بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين.. ما زلنا مستمرين في تفسير ما معنى الحضارة، كيف نتفوق وننجح ونزيد للبشرية ونحن ما نزال في قاع الأمم، لا بد أن ننهض حتى نقابل النبي صلى الله عليه وسلم ونخبره بأننا قمنا بإكمال ما بدأه فهو الذي أسس الحضارة ووضع بذورها. نريد أن نبني هذه الحضارة لذلك تجدنا دائما ومن خلال سرد أحداث قصة عمر نتحدث عن الحضارة بشكل تستطيع أن تستوعبها جيداً فعندما نقول لك شروط صانع الحضارة لابد أن تتوفر فيه سبعة شروط فقمنا بإعداد سبع حلقات من قصة عمر تحدثنا عن صفات عديدة لتحقيقها منها التميز، المرونة، سرعة التحرك، الإخلاص لهذه الفكرة، جامع فكرة الإنسانية هذا بالنسبة لصانع الحضارة، أما لمن يريد تنفيذها فهناك أيضاً خمسة شروط فقمنا بعمل خمس حلقات تحدثنا عن جيل ينتمي للفكرة، عن تكامل الطاقات وإسعاد البشر وتجمع الطاقات دون اقصاءات للبشر وتحدثنا أيضاً عن دور المرأة وكل ذلك من خلال سرد أحداث قصة عمر.
من اليوم سنبدأ بسلسلة جديدة حتى تقوم وتنهض هذه الحضارة وتستمر وتتفوق تحتاج أيضاً لصفات أخرى كثيرة.. فكأننا قدمنا لكم وجبة دسمة نشرح فيها الأسس التي نحتاجها لصنع هذ الحضارة ممزوجة بقصة كلنا نحبها: عمر بن الخطاب
أنا لست هنا لسرد قصة ولكن هدفي من يسمع هذا البرنامج أنه سيقلد وسيتواصل معي حتى نبني حضارة ونصنع حياة.
ما أخبار الأخلاق معنا في رمضان؟ إياك أن تكون صائم وتشتم هذا وتسخر من هذا، أو تأخذ رشوة، أو تسيء معاملة والديك. حضارة من غير منظومة قيم وأخلاق ستقع كمنزل ليس له أعمدة لن يصمد وسيقع. عمر بن الخطاب عظيم يدرك ذلك ويعلم أنه لا بد أن تتوفر من هذه الأخلاق خمسة: التواضع،الانتاج لا للاستهلاك، حضارة فيها بساطة إنتاج وليس استهلاك وهناك قيماً أخرى يريد أن يغرسها في جنوده التي تنشتر في بقاع الأرض : الستر، الكرامة، الوفاء الإنسانية حتى تستمر الحضارة .
اليوم سنتحرك مع عمر في مختلف أنحاء البلاد..
عمر يعلم أن الحضارة تبنى على الأخلاق.. فإن أردنا أن ننهض ونعمل حضارة فالأساس الأخلاق ومهما كان هناك بذلاً في الجهد والمال لن تتحقق هذه الحضارة عمر يريد أن يرسل رسالة للفرس والروم ليعلمهم بأنه تحكمنا منظومة أخلاقية نحن لسنا قوة عسكرية فيجد أن أحسن حل إرسال وفد من المسلمين من 14 شخصاً انتقاهم عمر انتقاءً فيهم شباب فيهم شيوخ فيهم صحابة وتابعين فيهم المغيرة ابن شعبة الصحابي والنعمان بن مقرن وفيهم الربعي بن عامر، فيهم ابن سهيل ابن عمر خطيب قريش وهو شاب صغير وعدي بن سهيل ويقول لهم كلمة جميلة جداً : إننا لا نغلب أعداءنا بعدد و لا عُدة ولكن نغلبهم بهذا الدين وهذا الخلق فإذا استوينا نحن وأعداءنا في المعاصي كانت الغلبة لهم بعددهم وعدتهم أبلغوهم ذلك حدثوهم عن الإسلام حدثوهم عن أخلاق المسلمين أظهروا بساطة المسلمين ولا تبالغوا في الترف مثلهم فتستووا معهم.. حضارتهم قائمة على الترف وحضارتنا قائمة على البساطة...
