بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى رمضان وانتهت أيامه الجميلة وقلب كل منا متعلق به. بالأمس كنا نقول غدا رمضان، وكنا نقرأ قول الله تبارك وتعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ ..." (البقرة: 183،184) سبحان الله الآن نقول غدا العيد، فعلاً "أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ"، كل عام والجميع بخير، فليتقبل الله الصيام والقيام منا ومنكم ، ونتمنى للجميع الفرحة والسعادة في العيد، وجمع شمل بيوتكم والعائلة كلها في العيد، اليوم آخر حلقة من برنامجنا (الجنة في بيوتنا) في رمضان، وبإذن الله نستكمل الجزء الثاني بعد رمضان.
حلقة اليوم، مراجعة للأفكار والقواعد التي سبق وتحدثنا عنها، فهدفنا كان لَم شمل الأسرة والتآلف الأسري؛ يكفينا جزر منعزلة، سيتحقق هذا الهدف من خلال قواعد وأننا لن ندخل في تفاصيل مشاكل الأسر، ولكننا سنتحدث عن القواعد السهلة والبسيطة والأساسية والهامة التي ستساعد بعد ذلك على حل المشكلات، وخرجنا بحوالي عشرين قاعدة في ثلاثين يوما.
ظروف وملابسات حول البرنامج:
سألنا من حولنا قبل بداية البرنامج عن وقت العرض، وهل سيكون متناسبا والشهر الكريم أم لا – خصوصا- وأن الفكرة جديدة؟ وكانت أغلب الإجابات بعدم مناسبة الوقت، وأن شهر رمضان شهر روحانيات فقط، ولكن في الحقيقة كان لدينا وجهة نظر أخرى ألا وهي:
· إن رمضان شهر الإصلاح والتغيير.
· إن الروحانيات تم تقديمها في سنين عديدة وستظل تُقدم.
· إن المسلمين على مدى التاريخ قد اختاروا رمضان ليكون شهر الجهاد والحروب، كما اختار النبي صلى الله عليه وسلم هذا الخيار أثناء فتح مكة حيث تم في رمضان، فكيف ننظر إليه بعد ذلك على أنه روحانيات فقط؟
· بالإضافة إلى أن الشهر الكريم به ميزة نسبية لابد من استغلالها وهي أنه شهر تجمع العائلة كل يوم على الإفطار شئنا أم أبينا.
· كما أن الشياطين تكون مسلسلة في رمضان، يقول النبي صلى الله عليه سلم: (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وُصفدت الشياطين)، والشياطين تعمل على إفساد البيوت، ففي حديث نبوي في صحيح مسلم أن إبليس يضع عرشه على الماء وينادي في الشياطين: أيكم أكثر فتنة وإفسادا لبني آدم أقربه مني، وهو ابني، ومعي على العرش، فيأتيه أحد من الشياطين فيقول له: ما زلت بفلان حتى سرق، فيقول له: لم تفعل شيئا، سيتوب. فيأتيه آخر ويقول له ما زلت بفلان حتى فعل كذا، فيقول له: لم تفعل شيئا، سيتوب. حتى يأتيه أحد الشياطين ويقول له: ما زلت بفلان حتى فرقت بينه وبين أهله، فيقول له: أنت ابني، أنت ابني، ويُجلسه معه على العرش. وفعلاً، ما لمسناه من الناس في رمضان والتفاعل والتغيير الذي حدث أخبرنا بأننا كنا نسير على الطريق الصحيح الحمد لله.
كيف تم إخراج هذا العمل؟
فكرة الإعداد لهذا البرنامج بدأت منذ عامين أثناء عملنا في برنامج "على خطى الحبيب" و"باسمك نحيا" و"دعوة للتعايش"، حيث قمنا بعمل بحث ميداني بكل المشاكل الموجودة في العالم العربي وتحليلها بمساعدة فريق بحثي متخصص، ووقع الاختيار على أربع دول لكي تكون مناطق مُمثلة للعالم العربي باختلاف أجزائه وهي: المغرب والسعودية ومصر والأردن.
كذلك قمنا بتجميع ما كُتب من رسائل ماجستير أو دكتوراه في جامعتي القاهرة وعين شمس في آخر عشر سنوات عن الأسرة، وقمنا بتلخيصها جميعا في بحث صغير قامت به جهة بحثية في مصر، ثم كونا فريقا من العلماء المتخصصين (أ/ علم الاجتماع في جامعة الأزهر، أ/ علم الاجتماع في الجامعة الأمريكية، أ/ علم التربية في جامعة القاهرة، مفتي مصر السابق، مجموعة من العلماء) وطلبنا منهم حلول للمشكلات التي تم تجميعها، وطريقة عرضها.
