسن الله إليكم، شكراً لكم أيها الأخوة على حسن المتابعة، نترككم بأمان الله وحفظه.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

والحمد لله رب العالمين