التفسير المطول - سورة التوبة 009 - الدرس ( 33-70 ) : تفسير الآيتين : 38ـ 39 ، الصحوة قبل فوات الأوان.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2010-12-31
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
مخاطبة الله عز وجل الكفار وعامة الناس بأصول الدين :
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الثالث والثلاثين من دروس سورة التوبة، ومع الآية الثامنة والثلاثين وهي قوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
أخوتنا الكرام، ما من آية لصيقة بكل واحد منكم وأنا معكم كهذه الآية، إنها آية تبين لكم أن الله سبحانه وتعالى إن رأى من المؤمن تكاسلاً أو ضعفاً ساق له بعض الشدائد، ليحفزه إلى طريق الله عز وجل، فالله عز وجل يسأل:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾
ولا تنسى أيها المؤمن أنك إذا قرأت مثل هذه الآيات، ومثل هذه الآيات تقترب من ثلاثمئة آية،
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾
الله عز وجل من سننه في القرآن الكريم أنه يخاطب الكفار بأصول الدين، و يخاطب عامة الناس بأصول الدين، يقول:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ﴾
[ سورة البقرة الآية: 21]
لأن علة وجود الإنسان في الأرض أن يعبد الله، أنت في الدنيا من أجل أن تعبد الله، هذه الحقيقة خطيرة، أنت في مكان ما لك مهمة واحدة، فلو ذهب طالب لباريس كي يدرس الدكتوراه، هذه المدينة الكبيرة العملاقة التي فيها كل شيء تقريباً، معامل، مصحات، مستشفيات، بيوت للسكن، مراكز للدولة، جامعات، ملاعب، حدائق، أماكن لهو، هذه المدينة العملاقة، هذا الطالب الذي ذهب إلى هذه المدينة لينال الدكتوراه، نقول له: علة وجوده في هذه المدينة نيل الدكتوراه.
علة وجود الإنسان في الأرض أن يعبد الله :
هل تصدق أيها الأخ أن علة وجودك في هذه الدنيا، العلة الوحيدة أن تعبد الله، الدليل لولا الدليل لقال من شاء ما شاء، الدليل قوله تعالى:
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
[ سورة الذاريات]
مخلوق في الدنيا من أجل أن تعبد الله، كما أنك في الجامعة وجودك في الجامعة لعلة واحدة، أن تنال الدكتوراه فقط، وجودك في المستشفى من أجل أن تشفى، وجودك في السوق من أجل أن تربح، علة الوجود مهمة جداً، وكل واحد في مكان موجود ينبغي أن يسأل لماذا أنا هنا؟ لو إنسان سافر إلى مدينة إن جاءها تاجراً تحرك نحو المتاجر، والأسواق، والمعامل، وإن جاءها سائحاً تحرك نحو المتنزهات، والمقاصف، والآثار، وإن جاءها سائحاً نحو الأماكن الجميلة، تاجر نحو المعامل، طالب علم نحو الجامعات، أي لا تصح حركة الإنسان إلا إذا عرف سرّ وجوده، في أي مكان أكبر سؤال، أخطر سؤال، أن تقول كل يوم: لماذا أنا في الدنيا؟ أنت في الدنيا من أجل أن تعبد الله، والآية تقول:
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
منهج الله منهج تفصيلي واسع جداً :
ينبغي أن نعلم أن العبادة بالمفهوم الضيق الساذج أن تؤدي خمس عبادات، أن تؤدي الصوم، والصلاة، والحج، والزكاة، وأن تنطق بالشهادة، لكن العبادة بأوسع معانيها أن تخضع لمنهج الله خضوعاً كاملاً، وإياك أن تظن أن منهج الله هو هذه العبادات الخمس، والله الذي لا إله إلا هو منهج الله يقترب من خمسمئة ألف بند، هذه البنود تبدأ من أخص خصوصيات الإنسان من فراش الزوجية، وتنتهي بالعلاقات الدولية بين الأمم، منهج كامل، كيف تتزوج، كيف تختار زوجتك، كيف تربي أولادك، كيف تعامل جيرانك، كيف تكسب مالك، هذا هو المنهج.
