الحقوق محفوظة لأصحابها

محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله بيته الطيبين الطاهرين وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

أغبى أغبياء أهل الأرض من يضع نفسه في خندق معادٍ للحق:

أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الثامن والعشرين من دروس سورة التوبة، ومع الآية الثانية والثلاثين وهي قوله تعالى:

﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾

أخواننا الكرام، هذا الذي يضع نفسه في خندق معادٍ للحق، هو من أغبى أغبياء أهل الأرض، لأن الحق هو الله، والله بيده كل شيء، الحق هو الله، والله فوق كل شيء، والآية الكريمة:

﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

[سورة يوسف الآية:21]

أنت تريد وأنا أريد والله يفعل ما يريد، وإذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ ويا ربي ماذا فقد من وجدك؟ وماذا وجد من فقدك؟.

لذلك هؤلاء الذين شردوا عن الله، الذين غفلوا عن هذا الإله العظيم، الذين غفلوا عن دينهم القوي، هؤلاء بسذاجة ما بعدها سذاجة، وبجهل ما بعده جهل، يتوهمون أن بإمكانهم أن يفسدوا على الله هدايته لخلقه.

لا تستطيع جهة في الأرض من آدم إلى يوم القيامة أن تفسد على الله هدايته لخلقه:

أخواننا الكرام، الحقيقة التي أتمنى أن تكون واضحة وضوح الشمس لا تستطيع جهة في الأرض من آدم إلى يوم القيامة مهما قويت أن تفسد على الله هدايته لخلقه، ولكن هؤلاء الذين سمح الله لهم أن يكونوا طغاةً في الأرض ما سمح لهم أن يكونوا طغاةً إلا والله يوظف طغيانهم لخدمة دينه والمؤمنين من دون أن يشعروا، ومن دون أن ينتبهوا، ومن دون أن يريدوا، وبلا أجر، وبلا ثواب، طالبوني بالدليل، لأنه لولا الدليل لقال من شاء ما شاء، قال تعالى:

﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾

[سورة القصص]

الله تعالى لن يسمح لطاغيةٍ أن يكون طاغية إلا ويوظف طغيانه لخدمة دينه والمؤمنين:

الآن دقق:

﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾

[سورة القصص]

اعتقد معي يقيناً أن الله لا يسمح لطاغيةٍ أن يكون طاغيةً إلا وأن يوظف طغيانه لخدمة دينه والمؤمنين، من دون أن يشعروا، ومن دون أن ينتبهوا، ومن دون أن يريدوا وبلا أجر وبلا ثواب، في النهاية الله عز وجل مع المؤمنين، لذلك:

﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ ﴾

صدقوا ولا أبالغ، لو أن واحداً أمامكم أراد بغباء ما بعده غباء أن يتوجه إلى الشمس وينفخ عليها ليطفئ نورها، بمَ تحكمون عليه؟ إنسان في الأرض توجه إلى الشمس ونفخ فيها وفي تصوره أن تطفأ، فهذا الذي يقاوم الحق كهذا الإنسان.

﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا ﴾

ليس نور الشمس، نور الله، الذي بيده كل شيء، بيده أن يرفعك، هو الرافع، هو الخافض، هو المعطي، هو المانع، هو المعز، هو المذل، بيده كل شيء وإذا كان الله معك فمن عليك؟ من هو البطل؟ الذي ينصر الحق، من هو الأحمق؟ الذي يقف في خندق معاد للحق.

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ﴾

[سورة الأنفال الآية:34]

هذا كلام رب العالمين،

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ﴾

كل إنسان ليس بينه و بين الله وسيط:

﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾

، هذا الدين كالهواء للمؤمنين، كالهواء لكل بني البشر، لا تستطيع جهة أن تمنعه، ولا أن تحتكره، هذه جهة تكون غبية غباء لا حدود له حينما تفكر أن تمنعه عن الناس، لأنه ليس بينك وبين الله وسيط، إذا قلت يا رب قال الله لك: لبيك يا عبدي، يا ربي لقد تبت إليك، يقول لك: عبدي وأنا قد قبلت، فالذي بينك وبين الله لا تستطيع جهة بالأرض أن تصل إليك.

