مقدمة :
السلام عليكم ورحمة الله ، أيها الأخوة والأخوات أسعد الله أوقاتكم بكل خير ، وأهلاً بكم في لقاء جديد في برنامج :"الإسلام منهج حياة" .
ضيف البرنامج هو فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، الداعية الإسلامي ـ حفظه الله ـ أهلاً بكم فضيلة الدكتور .
الدكتور راتب :
بكم أستاذ جميل .
الأستاذ جميل :
في معرض الحديث عن الحياة لا بدّ أن يتمتع الإنسان بقدرة على معالجة شؤونه ، وتمام الصحة ، وموفور العافية ، له هو الدور الأكبر للحياة الغير منقوصة ، كيف عُني الإسلام بالحياة من جانب الصحة ؟
القوة تعطي المؤمن خيارات لا تنتهي في العمل الصالح :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، أستاذ جميل أنت بهذا السؤال أدخلتنا في المحطة الأخيرة ، المحطة السابعة ، محطة الصحة ، فالله عز وجل حينما حدثنا عن طالوت قال :
﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ﴾
( سورة البقرة الآية : 247 )
هذه إشارة قرآنية إلى الصحة .
شيء آخر :
﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾
( سورة القصص )
بل إن النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
(( المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف ))
[أخرجه مسلم عن أبي هريرة ]
والقوة على إطلاقها تعني قوة الجسم ، النقطة الدقيقة في الموضوع : أن الدنيا من أجل العمل الصالح ، والقوة تعطي المؤمن خيارات لا تنتهي في العمل الصالح ، فإذا كان طريق القوة سالكاً بكل أنواعها وفق منهج الله ينبغي أن تكون قوياً ، أما إذا كان طريق القوة على حساب مبادئك ، وقيمك ، فالضعف وسام شرف للإنسان ، هذا في المعنى العام للقوة ، لكن أحد أنواع القوة قوة الجسد ، فلما أمر النبي في بعض المعارك أن يكون كل ثلاثة على راحلة ، قال : وأنا وعلي وأبو لبابة ، نبي الأمة ، رسول الله ، قائد الجيش ، زعيم الأمة ، يقول : وأنا وعلي وأبو لبابة على راحلة ، فلما جاءت نوبته في المشي توسل صاحباه أن يبقى راكباً ، فقال : ما أنتما بأقوى مني على السير ـ كان قوي البنية ـ ولا أنا بأغنى منكما عن الأجر .
الصحة أحد أركان الأمن و قوة الجسد مرتكز لقوة النفس :
إذاً قوة الجسد مرتكز لقوة النفس ، ولا أتصور عقلاً سليماً في جسم عليل ، فالعقل السليم في الجسم السليم ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
(( مَنْ أصبَحَ منكم آمِنا في سِرْبه ـ في بيته ـ مُعافى في جَسَدِهِ ، عندهُ قوتُ يومِه ، فكأنَّما حِيزَتْ له الدنيا بحذافيرها ))
[ أخرجه الترمذي عن عبيد الله بن محصن ]
فكأن الذي كان يعنيه عليه الصلاة والسلام جعل الصحة أحد أركان الأمن .
لذلك الإنسان حينما يقرأ أدعية النبي العدنان يفاجأ أن من أكثر الأدعية التي كان يدعو بها :
(( اللهم ارزقنا العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة ))
نحن دخلنا في المحطة السابعة محطة الصحة ، ويمكن أن توزع هذه المحطة على حلقات أربع ، الطب الطبيعي ، والطب النفسي ، والطب الوقائي ، والطب العلاجي .
الأستاذ جميل :
دكتور ، إن كان حديثنا عن الصحة بداية ما المقصود من الطب الطبيعي ؟.
الطب الطبيعي :
الدكتور راتب :
الطب الطبيعي أساسه بذل الجهد ، والإنسان أحياناً يتوهم أن مكانته في استهلاك جهد الآخرين ، من بعض توجيهات النبي :
(( لا تسألوا الناس شيئاً ))
[مُسْلِمٍ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ]
ما دمت قادراً على أن أخدم نفسي ينبغي أن أخدم نفسي ، لذلك برئ من الكبر من حمل حاجته بيده ، وبرئ من الشح من أدى زكاة ماله ، وبرئ من النفاق من أكثر من ذكر الله .
