بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. مرحباً بكم وحلقة جديدة وعمر صانع حضارة، ولكن حلقة اليوم حلقة خاصة جدًا؛ فنحن الآن في ليلة السابع والعشرون من رمضان أي ليلة القدر كل عام وأنتم بخير؛ فدعونا اليوم قبل أن نتكلم عن سيدنا عمر بن الخطاب نتحدث قليلًا عن فضل ليلة القدر، ونربط بين أفعال عمر بن الخطاب وليلة القدر.
فضل ليلة القدر..
[... لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ {3} تَنَزَّلُ المَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ{4} سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الفَجْرِ{5}] {سورة القدر الآيات من 3 إلى 5}، هي ليلة سلام، ليلة يسالم فيها الله عباده، وتنزل حشود من الملائكة إلى الأرض في هذه الليلة المباركة، وفي هذه اللية فقط من كل عام ينزل سيدنا جبريل عليه السلام (الروح) إلى الأرض؛ فقد إنقطع نزوله إلى الأرض بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه كان مسئول عن إنزال الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم، وينزل في هذه الليلة بالذات ليتفقد القرآن في أمة القرآن.
ولماذا سميت هذه الليلة بليلة القدر؟!
لأن قدرها غالي عند الله ولها منزلة ومكانة عالية عنده عز وجل، [وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ القَدْرِ] {القدر:2}
إن لهذه الليلة أربع خصائص:
1- [لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ] {القدر:3} أي أن العبادة في هذه الليلة تعدل عبادة ألف شهر عبادة متصلة !! هل تتخيل ذلك!!
2- الدعاء في هذه الليلة مستجاب ولا يرد .. فكيثر من الدعوات التي دعوت بها في حياتي في العشر الأواخر من رمضان وأنا أتلمس ليلة القدر أجيبت ولله الحمد؛ فاستعد أنت بدعواتك التي تريد أن تدعي بها.
3- ليلة عتق من النار
4- ( من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدم من ذنبه )
الهدف من رمضان كافة وليلة القدر خاصة..
كيف نستطيع تمييز هذه الليلة عن باقي ليالي العشر الأواخر من رمضان ؟!! .. يستطيع تمييز هذه الليلة نفس مؤمنة حساسة .. تبتغي تقوى الله .. صامت رمضان بحق واستفادت منه .. وماهي الفائدة التي استفادتها هذه النفس المؤمنة الحساسة ؟!
إن أي شركة حين تأمر موظفيها بشيء جديد تخبرهم بالهدف من وراء هذا التكليف الجديد؛ وبالعائد الذي سيعود عليهم كأشخاص وكموظفين من هذا التكليف، ولله المثل الأعلى؛ فما الهدف من رمضان؟!
[...كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] {البقرة:183} الهدف من رمضان هو التدريب على التقوى، لتصبح نفسك حساسة ورقيقة ، ودليل التقوى صلة الرحم المقطوع ورد المظالم،
قصص من التقوى في حياة عُمر
· ذات يوم اعتلى سيدنا عمر بن الخطاب في الناس وقال: أيها الناس إنما كنت أرعى الإبل لخالاتي على قبضةٍ من تمر يعطينني إياها، يا أيها الناس إن كنتم لا تعلموا فاعلموا..!! ثم نزل عن المنبر بعد هذه الكلمات مباشرة، فاقترب منه علي ابن أبي طالب وقال له: يا أمير المؤمنين ما أراك إلا قد أهنت نفسك!!
فرد عليه عمر: وذلك ما أردت!! حدثتني نفسي أني أمير المؤمنين فأردت أن أعرفها مقامها!! وكان ذلك الفعل نوع من أنواع التقوى، فقد كان يريد أن يؤدب نفسه حتى لا يصيبه العجب فيتجرأ على ملك الله وخلق الله.
· وفي مرة أخرى كان عمر بن الخطاب يسير في الطريق فنادته أمرأة عجوز وقالت له .. يا عمر اتقي الله !! كنت تُنادى عميرًا وأنت تصارع الفتيان بمكة، ثم كبرت فنادوك عمرًا، ثم الآن ينادونك أمير المؤمنين فاتقي الله قبل الموت..
فبكى وقال لها: صدقتِ .. جزاكِ الله عني خيرًا ذكرتيني أني كنت عميرًا وعمرًا ثم قيل لي أمير المؤمنين، ثم اتخذ له مكان خلف جدار ليختلي بنفسه؛ إلا أن أحدهم سمعه وهو يقول لنفسه، أمير المؤمنين بخٍ بخٍ !! كنت عميرًا !! اتقي الله يا عمر اتقي الله يا عمر.