﴿ قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى * قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾

[سورة طه]

أخواننا الكرام، المؤمن ينبغي أن يعتز بالله.

﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

[سورة آل عمران]

﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾

حاجة الإنسان إلى الدين كحاجته إلى روحه:

أخواننا الكرام، مرة كنت في بلد ليس عربياً، لكنه مسلم، وزرت المتحف، وقفت أمام ساعة ضبطت على الساعة التاسعة والخمس دقائق، فسألت عن سبب ضبط هذه الساعة، فقيل لي: هذه الساعة مات فيها الذي أراد إلغاء الإسلام في بلده كلياً، والذي قتل خمسمئة ألف من طلاب العلم - قصة قديمة - سبحان الله! فقلت في نفسي: آلاف الطغاة جاؤوا إلى الأرض وماتوا، بل أرادوا قبل أن يموتوا أن يلغوا الإسلام في بلادهم، ماتوا وبقي الإسلام شامخاً في بلادهم.

فلذلك مرة ثانية: إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ نحن في:

(( دار ابتلاء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي ))

[ من كنز العمال عن ابن عمر ]

لذلك افعل كما تشاء، الحق باقٍ إلى يوم القيامة، لكن دوائر الحق تتسع أحياناً وتضيق أحياناً أخرى.

﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾

[سورة هود الآية:7]

في عصر يكون الحق قوياً، وفي عصر يكون الحق ضعيفاً.

﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾

[سورة آل عمران الآية:140]

لو أن الحق كان قوياً إلى أبد الآبدين لظهر النفاق في الأرض، ولو أن الباطل كان قوياً إلى أبد الآبدين ليئس الناس من رحمة الله،

﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾

، تارة يقوى أهل الحق، وتارة يضعفون، لكن المؤمن لا يبدل ولا يغير.

﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾

لي مقولة: أنك إذا دعمت الدين يقوى، وإذا حاربته يقوى أكثر، مشكلة كبيرة، تدعمه يقوى، تحاربه يقوى أكثر، هذا الدين هو الهواء لكل البشر، حاجتنا إلى الدين كحاجتنا إلى أرواحنا.

المحاولات التي أرادت أن تقوض دعائم هذا الدين باءت بالإخفاق:

لذلك الشعوب التي ما عرفت الرسالات السماوية، ماذا فعلوا؟ اخترعوا آلهة، في الهند يعبدون البقر، في مكان آخر يعبدون الحجر، في مكان آخر يعبدون الشمس والقمر، الإنسان خُلق ضعيفاً، هذا الضعف يقتضي أن تؤمن بجهة قوية تلوذ بها، تحميك، ترجع إليها، فالمسلمون والفضل لله عز وجل عرفوا الإله الحقيقي، عرفوا خالق السماوات والأرض، شعوب أخرى توهمت إلهاً، أحياناً تقف البقرة في عرض الطريق فيقف السير، الإله واقف، تدخل إلى محل أغذية تأكل ما تشتهي وصاحب المحل في أعلى درجة من السعادة، لأن الإله عنده، هناك من يعبد البقر، هناك من يعبد الشمس والقمر، والفضل الذي أكرمنا الله به أننا نعبد الله، خالق السماوات والأرض.

﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ﴾

، هذا الحق، لو لم يكن حقاً لتلاشى من مئات السنين، والله المؤامرات التي حيكت ضد المسلمين عبر التاريخ تفوق حدّ الخيال، وبالنهاية الحق شامخ وواضح وقوي، وهذا الحق الله عز وجل يدعمه وينصر أهله.

لذلك هذا الذي يريد أن يطفئ نور الله، أو يريد أن يلغي درساً مثلاً، أن يلغي علاقة طيبة مع الله، أن يلغي شعيرة من شعائر الله، هذا الإنسان يرتكب حماقة ما بعدها حماقة، لأنه يعبر عن بعده عن الله أولاً، ويخسر المعركة ثانياً، والتاريخ الإسلامي يشهد بذلك، والمحاولات التي أرادت أن تقوض دعائم هذا الدين لا تعد ولا تحصى، ولكنها جميعاً باءت بالإخفاق.

