تبدل شكل المجتمعات كثيراً عبر عصور تطور الإنسانية ..
تبدلت وسائط النقل . وتبدلت وسائل الراحة . تبدلت وسائل اللهو . وتبدلت القوانين . تبدلت وسائل الوصول إلى السلطة . وتبدل شكل المعرفة . تبدلت وسائل الاتصالات ..
لكن أحياناً فقط ، يبدو أن كل هذا " التبدل " شمل القشرة الخارجية فقط ..
ولكنه لم يمتد لأكثر من ذلك ..
وأن المجتمع البشري ، خلف قناع القشرة الخارجية ، في جوهره ، لا يزال لم يتغير كثيراً ..
بل إنه في بعض التفاصيل ، لم يتغير ، في جوهره ، على الإطلاق ..
.. لم يتغير سوى تفاصيل القناع وألوانه ..
لكن التغييرات ، لم تمس الجوهر ..
في الغالب على الأقل ..
.. كان الناس في سابق العصور ، يعبدون الأوثان ..
فهل لازالوا يتعبدون لها ..
نعم . إنهم لا يزالون يعبدون الأوثان ، كل ما في الأمر أن شكل الأوثان تبدل ، فبدلاً من أن تكون أصناماً من حجر أو مرمر أو من تمر .. ، صارت اليوم أوثاناً تأخذ أشكالاً هلامية ، غير نمطية ، مثل الإيديولوجيات ، أو طرقاً للعيش ..
بدلاً من أصنام الحجر التي كانت تملئ الشوارع - وتمثل قوة اجتماعية أو اقتصادية - صار اليوم هناك " إعلان " هائل الحجم ، يُعبّر عن نمط كامل للحياة ، يتعبَّده الناس ، ويتقربون إليه ، ويظنون أن السعادة كل السعادة ، لا تكون إلا عبر تمثل هذا النمط واقتناء رموزه ..
هياكل الأمس تغير شكلها ، لكنها لم تختفِ .. صارت في الشوارع اليوم ، في الرؤوس .. في البيوت ..
.. ودخل إبراهيم إلى الهيكل ..
وفي رأسه خطة ..
وفي يده المعول ..
لكنه لم يكن مثل أي معول ..
كان معولاً استثنائياً بامتياز .. كما أن رأس إبراهيم كان استثنائياً بامتياز .
ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين ..
ثم نكسوا على رؤوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون " إبراهيم (51-65)
إنه إبراهيم في الهيكل إذن . وقد توعد الأصنام أن يكيد لها ..
والكيد الذي تحدث إبراهيم عنه ، وتوعد الأصنام به ، هو خطة مسبقة متقنة الوضع .. إنه ليس عملاً تلقائياً عفوياً ، نتج عن مشاعر إحباط فرِّغت في عمل " تخريبي " ..
لا ، بل هي خطة مرسومة بدقة .. ، ومعدة بإتقان ، .. لا شيء عشوائي فيها ..
ولا شيء متروك للصدفة ..
.. ويخبرنا النص القرآني ، أن إبراهيم كان يدرك أن قوة تلك الأوثان كانت في إيمان الناس بها ، وأنها إذا تركت وحيدة من غير المؤمنين بها ، تصير ضعيفة ، وهشة ، وقابلة للكسر ..
قوة الأوثان الحقيقية ، تكمن في رؤوس جموع المؤمنين بها ، فإذا عزلت عنهم ، أو عزلوا عنها ، صارت تلك الأوثان عاجزة ، صارت على حقيقتها ..