أخواننا الكرام، من لوازم التوفيق أن تعلم علم اليقين وأنت في مكان ما لماذا أنا هنا؟ وأكبر سؤال لماذا أنت في الدنيا؟ أنت في الدنيا بنص القرآن الكريم من أجل أن تعبد الله، والآية:
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
وقد يفهم بعض الناس العبادة فهماً ضيقاً جداً، يظنون العبادة أن تؤدي العبادات الشعائرية، وهي الصلاة، والصوم، والزكاة، والحج، والنطق بالشهادة، ولكن الحقيقة أن العبادة بالمفهوم الواسع أن تخضع لمنهج الله بكل تفاصيله، وتفاصيل هذا المنهج قد تقترب من خمسمئة بند، شؤون حياتك كلها، زواجك، تربية أولادك، كسب مالك، علاقتك بزوجتك، بوالديك، بأخوتك، بأبنائك، بجيرانك، بمن حولك، بمن فوقك، علاقتك بصحتك، علاقتك بطعامك، بشرابك، علاقتك بالناس، علاقتك بالشأن العام، هذه تفاصيل منهج الله عز وجل.
فلذلك منهج الله منهج تفصيلي واسع جداً، من هنا كان الذي يحرص على سلامته وسعادته لا بد من أن يقف بعلم دقيق على منهج ربه، منهج الله عز وجل افعل ولا تفعل، منهج الله عز وجل من عند الخبير، من عند العليم، منهج الله عز وجل يحقق لك علة وجودك، وهي السلامة والسعادة، فالإنسان قد ينطلق من حبه لذاته، من حرصه على سلامته، من حرصه على سعادته، فيتبع منهج ربه.
العبادات الشعائرية لا تقطف ثمارها إلا إذا صحت العبادات التعاملية :
لذلك أتمنى أن تكون متيقناً أن العبادات الشعائرية خمسة بنود في منهج تفصيلي يقترب من خمسمئة ألف بند، الصلاة فرض، والصيام، والحج، والزكاة، والنطق بالشهادة، هذه عبادات شعائرية، لكن العبادات التعاملية أهم، الدليل أن العبادات الشعائرية لا تقطف ثمارها إلا إذا صحت العبادات التعاملية، النبي عليه الصلاة والسلام سأل أصحابه فقال:
((ما المُفْلِسُ؟ قالوا: المفْلسُ فينا من لا درهم له ولا متاع. قال: إن المفْلسَ مَنْ يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شَتَمَ هذا، وقذفَ هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا ، وضرب هذا، فيُعطَى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فَنيَتْ حَسَناتُهُ قبل أن يُقْضى ما عليه، أُخِذَ من خطاياهم فطُرِحَتْ عليه، ثم يُطْرَحُ في النار ))
[أخرجه مسلم والترمذي عن أبي هريرة]
الصلاة معها صدق ، معها أمانة، معها عفة، معها إتقان عمل، معها حكمة، معها رحمة، معها لطف، الإيمان هو الخلق فمن زاد عليك بالخلق زاد عليك بالإيمان.
من أراد أن يُحدث الله عز وجل فليدعه :
أيها الأخوة الكرام، الإيمان أن تعرف الله أولاً، ثم تتوجه إليه ثانياً، وتتقرب منه بالاستقامة والعمل الصالح.
فلذلك الله عز وجل يقول:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾
واعلم علم اليقين أنك كمؤمن إذا قرأت مثل هذه الآيات أن تشعر شعوراً وضحاً مركزاً أنك معني بهذه الآيات، الله يخاطبك يخاطب المؤمن:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾
قال: إذا ردت أن يحدثك الله عز وجل فاقرأ القرآن، فإذا وصلت إلى قوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾
فالله جل جلاله يحدثك، وإذا أردت أن تحدث الله عز وجل فادعه، الدعاء تحديث لله عز وجل، تحادثه بالدعاء، ويحادثك إذا تلوت القرآن.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾
وأتمنى أن كل آية في القرآن تفتتح
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾
وهذه الآيات تقترب من ثلاثمئة آية، وإذا قرأت هذه الآية يجب أن تشعر أنك معني بهذه الآية، وأن الله يخاطبك كمؤمن.