﴿ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ﴾

لأن الله تولى بذاته العلية هداية الخلق، والدليل:

﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾

[سورة الليل]

تولى بذاته العلية هداية الخلق.

من يبحث عن الحقيقة يتولى الله بذاته العلية هدايته:

أنا الذي أؤمن به قطعاً لو إنسان بأقصى مكان في الأرض بحث عن الحقيقة، وتمنى أن يهتدي إليها، يتولى الله هدايته، والدليل الرائع:

﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ ﴾

[سورة الأنفال الآية:23]

لو عندك من الخير قيد أنملة لسمعت الحق.

مرة التقيت مع مندوب شركة من هولندا، حدثته عن بعض الآيات الكونية الدالة على عظمة الله، قال لي بالحرف الواحد: هذه الموضوعات لا تعنيني، ولا أهتم لها، ولا ألقي لها بالاً، إنما يعنيني امرأة جميلة، وبيت واسع، ومركبة فارغة، فأنا تذوقت قوله تعالى:

﴿ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾

[سورة الأنفال الآية:23]

﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾

بطولة الإنسان أن ينصر الحق و يكون معه:

لذلك أيها الأخوة، كل بطولتك أن تنصر الحق، أن تكون مع الحق، أحياناً ابتلاءات الله كبيرة جداً، فالصحابة الكرام في معركة الخندق:

﴿ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً ﴾

[سورة الأحزاب]

حتى قال أحدهم: أيعدنا صاحبكم أن تفتح علينا بلاد قيصر وكسرى وأحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته؟

﴿ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً ﴾

وأحياناً حينما يقوى الباطل ويسيطر ويهيمن، وقد يفعل فعلاً لا يرضي الله، ضعاف الإيمان يتزلزلون.

﴿ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً ﴾

[سورة الأحزاب الآية:12]

المؤمن الصادق واثق من نصر الله عز وجل:

لكن الله يقول:

﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾

[سورة الأحزاب]

نسأل الله جلّ جلاله أن نكون من الذين لم يبدلوا تبديلاً، والله الذي لا إله إلا هو، أنا أتحدث عن مؤمن، لو لم يبقَ على وجه الأرض من المؤمنين إلا هو لكان واثقاً من نصر الله.

﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾

[سورة غافر الآية:51]

﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾

بكلمات، أي يتوهم إنسان ساذج أنه بمقالتين، بإلقاء كلمة، بتأليف كتاب، ينهي الدين، أي لا يوجد قوة على وجه الأرض تستطيع أن تزلزل هذا الدين، لأنه دين الله.

والذي قاله مرة أحد زعماء قريش: إن للبيت رباً يحميه، وإن لهذا الدين إلهاً عظيماً يحميه، وقد ينصره بأعدائه من دون أن يشعروا، ومن دون أن يريدوا، وبلا أجر وبلا ثواب.

﴿ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾

لأن الله تولى بذاته العلية هداية خلقه، والله عز وجل كما ترون الأحداث كلها تسير لصالح المؤمنين في النهاية.

خلاص العالم بالإسلام:

أيها الأخوة،

﴿ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ﴾

في أي بلد، في أي مكان، في أي زمان، في أي عصر، في أي مصر.

﴿ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ﴾

أنا أقول من أعماق قلبي: هنيئاً لمن عرف الله، هنيئاً لمن تفانى في طاعته، هنيئاً لمن دعا إليه، هو المنتصر، هؤلاء الذين عارضوا النبي عليه الصلاة والسلام، من هم؟ زعماء، أقوياء، أغنياء، أين هم اليوم؟ في مزبلة التاريخ، هؤلاء الشباب الضعاف الفقراء الذين وقفوا مع النبي أين هم؟ تقول: سيدنا بلال، سيدنا معاذ، هؤلاء سادة، كانوا ضعافاً، كانوا فقراء، لكن الله سبحانه وتعالى رفع قدرهم، ورفع شأنهم، أعلى مكانهم، أسماؤهم في لوحة الشرف.

