بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أهلا بكم في حلقه جديدة من برنامج الجنة في بيوتنا.
أي مؤسسة في هذه الدنيا عندما تطلب من الأشخاص الذين يعملون فيها أن يحققوا إنجازا معينا، وتحشد له كل الطاقات في هذه المؤسسة تقول الهدف؛ أي إذا كنتم تريدون أن تكافئوا ونكون راضيين عنكم، لابد من تحقيق الهدف، إذا تحقق الهدف إذن فقد نجحتم، ونشكركم، ولكم مكافأة، ولكن إذا لم يتحقق الهدف مع بذلكم للمجهود؛ إذن لم يتحقق الهدف؛ لأنكم لم تذهبوا للهدف، فعندما أمرنا الله تبارك وتعالى بصيام رمضان على مدار هذا العمر ومدار هذه السنين لمدة ثلاثين يوما كان لهدف، والهدف هذا موجود، وعندما شرع لنا الله - تبارك وتعالى- الصيام ذكره لنا، كما في قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ-لما؟- لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (البقرة:183).
الهدف التقوى:
انظر إلى نفسك قبل رمضان وبعد رمضان، إذا رأيت نفسك دون تغيير فيا خسارة ، أما إذا رأيت أخلاقك وقد تحسنت، علاقتك بالآخرين: علاقتك بزوجتك وأخلاقياتك معها، وعلاقتك بزوجك وإرضائك له، وعلاقاتك بأبيك، وعلاقاتك بأخواتك ود واحترام، علاقات مقطعة في العائلة اتصلت، بهذا تكون قد حققت الهدف. هذا الفرق الواضح يبينه صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يقول: (رُب صائم حظُه من صومه الجوع والعطش)، وفي حديث آخر يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور- وقول الزور كل انحراف في الكلام والأفعال- فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)، ولذلك إذا كنت تريد أن تعلم إذا كنت قُبلت أم لا؟ انظر لنفسك أول أسبوعين بعد رمضان. يا ترى من المقبول فنهنئه؟ ومن الذي لم يقبل؟ فنقول له عظم الله أجرك، يظهر هذا في تعاملات الأسرة مع بعضها البعض، هذا كان يؤذي زوجته فأصبح لا يؤذيها، وهذه كانت لا تسمع كلام زوجها لكنها الآن ترضيه، وهذا كان لا يعير اهتماما لأبيه وأمه والآن يبرهم، فإذا حدث كل هذا، إذن فقد صمت، إذن قُبلت إن شاء الله أعتقت، وإذا أعتقت فقد قبلني في ليلة القدر، والنتيجة ستكون أن خيرك غالبا على شرك؛ لأنك أصبحت من المتقين، وأن طاعتك غالبة على معصيتك لأنك أصبحت من المتقين، وأن أخلاقك الحسنة غالبة على أخلاقك السيئة؛ لأنك أصبحت من المتقين، وأن معاملاتك مع أهلك أصبحت أفضل بكثير بعد رمضان لأنك أصبحت من المتقين.
قيمة التقوى:
التقوى غالية عند الله عز وجل، بعض الأشخاص يهتمون بالمظهر الخارجي، ولكن (التقوى هاهنا - وأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدره-)، ولهذا التقوى غالية، لذا هذه جائزة رمضان، وفي الحديث الشريف (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)، ولكننا في هذه الأوقات نجد من يفتن المسلمين بحسن دينه وسوء خلقه، ولذلك فإن المتقي غالٍ عند الله عز وجل وفي معيته. انظر إلى رضا الله عز وجل لهم، أولا: يعلمهم شيئًا لا يعلمه لغيرهم كما في قوله تعالى: "... وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ..."(البقرة: 282)، ثانيا: في معية الله عزوجل، كما في قوله تعالى: "... وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ"(البقرة:194)، إذا أردت أن تطمئن كما في قوله تعالى: "... فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ"(لأعراف:35)، والتبشير بالجنة كما في قوله تعالى: "تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً"(مريم:63)، والمتقين وفد الرحمن كما في قوله تعالى: (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً) (مريم:85)، وإذا أردت أن يزداد رزقك فعليك بالتقوى كما في قوله تعالى: "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ..."(الأعراف:96).