من يعرف الله يسارع إليه :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾
الآن تصيب المؤمنين، يضعف إيمانهم، تضعف همتهم، يؤثرون الراحة، يؤثرون البقاء بالبيت، يؤثرون التمتع بما هو حلال طبعاً، أنا أتحدث مع المؤمنين، المؤمنون تأخذهم بعض المباحات، ولا تنسوا أن الإنسان أحياناً يحول بينه وبين الاتصال بربه أشياء كبيرة، طبعاً أكبر هذه الأشياء، أو إذا أردنا أن نرتب المعاصي والآثام ترتيباً تصاعدياً نقول: الكفر أن تنكر وجود الله، والشرك تتوهم أن معه آلهة أخرى، إنسان قوي زيد أو عبيد، بيده قوة، يفعل ما يشاء، تتوهمه أنه فعال، لكن الفعال الوحيد هو الله.
﴿ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾
[ سورة هود]
فأن تضع كل ثقتك بإنسان تظنه قوياً وتنسى الله عز وجل هذا نوع من الشرك، فصار عندنا الكفر أن تنكر، الكفر أن تؤمن بجهة قوية غير الله، بعد ذلك هناك ارتكاب الكبائر والعياذ بالله، أو ارتكاب الصغائر، أو التحريش بين المؤمنين، أو التوسع بالمباحات، فكأن هذه الآية تلفت نظر المؤمنين إلى أنك إذا توسعت في المباحات، وآثرت الراحة على العمل الصالح فأنت من الخاسرين.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾
النفير حركة سريعة، إقبال شديد، همة عالية،
﴿ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾
شددت قدميك إلى المسجد، شددت قدميك إلى عمل صالح، بادرت لإنفاق مالك، بادرت لمواساة من حولك، بادرت لإلقاء العلم على من تعرف، هناك أعمال صالحة تبدأ من الدعوة إلى الله، وتصل إلى أن تميط الأذى عن الطريق، هذه كلها أعمال صالحة، فأنت حينما تعرف الله تسارع إليه.
﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ﴾
[ سورة آل عمران الآية: 133]
المسارعة مطلوبة لأن الوقت محدود، والحياة فرصة ثمينة لا تتكرر، فرصة ذهبية لأنك تنال من خلالها جنة الله التي أعدها لعباده المؤمنين.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾
أي سارعوا، شمروا فإن الأمر جد، وتأهبوا فإن السفر قريب، وتزودوا فإن السفر بعيد، وخففوا أثقالكم فإن في الطريق عقبة كؤود، أي الهمة العالية، المبادرة إلى العمل الصالح، إلى طاعة الله عز وجل، إلى خدمة الخلق، إلى نشر هذا الدين، إنفاق المال، مواساة الفقراء، إطعام الجياع، معالجة المرضى، تأمين سكن لبعض الشباب، أنت حينما تتحرك في طريق مرضاة الله تحقق الهدف من وجودك.
أنواع الجهاد :
1 ـ جهاد النفس و الهوى :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾
ومنه الجهاد في سبيل الله، أي جهاد النفس والهوى، هذا الجهاد النفسي.
﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾
[ سورة العنكبوت الآية: 69]
هذا الجهاد النفسي، يأتي بعده الجهاد الدعوي، قال تعالى:
﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ﴾
[سورة الفرقان]
ويأتي بعد ذلك الجهاد البنائي:
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾
[ سورة الأنفال لآية:60]
ويأتي بعد ذلك الجهاد القتالي، الجهاد الأول جهاد النفس والهوى، هذا الجهاد الأساسي، حتى إن بعض الصحابة عاد من معركة فقال: رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر جهاد النفس والهوى، لابد من أن تجهد.
﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ﴾
[ سورة الحج الآية: 78]
أول مجاهدة جهاد النفس والهوى، غض البصر مجاهدة، إنفاق المال مجاهدة، ضبط اللسان مجاهدة، ضبط الحواس مجاهدة، رعاية الأهل والأولاد مجاهدة، رعاية الجيران مجاهدة، جاهد تشاهد، إن أردت أن تشاهد عظمة الله ادفع ثمن هذه المشاهدة جهاداً،
﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ ﴾
2 ـ الجهاد الدعوي :
الجهاد الثاني: الجهاد الدعوي،
﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ ﴾
وسمّى الله هذا الجهاد جهاداً كبيراً لأن تعلم القرآن و تعليمه جهاد كبير، وقد قال عليه الصلاة والسلام:
((خيرُكمْ ـ مطلقاً ـ من تعلّمَ القُرآنَ وعَلَّمَهُ ))
[أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي عن عثمان بن عفان]
خيركم، الخيرية المطلقة، من تعلم القرآن وعلمه، أول جهاد جهاد النفس والهوى، الجهاد الثاني الجهاد الدعوي.
3 ـ الجهاد البنائي :
الجهاد الثالث الجهاد البنائي، إتقان عملك جهاد، الطبيب الذي يتقن عمله مجاهد، يطور خبراته، يخضع لدورات، أي إنسان بأي عمل، تطوير العمل، وتعميق الخبرة فيه، وتقديم خدمة للمسلمين جيدة متقنة، هذا جهاد أيضاً، جهاد نفسي، جهاد دعوي، جهاد بنائي، والجهاد البنائي شاهده في القرآن الكريم هو قوله تعالى:
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾
4 ـ الجهاد القتالي :
والجهاد الرابع: الجهاد القتالي، لكن لا ينبغي أنه لمجرد أن تستمع إلى كلمة جهاد أن يتجه ذهنك إلى الجهاد القتالي، الجهاد مستويات كثيرة، وأهمها على الإطلاق جهاد النفس والهوى، فما لم تجاهد نفسك وهواك، ما لم تحمل نفسك على طاعة الله، ما لم تحملها على البذل والتضحية، لن تكون مؤهلاً للجهادات التالية، جهاد النفس والهوى هو الجهاد الأول، وأصل كل جهاد، كيف عندنا تعليم أساسي من الأول حتى التاسع، هناك تعليم ثانوي، و تعليم جامعي، و دراسات عليا، و دكتوراه، و نوبل، فالجهاد مستويات، الحد الأساسي الذي لا بد منه، الذي هو أصل كل جهاد، جهاد النفس والهوى، أن تحمل نفسك على طاعة الله، أن تحملها على البذل والعطاء، أن تحملها على أن تلتزم، أن تأتمر بما أمر، وأن تنتهي عما عنه نهى وزجر.
على الإنسان أن يستعد للقاء الله عز وجل و لو كان شاباً :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ﴾
الإنسان مال إلى الراحة، مال إلى النوم المديد، مال إلى الطعام، أنا أتحدث عن المؤمنين، أتحدث عن مؤمن لا يعصي الله، لكن المباحات توسع بها، وهذه مشكلة أولى للمؤمنين، يتوسع بالمباحات، يعتني بهذا البيت عناية فائقة، يعتني بدكانه عناية فائقة، هذه العناية مقبولة ولابدّ منها، أما إذا غطت أوقاته كلها، أو على حساب عباداته هذه العناية أصبحت ليست كما ينبغي فتأتي هذه الآية:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ﴾
الإنسان أحياناً يعتني بالبيت عناية تفوق حدّ الخيال، بعد أشهر أحياناً أو أيام توافيه المنية، والله أعرف إنساناً اشترى بيتاً بأرقى أحياء دمشق، واعتنى به عناية تكاد لا تصدق، القصة طويلة، وبعد أن انتهت الكسوة كاملة بقي عليه أن ينتقل من بيته القديم في أحد أحياء دمشق العادية إلى هذا البيت الراقي جداً، وافته المنية، فغسل في بيته الجديد.
فالإنسان لا يعرف متى توافيه المنية، لذلك البطولة أن تستعد للقاء الله ولو كنت شاباً.
