بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
إما أن يكون الإنسان فوق الملائكة ، أو دون الحيوان ، يقول الإمام علي رضي الله عنه : ركب الملك من عقل بلا شهوة ، وركب الحيوان من شهوة بلا عقل ، وركب الإنسان من كليهما ، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة ، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان .
الناس عند الله رجلان :
أيها الأخوة الكرام ، الحقيقة التي ينبغي أن تكون واضحة جداً هي : أن الناس على اختلاف مللهم ، ونحلهم ، وانتماءاتهم ، وأعراقهم ، وأنسابهم ، ومذاهبهم ، وطوائفهم لا يزيدون عند الله عن رجلين ، رجل عرف الله فانضبط بمنهجه ، وأحسن إلى خلقه ، فسلم وسعد في الدنيا والآخرة ، ورجل غفل عن الله فتفلت من منهجه ، وأساء إلى خلقه ، فشقي وهلك في الدنيا والآخرة ، ولن تجد نموذجاً ثالثاً .
(( الناس رجلان : بَرُّ تقي كريم على الله عزَّ وجل ، وفاجِر شقي هيِّن على الله ))
[ أخرجه الترمذي عن عبد الله بن عمر ]
والآية الكريمة تؤكد هذا المعنى ، الناس عند الله رجلان ، وعند أهل الدنيا مئة صنف وصنف ، كلها تقسيمات ما أنزل الله بها من سلطان .
أولاً الله عز وجل يقول :
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾
( سورة الليل )
1 ـ رجل عرف الله فانضبط بمنهجه وأحسن إلى خلقه فسعد في الدنيا والآخرة :
الآن النموذج الأول :
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
( سورة الليل )
صدق أنه مخلوق للجنة ، وأن الدنيا دار عمل ، ودار تكليف ، ودار سعي ، لأنه صدق أنه مخلوق للجنة اتقى أن يعصي الله ، وبنى حياته على العطاء ، لذلك الرد الإلهي :
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾
( سورة الليل )
2 ـ و رجل غفل عن الله فتفلت من منهجه وأساء إلى خلقه فهلك في الدنيا والآخرة :
النموذج الثاني كذب بالجنة ، وآمن بالدنيا ، الدنيا كل شيء ، لذلك استغنى عن طاعة الله ، وبنى حياته على الأخذ ، لذلك يمكن أن يكون على رأس الهرم البشري زمرتان أقوياء وأنبياء ، الأقوياء ملكوا الرقاب ، والأنبياء ملكوا القلوب ، وشتان بين أن تملك رقبة الإنسان ، وبين أن تملك قلبه ، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا ، والأقوياء أخذوا ولم يعطوا ، الأنبياء عاشوا للناس ، الأقوياء عاش الناس لهم ، والناس جميعاً تبع لنبي أو قوي .
إذاً يقسم أهل الأرض على اختلاف مللهم ، ونحلهم ، وانتماءاتهم ، وأعراقهم ، وأنسابهم ، وأعراقهم إلى نموذجين ، والبطولة أن تكون مع النموذج الأول .
الدعوة إلى الله دعوتان : دعوة إلى الله خالصة و دعوة إلى الذات مغلفة بدعوة إلى الله :
لذلك : يبنى على ذلك أن الدعوة إلى الله دعوتان ، دعوة إلى الله خالصة ، ودعوة إلى الذات مغلفة بدعوة إلى الله ، الدعوة إلى الله الخالصة من خصائصها الاتباع لا الابتداع من خصائصها التعاون لا التنافر ، من خصائصها قبول الآخر والاعتراف بحقه وفضله ، بينما الدعوة إلى الذات المغلفة بدعوة إلى الله من خصائصها الابتداع لا الاتباع ، والتنافس لا التعاون ، وإلغاء الطرف الآخر .
أيها الأخوة الكرام ، ولكن لابدّ من توضيح هذه الحقيقة ، وهي أن الإنسان في أصل تركيبه عنده طبع ، معه تكليف ، الطبع يقتضي أن تأخذ المال ، والتكليف يقتضي أن تنفقه ، الطبع يقتضي أن تنام ، والتكليف يقتضي أن تستيقظ لصلاة الفجر ، الطبع يقتضي أن تخوض في فضائح الناس والتكليف ينبغي أن تصمت ، الطبع يقتضي أن تملأ عينيك من محاسن المرأة ، ولو أنها أجنبية ، والتكليف يقتضي أن تغض البصر .
أرأيتم إلى التناقض بين الطبع والتكليف ، إنه ثمن الجنة .
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾
( سورة النازعات )
أيها الأخوة ، آخر سبب يبنى على ذلك : الإنسان في طبعه فردي ، والتكليف تعاوني .
﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾
( سورة النازعات )
الذي يتعاون مع إخوانه بقدر طاعته وإيمانه ، والذي يتنافس معهم بقدر تقصيره وتفلته ، فأنت بقدر طاعتك لله تتعاون مع إخوانك ، وبقدر تقصيرك في طاعة الله يبرز عندك الجانب الشخصي ، الفردي تتنافس معهم .
الفرقة بين الإنسان وأخيه بسبب تقصيره عن طاعة الله :
لذلك أيها الأخوة ، من علامة الإخلاص في هذه الدعوة أن تحمل همّ المسلمين ، من علامة الإخلاص في هذه الدعوة أن تتعاون مع إخوانك المؤمنين ، والفرقة بين الإنسان وأخيه بسبب تقصيره عن طاعة الله .
