بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، ونستمر معكم في قواعد التآلف الأسري، ونتناول في كل حلقة قاعدة من القواعد، والهدف ليس حل مشاكل العائلة، ولكن وضع أساس للبناء عليه في صورة قواعد سهلة وبسيطة، ولكنها هامة وأساسية. قواعد نتعرف ونتفق عليها قبل استكمال الجزء الثاني من البرنامج بعد رمضان، والقواعد كلها والحلقات موجودة على موقعنا على الإنترنت.
ولقد بدأنا في الحلقة السابقة حديثا موجها للشباب بشدة، وسنتابعه في حلقة اليوم التي أخترنا لها عنوانا هو: " اختيار الصاحب الصالح"، ومازلنا نقول اختر الصاحب الصالح؛ لأن ذلك سيؤثر على مستقبلك، وعلى علاقتك بأهلك، وعلاقتك بربك. وسنتكلم عن هذا بالتفصيل في حلقة اليوم، وقلنا إن الأصحاب ثلاثة: صاحب يدفع إلى الفساد، وصاحب سلبي لا يدفع للفساد ولا للخير فهو غافل سرحان، وصاحب صالح يتوفر فيه ثلاث مميزات، ومهتم بمستقبله، ومهتم بعلاقته بأهله ويحترمهم، ومهتم بعلاقته بربه ويحاول أن يرضيه، وهذا الأخير هو ما يجب أن تبحث عنه.
والعجيب أن حتى الأنبياء كانوا يحرصون على الصحبة الصالحة. فعندما كلف الله سبحانه وتعالى النبي – صلى الله عليه وسلم – بالرسالة ، أهدى له في البداية صاحبا اسمه "أبو بكر"، وفي الآية الجميلة: "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ" (سورة الكهف الآية 28) أرأيتم يا شباب هذه الآية؟ أي ابقَ مع هذه الصحبة، وابحث عنهم، واصبر على صحبتهم، وانظر إلى من يوجه الحديث: إلى الرسول– صلى الله عليه وسلم – "وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا" (سورة الكهف الآية 28) . يقول الله لسيدنا موسى: "اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى" ( سورة طه الآية 24).
هل تريد أن تكون صاحب رسالة كبيرة مثل سيدنا موسى؟ هل تحلم بالإصلاح في الأرض وأن تعمل في نهضة بلادنا؟ أنت بحاجة لشيء آخر- "وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي . هَارُونَ أَخِي. اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي. وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي . كََيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا. وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا" (سورة طه الآيات 29-34).
وإذا كنت قد ذكرت أن هناك ثلاثة أنواع من الأصحاب، إذن ماذا يجب أن تفعله مع كل نوع؟ فأما صاحب السوء فلا بد أن تتركه، حتى وإن كان صديقك، ابعد خطوة، وليس هناك مانع أن تبقي العلاقة على فترات متباعدة عن طريق التليفون، أو السؤال عليه لكن لو اقتربت ستضيع ولن تنقذهم. ربما إذا ابتعدت وكوّنت صحبة صالحة، تعود إليهم مرة أخرى وتكونوا صحبة واحدة صالحة، ولقد رأيت هذا يحدث فعلاً على أرض الواقع، فلقد مررت بمواقف مماثلة في حياتي: بعدت عن صُحبتي، وكوّنت صحبة ورجعت إليها ثانيةً بعد
أن أصبحت شيئا آخر. لكن مادمت بداخلها لن تقدر، ولقد سألتك من قبل:" قل لى من أصدقاؤك أقل لك ستتوب أم لا؟ وأنتِ سترتدين الحجاب أم لا؟ أما السلبي الغافل فحافظ عليه، لكنك ستحتاج دائما لصديق صالح يساعدك عليه، فعندما يجد هذا الغافل أمامه صديقين صالحين سيتأثر بهما، ولا تقطع العلاقة.
وبالمناسبة، ليست هذه الحلقة دعوة للانعزال عن أصدقائك مثلما يفعل بعض الأهالى، ولكنني فقط أقترح عليك أن تأخذ خطوة البداية، أن تتمسك بصاحب صالح، وأن تدعو الله أن يرزقك به. انظر إلى القرآن عندما يتكلم عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر:" إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ" (سورة التوبة الآية 40) حتى في رحلة الإسراء والمعراج لم يذهب الرسول بمفرده ولكن كان معه سيدنا جبريل، فليس هناك شيء في الإسلام اسمه (أنا بمفردي)، وانظر إلى الآية الكريمة تقول: "وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا" (سورة الزمر الآية 73) أي لن يدخل الجنةَ أحد بمفرده، كل شخص أحَب الآخر في الدنيا سيمسك بيده ويدخلان الجنة، و"زمرا" تعنى جماعات،ً كل مجموعة اجتهدت مع بعضها البعض في الدنيا وأحبت بعضها البعض ستدخل الجنة مع سويا، فنحن جميعا نحتاج إلى صحبة صالحة، آسف حين أقول أن بلادنا أيضا تحتاج إليها وكذلك مجتمعنا.