حتى إن بعض الأطباء قال : الحد الأدنى الأدنىَ الأدنى للرياضة أن تخدم نفسك في البيت ، فأساس الصحة بذل الجهد ، لا أن تستهلك جهد الآخرين .
هناك بناء من عشرة طوابق ، فيه موظف ، أنا أظن أنه لو فُحص أبناء هذا البناء بأكملهم لكان هذا الموظف أكثرهم صحة ، من كثرة الجهد الذي يبذله .
فالإنسان صمم ليبذل الجهد ، فإذا أخذ جهد الآخرين ، وخلد إلى الراحة ، تأتي الأمراض والمتاعب ، فأنا أقول : إن صحّ أن هناك طباً طبيعياً هو أن تبذل جهداً ، لا أن تستهلك جهد الآخرين ، ولعل في هذا التوجه معنى اجتماعي ، يصبح الإنسان متواضعاً ، و هناك معنى صحي ، فالإنسان حينما يكون ذكياً يقول بالتعبير الدارج : ضربت عصفورين بحجر ، أما الأمر الإلهي يحقق آلاف الأهداف معاً ، فأنت حينما تكون متواضعاً تبذل جهداً ، هذا البذل هو صحة و تواضع و تعاون ومحبة ، فإذا أمكن أن نلخص الطب الطبيعي بكلام بسيط أن تبذل جهداً ، أن تخدم نفسك ، كان الصحابي ينزل من على ناقته ليلتقط زمام الناقة ، ولا يسأل أحداً أن يناوله إياها ، لا يسأل الناس شيئاً ، فهذا البذل للجهد هو الطب الطبيعي .
الأستاذ جميل :
دكتور ، ما هي الأسباب البعيدة للمرض وما هي الأسباب البعيدة للصحة ؟
الأسباب البعيدة للمرض :
الدكتور راتب :
والله ، عقد مؤتمر أعتقد في لندن قبل سنوات عديدة ، ملخص هذا المؤتمر أو توصيات هذا المؤتمر أن : طبيعة العصر الحديث كسل عضلي ، كل شيء من الأدوات على أفضل ما يرام ، أي أصبح الإنسان لا يرفع بلور السيارة ، هناك زر يكبسه فيغلق البلور ، الصعود للبيت بالمصعد ، كل شيء آلي ، الغسيل آلي ، هذا يسمونه حضارة ، لكن صار مع الحضارة كسل عضلي ، ترهل ، و أصبحت الصحة تتراجع .
أجدادنا كان عندهم جهد عضلي عال جداً ، فأسباب المرض الأولى كسل عضلي، مع شدة نفسية ، قلق ، خوف ، حسد ، مطالب كثيرة ، دخول قليلة ، سيوف مسلطة فوق الإنسان في مجتمع الغاب ، في مجتمع التخلف ، في مجتمع القهر ، هناك مخاوف ، ومقلقات، وهناك أشياء تسبب القلق الشديد ، كسل عضلي ، مع شدة نفسية وراء الأمراض وتفاقمها .
أنا باعتقادي أن الأمراض التي تعد ناتجة عن أسباب نفسية سببها شدة نفسية لا تعد ولا تحصى ، أمراض آلام العضلات ، القرحة ، لو ذهبت لأعدد لك الأمراض التي لها منشأ نفسي لا تعد ولا تحصى .
فلذلك الأسباب البعيدة للأمراض كسل عضلي ، راحة تامة ، استهلاك جهد الآخرين ، وشدة نفسية ، قلق ، خوف ، بل أنت من خوف الفقر في فقر ، وأنت من خوف المرض في مرض ، وتوقع المصيبة مصيبة أكبر منها .