لكن أيها الأخوة ، هناك آية تنطبق على أي رجلين ، على الزوجين ، على الشريكين ، على الأخوين ، على الجارين ، على الصديقين ، على الزميلين ، على الأسرتين ، على العائلتين ، على العشيرتين ، على القبيلتين ، على الشعبين ، على الأمتين ، على الحضارتين ، آية واحدة تفسر ما بين أهل الأرض من خصومات ، يقول تعالى :
﴿ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾
( سورة المائدة الآية : 14 )
ويمكن أن نضغط هذا المعنى بحديث شريف :
(( مَا تَوَادَّ اثْنَانِ فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا بِذَنْبٍ يُحْدِثُهُ أَحَدُهُمَا ))
[رواه أحمد عن ابن عمر ، وإسناده حسن]
الأصل التعاون ، الأصل التكافل ، الأصل التضامن ، فبسبب التقصير
﴿ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾
زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين :
أيها الأخوة الكرام ، نحن أمام واقع مرير ، المسلمون في حال لا يحسدون عليه بشتى بقاع الأرض ، وكأن حرباً عالمية ثالثة أُعلنت عليهم في كل القارات ، ما تفسير ذلك ؟ لو فتحنا القرآن الكريم ، دققوا :
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾
( سورة النور الآية : 55 )
الحقيقة المرة أنطلق منها لأنها أفضل ألف مرة من الوهم المريح ، هل نحن مستخلفون في الأرض ؟ لا والله ،
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾
﴿ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى ﴾
( سورة النور الآية : 55 )
هل نحن ممكنون في الأرض ؟ لا والله .
﴿ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾
( سورة النور الآية : 55 )
هل نحن آمنون ؟ والله لسنا مستخلفين ، ولسنا ممكنين ، ولسنا آمنين ، آية ثانية :
﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾
( سورة الصافات )
﴿ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة الروم )
﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
( سورة غافر الآية : 51 )
هذه وعود رب العالمين ، وكلكم يعتقد معي أن زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين .
كلمة المسلمين ليست العليا لاهتمامهم بالعبادات الشعائرية لا التعاملية :
كيف نفسر التناقض المريع بين وعود رب العالمين وبين واقع المسلمين ؟ زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين ، وواقع المسلمين بخلاف وعود رب العالمين ، يعدون ربع سكان الأرض ، ليست كلمتهم هي العليا ، يقبعون على أخطر موقع إستراتيجي في الأرض ، وللطرف الآخر عليهم ألف سبيلٍ وسبيل ، مع أن الآية الكريمة :
﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ﴾
( سورة النساء )
ليست كلمتهم هي العليا ، وليس أمرهم بيدهم ، كيف نفسر هذا التناقض ؟ نفسره بآية كريمة :
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾
( سورة مريم )
وقد لقي المسلمون ذلك الغي .
العبادات الشعائرية لا تصح إلا إذا صحت العبادات التعاملية :
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ ﴾
أجمع العلماء على أن إضاعة الصلاة لا يعني تركها ، ولكن يعني تفريغها من مضمونها النبي الكريم سأل أصحابه :
(( أتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ ؟ قالوا : المفْلسُ فينا من لا درهم له ولا متاع قال : إن المفْلسَ مَنْ يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ، ويأتي قد شَتَمَ هذا ، وقذفَ هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا ، فيُعطَى هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإن فَنيَتْ حَسَناتُهُ قبل أن يُقْضى ما عليه ، أُخِذَ من خطاياهم فطُرِحَتْ عليه ، ثم يُطْرَحُ في النار ))
[أخرجه مسلم والترمذي عن أبي هريرة ]
هذه الصلاة ، الصيام :
(( مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ ، فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ ))
[أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة ]
الحج :
(( من وضع رجله في الركاب ، وحج بمال حرام ، وقال : لبيك اللهم لبيك ينادى لا لبيك ولا سعديك ، وحجك مردود عليك ))
[ورد في الأثر]
حتى إنفاق المال :
﴿ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ ﴾
( سورة التوبة )
حتى شهادة أن لا إله إلا الله .
(( من قال : لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة قيل : وما إخلاصها ؟ قال : أن تحجزه عن محارم الله ))
[أخرجه الطبراني عن زيد بن أرقم ]
هذه عبادات شعائرية ، الصلاة ، والصيام ، والحج ، والزكاة ، والنطق بلا إله إلا الله ، لا تقبل ، ولا تصح إلا إذا صحت العبادات التعاملية .
(( ترك دانق من حرام ـ والدانق سدس الدرهم ، ليرة لبنانية واحدة ـ ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد الإسلام ))
(( لأن أمشي مع أخ في حاجته خير من صيام شهر واعتكافي في مسجدي هذا ))
[ الترغيب والترهيب عن ابن عباس بسند ضعيف]
الإسلام منهج أخلاقي :
لذلك لما سيدنا جعفر التقى النجاشي ، وسأله عن الإسلام ، قال :
(( أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف ، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه ، وصدقة ، وأمانته ، وعفافه ، فدعانا إلى الله عز وجل لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دون الله من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ))
[ أخرجه الإمام أحمد عن أم سلمة أم المؤمنين ]
إذا :
(( بُنِي الإسلامُ على خَمْسٍ ))
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن عبد الله بن عمر ]
الخمس غير الإسلام ، الإسلام منهج أخلاقي ، مجموعة قيم ، المسلم صادق إن حدثك فهو صادق ، إن عاملك فهو أمين ، إن استثيرت شهوته فهو عفيف ، المسلم متواضع ، المسلم متعاون ، المسلم رحيم ، نحن حينما فهمنا الإسلام عبادات شعائرية ، ونسينا أن مضمونه الأخلاقي هو الأصل فيه ما كنا في هذا الحال .
لذلك قال ابن القيم رحمه الله تعالى : الإيمان هو الخلق ، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان .
جوانب العبادة ثلاثة أهمها الجانب السلوكي :
لذلك أيها الأخوة ، نحن نفهم الدين فهماً ضيقاً جداً ، لذلك العبادة في أدق تعاريفها : طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية أساسها معرفة يقينية تفضي إلى سعادة أبدية ، في هذا التعريف جانب معرفي ، وجانب سلوكي ، وجانب جمالي ، الجانب السلوكي هو الأصل .