المؤمن همته عالية يلبي أي دعوة للعمل الصالح :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ﴾
﴿ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ﴾
أي ملتم إلى الراحة، إلى النوم، إلى القراءة المسلية، هناك صحف، و مجلات، و متابعة مجلات معينة، و بيت مريح، و مقعد وثير، و غرفة نوم مريحة تماماً أكثر وقته نائم، لا أحد يوقظه إلى العصر، جريمة إذا أيقظه أحد، فراحته، وطعامه، وشرابه، وأموره البيتية، كلها درجة أولى، كأنه تثاقل إلى الأرض.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ﴾
المؤمن همته عالية، يلبي أي دعوة للعمل الصالح، ينطلق مسارعاً للعمل الصالح، الآية:
﴿ انْفِرُوا ﴾
الآن المشي العادي مشي، أما إنسان نفر إلى الجهاد أي أسرع إلى الجهاد فحركة سريعة.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ﴾
هناك سؤال محرج:
﴿ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ ﴾
أي الآخرة، والله يا أخوان كلي رجاء أن تستوعبوا كلمة اللانهاية، الأبد.
﴿ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ﴾
[ سورة الطلاق الآية: 11]
أكبر رقم تتصور أمام اللانهاية صفر، ما هذا الرقم؟ ألف؟ لا، أريد مليوناً، ألف ألف؟ لا، أريد مليون مليون، أريد مليون مليون مليون، أريد مليار مليار، أريد مليار مليار حتى ينقطع نفسي، أريد مليار ليوم القيامة، كل هذه الأرقام صفر أمام اللانهاية، واحد بالأرض وأصفار للشمس، تصور مئة و ستة و خمسين مليون كيلو متر أصفار، كل ميلي صفر، هذا الرقم إذا نسب إلى اللانهاية، واسألوا أهل الاختصاص قيمته صفر، واحد بالأرض وأصفار إلى الشمس، فالدنيا لو عشت مئة وثلاثين سنة، أنا معلوماتي المتواضعة، أعرف شيخاً أزهرياً عاش مئة و ثلاثين سنة، أطول عمر سمعت به ، لو عاش مئة و ثلاثين أمام الأبد صفر، لو كنت بعهد سيدنا نوح والحياة ألف سنة أمام الأبد صفر، لو عشت مليار سنة أمام الأبد صفر، أنت تضحي بالآخرة.
الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ﴾
الراحة، البيت، النوم، متابعة برنامج معين، قراءة مجلة، قراءة جريدة، تجلس مع اهلك، لا يوجد موضوع مهم، تسهر سهرة، كلام فارغ، كلام عن الطعام، والشراب، أو السياسة، هذا الوقت أنت بضعة أيام، الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه.
والله أيها الأخوة لا يوجد إنسان يرتكب خطأ يفوق حدّ الخيال كالذي يضيع وقته، لأنه هو وقت، عندنا تعبير دقيق دراسة الوقت، أو إدارة الوقت من صفة الكبار، الأشخاص المتفوقون يحسنون إدارة الوقت، هناك وقت للدراسة، وقت للنوم، وقت للراحة، وقت تجلس مع أهلك، وقت تطالع، تقرأ، أنا اطلعت على إحصائية دقيقة أن الإنسان الغربي يقرأ بالسنة ثمانين كتاباً، وسافرت كثيراً، ما رأيت في ركاب القطارات أو الطائرات إلا من يقرأ، الإنسان في الشرق الأوسط كل ثمانين إنساناً يقرؤون كتاباً واحداً بالسنة، الواحد يقرأ ثمانين كتاباً في السنة بالعالم الغربي، والثمانون بالشرق الأوسط يقرؤون كتاباً واحداً، لا أحد يقرأ، القراءة محدودة جداً، المعلومات محدودة، التصور محدود، القرار خاطئ.