علاقة التقوى بالأسرة:
علاقات المنزل هي أكبر اختبار لتقواك؛ لأن هذا هو المحك فأنت تستطيع أن تتزين خارج المنزل، ولكن لا تستطيع داخله، والاختبار تراه مثلاً، أنك لم تعد تؤذي زوجتك ولا تعايرها بكلام جارح، وأصبحت أبًا قدوة لولدك، فهذه من علامات التقوى، وأنني أصبحت من المتقين؛ لأن أعظم التقوى تقوى المنازل، ولأنه للأسف قد اكتفى بعض المسلمين في هذا الوقت بالمظاهر والشكل الخارجي، وهذا كان فهم للتقوى ولرضا الله عزوجل، ربما لأن المظاهر أسهل، ولكن الحقيقة هي إذا دخلت البيوت التي هي نتاج التقوى، والدليل على ذلك تجد رجلاً يصلي في المسجد منذ ستين عاما، ولكنه في الوصية لم يضع للبنت ميراثا، وأعطى للذكور لكي لا يأخذه رجل غريب، هل هذه تقوى؟ والأخوة في الصعيد أو الأماكن الريفية الذين يمنعون البنت من الميراث، ويقولون لها هذا معنا إذا أردت شيئا خذيه منا لكنّا لن نعطي لك شيئا، هذا لأنهم خائفون أن يذهب المال لرجل غريب، في شرع مَن هذا الكلام؟ وأين التقوى هاهنا؟ والذي يؤذي زوجته ويهينها ويجلس يصلي ويبكي، والذي يخون زوجته، هل ممكن أن نتحدث بعد رمضان عن التقوى؟ وهل تقول سيدة وتستطيع أن تقول أنها قبُلت وقد غدرت بزوجها؟ وهل من الممكن للفتاة -لا تزال على علاقة بعد رمضان بشاب- تخفي على أبيها وأمها وتخدعهما، هل تظن أنها قبُلت؟
انظر إلى تعاملي مع أبي، حتى وإن كان أبوك وأمك قد ماتا هل أدعو لهما أم لا؟ حتى وإن كنت في بلد أخرى هل أسأل عليهما؟ هذه الأشياء الجميلة من دلائل التقوى والقبول.
بيتك محك التقوى:
هناك جزء في القرآن يسمى جزء "قَدْ سَمِعَ..." (المجادلة:1)، يبدأ هذا الجزء بقوله تعالى: "قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ" (المجادلة:1)، وقد بدأ الله سبحانه وتعالى هذا الجزء بـ "قَدْ سَمِعَ اللَّهُ..."؛ لأن كل ما تفعله في بيتك "قَدْ سَمِعَ اللَّهُ..."، أي بدأت بقضية أسرية، أي ستضربها "قَدْ سَمِعَ اللَّهُ..."؟ ستخون "قَدْ سَمِعَ اللَّهُ..."؟ ستسخرِ من أبيك مع أختك "قَدْ سَمِعَ اللَّهُ..."؟ وتتصل بك أمك عشرات المرات لكي ترد عليها وأنت لا ترد عليها بل وتسخر أنت وأصدقائك "قَدْ سَمِعَ اللَّهُ..."؟ وأنتم يا شباب، تسبوا بعضكم البعض بسب الرجل أباه وأمه "قَدْ سَمِعَ اللَّهُ..."؟ و بداية التقوى أن الله سبحانه وتعالى مستمع لكل شئ في بيتك.
يربط القرآن في كثير من الأحيان قضية التقوى بالعلاقات الأسرية؛ لأنك من الممكن أن تتجمل في مكان ولكن تستطيع أن تتجمل داخل منزلك، والدليل على هذا أن عالم اجتماع أمريكي أسلم بسبب كلمات زوجات النبي صلى الله عليه وسلم عنه، فقال إن نبي المسلمين يقول: (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)، وكان متزوجا من تسع نساء، عشن معه لحظة بلحظة، ولم تقل واحدة منهن شيئا ينقص من مروءته، أو شهامته، أو من خلقه، أو من الرجولة، أو من الاحترام للمرأة، (ما ضرب رسول الله امرأة قط)، ويسمع هذا الرجل السيدة خديجة عندما قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (كلا والله لن يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق)، فقال: "رجل كهذا رجل صادق"، وقد علم أن هذا الإنسان صلى الله عليه وسلم صادق؛ لأنه كان يقول إنه إذا كنت تريد أن تعرف أي شخص حقا، فانظر إليه في بيته، ولهذا إذا كنت تريد أن تقيس تقواك انظر إلى نفسك داخل بيتك، انظر إلى قوله تعالى: "أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ..."(النساء:1) فقد جعل تقوى الأرحام ملازمة لتقواه، ووضعهم مع بعضهم البعض في أول يوم لبدء الخليقة، وهناك سورة في القرآن عدد آياتها قليل جدا وهي سورة الطلاق يذكر فيها التقوى أربع مرات، هذا يعني أنكم إذا اتقيتم الله في بيوتكم سوف يقل الطلاق، وإذا اتقيتم الله بعد الطلاق يقل الخلاف بينكم أمام أولادكم، وفي السورة آية تتحدث عن العلاقات الأسرية، وآية تتحدث عن التقوى، وأن الله تبارك وتعالى يعد من يتقي الله داخل بيته بعدة أشياء داخل هذه السورة، (فرجًا، ومخرجا، ويسرا، وتكفير الذنوب، وتعظيم الأجر) كما قال تعالى: "... وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً"(الطلاق:2)، "وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ..."(الطلاق:3)، ثم تأتي بعد ذلك تقول الآية: "...وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً"(الطلاق:4)، ثم تأتي الآية التي تليها كما في قوله تعالى: "...وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً"(الطلاق:5)، أي تأخذ ثوابا مضاعفا.