أيها الأخوة ، دققوا في هذا المثل ، التجارة أكثر من عشرة آلاف نشاط ، بين شراء محل ، شراء مستودع ، شراء مكتب ، تعيين موظفين ، استخدام بضاعة ، توزيع بضاعة ، الإعلان عن البضاعة ، جمع ثمن البضاعة ، تعيين خبراء ، تعيين وكلاء ، إرسال سفريات إلى معارض ، عشرة آلاف نشاط يمكن أن تضغط جميعاً بكلمة واحدة ، الربح ، فإن لم تربح فلست تاجراً .
يمكن أن يقاس على ذلك النشاط الديني ، مؤتمرات ، محاضرات ، تأليف كتب ، نشاط ، تأسيس جمعيات ، عد ألف نشاط إسلامي ، إن لم يكن هناك استقامة لا يمكن أن نقطف من الدين شيئاً ، من دون استقامة الدين فلكلور ، عادات ، تقاليد ، الدين خلفية إسلامية ، أرضية إسلامية ، نزعة إسلامية ، اهتمامات إسلامية ، ثقافة إسلامية ، توجهات إسلامية ، غرفة إسلامية ، أقواس إسلامية ، بناء إسلامي ، فن إسلامي ، من دون استقامة لا نقطف من الدين شيئاً ، وهذا معنى قول النبي الكريم في صحاح أحاديثه :
(( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))
[أخرجه أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عباس ]
مئة ألف مليون ونصف عدد المسلمين ، لذلك أيها الأخوة ، العبادات الشعائرية لا تقبل ولا تصح إلا إذا صحت العبادات التعاملية ، بمعنى أوسع ، العبادة فيها جانب سلوكي هو الأصل ، وجانب معرفي هو السبب ، وجانب جمالي هو الثمرة ، يعني تعرفه ، فتعبده فتسعد بقربه في الدنيا والآخرة .
الكون مظهر لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى :
إن أردت أن أضغط الدين بثلاث كلمات : تعرفه ، فتعبده ، فتسعد بقربه ، كيف أعرفه ؟ أعرفه من خلق السماوات والأرض ، لأن الكون مظهر لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى .
مثلاً : بين الأرض وبين أقرب نجم ملتهب إليها أربع سنوات ضوئية فقط والضوء يقطع في الثانية الواحدة 30 ألف كم ، كم يقطع في الدقيقة ؟ ضرب ستين ، بالساعة ضرب ستين ، باليوم ضرب 24 ، بالسنة ضرب 365 ، أربع سنوات ضرب أربعة ، أحد طلابنا الكرام بربع ساعة على الآلة الحاسبة يعد المسافة بين الأرض وبين أقرب نجم ملتهب إلينا ، هذا الرقم لو قسمناه على مئة ، راكبين مركبة ، إلى هذا النجم سرعتها مئة ، كم ساعة نحتاج ؟ على 24 كم يوم ؟ على 365 كم سنة ، نحتاج إلى أن نصل إلى أقرب نجم ملتهب إلى خمسين مليون عام ، أربع سنوات ضوئية تعني خمسين مليون عام ، متى نصل إلى نجم القطب الذي يبعد عنا أربعة آلاف سنة ضوئية ؟ متى نصل إلى المرأة المسلسلة ؟ بعدها عنا مليونا سنة ضوئية ؟ متى نصل إلى نجم أكتشف أخيراً بعده عنا عشرين مليار سنة ضوئية ؟ فإذا قرأت القرآن الكريم :
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ *إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ ﴾
( سورة الواقعة )
هذه من آيات الإعجاز ، ينبغي أن نعرفه ، لأنك إن عرفت الآمر ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر ، أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تفننت من التفلت من الأمر هذه مشكلة المسلمين ، عرفوا الأمر ولم يعرفوا الآمر .
فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ كلمة مواقع في هذه الآية هي سرّ إعجازها :
لذلك أيها الأخوة ، هذا النجم الذي يبعد عنا عشرين مليار سنة كان في هذا المكان وأرسل ضوءاً ، وبقي الضوء يمشي إلى الأرض عشرين مليار سنة ، هو سرعته 240 ألف كم بالثانية أين هو الآن ؟ بالآية في كلمة ، إذا تأملت بها ، إذا كنت عالم فلك وتأملت هذه الآية خررت على الأرض ساجداً
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ﴾
الموقع لا يعني أن صاحب الموقع بالموقع ، كان هنا النجم وانطلق ، أرسل ضوءاً وانطلق ، إذاً لو كانت الآية لا أقسم بالمسافات بين النجوم ليس قرآناً
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾
أيها الأخوة ، بين الأرض والشمس 156 مليون كم ، يقطعها الضوء في ثماني دقائق ، الشمس تكبر الأرض بمليون و ثلاثمئة ألف مرة ، يعني ضوء الشمس يتسع لمليون وثلاثمئة ألف أرض ، وبينهما 156 مليون كم ، وفي برج العقرب نجم صغير أحمر اللون متألق اسمه قلب العقرب ، يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما .
هذا الإله العظيم يعصى ؟ هذا الإله العظيم ألا يخطب وده ؟ ألا ترجى جنته ؟ ألا تخشى ناره ؟.