حجم الإنسان عند الله بحجم عمله الصالح :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ﴾
اطلب العلم، اطلب المعرفة، ألّف كتاباً، اعمل شيئاً، ألقِ درساً، ادعُ إلى الله، ارعَ مسكيناً، ارعَ يتيماً، ارعَ أرملة، أنت في الدنيا من أجل العمل الصالح، حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، اسأل نفسك دائماً لو أن الله سألني: يا عبدي ماذا فعلت من أجلي؟ والله يا ربي أكلنا، وشربنا، واشترينا بيتاً، وعملنا عدة نزهات، وكنا مسرورين جداً، ماذا فعلت من أجلي؟ هل واليت فيّ ولياً؟ هل عاديت فيّ عدواً؟ حضرت درس علم؟ حرصت على معرفة القرآن الكريم؟ على معرفة السنة النبوية؟ خدمت إنساناً؟ تكفلت بطالب علم؟ أطعمت جائعاً؟ رعيت جيرانك؟ الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، الأعمال الصالحة كثيرة ولو أطعمت هرة.
النبي ذكر:
(( بينما رجلٌ يَمشي بطريق اشْتَدَّ عليه العطشُ، فوجد بئرا، فنزل فيها فشرب، ثم خرج، فإذا كلبٌ يَلْهَثُ، يأكل الثَّرَى من العطش، فقال الرجلُ: لقد بلغ هذا الكلبَ من العطشِ مثلُ الذي كان بلغَ مِني، فنزل البئر، فملأَ خُفَّهُ ماء، ثم أمْسَكه بِفيهِ، حتى رَقِيَ، فسقى الكلبَ، فشكرَ اللهُ له، فغفر له، قالوا: يا رسول الله، إِن لنَا في البَهَائِمِ أجرا؟ فقال: في كُلِّ كَبدٍ رَطبَةٍ أجرٌ ))
[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود ومالك عن أبي هريرة]
أطعمت هرة أحياناً، أطعمت طيراً، والله أعرف أخاً يشتري طعام الطيور بكميات كبيرة، يضع هذا الطعام على سطح البيت، تأتي الطيور وتأكل، له عمل، يا أخي أكلنا، هذا ليس عملاً صالحاً، نمنا نوماً عميقاً هذا ليس عملاً صالحاً، أنجبنا أولاد طبعاً الابن محبب، رعيت ابنك، ألبسته، والله شيء جميل، الابن طفل جميل، يلبس لباساً جميلاً، شيء جيد، شيء ممتع بالبيت، أنت ماذا فعلت من أجل الله؟ هل واليت فيّ ولياً؟ طلبت العلم؟ خدمت الناس؟ نصحتهم بعملهم؟ ولله هناك أعمال لا يعلمها إلا الله، يؤديها أناس كبار عند الله، أنا لا أريد العمل الصالح بالتعبير المعاصر، إنسان عرض عليك عملاً لبيته، العمل الصالح هدف يومي عندك، معظم المسلمين إذا عرض عليهم عمل صالح يؤدونه، هذا أداء عفوي، أريد العمل الصالح هدفاً مركزاً جداً في حياتك، الإنسان عندما يغادر الدنيا يقول:
﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ﴾
[ سورة المؤمنون]
تميز صلاة الجمعة بخطبتها :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾
بالأشياء الواضحة بحياتنا اليوم، بادر لحضور درس علم، يقول: أنا الحمد لله صليت صلاة الجمعة، لحقت الإمام بالركعة الثانية لكني صليتها، والخطبة؟ الله قال:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾
[ سورة الجمعة الآية: 9]
افتح كل كتب التفسير ما هو ذِكر الله؟ الخطبة، الجمعة متميزة بالخطبة، عبادة دعوية كل جمعة، هو إذا ظنّ أنه إذا لحق الركعة الثانية أدرك الجمعة، لا لم يدركها، الجمعة من أجل الخطبة، وينبغي أن تأتي من أول ساعة، كي تستمع إليها بأكملها، الجمعة عبادة، الصوم عبادة، الحج عبادة، الصلوات عبادات، هذه عبادات شعائرية، أما الأهم فالعبادات التعاملية، إنفاق المال، رعاية الفقير، رعاية اليتيم، رعاية الأرملة، تعليم العلم، الدعوة إلى الله، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق.