· كان من المعروف عن عمر ابن الخطاب أنه كان دائمًا يتجول وفي يده عصاه، وإذا رأى من يخطئ ضربه بتلك العصا، وذات مرة وهو يمر في الطريق وجد رجلًا وقد أخطأ في شيء ما فرفع عمر عصاه ليضربه بها، فقال له الرجل أخوفك بالله .. وأذكرك بالله، فأخفض عمر عصاه وقال له ذكرتني بعظيم!!. كم هي رائعة سرعة رد فعل عمر ابن الخطاب.
· ومرة أخرى كان يسير في الطريق ورأى شخص وقد أخطأ فضربه عمر بعصاه،
فقال له الرجل: أوجعتني!! ووالله ما أخطأت، فتبين عمر أن الرجل لم يخطئ بالفعل.
فقال له عمر :اقتص مني.
فرد الرجل :لا والله ولكن آخذها يوم القيامة.
فبكا عمر وقال له: اقتص مني لا تتركها ليوم القيامة، هل نستطيع أن نتعلم من عمر بن الخطاب حساسيته هذه؟!
وأخذ عمر يقول لنفسه: كنت ضالًا فهداك الله، كنت ذليلًا فرفعك الله، والآن تضرب الناس وتحمل رقاب الناس اتقي الله ماذا تقول لربك يا عمر؟!
فقال عمر للرجل: أأشتري منك مظلمتك؟!
فرد الرجل متعجبًا وهذه أول مرة يسمع فيها مثل هذا القول فقال له: نعم ادفع لي.
فقال له عمر: اكتب اشتريت من عمر ابن الخطاب مظلمتي ودفع لي كذا من المال.
عجبًا لتلك النفس الحساسة، عجبًا لهذه التقوى، تذكروا هذه القصص الرائعة التي قصصتها عليكم الآن كيف كان سلوك عمر في كل موقف، والأروع أن نقتدي به ونعمل على أن نكتسب رد فعله حين يتبين له الحق، أوحين كان يردعه أحدهم عما كان يظن هو أنه حق، تذكر كيف كان رده على تلك المرأة العجوز التي قالت له اتقي الله ؛ فاعتبر من كلامها وأخذ يوبخ نفسه خشية أن يعجبه مقامه كأميرًا للمؤمنين، واتقى الله وتراجع حين قال له الرجل أخوفك بالله، وظل يلح على الرجل ليقتص منه في الدنيا حين تبين له أنه ظلم الرجل وحين تمسك الرجل بأن يقتص منه يوم القيامه اشترى منه مظلمته ودفع له المال ليسامحه، ليس ذلك فحسب، ولكن يُذكر أيضًا أنه ذات مرة وهو يمر بالطريق ليلًا سمع صوت بكاء طفل صغير مع أمه فتأثر لبكائه
فقال لأم الطفل أسكتيه، إلا أن الطفل ظل يبكي ويبكي
فقال لها: ويحك ما به؟
فقالت له وهي لم تتعرف عليه أنه عمر: إن عمر لا يفرض أموال للمولود إلا عند فطامه، وأنا لا أرضعه لأفطمه ولذلك هو يبكي.
وفي صلاة فجر ذلك اليوم، ذهب عمر ليصلي بالناس ولم يكن عُمر يتمالك نفسه من البكاء، فذهب له علي ابن أبي طالب :قال له ما بك يا أمير المؤمنين؟!
فرد ابن الخطاب وهو يبكي: ويح أم عمر يوم القيامة، كم قتلت من أطفال المسلمين
ثم نادى على المنادي وقال له انطلق في المدينة وخبرهم لا تتعجلوا على أولادكم في الفطام؛ كل مولود يولد في هذه الأمة له مال من مال الدولة، ليس لأطفال المسلين فقط بل ولغير المسلمين أيضًا، فقال اكتبوها وانشروها في كل مكان في الدولة المسلمة، فأرسلوها إلى العراق ولم يكونوا مسلمين، وإلى أقباط مصر، والله لا يبكي الأطفال ويُقتل الأطفال بسبب عمر.
مفتاح العتق في ليلة القدر هو تقوى الله.
قصة أخرى من قصص تقوى عمر بن الخطاب
من الطرائف التي مرت على سيدنا عمر بن الخطاب أنه كان يتفقد رعيته كعادته في الطرقات فأتاه رجلً من الأعراب مناديا عليه بالشعر:
أي عمر الخير جزيت الجنة ... أكسو بناتي وأمهن ..أقسم باللهِ لتفعلنَّ
فرد عمر ممازحًا: وإن لم أفعل ماذا سيحدث؟!
قال الرجل: إذًا يا أبا حفص سأمضين.
فرد عمر: وإذا مضيت فماذا يكون؟!