فمجتمع فيه قلق ، و فيه شرك ، وفيه بعد عن الله عز وجل ، لا يوجد به راحة نفسية ، هناك مقلقات ، أحياناً مقلقات عامة ، ساعة حصار ، وساعة عدوان ، وساعة اجتياح، وساعة احتلال أرض ، وساعة نهب ثروات ، هذه المقلقات العامة مع الكسل العضلي وراء الأمراض الكثيرة .
الأستاذ جميل :
دكتور ، في قول الله تعالى :
﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾
( سورة الشعراء )
إشارة إلى أن الشفاء من عند الله عز وجل ، سؤال لماذا عُزي المرض إلى النفس ؟
﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ ﴾
الأسباب البعيدة للصحة :
الدكتور راتب :
سأجيب عن هذا السؤال ، لكن فاتني أن أذكر للأخوة المشاهدين أن أحد أسباب الصحة التي يتمتع بها أجدادنا الجهد العضلي العالي ، حياتهم خشنة ، بيوتهم واسعة ، ليس هناك أشياء كلها جاهزة ، أوتوماتيك ، كلها يدوية ، الغسيل يدوي ، الحركة مجهدة ، فيبدو أن الجهد العضلي العالي الذي تمتع به أجدادنا ، مع الحب الذي كان بينهم ، والراحة النفسية ، والحياة البسيطة ، والتكاليف غير عالية جداً ، والمكاسب ميسرة ، والوئام والحب ، فالحالة النفسية الرائعة التي عاشها أجدادنا بسبب الدين ، بسبب الحب ، المحبة ، التواصل ، التراحم، وبسبب الحياة البسيطة الغير معقدة ، فهناك من يعزو أن أصحاب الصحة التي تمتع بها الأجداد لجهد عضلي عالٍ جداً ، وراحة نفسية رائعة جداً .
أصل المرض من الإنسان :
أما سؤالك :
﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ﴾
( سورة الشعراء )
الملمح الدقيق أنت لفت النظر إليه :
﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾
هناك من يرى أن هذا الإنسان قال الله عز وجل :
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾
( سورة التين )
هو مصمم ألا يمرض ، لو طبق الإنسان تعليمات الخالق في طعامه ، وفي شرابه، وفي كل حاجياته ، لنجا من المرض ، لكن هناك أخطاء في العصر ، مثلاً الطعام المعد سابقاً فيه مواد حافظة ، هذه مواد مسرطنة ، نحن حياتنا غير طبيعية ، طعامنا غير طبيعي ، المواد الدسمة غير طبيعية ، مهدرجة ، مهدرجة أي ذرات الدهون عالقة فيها ، وتترسب على جدران الشرايين ، فنحن عندنا خطأ في طعامنا ، خطأ في شرابنا ، فأكثر المشروبات كيماوية ، ونحن حينما نتقصى الشيء الطبيعي ، نتقصى ما هو فطري ، ننجو بصحتنا ، فالآية تشير إلى أن أصل المرض من الإنسان ،
﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ ﴾
أصل المرض ، وقد يكون الأصل في العصر ، عصر الازدحام ، التلوث العام ، استخدام البلاستيك بشكل غير معقول ، مع المواد الحارة ، والمواد الحامضية ، ربما كان الخطأ في العصر ، بالأسمدة الكيماوية أيضاً ، بالهرمونات المسرطنة ، فكان تبديل خلق الله ، إعطاء النبات هرمونات مسرطنة ، المواد الحافظة مسرطنة ، فلذلك كلمة
﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ ﴾
إشارة قرآنية دقيقة جداً إلى أن أصل المرض هو خطأ من الإنسان ، والآية الأخرى تغطي هذا الخطأ ، يغيرون خلق الله .
الفروج أربعون يوماً لا ينام الليل ، لينمو سريعاً ، هو متوتر جداً ، فإذا أكله الإنسان أصبح متوتراً .
خاتمة و توديع :
الأستاذ جميل :
جزاكم الله خيراً فضيلة الدكتور وأحسن إليكم ، كنا معكم أيها الأخوة في حديث حول الصحة ، وللحديث بقية إن شاء الله ، نترككم في أمان الله وحفظه .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
والحمد لله رب العالمين