الدنيا لا تتناقض مع الإيمان والعمل الصالح والسعي للآخرة :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
أجمل بيت عمرته، هذا تجلس به دائماً؟ لا، يجب أن تخرج منه لكن لن تخرج عامودياً بل أفقياً، أي بيت تسكنه مهما كان فخماً، لابد من أن تخرج منه بشكل أفقي، بنعش، هل هناك أحد لا يموت؟ الناس كلهم، يكون ساكناً ببيت، والله أحياناً أدخل لبيوت أقول هذا البلاط من اختاره؟ المرحوم، من اختار هذا الجبصين، شيء رائع جداً؟ من اشترى الثرية؟ المرحوم، من اشترى السجادة؟ المرحوم، أين هو المرحوم؟ هذه الحياة هكذا، أنا أتكلم بالواقع يا أخوان، والله أحياناً يكون هناك تعزية بأحد أفخم أحياء دمشق، البيت سعره يقدر بمئة وثمانين مليوناً، أحياناً أحضر التعزية، قد تكون قرابة، أقول هذا البيت، من كساه؟ الذي كساه جالس بباب صغير بالقبر، هل هذا الكلام صحيح؟ الذي اشترى البلاط، واختار هذا المنجور، واختار الجبصين، اشترى الثريات، هذا الطقم من الكنبات سعره ثلاثة ملايين اشتراه من إيطاليا، أين هو صاحب البيت؟ بباب صغير، البطولة أن تهتم بمثواك الأخير، اقرأ كل النعوات وسيشيع إلى مثواه الأخير؛ في باب صغير مثلاً، أو في المهاجرين، هذا المثوى الأخير، مادام القبر هو المثوى الأخير، ما هو المثوى المؤقت؟ بيتك، بقدر ما تعتني به هو مثوى مؤقت.
والله أعرف شخصاً اشترى بيتين، بلاطة كاملة بالطابق الثاني عشر، مطل على الشام، وبقي سنتين يكسو هذا البيت، قال لي مهندس يعمل عنده: أذواقه ليست معقولة إطلاقاً، أفضل نوع من الرخام، حتى هناك نوع شفاف وضع تحته إضاءة، انتهت الكسوة، وانتهى أجله مع انتهاء الكسوة، وغادر الدنيا.
هذه الحياة، معي مئة قصة بهذا الموضوع، فأنت فكر بالآخرة، اشتغل، أسس عملاً، ادرس ، خذ دكتوراه، توظف، تزوج، أنجب أولاداً، هذا كله وفق منهج الله، هذا ضروري، لكن إياك أن تنسى الآخرة، إياك أن تنسى الجنة والنار، إياك أن تنسى العمل الصالح، إياك أن تنسى طاعة الله، إياك أن تنسى الاستقامة، الدنيا بمصادر مشروعة، وبمنهج مشروع، لا شيء فيها، لكن هذه لا تتناقض مع الإيمان، والعمل الصالح، والسعي للآخرة.
العاقل من يعد لساعة الموت عدتها :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ﴾
إلى متع الأرض، إلى البيت، تجد كلما تكلفه بعمل، يؤثر الراحة في البيت فقط، ينسحب من أي عمل صالح، يعتذر، تطلب منه مبلغاً مثلاً لجامع، لشيء عمل دعوي، والله لا يوجد معي، نقدي لا يوجد معي، كلها أموال جاهدة:
﴿ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾
والله مرة شيعنا أخاً من أخواننا، دفن أمامي، وضع في القبر، كشف عن وجهه ثم أهالوا عليه التراب، طبعاً وضعوا البلاطة وأهالوا التراب، وانتهى، والله الذي لا إله إلا هو، ما رأيت على وجه الأرض إنساناً أعقل ولا أذكى ممن يعمل لهذه الساعة، لساعة الموت، يستطيع واحد من الحاضرين وأنا معكم أن يقول: أنا لا أموت، مستحيل!.