وأخيرا، كان يأتينا على موقعنا (عمرو خالد دوت نت) حوالي ألف رسالة في اليوم الواحد خلال السنتين أو الثلاثة المنصرمة، فتكوَّن فريق كبير يبحث في هذه الرسائل لاستخراج المشكلات منها، فنمى داخلنا استيعاب كبير لمشاكل الناس الحقيقية وأصلها.
وفي النهاية نتج عن كل ما سبق شيئان:
1) عشرون قاعدة أساسية يجب أن تتوافر في العائلة قبل التحدث عن أي مشكلات، وهذا ما تم تقديمه في رمضان.
2) تحليل للمشكلات وكيفية التعامل معها، وهذا ما سوف نتحدث عنه بعد رمضان.
ملخص لجميع الحلقات الماضية:
بدأنا الحديث بثلاث حلقات تمهيدية ثم حلقة حلم الأسرة وحلقة الجزر المنعزلة: فيها – جميعا- شرح للموضوع والفكرة. ثم أربع حلقات عن الأب وحلقتان عن الأم؛ لأن الأم غالبا ما تقوم بأكثر واجباتها فأحببنا أن نزيد من الحديث إلى الأب. ثم ست حلقات عن كيفية التعامل مع أبنائنا: كيف يتعامل الآباء والأمهات مع أبنائهم الشباب، ومن هذه الحلقة: لغة العاطفة (حلقتان)، كيف توجه أبناءك؟ (حلقتان)، العقوبة آخر البدائل (حلقتان)، بدأنا التحدث عن بر الوالدين: وبدأنا نكلم الأولاد ونقول لهم صاحبوا آباءكم وأمهاتكم بسبع طرق: شاورهم، اسمع آراءهم، ساعدهم في أمورهم، أدخل البسمة على قلوبهم، إياك وكسر قلبوهم، ادع لهم. بدأنا نتحدث عن الزوجين، ولم نطل هاهنا؛ لأننا سنتحدث عنهم بعد رمضان، لكن وضعنا قواعد للزوجين لعودة الحب إلى البيوت. تحدثنا عن صلة الرحم، وكيف يمكننا جمع شمل العائلة؟ ووضعنا أشكالا عملية. تحدثنا عن وجود هدف للأسرة، مثله مثل المغناطيس في الجذب ولكنه هاهنا لجذب الأسرة. وضعنا في النهاية قاعدة اسمها التقوى في العلاقات الزوجية، كيف تجعل الله بينك وبين زوجتك؟ وكيف تجعلين الله بينك وبين أبوكِ وأمكِ؟ حتى وصلنا إلى هذه الحلقة الختامية.
قواعد أساسية وهامة لا غنى عنها:
بعد ذلك وضعنا حوالي عشرين قاعدة من قواعد التآلف الأسري، بناءً عليها سيتم حل المشكلات، نذكر منها ما يلي:
القاعدة الأولى: اعبدوا الله معا.
القاعدة الثانية: الأسرة نعمة غالية جدا؛ فاشكر هذه النعمة التي لن تشعر بها إلا إذا فقدتها.
القاعدة الثالثة: جوهرية دور الأب، فالبيت بحاجة إلى كلٍّ من الأب والأم معا.
القاعدة الرابعة: أيها الأب، أحسن وسيلة فعالة لتربية الأولاد - وأنتِ أيضا أيتها الأم- هو أن تصمتا ولكن أن تكونا قدوة، وذلك في حلقة الأب القدوة.
القاعدة الرابعة: بالحب تكسب أكثر مما تكسب عندما تُخوف أبناءك، وكيف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان الأب الصديق لفاطمة الزهراء؟ وكيف كان حما سيدنا موسى الأب الصديق لابنته - في حلقة الأب الصديق-.
القاعدة الخامسة: الأم المحفزة للنجاح، وكيف أنها يد حنونة وفي الوقت ذاته يد تدفع إلى النجاح، في حلقات الأم.
القاعدة السادسة: لغة العاطفة قبل لغة العقل، املك قلب ابنك تصل إلى عقله.
القاعدة السابعة: الاحترام والتقدير، احترم أولادك وشاورهم وخذ آراءهم.