تعصي الإله وأنت تظهر حبـه ذاك لعمري في المقال شــنيع
لـو كان حبك صادقاً لأطعتـه إن المحب لمن يحب يطـــيع
فلو شاهدت عيناك من حسننا الذي رأوه لما وليت عنا لغيرنا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعت عنا ثياب الـعجب وجئتنا
ولو ذقت من طعم المحبة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنا
ولو نسمت من قربنا لك نسمة لمت غريباً واشتياقاً لــقربنا
ولو لاح من أنوارنا لك لائح تركت جميع الكائنات لأجلــنا
أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنا فإنا منحنا بالرضا من أحبنــا
ولذ بحمانا واحتمِ بجنــابنا لنحميك مما فيه أشرار خلقنـا
وعن ذكرنا لا يشغلنك شاغل وأخلص لنا تلقى المسرة والهنا
* * *
البعوضة آية من آيات الإعجاز العلمي :
أيها الأخوة ، لو انتقلنا فجأة من خلق السماوات والأرض إلى أحقر مخلوق بالنسبة للإنسان ، إلى بعوضة ، بعوضة ! النبي أكد حقارتها ، قال :
(( ولو كانت الدنيا تَعْدِلُ عند الله جَناح بعوضة ما سَقَى كافراً منها شَربة ماءٍ ))
[أخرجه مسلم وأبو داود عن جابر بن عبد الله ]
بعد اكتشاف المجهر الإلكتروني ، وضعت البعوصة تحت المجهر ، فإذا في رأسها مئة عين ، وفي فمها ثمانية و أربعون سناً ، وفي صدرها ثلاثة قلوب ، قلب مركزي ، وقلب لكل جناح ، وفي كل قلب أذينان ، وبطينان ، ودسامان ، وتملك البعوضة جهازاً لا تملكه الطائرات ، تملك جهاز استقبال حراري ، هي ترى الأشياء لا بألوانها ، ولا بأشكالها ، ولا بأحجامها ، ولكنها ترى الأشياء بحرارتها فقط ، وحساسية هذا الجهاز واحد على ألف من الدرجة المئوية .
البعوضة ! ما كل دم يناسبها ، معها جهاز تحليل دم ، قبل أن تمتص الدم تحلل الدم فقد ينام أخوان على سرير واحد ، يستيقظ الأول وقد ملئ بلسع البعوض والثاني ما فيه شيء .
معها جهاز تحليل للدم ، لئلا تقتل وقت مصّ الدم معها جهاز تخدير ، تخدر ثم تمص الدم ، فإذا انتهى مفعول التخدير يشعر الإنسان بوخز ، فيضرب البعوضة لكنها في جو الغرفة تضحك عليه .
معها جهاز تحليل ، جهاز استقبال حراري ، جهاز تمييع ، لأن دم الإنسان لزج لا يسري بخرطومها ، بقي معها جهاز تخدير ، وتمييع ، وتحليل ، واستقبال حراري .
أما خرطوم البعوضة فيه ست سكاكين ، أربع سكاكين لإحداث جرح مربع وسكينان يلتئمان على شكل أنبوب لامتصاص الدم .
الآن إذا قرأت هذه الآية :
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يستحي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ﴾
( سورة البقرة الآية : 26 )
أزمة أهل النار في النار أزمة علم فقط :
أيها الأخوة ، أقول لكم : العبادة طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية أساسها معرفة يقينية تفضي إلى سعادة أبدية ، المعرفة سبب ، والاستقامة أصل ، والنتيجة سعادة أبدية ، والإنسان لو شققت صدور بني البشر ستة آلاف مليون ، ما منهم واحد إلا ويحب وجوده ، ويحب سلامة وجوده ، ويحب كمال وجوده ، ويحب استمرار وجوده ، من أين يأتي الشقاء ؟ من الجهل ، الجهل أعدى أعداء الإنسان ، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به .
لذلك إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل ، أزمة أهل النار في النار أزمة علم فقط ، الدليل :
﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾
( سورة الملك )
لأنك تحب وجودك ، سلامة وجودك في طاعة الله ، لأنه أنت أعقد آلة في الكون ولهذه الآلة المعقدة تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز ، خالق عظيم ، صانع حكيم ، أعطاك تعليمات التشغيل والصيانة في القرآن الكريم والسنة .
حجم الإنسان عند ربه مرتبط بحجم عمله الصالح :
إذاً بدافع من حبك لسلامة وجودك تنفذ تعليمات الصانع ، الآن كمال وجودك باتصالك بالله ، لأن الاستقامة تحقق السلامة ، والاستقامة كلها في لاءات ، أنا لا أغش ، لا أغتاب ، كلها لاءات ، كلها سلوك سلبي ، أما ماذا قدمت لله ؟.
﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾
( سورة الكهف الآية : 110 )
أضرب لكم مثلاً : بكل جيوش العالم المجند الغر لا يقابل قائد لواء الفرقة ، لا يقابله إلا بتسلسل ، أمامه سبعة ، عريف سبعتين ، وثمانية ، وثمانيتين ، ونجمة ، ونجمتين ، وتاج ونجمتين ، للواء ، لا يقابله ، لكن يقابله بحالة واحدة إن رأى ابن هذا اللواء يسبح فكاد يغرق فألقى بنفسه وأنقذه ، يقابله فوراً ، ويحترمه ، ويضعه جانبه ، ويضيفه ، ويثني عليه .
لذلك
﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾
أنت بالاستقامة تسلم ، وبالعمل الصالح تسعد ، وحجمك عند الله بحجم عملك الصالح .
الصلاة والصوم والحج والزكاة لا معنى لها من دون التزام بمنهج الله عز وجل :
لذلك أيها الأخوة ، العبادات الشعائرية لا تصح ولا تقبل إلا إذا صحت العبادات التعاملية ، والتعاملية هي الأصل ، والشعائرية تقبض بها الثمن .
لذلك قالوا : هناك عبادة تعاملية ، صدق ، أمانة ، استقامة ، ورع ، رحمة ، إنصاف ، تواضع ، عبادات تعاملية ، وهناك عبادات شعائرية صوم ، صلاة ، حج ، زكاة ، الآن إذا صحت العبادات التعاملية صحت العبادات الشعائرية .
تماماً العبادة التعاملية كعام دراسي تسعة أشهر ، فإذا طالب ما درس ، ولا داوم ، ولا قرأ ، العبادة الشعائرية تشبه ساعات الامتحان ، ماذا يفعل بهذه الساعات الثلاث ليس لها معنى إطلاقاً .