تعالوا معنا نرى ماذا سيفعل هؤلاء الأربعة عشر الحاملين لرسالة عمر المتوجهين إلى بلاد فارس في العراق لمقابلة كسرى يدعونه إلى الله.. من هؤلاء من يتكلم الفارسية، منهم من جاء إلى كسرى من قبل، منهم من اشترى وباع في بلاد فارس ، منهم الذكي العميق الذي يلم بمستلزماتهم العسكرية، منهم من يعرف لغة العيون... فعمر على دراية كاملة بجدارة هذه الوفود لمقابلة كسرى..
يذهب هؤلاء لمقابلة كسرى يحدثونه عن الدين فيتهجم عليهم فيقول لهم من أنتم فيردون عليه: بعثنا الله لنهدي الناس بالأخلاق... ويقف كسرى ويصل إلى قمة الجبروت يسألهم عن أشرفهم من بينهم فيقولون النعمان بن المقرن ، فيقول هاتوا التراب وضعوه على ظهر النعمان يخرج إلى المدائن ويرجع هكذا حتى يصل إلى عمر فيبتسم النعمان ويقول: سنرث هذا التراب.. فيشاء الله أن تكون آخر معركة مع الفرس أرسله عمر حين قال يكون النعمان بن المقرن قائداً ألم يضعوا التراب على ظهره يكون قائداً فيها فانتصر.
هذه كانت أول مجموعة أرسلها عمر بن الخطاب وعادت بمعلومات كثيرة عن الوضع في بلاد الفرس وعن كسرى.
سيقوم عمر بإرسال وفد آخر إلى الروم إلى ملكهم هرقل، سيرسل له عمر أعظم الصحابة خلقاً وتواضعاً وبساطةً وعلماً وفهماً: معاذ بن جبل كان شاباً في الثانية أو الثالثة والثلاثين من عمره ولكن عمر يعلم جيداً من هو معاذ بن جبل وكيف سيكون أثره في هرقل.
لنرى الآن كيف كانت هذه المقابلة : قاموا بفرش سجاجيد من حرير، ممرات طويلة من الأعمدة الرومانية، ترف وبذخ حتى إذا دخل معاذ يهتز وينبهر مما رأى.. يصل معاذ بن جبل يرتدي عباءة بسيطة ويمسك بحصانه فيمنعوه من الدخول بحصانه على السجاجيد فيرفض إلا أن يدخل بحصانه فيدخل ويصعد السلالم حتى يصل إلى هرقل الذي يأمر بوضع وسائد مصنوعة من الحرير لمعاذ ليتكئ عليها فقال معاذ: لا داعي ، يضع عباءته ويجلس عليها.. كان هرقل يراقب معاذ فوجد أنه لم يكترث بكل ما حوله من مظاهر الترف، من الجواري، الفضة، الذهب.. قال له هرقل : من أنتم، قال معاذ: نحن أمة تزرع ثم تأكل مما تزرع ثم تصنع ثم تأكل مما تصنع... عمر بن الخطاب كان قد أوصى معاذ بن جبل قال له: لا تنبهر بما سيفعلونه لك...
نحن أمة منتجة أو المفروض أن نكون فنحن جدنا معاذ بن جبل كان منتجاً، عمر بن الخطاب كان منتجاَ.. كفانا استهلاكاً وأن نكون جزءاً من حضارة أخرى، وقيم الحضارة الغربية أثرت علينا وجعلتنا نعيش مثلهم لذلك لا بد أن نبني حضارتنا ونتخلص من ظل إتباعنا حضارة أخرى وأن نكون منتجين لا مستهلكين فقط.