القاعدة الثامنة: العقوبة آخر البدائل، ووضعنا الروشتة التي تنص على أن لك من العقوبات ثلاث عقوبات فقط لا تتجاوزها خلال الشهر، أما إذا تجاوزتها فعليك بالبدائل الأخرى مثل العفو الإيجابي، والتحفيز، والمساعدة في إصلاح الأخطاء، وقصصنا عليكم كيف أن النبي كان يفعل هذه الأشياء؟ وكيف كانت أساليب التربية عنده صلى الله عليه وسلم؟
القاعدة التاسعة: صاحب أباك وأمك، وتكلمنا على أن القرآن دوما لا يتكلم عن العلاقة بالأب والأم إلا بكلمة (صاحبهما).
القاعدة العاشرة: الحب سلوك وأفعال، وكيف يمكن إرجاعه إلى البيوت مرة أخرى؟
القاعدة العاشرة: جمع شمل العائلة، يا ترى مَن ينوى على لَم شمل العائلة في العيد؟ مَن سيصنع صندوقا للعائلة في العيد لمن يريد أن يتزوج والمرضى في العائلة؟ ولماذا لا يكون اجتماع مجلس إدارة العائلة في العيد؟ وذلك في حلقات صلة الرحم.
القاعدة الحادية عشر: اختيار الصاحب الصالح، والمقصود بالصالح هو الناجح في حياته، ومن يتعامل مع أهله بكل خير، ويعرف ربه جيدا؛ حتى يرفع من همتك ويشُدك إلى النجاح وتعامل أهلك أنت أيضا بكل خير وتعرف الله جيدا؛ لأنك ستقوم بتقليده.
القاعدة الثانية عشر: وجود هدف واحد للأسرة، وقلنا إن هدف الأسرة كالمغناطيس يقوم بتجميع العائلة.
القاعدة الثالثة عشر: التقوى بين الزوجين وداخل العائلة. وقصدنا بالتقوى داخل العائلة أن تجعل الله بينك وبين كل علاقاتك داخل البيت.
هذه القواعد موجودة جميعها بالحلقات في شكل خريطة جميلة على موقع (عمرو خالد دوت نت)، وبجانب كل قاعدة ملخص بسيط لها تستطيع طباعتها؛ للاحتفاظ بها.
لقد لمست تأثير الحلقات على الشباب الذين يراسلوننى وأيضا في نطاق أسرتى. فلقد حكت لى سيدة كبيرة موقفا رقيقا حدث بينها وبين ابنتها التي تدرس في أمريكا، فتقول: لقد تأثرت كثيرا بالحلقة التي تحدثت عن لغة العواطف فقمت بكتابة رسالة قصيرة مشحونة بالعواطف إلى ابنتي، ففوجئت بها تبعث لي بريدا إلكترونيا طويلا لتستشيرني في أمور كثيرة فعجبت لتأثير لغة العاطفة علينا إلى هذا الحد. وحكى لي أيضا أحد الآباء بأنه بعد سماعه لحلقة جوهرية دور الأب قد عدّل مواعيد سفره لكي يستطيع أن يقضي العيد مع عائلته.
أدعو الله تبارك وتعالى لكل الأسر التي عبدت الله سويا في رمضان وملأوا بيوتهم بالطاعة والقرآن أن يخرجوا من هذا الشهر الكريم والجنة فعلا أصبحت في بيوتهم، و يتحقق اسم هذا البرنامج في حياتنا، ولا يستطيع الشيطان أن يدخل بيوتنا مرة أخرى مثلما قال النبى صلى الله عليه وسلم: (يا بني فلان إن الله أخرج الشيطان من بيتكم فلا تعيدوه إليه).
والآن أحب أن أوصيكم ببعض الوصايا:
1. حافظوا على الهمة العالية، فلا تتركوا العبادة والقيام والقرآن بعد رمضان، ومما يعينك على ذلك أن تجتمع الأسرة مرة واحدة أسبوعيا لقراءة القرآن والذكر والدعاء.
2. لا تعيدوا الشيطان إلى بيوتكم بعد أن أخرجه الله منه، فالشيطان يعود للبيوت المليئة بالشجار والفرقة والقسوة. يقول الله تبارك وتعالى: (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (سـبأ:20)، فالشيطان يظن فينا أن بيوتنا ستعود كما كانت، جافة وقاسية لذلك أوصيكم بالتراحم فيما بينكم وملء بيوتكم بالحب، والسكينة، والتفاهم حتى نخيب ظنه فينا.
3. ابدأ بنفسك في جمع شمل العائلة ولا تنتظر من الآخر أن يبدأ، فمبادرتك الإيجابية ستساعد في إعادة الألفة والمحبة بين أفراد الأسرة من جديد.
أسأل الله تبارك وتعالى أن يثيبنا على ما قدمنا من أجل الإسلام، من أجل لم شمل الأسرة، وكل عام وأنتم بخير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المصدر: http://www.amrkhaled.net/articles/articles2812.html