لذلك الصلاة ، والصوم ، والحج ، والزكاة لا معنى لها من دون التزام بمنهج الله عز وجل ، لذلك :
(( إن فلانة ذكر من كثرة صلاتها وصيامها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها قال هي في النار ))
[أخرجه البزار عن أبي هريرة ]
الدين منهج تفصيلي كامل :
إذاً العبادة الأولى هي عبادة الهوية ، من أنت ؟ أنت من ؟ إن كنت عالماً العبادة الأولى تعليم العلم ، وإن كنت قوياً العبادة الأولى إحقاق الحق ، إن كنت غنياً العبادة الأولى إنفاق المال ، وإن كنت امرأة العبادة الأولى رعاية الزوج والأولاد ، لأن هذه المرأة حينما تعبد الله فيما أقامها ، تحقق رضوان ربها .
(( انصرفي أيتها المرأة وأعلمي من وراءك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها وطلبها مرضاته واتباعها موافقته يعدل ذلك كله ـ يعدل الجهاد في سبيل الله ـ ))
[ عن أسماء بنت يزيد الأنصارية ]
والنبي الكريم يوجه الرجال إلى النساء فيقول :
(( أكرموا النساء ، والله ما أكرمهن إلا كريم ، وما أهانهن إلا لئيم ، يغلبن كل كريم ، ويغلبهن لئيم ، وأنا أحب أن أكون كريماً مغلوباً من أن أكون لئيماً غالباً ))
[ورد في الأثر]
أيها الأخوة ، هذا الدين منهج ، صدقوني ولا أبالغ ، مئة ألف بند ، كيف اختصر إلى خمس عبادات شعائرية ؟ الدين منهج تفصيلي كامل ، يبدأ من فراش الزوجية ، وينتهي بالعلاقات الدولية ، هذا نبد ، منهج كامل .
ما لم نتفوق في دنيانا لا يحترم ديننا :
لذلك أيها الأخوة ، هناك عبادة الهوية أنت من ؟ غني ؟ قوي ؟ عالم ؟ أو امرأة عبادة الظرف ، عندك مريض العبادة الأولى العناية بالمريض ، عندك ضيف ، العناية بالضيف ، عبادة العصر ، إن أراد الطرف الآخر إفقارنا ، العبادة الأولى استخراج الثروات ، استصلاح الأراضي ، إنشاء السدود ، توفير فرص عمل للمسلمين ، كسب المال يحقق أهدافهم ومقومات حياتهم ، فالعبادة الأولى أن نكسب المال الحلال لنحل به المشكلات .
قال أحدهم كما يقول بعض من أتاهم الله المال : إن الله سخرهم لنا ، فقال هذا العملاق في الإسلام : كيف بكم إذا أصبحتم عبيداً عندهم ؟ المنتج قوي ، والمستهلك ضعيف .
لذلك أيها الأخوة ، ما لم نتفوق في دنيانا لا يحترم ديننا ، النبي طلب النخبة الآن الأعمال كلها شريفة ، لكن أريد مسلماً متفوقاً ، صناعياً كبيراً ، أستاذاً كبيراً ، مؤلفاً كبيراً ، لأن الأمة بأعلامها ، بمتفوقيها ، يجب الإنسان عالي الهمة .
تربية الأولاد هو الهم الأول للمسلمين لأن استمرار وجود الإنسان مرتبط بتربية أولاده :
إذاً أيها الأخوة ، العبادات واسعة جداً تدور مع الإنسان ، إذا أراد الطرف الآخر إفقارنا ، هذه عبادة ، وإذا أراد إضلالنا ، تعزيز قيم الإسلام ، وترسيخ مبادئ الإسلام ، ورد على الشبهات أول عبادة ، وإذا أراد إفسادنا تحصين شبابنا وشاباتنا ، والله أيها الأخوة لم يبقَ في أيدي المسلمين من ورقة رابحة إلا أولادنا .
لذلك تربية الأولاد هو الهم الأول للمسلمين ، يجب أن نقابل القنبلة الذَرية بقنبلة الذُرية ، لأن الإنسان لو بلغ أعلى منصب في الأرض ، وحقق أكبر ثروة فيها ، وارتقى إلى أعلى شهادة ، ولم يكن ابنه كما يتمنى فهو أشقى الناس .
بالمناسبة الإنسان مفطور على حبّ وجوده ، الآن سلامة وجوده بطاعة ربه ، كمال وجوده بالتقرب إليه ، استمرار وجوده في تربية أولاده ، سلامة الوجود بالاستقامة ، كمال الوجود بالبذل والتضحية ، استمرار الوجود بتربية الأولاد .
من ذكر الله عبده و من ذكره الله ملأ قلبه بالأمن :
أيها الأخوة ، الآن أول شيء المفارقة الحادة بين واقع المسلمين ، وبين وعود رب العالمين حلّها بهذه الآية :
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾
وقد لقي المسلمون ذلك الغي .
الآن حينما قال الله عز وجل :
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ *إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
( سورة الشعراء )
القلب السليم هو القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله ، ولا يقبل خبراً يتناقض مع وحي الله ، ولا يحكم غير شرع الله ، ولا يعبد إلا الله ، هذا القلب السليم ،
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ *إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
إذاً ما دام الغي الذي أصابنا بأننا أضعنا الصلاة لم نتركها ، ولكن فرغناها من مضمونها ، الآية الكريمة :
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾
دققوا :
﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
( سورة العنكبوت الآية : 45 )
قال علماء التفسير ذكر الله أكبر ما فيها ، بل قال بعضهم : ذكره لك أكبر من ذكرك له ، كيف ؟ أنت إذا ذكرته عبدته ، لكنه إذا ذكرك ملأ قلبك بالأمن .
الأمن أعظم نعمة إلهية من الله تعالى للإنسان :
الأمن أعظم نعمة إلهية :
﴿ أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾
( سورة قريش )
إن الله يعطي الصحة والذكاء والمال والجمال للكثيرين من خلقه ، ولكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين ، منحك الأمن ، الدليل :
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
( سورة الأنعام )
منحك الرضا ، أنت راض عن الله :
والله إن فتتوا في حبهم كبدي باقٍ على حبهم راضٍ بما فعلوا
* * *
إذا ذكرك الله منحك الحكمة .