وقف هرقل أمام معاذ بن جبل وقال له: أنتم هكذاستملكون موطئ قدميَ هاتين..
يعود معاذ إلى عمر ويخبره بما حدث ويفرح بذلك.
متى نحن سنبني حضارتنا..؟ هناك كثير من الناس تطمع لتحقيق أهداف كبيرة لكن من يقوم بهذا ويتمتع بمنظومة من القيم والأخلاق ويحافظ عليها فما بالك بمن سيرسل جيوش كبيرة للعالم كله هل سيكون معه مجموعة من الأخلاق يتحرك بها؟ هذه عظمة عمر بن الخطاب.
على سبيل المثال شرحبيل بن الصمت قائد من قواد المسلمين في معركة من المعارك ضد الفرس جيشه يتحرك باتجاه أرض للفرس معروف عنها أن الفرس يشربون فيها الخمرة وفيها أيضاً الكثير من النساء.. فجمع جنوده وكتب لهم: إنكم تنزلون على أرض بها نساء وبها شراب.. خمر فمن فعل منكم شيء حرام فليأتنا لنطهره منها أي يقيم عليه الحد.
هنا نجد قيمة أخلاقية: بلغ عمر الموضوع فكتب إليه: لا أم لك أتعمد إلى قوم سترهم الله تبارك وتعالى فتطلب منهم أن يهتكوا ستر الله عليهم.. احفظ كرامة جنودك لا تفعل ذلك.. ويعمم القرار.
في أرض معركة وكان أبو موسى الأشعري قائد من قواد المسلمين يوزع الغنائم أعطى جندي من الجنود بعضاً من حقه، ولكن الجندي طالب بكامل حقه فرفض أبو موسى فحدث جدال بينهما عندها أمر أبوموسى الأشعري بحلق شعره، فقام الجندي ولمّ شعره في صرة وذهب إلى المدينة المنورة لمقابلة عمر بن الخطاب ونثر شعره أمامه قال له عمر ما هذا؟ فأخبره ما حدث معه. أرسل عمر إلى أبو موسى الأشعري قائلا: أأنت فعلت هذا . قال نعم أغضبني ففعلت فما كان من عمر بن الخطاب إلا أن لمَ الشعر وقال للرجل : خذه وخذ هذه الرسالة: من عمر بن الخطاب إلى أبو موسى الأشعري قائد المسلمين في معركة كذا وصاحب رسول صلى الله عليه وسلم، العدل عدل.. حلقت شعر الرجل إجلس إليه فإن كنت قد حلقت شعره في ملأ من الناس فدعه فليقتص منك في ملأ من الناس وإن كنت قد حلقت شعره بينك وبينه فاجلس إليه ليقتص منك بينك وبينه..
فعمر أعطى هذا الجندي الرسالة وقال له: إن رأيت أن تعفو فاعفو فإنه صاحب رسول الله. فقال الرجل أملك حقي الأول ثم أعفوا، قال لك أن تفعل ذلك.. فملك حقه أي أخذ باقي نصيبه من الغنائم ثم عفا.
هل رأينا كيف يتعامل عمر مع جنوده..؟ جندي تربى هكذا فلا بد أنه سيكون جندياً كريماً.
في معركة من المعارك قائد جيش وكان هناك نهر أمر أحد جنوده أن ينزل في هذا النهر حتى يرى كم يبلغ عمق هذا النهر فاختار رجلاً عجوزاً رفض أن ينزل خشية البرد ولكن القائد أصر فكان أن غرق هذا الجندي وكان آخر كلام له: واعمراه... واعمراه... علم عمر بالحادثة فأرسل لهذا القائد وقال له: أقتلت الرجل.. قال يا أمير المؤمنين ما تعمدت القتل ولكن كنت أريد أن أعرف عمق النهر.. وأراد هذا القائد أن يهون على أمير المؤمنين يخبره عن الإنجازات التي حققوها وعن انتصاراتهم وفتوحاتهم.. فقال له عمر: اسكت والله لرجل مسلم خير عندي من كل ما أنجرت.. ولولا أن تكون سُنة لقطعت رأسك.. اذهب فإن في قلبك لا توجد رحمة.. لا أوليك بعد ذلك قد عزلتك.