فانظر إلى أول ما فعله النبي – صلى الله عليه وسلم – في المدينة، لقد آخى بين المهاجرين والأنصار، فأرسى بذلك أول دعامة لتأسيس مجتمع قوي مبني على التكافل، والمساعدة، والأخذ بيد الآخر، بل إنه- صلى الله عليه وسلم- كان يفعل الشيء نفسه في المجتمع المكي بين المؤمنين وبعضهم، فكانت مكة تسير بالنظام نفسه: المساعدة والمؤاخاة بين كل اثنين، وكان النبي يحرص على أن يُآخي بين اثنين ينتميان إلى طبقات اجتماعية متقاربة كي لا يحدث نفور، فانظر إلى طريقة الإسلام وطريقة النبي واحرص أنت أيضا على الشيء نفسه.
حقاًّ أن الإسلام دين عظيم! فقد أحاطك بدوائر تحافظ عليك: فهناك دائرة الأسرة متمثلة في الأب والأم، ودائرة أوسع اسمها العائلة، ثم دائرة أوسع اسمها الأصدقاء، أحضان وراء أحضان تحافظ عليك. هل تتخيل أن الصحابة في أوائل العهد المدني كانوا يرثون بعضهم بعضا لمدة عامين ونصف حتى بعد غزوة بدر عندما نزلت الآية:" وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ " ( سورة الأنفال الآية 75 ).
أين ستجد هذا الصاحب؟ ستجده في الأماكن التي ترتادها نفسها، وكما نجحت في التعرف على الصاحب السيء، ستبحث عن الصاحب الذي يأخذ بيدك وستصل إليه إن شاء الله في أي مكان: في المدرسة، في المسجد - خاصة في رمضان-، في النادي، في الأماكن التي تتواجد فيها وأدعو الله أن يرزقك إياه، وإن لم تجده فانظر إلى أصحابك الحميمين المعتدلين،أو أحد أقاربك : ابن العم، أو ابن الخال. ما رأيك في أن تتعاهدوا على أن تُكوَََّنوا صحبة صالحة وتتآخوا؟ وتتنزل الآيات :" إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ..." ( سورة الحجرات الآية 10)، "وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا..."( سورة آل عمران الآية 103)، والإخاء يعني صحبة صالحة وعمل شيء لبلادنا ولمستقبلنا وعائلاتنا وعلاقتنا بربنا "وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ..." (سورة الأنفال الآية 63 )، كأنه سبحانه وتعالى يقولإن هذه النعمة أغلى من نعمة المال. نعمة بأن يجعلك تتآخى مع شخص آخر لتتعاونوا سويا وتصلحوا في الأرض. وهكذا يكون الهدف من الحلقة سأبحث عن الصديق الصالح فإن لم أجده فسأبحث في أقاربي أو جيراني، وسنعمل معا شيئا مفيدا للعمارة، أو العائلة، أو للتقرب من الله: نستيقظ معا لصلاة الفجر، ونقرأ القرآن معا، ونذكر الله سويا.
ثمة نقطة أخرى مهمة جدا، فقد خلق الله بداخلنا عاطفة، وعندما نزل الإسلام على الرسول – صلى الله عليه وسلم- كانت هذه العاطفة موجودة ولكنها انصرفت في صور الأخوة بين المسلمين للبناء والإصلاح، فجاء الشيطان وزيّن تفريغ هذه العاطفة في صورة واحدة وهي الحب خارج مؤسسة الزواج، فانظر إلى مئات الأفلام ،والمسلسلات، والأغاني التي تتحدث عن هذا الموضوع، وكأن لا يوجد في الدنيا علاقة تبنى غير هذه العلاقة. لكن الله وضع لك بديلاً يبني ويعمر: بديل الأخذ بيد من حولك من أصدقائك.