رد عليه الرجل: والله عنهن لتُسئلن .. يوم تساق إما إلى نارٍ وإما إلى جنة
فبكى وذهب عمر مسرعًا إلى بيته وعاد بملابسه وملابس زوجته وبناته وقال للرجل: هاك لعلي أساق إلى جنة.
· وكعادته في تفقده لرعيته، ليتفقد من منهم نام ومن لا يزال مستيقظًا، إذا به يمر على بيت يقرأ فيه رجل القرآن ومر بالآية الكريمة [إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ {7} مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ {8}] (الطور 7،8) فجلس مستمعًا للآيات باكيًا حتى أصبح لديه خطين أسودين أسفل عينيه من البكاء، فحملوه إلى بيته وظل هناك مريضًا لمدة أسبوع !! ولا يعلمون ما الذي أعياه إلى هذه الدرجة؟! وكان خوفه من هذه الآيات هو سبب مرضه!.
· قصة أخرى تشهد على تقوى عمر وورعه، تعودنا أن عمر يسير في الطرقات ليتفقد رعيته، وإذا به هذه المرة يسمع صوت رجل يجلس مخمورًا في بيته وينظم الشعر بصوتٍ عالٍ، فتسلق عمر سور بيت هذا الرجل وراقبه وهو يشرب الخمر
وقال له عمر: لقد سمعتك وأنت تشرب وتقول والله لأفعلن بك كذا وكذا يا عاصي!.
فرد عليه الرجل: إن كنت قد عصيت الله مرة ، فأنت يا عمر عصيت الله ثلاث مرات، تجسست علي ونهى الله عن التجسس، وتصورت علي المحراب ونها الله عن ذلك، ودخلت علي بيتي بغير إذن!.
فسكت عمر ثم قال: أكتم عنك وتكتم عني!!، كان رضي الله عنه يتقي الله حتى مع المخطئين!!.
في اليوم التالي كان سيدنا عمر في مجلسه وسط أصحابه وإذا بالرجل يمر، فقال سيدنا عمر إإتوني بهذا الرجل، فذهب أحدهم وعاد به، فقال الرجل في نفسه سيفضحني عمر!!
قال له عمر: إدنو إلي.. فاقترب الرجل من سيدنا عمر.
فقال له عمر مرة أخرى: إلي بإذنك.. فقرب الرجل أذنه لسيدنا عمر.. فهمس له سيدنا عمر: والله إني لم أخبر أحدًا عما كان.
فقال الرجل: أعطني أذنك يا أمير المؤمنين، ووالله أقسمت على ألا أعود لشرب الخمر.
فصاح عمر: الله أكبر الله أكبر!!.
لم يعلم الحاضرين في هذا المجلس لماذا يكبر عمر ابن الخطاب، هل تعلمون من روى هذه القصة؟! إنه هو نفسه ذلك الرجل، رواها بعد وفاة عمر ابن الخطاب رضي الله عنه.
انتهيت من سرد قص عُمر بن الخطاب لليوم، فهل انتهيت أنت من إعداد نفسك وتهئة قلبك لتقوى الله بمعناها الحقيقي؟ إن كنت تريد أن تنال العتق حقًا في ليلة القدر فعليك بتقوى الله ولنا في عمر ابن الخطاب قدوة حسنة.. عمر ذلك الصحابي الجليل الذي عرف عنه قوته وشجاعته وقيادته الحاسمة، هل كنت تتخيل أن قلبه بهذه الرقة والصحوة والانتباه لأخطائه وهفواته؟ هل كنت تتوقع أنه يقبل اللوم والتوبيخ من رعيته؟! بل ويناشدهم القصاص منه في الدنيا ويلح عليهم في ذلك!! يحكى عنه أنه حين كان يصلي بالناس ويقرأ سورة يوسف حتى يصل للأية الكريمة [...إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ...] {يوسف:86} يجهش في البكاء وذلك في كل مرة يصلي فيها ويقرأ هذه السورة المباركة.. هذه هي التقوى أن تكون قوي في حدود الله وحي القلب وتواب منيب لا تقبل أن تمس حقوق غيرك أو أن تظلمهم حتى لو كان ذلك عن طريق الخطأ، بل تسرع لهم لترد مظلمتهم عندك.
قام بتحريرها: قافلة التفريغ والإعداد بدار الترجمة
Daraltarjama.com©جميع حقوق النشر محفوظة
يمكن نشر ونسخ هذه المقالة بلا أي قيود إذا كأنت للاستخدام الشخصي وطالما تم ذكر المصدر الأصلي لها أما في حالة أي أغراض أخرى فيجب أن يتم الحصول على موافقة كتابية مسبقة من إدارة الموقع
للاستعلام management*daraltarjama.com