من اتبع هدى الله عز وجل لن يضل عقله ولن تشقى نفسه :
أيها الأخوة ، مهما أوتي الإنسان من ذكاء إن لم يكن موصولاً بالله يرتكب حماقات تلوى الحماقات ، ولن تكون حكيماً إلا إذا كنت مؤمناً .
﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ﴾
( سورة البقرة الآية : 269 )
أكبر عطاء إلهي الحكمة ، أكبر عطاء إلهي الأمن ، أكبر عطاء إلهي الرضا ، أكبر عطاء إلهي أنك تشعر بطمأنينة في المستقبل ، دقق :
﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾
( سورة طه )
لا يضل عقله ، ولا تشقى نفسه .
﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
( سورة البقرة )
اجمع الآيتين من يتبع هدى الله عز وجل لا يضل عقله ، ولا تشقى نفسه ، ولا يندم على ما فات ، ولا يخشى مما هو آت .
الاستقامة على أمر الله عز وجل سبب حتمي لنصر الله للمؤمنين :
أيها الأخوة ، لازلنا في تفسير المفارقة الحادة بين واقع المسلمين وبين وعود رب العالمين لأن محور هذا اللقاء الطيب أين الخلل ؟ الآن قال تعالى :
﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾
( سورة النور الآية : 55 )
فإن لم يمكن الله لهم دينهم ، كيف نفسر ذلك ؟ قال : الدين الذي وعد الله بتمكينه مقيد أن يكون مرضياً عند الله ، فإن كان دينهم فلكلورياً ، دينهم دين مظاهر ، دين ألقاب علمية ، دين مظاهر صارخة ، دين مناصب ، دين مكاسب ، دين أهواء ، دين منازعات هذا الدين ليس مرضياً عند الله ، لذلك لا يُمَكّن .
سيدنا الصديق قال لسيدنا عمر : ابسط يدك يا عمر كي أبايعك ، قال له : أنا ! أي أرض تقلني ، وأي سماء تظلني إذا كنت أميراً على قوم فيهم أبو بكر ، قال : يا عمر أنت أقوى مني ، قال : يا أبا بكر أنت أفضل مني .
هكذا كان أصحاب رسول الله ، لأنه حينما يستقيم المؤمنون تنشأ بينهم مودة لا يعلمها إلا الله ، لذلك قال تعالى :
﴿ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ﴾
( سورة الأنفال الآية : 63 )
نحن نحتاج إلى الحب ، والحب يحتاج إلى الاستقامة ، ولو استقمت أنت واستقمت أنا اللقاء حتمي ، والمحبة قطعية ، وهذه من خلق الله عز وجل .
عدم تمكين الدين الإسلامي في الأرض لأن الله لم يرتضِ هذا الدين :
هناك تفسير ثان ، إذاً لماذا لم يُمكن ديننا ؟ لأن الله لم يرتضِ هذا الدين ، لو أنه ارتضاه مكنه في الأرض ، تعبير ثالث : قال تعالى :
﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾
( سورة إبراهيم )
إله يصف مكر الطرف الآخر بأنه تزول منه الجبال ، هل يعقل أن قوى الأرض مجتمعة ، هذا الجبل الذي يطل على طرابلس هل يُنقل ؟ ، الله قال :
﴿ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾
الطاعة مع الصبر طريق النصر والمعصية مع الصبر ليس بعدها إلا القبر :
ومع ذلك خلاص المسلمين بكلمتين :
﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾
( سورة آل عمران الآية : 120 )
لا صوارخهم ، ولا أقمارهم ، ولا أموالهم ، ولا إعلامهم ، ولا بوارجهم ، ولا حاملات طائراتهم ،
﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾
إله ، وزوال الكون أهون على الله من أن لا يحقق وعوده للمؤمنين ، لكن المعصية مع الصبر ، الآن نحن صابرون ، هذا صبر قهر وليس صبر عبادة ، المعصية مع الصبر ليس بعدها إلا القبر ، لكن الطاعة مع الصبر طريق النصر ، الطاعة مع الصبر طريق النصر ، المعصية مع الصبر أي القهر وراءه قبر هناك شيء ثانٍ ؟.
لذلك هان أمر الله علينا فهنا على الله ، والله أيها الأخوة يمكن أن أضغط مصيبة المسلمين كلها بهذه العبارة : هان أمر الله علينا فهنا على الله .
من طبق منهج الله عز وجل في حياته أَمِن من عذاب الله :
أخوانا الكرام ، أخوانا المتخصصون باللغة عندنا نفي الحدث ، ونفي الشأن ، شخص لو سأل آخر هل أنت جائع ؟ يقول : لا ، تكفي لا ، ما في داعي ، لو سأله هل أنت سارق ؟ لا ، تكفي لا ؟ إنسان عظيم ، أخلاقه عالية ، كريم ، يقول له : ما كان لي أن أسرق ، ما كان نفي الشأن ، يعني لا أسرق ، ولا أحب السرقة ، ولا أقبلها ، ولا أرضاها ، وأحاربها أبغض فاعلها ، يمكن ينتفى من الصياغة عشرين ثلاثين فعلاً ، الله قال :
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
( سورة الأنفال الآية : 33 )
يعني مستحيل ، وألف ألف ألف مستحيل أن تستطيع جهة في الأرض أن تنال منا إذا كان النبي فينا ، هو ليس فينا الآن ، قال علماء التفسير :
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
معنى هذه الآية بعد انتقال النبي إلى الرفيق الأعلى ما دامت سنة النبي قائمة في بيوتنا ، في أعمالنا ، في كسب أموالنا ، في إنفاق أموالنا ، في تربية أولادنا ، في اختيار زوجاتنا ، ما دامت سنة النبي قائمة فينا مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن نعذب .