ولقد أعطى لنا النبي أحاديث كثيرة عن الأخوة في الله، منها (إن حول العرش يوم القيامة منابر من نور عليها قوم لباسهم نور ووجوهم نور ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء، فقال الصحابة: صفهم لنا يا رسول الله. قال: (قوم تحابوا في الله اجتمعوا على طاعة الله وتفرقوا على طاعة الله) انظر كيف يحفزك النبي للبحث عن الأخ في الله؟ فهيا ابدأ في البحث عنه من اليوم، وهناك حديث قدسي يقول الله عز وجلّ: "وجبت محبتي للمتحابين فيّ، ووجبت محبتي للمتجالسين فيّ، ووجبت محبتي للمتزاورين فيّ "انظر إلى الفرق بين ما يدعو إليه الصديق الفاسد وما يدعو إليه الصديق الصالح. هناك أشياء أخرى في الدنيا غير الفساد والمعاصي، في أي مجموعة تحب أن تكون؟ استمع إلى الحديث التالي: "ينادي الله تبارك وتعالى يوم القيامة أين المتحابين بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لاظل إلا ظلي" انظر إلى الثواب الذي يعرضه النبي عليك، لماذا؟ لأن الصحبة مثل الأسمنت الذي يحافظ على الشخص والمجتمع من الوقوع. يا آباء ويا أمهات، نحن نحتاج لهذه الأخوة فادعوا لأبنائكم بذلك، وإن وجدت شخصا صالحا ادفعه إلى طريق ابنك دون ما أن ترغمه على ذلك. وأنتم يا شباب، في أمس الحاجة إلى ذلك، فحديث النبي- صلى الله عليه وسلم-: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله – منهم – رجلان - أو امرأتان - تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه"، وليس معنى ذلك أنهم منغلقين، بل سيخرجون ويستمتعون ولكن في النهاية لديهم هدف واحد: نطيع الله سويا.
والحديث الآخر :"ما تحابا اثنان في الله إلا كانا أحبهما إلى الله أشدهما حبا لصاحبه" انظر إلى التنافس في حب الله والقرب منه، "إذا التقى الأخوان فسلم أحدهما على الآخر تتساقط عنهم الخطايا كما يسقط ورق الشجر في الشتاء"، " من آخى أخا في الله رفعه الله درجة في الجنة لا ينالها بشيء من عمله" فتخيل معي إذا كان عندك خمسة أصدقاء صالحين، فبخمس درجات وهكذا، ولكن دعنا نكون واقعيين، يكفيك الآن واحدا فقط. قال عمر بن الخطاب: "إذا وجد أحدكم من أخيه ودا فليتمسك به فقلما يصيب ذلك".
هل نجحت في تشويقكم يا شباب؟ ابدأ في البحث وستجد النعمة وابعد عن المعاصي وارضِ الله وارضِ الأهل وستتغير؛ كلنا تغيرنا بهذه الطريقة، هذه هي سنة الحياة. يقول النبي أيضا:" المرء يُحشر مع من أحب" فما فرح أصحاب النبي بحديث كهذا الحديث، تخيل أنت مع من ستحشر؟ ممسكا بيد من؟ دخل النبي _صلى الله عليه وسلم_ المسجد فقال: "أين أبو بكر؟" فأخذ بيده، ثم قال: "أين عمر؟" فأخذ بيده، ثم قام النبي وأخذهما ورفع أيديهما وقال: "هكذا نُبعث يوم القيامة" هل شعرت الآن بمعنى الأخوة؟ هل اشتقت إليها؟ هل ذقتها من قبل؟ هل ستحزن عندما تراجع قائمة أصحابك، أم ستفرح، أم ستغيرها؟ هناك حديث آخر لرسول الله: "أتدرون ما أوثق عرى الإيمان، فقال رجل: الصلاة يا رسول الله، قال: هي حسنة ولكن ليست هي، قال رجل : الزكاة يا رسول الله، قال: هي حسنة ولكن ليست هي، فقالوا لا ندري يا رسول الله، قال: الأخوة في الله"، ولقد فهم عبد الله بن عمر بن الخطاب ذلك فقال: "والله لو صمت النهار لا أفطره، وقمت الليل لا أنامه، وأنفقت مالي كله في سبيل الله أموت يوم أموت وليس في حياتي حب لأهل طاعة الله ما نفعني ذلك شيء"، هل تريد أن تذوق حلاوة الإيمان؟ هل تريد أن تذوق حلاوة الإسلام ورمضان والقيام والصيام؟ هل تريد أن تشعر بالفخر بإيمانك؟ اجعل في حياتك صديقا صالحا.
في النهاية، هذا جزء من أحاديث الرسول لم أستطع أن أرويها كلها لكثرتها في هذا الشأن، ولكن انظر إلى الهدايا والثواب: درجات في الجنة، منابر من نور، ظل عرش الرحمن، محبة الله، حلاوة الإيمان، أوثق عرى الإيمان؛ لأن الأخوة في الله أغلى شيء لا تضيّع الإنسان. من ينوي الآن أن يبحث ويتفق على أن يحول الصداقة إلى أخوة في الله؟ وستجدون على الموقع الكثير من الأفكار لتساعدكم على الحفاظ على هذه الأخوة.
تقبل الله منا ومنكم وأعانكم الله يا شباب بصحبة صالحة.
دار الترجمة
http://amrkhaled.net/newsite/articles1.php?articleID=NDkwOQ==&id=4909