إنسان في مصر يعمل بالفن، سمعت عنه، أنه لم يأكل بحياته طعاماً في المساء، حفاظاً على صحته، يأكل فواكه، و لم يركب طائرة بحياته خوفاً أن تسقط فيموت، وله قصص طويلة، ووصل للسادسة والتسعين، لكن بعد ذلك مات.
كل مخلوق يمـــــوت ولا يبقى إلا ذو العزة والـجبروت
* * *
والليل مهما طـــــال فلابد من طلوع الفـــــــجر
والعمر مهما طـــــال فلا بد من نزول القـــــــبر
* * *
وكل ابن أنثى ولو طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمــول
فإذا حملت إلى القبور جنــازة فاعلم أنك بعدها محمـــــول
* * *
متاع الحياة الدنيا قليل إذا قيس بالآخرة :
قال:
﴿ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾
إلهك الذي خلقك للجنة ينصحك، قال لك: متاع الحياة الدنيا إذا قسته بالآخرة فهو قليل، متاع الدنيا قليل، كلها كم سنة، والله أنا كلما أسمع عن إنسان توفي، من باب الاستفهام أسأل: كم عمره؟ يقول لك: عمره سبعة و خمسون، ثمانية و أربعون، ثلاثة و ستون، واحد و سبعون، أكثر شيء يصل للسبعين تقريباً، للثمانين قلائل، ينهي دراسته، يأخذ لسانس، يتعين بوظيفة، ويتعين بأربع أو خمس محافظات بعد ذلك ينتقل إلى الشام، عندما يأتي إلى الشام يكون عنده بيت صغير يقوم بكسوته، يؤسسه، راح من عمره خمسون سنة، هذه الدنيا، انظروا يا أخوان، هذه نصيحة إلهية لنا جميعاً،
﴿ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾
﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ ﴾
[سورة النساء الآية: 77]
أي كم سنة؟ الآن إذا أراد إنسان أن يعمل إحصاء دقيقاً، عاش ثلاثاً و ستين سنة، كم مرة عزم فيها؟ وكم مرة عمل نزهة؟ عدة مرات فلإنسان بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه.
مادام القلب ينبض فباب التوبة مفتوح :
أما الآية الكريمة:
﴿ إِلَّا تَنْفِرُوا ﴾
من محبته لكم، من حرصه عليكم، من حبه لكم،
﴿ إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
إنسان بدوي عنده أرض بشمال جدة، فلما توسعت جدة، ارتفعت أسعارها ارتفاعاً كبيراً، لكن هو لا يوجد عنده خبرة بالأسعار، باع هذه الأرض لمكتب عقاري خبيث جداً، اشتراها بربع قيمتها، ضحكوا عليه، فهؤلاء الثلاثة عمروها بناية مؤلفة من اثني عشر طابقاً، قصة واقعية، فأحد الشركاء وقع من الطابق الثاني عشر إلى الأرض، فنزل ميتاً، الثاني دهسته سيارة، فانتبه الثالث، ربط هذه القصص بموضوع أن أخذوا الأرض بربع قيمتها، فبحث عن صاحب الأرض حوالي ستة أشهر، وأعطاه ثلاثة أمثال قيمتها، فهذا البدوي قال له: ترى أنت لحقت حالك، وأنا أقولها لكم وأقولها لنفسي: مادام القلب ينبض فعلى الإنسان أن ينتبه، كل شيء يحل في الدنيا، توبة نصوح.
((لو بلغتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السماءِ، ثم استَغْفَرتَني غَفَرْتُ لك، ولا أُبالي ))
[أخرجه الترمذي عن أنس بن مالك]
مادام القلب ينبض فالتوبة مقبولة، توبة كاملة، اعمل توبة نصوحة، واعمل برنامجاً دينياً، وأدِ الصلوات الخمس أداء متقناً، وأنفق جزءاً من مالك، واذكر الله عز وجل، واقرأ القرآن، حتى الله عز وجل يقبلك في عباده الصالحين.
والحمد لله رب العالمين
http://www.nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=7754&id=97&sid=101&ssid=257&sssid=258