أمثلة عن المتقين:
هذه القصة من القصص التي تأثرت بها جدا، وهي أن امرأة علمت أن زوجها تزوج عليها، واستشاطت غضبا ولكنها كتمت هذا الغضب، ووجدت أنه من الأنسب ألا تواجهه، ولكن زوجها مات، وفعلت شيئا في منتهى التقوى، عندما قاموا بتقسيم الميراث، حفظت ميراث امرأة زوجها وأرسلته لها، ولكن الأقوى والأجمل أن هذه السيدة أعادت إليها المال، وقالت لها لقد طلقني قبل موته بأسبوع، ولم تأخذ المال.
قصة أخرى، أن هناك شاب عندما تم توزيع الميراث كان له ولأخته ولأمه، وأخته امرأة ثرية وزوجها رجل ثري، وبقي بيت العائلة في النهاية بعد توزيع التركة ، والذي كان يعيش فيه الأب والأم، والآن يعيش في هذا البيت أخوها وأمها، ولكن البنت أصرت أن تأخذ نصيبها في المنزل، في حين إنها لو أخذت نصيبها من المنزل فلن يوجد مأوى للأم، والبنت تعيش عيشة مرفهة، بينما قال أخوها لن أكسر قلب أمي أبدا، فقد أخفى على أمه ولم يبع المنزل، ولكنه قيم المنزل، وأعطى لها نصيبها، وراح يقترض نقودا من تقواه لأمه، وأعطاها مالها، وظل يسدد لمدة ست سنوات، مجروحا من أخته والدين الذي على عاتقه، ولكن يظل بيت العائلة، وتظل أمه معززة مكرمة في منزلها.
قصة أخرى، أن شابا توفي والده، وكان له زوجة أب، وهو يعيش في المدينة المنورة منذ اثنتي عشرة سنة، منذ وفاة والده، وهو يبعث مرتبا لزوجة أبيه شهريا طوال هذه السنين، وهذا من تقواه ومن إكرامه لوالده.
قصة أخرى، كان هناك فتاة على علاقة بشاب دون علم والدها، وعندما قرأت الحديث الذي يقول: (يرفع لكل غادر يوم القيامة لواء مكتوبا عليه هذه غدرة فلان، يوم يجمع الأولين والآخرين على رؤوس الأشهاد)، تقول لن أستطيع أن أنظر إلى وجه أبي وأنا أخدعه، وتركت الشاب، ولكن ليس لأن أمرها كشف، ولكنها تقوى لله عزوجل.
قصه أخرى، أعرف طبيبا يدعى "أشرف سعد"، تزوج والده بعد ما توفيت والدته بامرأة أخرى لديها أربع بنات، وقد عاش معهم فترة طويلة من الزمن، وتوفي والده، وأنه إلى اليوم هو الذي يجمع البنات، ويجمع عائلة زوجة أبيه، إكراما لأبيه، وإكراما لزوجة أبيه التي ربته.
قصه أخرى، هي أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما ماتت السيدة "فاطمة بنت أسد"، زوجة عمه التي ربته وهو طفل صغير، بينما يبلغ من العمر سبع سنين، لم ينس جميلها لمدة خمسين عاما، وعندما ماتت في المدينة، قال لهم: لا تدفنوها حتى أنزل في قبرها، ونام عليه الصلاة والسلام في قبرها، وصعد بعد ذلك وظل يدعو لها، وخلع عباءته الشريفة صلى الله عليه وسلم وكفنها بها، وأخذ يدعو ويقول: اشهد يا رب، أن هذه المرأة قد آوتني في يوم من الأيام.
الإسلام يا إخواني والتقوى هي التي تراها في بيوتهم وكيف يتعاملون مع ذويهم؟ وتعرف معالم الناس جيدا داخل بيوتهم، هذه الحلقة شاهدة علينا بعد رمضان بأن تجعلنا من المتقين.
المصدر: http://www.amrkhaled.net/articles/articles2783.html