لذلك النبي عليه الصلاة والسلام أردف وراءه سيدنا معاذ ، قال له : يا معاذ ما حق الله على عباده ؟ فالحديث طويل وفيه تساؤلات ، وحوار ، ملخصه ، قال عليه الصلاة والسلام : حق الله على عباده أن يعبدوه ، سأله ثانية : يا معاذ ! ما حق العباد على الله إذا هم عبدوه ؟ دقق ، الآن الله عز وجل أنشأ لك حقاً عليه ، طالبه به ، قال : يا معاذ ! ما حق الله على العباد إذا هم عبدوه ؟ قال : ألا يعذبهم .
نحن في مأمن من عذاب الله إذا أقمنا منهج الله ، نحن في مأمن من عذاب الله إذا طبقنا منهج رسول الله ، لذلك :
(( ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد الإسلام ))
[ورد في الأثر]
ما لم تكن بيوتنا إسلامية ، أعمالنا إسلامية ، نشاطنا إسلامي ، تمضية وقت فراغنا إسلامي ، تربية أولادنا إسلامية لن نفلح إطلاقاً ، نحن عندنا الآن الإسلام فلكلور يعني إطار اجتماعي ، لكن ما في منهج تفصيلي نسير عليه .
المفارقة الحادة بين واقع المسلمين وبين وعود رب العالمين تكمن في :
1 ـ إضاعة الصلاة :
أيها الأخوة الكرام ، لا زلنا في أين الخلل ؟ أول شيء :
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾
2 ـ عدم فهم حقيقة الدين بشكل صحيح :
الشيء الثاني :
﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى ﴾
الدين الذي وعد الله بتمكينه لم يرضِ الله عز وجل ، إذاً ينبغي أن نفهم حقيقة الدين .
رجل هداه الله إلى الإسلام ، زار بريطانيا ، والتقى بالجالية الإسلامية وقال : أنا لا أصدق أن يستطيع العالم الإسلامي اللحاق بالغرب على الأقل في المدى المنظور لاتساع الهوة بينهما ، ولكنني مؤمن أشد الإيمان أن العالم كله سيركع أمام أقدام المسلمين ، لا لأنهم أقوياء ، ولكن لأن خلاص العالم بهم ، ولكن بشرط أن يحسنوا فهم دينهم ، ويحسنوا تطبيقه ، وأن يحسنوا عرضه على الطرف الآخر .
هذه ورقات العمل لنا ، أن نحسن فهم الدين ، أن نحسن تطبيقه ، أن نحسن عرضه على الطرف الآخر ، نحن بحاجة إلى أن نطبق الدين ، وأن نعقلنه ، لا أن ندعه ، لا أن نحتقر العقل ، ديننا دين عقل ، ألف آية تقريباً تتحدث عن التفكر ، والتعقل ، والحكمة ، والبحث ، والنظر ، وأن نطبقه ، وأن نعقلنه ، وأن نبسطه .
شخص علق مع شيخ ، قال له : أريد أن أُسلم على يديك علمني ، تركه ستة أشهر بأحكام المياه ، طلعت روحه ، الوضوء بماء كذا ، فلم يتحمل فترك الدين ، التقى مع الإمام محمد عبدو ، قال له : الماء الذي تشربه توضأ منه ، هذا واقع المسلمين ، انتماء شكلي.
على الإنسان أن يؤمن بالله إيماناً يحمله على طاعته و يحجبه عن محارمه :
لذلك :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى ﴾
( سورة البقرة الآية : 69 )
هناك معنى ظني بالآية ، كلهم عند الله سواء ، المعنى انتماء شكلي ، عداوات وخصومات ، وتنافس على المصالح ، وحروب أهلية ، انتماءات شكلية لا تقدم ولا تؤخر دقق الآن :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى ﴾
الآن :
﴿ مَن ْآَمَنَّا بِاللَّهِ ﴾
( سورة البقرة الآية : 69 )
الإيمان الصحيح الذي يحجبه عن محارم الله ، الإيمان الذي يحثه على طاعة الله .
﴿ وَِالْيَوْمِ الْآَخِرِ ﴾
( سورة البقرة الآية : 69 )
الإيمان الذي يمنعه أن يؤذي مخلوقاً .
﴿ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
( سورة البقرة )
حقيقة الدين في هذه الآية أن تؤمن بالله إيماناً يحملك على طاعته ، وأن تؤمن بالآخرة إيماناً يمنعك أن تؤذي مخلوقاً ، وأن تبني حياتك على العطاء .
لذلك مرة أحد الكتاب ألف كتاباً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا من جئت الحياة فأعطيت ولم تأخذ ، يا من قدست الوجود كله ورعيت قضية الإنسان ، يا من زكيت سيادة العقل ، ونهنهت غريزة القطيع .
الآن هناك ثقافة القطيع ، أنا مع الناس إذا احتمى الناس ، يعني مصمم أزياء بفرنسا يتحكم بنساء المسلمين بالعالم كله ، يصمم أزياء يخالف الشريعة ، فطاعة هؤلاء لهذا المصمم أشد من طاعتهم لله عز وجل .
3 ـ مكر الطرف الآخر الذي تزول منه الجبال :
فلذلك أيها الأخوة ، عندنا خلل خطير جداً ، فالخلل الثالث أن :
﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾
4 ـ التغيير فما لم نغير لن يغير الله شيئاً :
الموضوع الرابع : الآية تقول :
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾
( سورة الرعد الآية : 11 )
يعني مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن يغير الله ما بنا إن لم نغير ، التغيير يبدأ من النفس ، من الصلح مع الله ، لابدّ من أن يكون التغيير بدءاً من النفس ،
﴿ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾
غير ليغير ، إن لم تغير لا أغير .