أخواننا الكرام، عالم من أمريكا هداه الله إلى الإسلام، وزار الجالية الإسلامية في بريطانيا، وقال مقالة أمام أحد علماء الإعجاز العلمي في لندن، هذه الكلمة مؤثرة جداً، قال: أنا لا أصدق أن يستطيع العالم الإسلامي اللحاق بالغرب، على الأقل في المدى المنظور، لاتساع الهوة بينهما، ولكنني مؤمن أشد الإيمان أن العالم كله سيركع أمام أقدام المسلمين، لا لأنهم أقوياء، ولكن لأنهم خلاص العالم بالإسلام، الإسلام يحرم الخمر.

الاتحاد السوفيتي الذي رفع شعار لا إله اعتنق الإلحاد، هذه الدولة العملاقة قبل أن تنهار من الداخل حرمت الخمر قبل انهيارها بسنوات، وصار هناك ضريبة وعقوبة كبيرة جداً لمن يشرب الخمر، معنى ذلك خضعوا لا عن عبادة أبداً، ولا عن إيمان، ولكن وجدوا أن الخمر تدمر الأمة، تشل قدراتنا، عقب انهيار النظام العالمي العملاق، النظام العالمي المالي القائم على الربا، عقب انهياره قبل سنوات تمّ إعلان إفلاس مئة و خمسة و خمسين مصرفاً في أمريكا، الأزمة العالمية المالية، لماذا؟ لأن هذا النظام العالمي المالي العملاق يقوم على الربا، وتأتي الآية الكريمة:

﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾

[سورة البقرة الآية:276]

معلوماتي الدقيقة أن هناك دراسات دقيقة وجادة وعميقة في العالم الغربي، دراسات للاقتصاد الإسلامي، وسوف تنشأ مصارف على التراب الأوروبي تعتمد النظام الإسلامي، هذا معنى قوله تعالى:

﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ﴾

[سورة التوبة الآية:33]

اعتماد أعداء الإسلام على النظام الإسلامي الأسري و الاقتصادي بدافع المصلحة:

أخواننا الكرام، هناك دراسات الآن حول الاقتصاد الإسلامي تفوق حدّ الخيال، هذا الاقتصاد هو منهج الله عز وجل، لذلك قال تعالى:

﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ ﴾

الحق الشيء الثابت والهادف

﴿ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ﴾

أي هناك مشكلة يعاني منها الغرب أنهم لا طلاق عندهم، الفاتيكان قبل أعوام- أعتقد عشر أعوام- سمح بالطلاق، فتقدم مليون طلب في يوم واحد،

﴿ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ﴾

أنا أقول لكم وأعني ما أقول: في النهاية النظام الإسلامي المالي، النظام الإسلامي الأسري، هذا الذي جاء به الإسلام، سوف يعمل به أعداء الإسلام، لا عن إيمان ولا عن اعتقاد ولكن بدافع المصلحة، وكلما تقدم العلم اقترب من الدين، لذلك:

﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ﴾

﴿ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾

[سورة التوبة]

وأي نظام وضعي لا يصمد لعقدين من الزمن، لكن هذا النظام الإلهي نظام أبدي لأنه من عند الخالق، من عند خالق السماوات والأرض.

المؤمن يلقي الله في قلبه نوراً يرى فيه الحق حقاً والباطل باطلاً:

أيها الأخوة،

﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى ﴾

الهدى، تصور الهدى ضوءاً كشافاً أمامك، الحفرة تراها تبتعد عنها، الأفعى تراها تقتلها، الأكمة تراها تحيد عنها، الحفرة تراها كأنك تستعين بضوء كشاف، والدليل:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ﴾

[سورة الحديد الآية:28]

المؤمن يستنير بنور الله، المؤمن يلقي الله في قلبه نوراً، يرى فيه الحق حقاً والباطل باطلاً، يرى فيه الخير خيراً والشر شراً، المؤمن يهتدي بنور الله.

﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ ﴾

هذا الدين يدينون له كل البشر، يخضعون له، فأنت حينما يقال لك: 2+2=4 تسكت، لو قلت 2+2=7 هناك من يعترض، ما هو الدين؟ الذي تخضع له عن قناعة، تخضع له عن إيمان، تخضع له عن فطرة، تخضع له عن اقتناع، دان له أي خضع له، فالإنسان يخضع للحق الذي من عند الله.

(( إني والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر سواي، خيري إلى العباد نازل، وشرهم إلي صاعد، أتحبب إليهم بنعمي، وأنا الغني عنهم، ويتباغضون إلي بالمعاصي وهم أفقر شيء إلي، من أقبل على منهم تلقيته من بعيد، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب، أهل ذكري أهل مودتي، أهل شكري أهل زيادتي، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، ابتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب، الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد، والسيئة بمثلها وأعفو وأنا أرأف لعبدي من الأم بولدها ))

[ رواه البيهقي والحاكم عن معاذ، والديلمي وابن عساكر عن أبي الدرداء ]

الحق الشيء الثابت والهادف والباطل الشيء الزائل والعابث:

﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ ﴾

الحق الشيء الثابت والهادف، والباطل الشيء الزائل والعابث، أحياناً ينشأ سيرك يأتون بفيلة، وبعض الوحوش، وبعض الألعاب البهلوانية، هذا السيرك مؤلف من خيمة، لأنه مؤقت، أما حينما تبني جامعة فهذه تبنى لتبقى، هناك جامعات بنيت من خمسمئة عام، وهي شامخة إلى الآن، فالفرق بين الحق والباطل، الحق الشيء الثابت الدائم والهادف، الجامعة مهمتها الأولى أن تربي قادة للأمة جامعة، أما السيرك فهدفه المتعة، متعة آنية، لذلك المكان قماش، ألعاب بهلوانية، ألعاب الحيوانات، هذه هو السيرك، الحق الشيء الثابت والهادف، والباطل الشيء الزائل والعابث، قال تعالى:

﴿ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ﴾

[سورة الإسراء]

أي هذا النظام الذي رفع شعار لا إله في الشرق استمر كم سنة؟ سبعون عاماً، بعدئذٍ انهار وانتهى، تداعى من الداخل من دون حرب، لأنه باطل،

﴿إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ﴾

الحق الثابت والهادف، والباطل الزائل والعابث، الباطل عبث والباطل زائل، والحق الثابت والهادف.

إذاً:

﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ﴾

، وأي نظام وضعي فيه ثغرات، هذه الثغرات تكتشف بعد حين، ولا يرضاها الإنسان.

حاجة العالم إلى الإسلام لا عن إيمان و اعتقاد ولكن عن مصلحة:

﴿ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ﴾

العالم الآن بحاجة إلى إسلام، لا عن إيمان، ولا عن اعتقاد، ولكن عن مصلحة، فلذلك - وصدقوا ولا أبالغ - البلاد القوية من دون أن تشعر ومن دون أن تريد تطبق الإسلام كمصلحة، أي الإيجابيات في العالم الغربي إيجابيات إسلامية، لأن هذا العالم أراد أن يكون قوياً أعطى الإنسان حقه، عندما أعطاه حقه تماسك المجتمع، وأي نهضة لا تعتمد هذا الدين العظيم لا يكتب لها النجاح.

﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾

أي اشكروا الله عز وجل، نحن إيماننا ثابت وهادف، إيماننا لا يتزعزع، الأحداث كلها التي تجري في الأرض لصالح هذا الدين، وفي النهاية الذي أراده الله لهؤلاء المسلمين أراد لهم الخير، أراد لهم القوة والتفوق، وكل الأحداث تجري لصالح المسلمين، مع مد وجزر أحياناً.