كم هو مكرم الإنسان وغالي عند عمر... كان يوزع الغنائم رأى واحداً من الجيش في وجهه جرح فقال له لعمر ما الذي في وجهك قال أصابتني ضربة سيف في معركة في فارس.. قال عدّوا له ألف درهم ثم رددها أربع مرات فالرجل استحى وأخذ هذه الأموال وانصرف.. فسال عنه قال عمر: أين الرجل. قالوا له استحى وانصرف.. قال: والله لو أعطيته كل ما معي من مال لفعلت، رجل ضرب في وجهه في سبيل الله من أجل بقاء المسلمين أفلا نكرمه..
كرم ونحافظ على كرامة الجنود هل نرى كل هذه الأخلاق الحربية، ما هذا الجيش الذي يتمتع بكل هذه الأخلاق أكثر من ذلك واحد من الذين كانوا يحاربون في إحدى المعارك ضد الفرس كان قد بترت قطعة من يده اليمين اسمه عمر بن طفيل بن عمر الدوسي ابن الصحابي الكبير الطفيل بن عمر الدوسي كان عمر قد دعاه لطعام فكان يجلس بعيداً خجلاً من يده فقال له عمر: أستحيت من يدك يا عمر.. قال نعم يا أمير المؤمنين قال والله لا آكل حتى تخلط يدك بالطعام فيكون فيه البركة فخلط يده بالطعام فوقف عمر بن الخطاب وقال أبشر يا عمر جزء من جسدك سبقك إلى الجنة فرفع يده وقال الآن أتيه على الناس بيدي.. ومات شهيداً بعد ذلك..
هل رأينا كم تعلمنا من عمر بن الخطاب..؟؟
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( توشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها قالوا: أمن قلة نحن يومئذ يارسول الله؟ قال: لا.. أنتم يومئذ كثير، ولكن غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله الهيبة من قلوب أعدائكم وليقذفن في قلوبكم الوهن. قيل: ما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت ).
عمر بن الخطاب كان يعرف جيداً أين تكمن المشكلة حضارة بدون قيم أخلاقية لن تكون حضارة ستقع سريعاً، عمر يعلم أن الحضارة حتى لو نهضت وانتصرت وكانت قوية ولكن دون القيم الأخلاقية لن تستمر. عنصر أساسي لاستمرار الحضارات الأخلاق.
هل علمنا لماذا عمر كان يهتم بالأخلاق في كل تصرف..؟ أنا أقول أن الوحيد في تاريخ البشرية وأسس امبراطورية من الشرق إلى الغرب تجمع بين الغنى الشديد لها ميزانية دولة تساوي ميزانيات دول كثيرة في ذلك الوقت ومع ذلك وضع قيم الأخلاق أساساً لها لم يقم أحد بهذا إلا أنت يا عمر بتربية النبي صلى الله عليه وسلم.
انظروا إلى المسجد النبوي.. هذا المكان ليس فقط للصلاة والصوم بل الأخلاق.. خذ النية أن تحافظ على أخلاقك في بيتك وأن تكون على خطى النبي صلى الله عليه وسلم وعلى خطى عُمر بن الخطاب.. تمسكوا بالأخلاق.
قام بتحريرها: قافلة التفريغ والإعداد بدار الترجمة
Daraltarjama.com©جميع حقوق النشر محفوظة
يمكن نشر ونسخ هذه المقالة بلا أي قيود إذا كأنت للاستخدام الشخصي وطالما تم ذكر المصدر الأصلي لها أما في حالة أي أغراض أخرى فيجب أن يتم الحصول على موافقة كتابية مسبقة من إدارة الموقع
للاستعلام:management*daraltarjama.com