قوى الأرض مجتمعة لا تستطيع أن تفسد على الله هدايته لخلقه :
أيها الأخوة الكرام ، الكرة في ملعبنا ، ثلاث حقائق : قوى الأرض مجتمعة لا يمكن أن تستطيع أن تفسد على الله هدايته لخلقه ، الدليل يقول الله عز وجل :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ﴾
( سورة الأنفال الآية : 36 )
لا تستطيع قوى الأرض مجتمعة أن تفسد على الله هدايته لخلقه .
عاد نموذج للأمم المتغطرسة التي تفوقت في شتى المجالات :
الفكرة الثانية : أمة قوية ، قوية جداً ، متغطرسة ، أساساً الله عز وجل وصف قوم عاد كنموذج للأمم المتغطرسة ، قال :
﴿ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ﴾
( سورة الفجر )
تفوقوا في شتى المجالات ، قال :
﴿ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آَيَةً تَعْبَثُونَ ﴾
( سورة الشعراء )
تفوق عمراني رائع .
﴿ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ﴾
( سورة الشعراء )
تفوق صناعي ، قال :
﴿ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ﴾
( سورة الشعراء )
تفوق عسكري ، تفوق في شتى المجالات مبدئياً ، تفوق عمراني ، تفوق صناعي تفوق عسكري ، تفوق علمي .
﴿ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ﴾
( سورة العنكبوت )
ومع كل هذا التفوق غطرسة .
﴿ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ﴾
( سورة فصلت الآية : 15 )
من بنى مجده على أنقاض الآخرين أباده الله عز وجل و لو تفوق في شتى المجالات :
ثم :
﴿ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ﴾
( سورة الفجر )
في كل البلاد ، لا في بلدهم ، ماذا فعلوا ؟
﴿ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ﴾
( سورة الفجر )
طغوا وأفسدوا ،
﴿ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ﴾
﴿ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾
( سورة الفجر )
بماذا أهلكهم ؟
﴿ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى ﴾
( سورة الحاقة )
أما الملمح اللطيف : وأنه أهلك عاداً الأولى ، معناها في عاد ثانية ، مرة كنت بهذه البلاد البعيدة فقال لي شخص : أين كنت ؟ قلت : بعاد الثانية .
إذاً أيها الأخوة ، الأمور واضحة كالشمس ، الكرة في ملعبنا ، لذلك أمة قوية كعاد الأولى أو الثانية ، أرادت أن تبني مجدها على أنقاض الشعوب ، وحياتها على قهر الشعوب وإماتة الشعوب ، وإبادتهم .
أخطر شيء أن نهزم من الداخل :
بالمناسبة : أعداء المسلمون يريدون خمسة أشياء ، إفقارنا ، ثم إضلالنا ، ثم إفسادنا ، ثم إذلالنا ، ثم إبادتنا ، هذه حقيقة ، لذلك أمة بنت مجدها على أنقاض الشعوب ، بنت أمنها على إخافة الشعوب ، بنت عزها على إذلال الشعوب ، بنت ثقافتها على محو ثقافة الشعوب ، الآن اسمعوا هذه الكلمة : أن تنجح خططها على المدى البعيد ، فهذا لا يتناقض مع عدل الله فحسب بل مع وجوده ، مستحيل وألف ألف مستحيل أن هذه الأمة المتغطرسة أن تبقى هكذا دائماً ، لأنه :
﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ﴾
( سورة يونس الآية : 49 )
بالتعبير الدارج : كل أمة طاغية متغطرسة لها عشرة أيام وينتهوا ، لذلك أخطر شيء أن نهزم من الداخل .
﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ ﴾
( سورة آل عمران الآية : 139 )
الورقة الرابحة بيد أعدائنا الفتن الطائفية فعلينا إسقاط هذه الورقة بوعينا و فهمنا :
حال المسلمين يشبه إنسان معه التهاب معدة حاد ، فالطبيب شديد جداً عليه ، التعليمات مشددة ، و هناك مريض معه السرطان بالدرجة الخامسة ميؤوس منه ، قام سأل المريض الثاني الطبيب : ماذا آكل ؟ قال له : كُلْ ما شئت ، هذه :
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾
( سورة الأنعام )
إذا شخص معه التهاب معدة حاد ، بحمية يشفى ، وضعه أفضل مليون مرة من إنسان معه مرض خبيث منتشر بأمعائه .
لذلك نحن نعاني ما نعاني ، أسأل الله أن نكون في العناية المشددة ، لأن كل هذه الشدة من أجل أن نعود ، والآية واضحة جداً :
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ ﴾
كيف علا في الأرض ؟
﴿ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً ﴾
( سورة القصص الآية : 4 )
لذلك الورقة الرابحة بيد أعدائنا الفتن الطائفية ، الورقة الرابحة الوحيدة ، ونحن بوعينا ، وبفهمنا ، وبإخلاصنا نسقط هذه الورقة من يدهم .
الأمة القوية المتغطرسة نجاح خططها على المدى البعيد يتناقض مع عدل الله ووجوده :
لذلك النبي الكريم لما جاء إلى المدينة فيها أوس وخزرج وثنيين ، وفيها يهود ، وفيها مسلمون ، وفيها مهاجرون ، وفيها أنصار ، وموالي ، قال : أهل يثرب أمة واحدة .
هذه المواطنة ، المواطنة أن تتعاون مع من حولك من أجل أن تقيم الكيان الأول .
لذلك أيها الأخوة ، نحن في أمس الحاجة إلى التعاون ، إلى التكاتف ، إلى التناصر ، ولولا ذلك لكنا في وضع صعب جداً .
لذلك لابدّ من أن نسقط الأوراق الرابحة في يد أعدائنا ، أن نسقطها بوعينا وإخلاصنا .
إذاً هذه الأمة القوية المتغطرسة نجاح خططها على المدى البعيد لا يتناقض مع عدله فحسب بل مع وجوده ، لأنه ليس في الكون شرّ مطلق ، الشر المطلق يتناقض مع وجود الله ، هناك شر نسبي ، موظف للخير المطلق .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
والحمد لله رب العالمين
http://www.nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=4467&id=189&sid=799&ssid=808&sssid=925