﴿ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾

سبحان الله! مرة كنت في مدينة، يمكن هي أقصى مكان في الأرض نحو الجنوب، اسمها ملبورن، في أستراليا، هذه المدينة على الساحل الجنوبي لأستراليا، وأستراليا أخفض قارة في الأرض، أي لا يوجد مدينة بعدها إطلاقاً إلا القطب الجنوبي، بهذه المدينة مسجد، و إذاعة إسلامية، و جالية إسلامية، ماذا قال النبي الكريم؟

(( ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار))

[خرجه الطبراني والإمام أحمد عن تميم الداري]

الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم في حدود ما يعلم و مع من يعرف:

لذلك الله عز وجل حينما أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله وأينما تذهب، هناك بلاد كثيرة زرتها، من كندا إلى البرازيل إلى السويد إلى النرويج إلى ألمانيا إلى إيطاليا إلى فرنسا أينما ذهبت هناك إسلام، هناك دعوة دينية، وجالية إسلامية، ومساجد، وإذاعة، و مؤلفات.

(( ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار))

هذا دين الله عز وجل، لكن الله سبحانه وتعالى ترك لنا أن ننصره.

﴿ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ﴾

[سورة محمد الآية:4]

فهنيئاً لمن سمح الله له أن يدعو إليه، وهنيئاً لمن وفقه الله في الدعوة إلى الله، لأن الله تعالى يقول:

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[سورة فصلت]

وسوف أوضح لكم أن هناك دعوة إلى الله هي فرض عين على كل مسلم، لا يعفى منها إنسان، فرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف فقط، سمعت درساً لك زوجة حدثها عنه، سمعت خطبة تأثرت بها حدث عنها شريكك بالمحل، أقرباءك، اجعل حديثك في أثناء الأسبوع متعلقاً بما سمعت من حق.

(( بلِّغُوا عني ولو آية ))

[أخرجه البخاري والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص]

هذه دعوة إلى الله تعد فرض عين على كل مسلم.

﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ﴾

والله الآن أيها الأخوة، كنظام يحقق مصالح البشر، ليس هناك إلا الإسلام:

﴿ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾

من لا يدعو إلى الله على بصيرة ليس متبعاً لرسول الله:

أيها الأخوة، أنت حينما تعتقد أن الدعوة إلى الله فرض عين، لا بدّ من أن تدعو إلى الله، أقول لك مثلاً: أنت لماذا تصلي؟ طبعاً هناك إجابة سهلة جداً، لأنها فرض، هل تعتقد يقيناً أن الدعوة إلى الله فرض عين؟ تسألني هل هناك دليل؟ الدليل:

﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾

[سورة يوسف الآية:108]

فإن لم تدعُ إلى الله على بصيرة، قطعاً أنت لست متبعاً لرسول الله، والآية تقول:

﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾

[سورة آل عمران الآية:31]

الدعوة إلى الله فرض عين في حدود ما تعلم، سمعت درساً، سمعت تفسير آية، سمعت خطبة، بلغ مضمونها لمن حولك، زوجتك، أولادك، أقرباؤك، شركاؤك بالعمل.

((بلِّغُوا عني ولو آية))

[أخرجه البخاري والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]

هذا أول دليل، الدليل الثاني:

﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾

[سورة العصر]

﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ﴾

؛ أي ادعوا إلى الله، هي فرض عين على كل مسلم، أما فرض الكفاية فيحتاج إلى تفرغ، وإلى تبحر، وإلى تعمق، فرض الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الكل، أي إنسان متخصص بالشريعة بعمق كبير، هذا إنسان آخر، هذا قام بما يسمى بفرض الكفاية، أما فرض العين فعلى كل واحد منكم.

((بلِّغُوا عني ولو آية))

حضرت درساً، سمعت خطبة، قرأت مقالاً، تأثرت، بلغ هذا المقال لمن حولك.

إذاً:

﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ﴾

، وسوف ترون أن هذا الدين هو الدين الذي سوف يسود العالم،

﴿ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾

والحمد لله رب العالمين

http://www.nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=6927&id=97&sid=101&ssid=257&sssid=258